للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


القرآن في الفونغراف

(س ٥٦) من صاحب الإمضاء في روسية
أرجو يا حضرة الأستاذ أن تفيدنا عن السؤال الآتي:
قد انفتح البحث بطرفنا في جواز استعمال القرآن في صندوق الفونوغراف
الذي حدث في هذا الزمان، وهل يعد قرآنًا؟ وهل إذا كان قرآنًا يجوز استعمال
الصندوق للقراءة، ويجوز سماعها منه؟
وعندنا في هذه المسألة فريقان يختصمان: فريق يحرمونه بالكلية، ويقولون:
إنه استعمال للقراءة في محل اللهو واللعب، وإن الصندوق لا يستعمل للعبادة،
وفريق يجوزونه والمحسوب من جملتهم؛ لأن أهل بلاد القزان محتاجون لإصلاح
قراءة القرآن الكريم بالأنغام العربية، ولا يتيسر لكل أحد منهم أن يذهب إلى مصر
أو الحجاز، حتى يتلقى من أفواه المشايخ، وإن قلنا بجواز استعماله كنا نتعلم ونأخذ
ما في الصندوق من الأنغام العربية المطربة والأصوات المدهشة، وكنا كأبي سلامة
الحجازي وغيره من القراء.
ولا شك أن استعماله بهذا القصد؛ يكون عبادة أفيدونا ولكم الأجر والثواب.
... ... ... ... ... ... ... ... أبوأديب حافظ حلمي
(ج) إذا كانت علة تحريم استعمال هذا الصندوق في القراءة؛ هي أنه
استعمال له في محل اللهو؛ فالتحريم غير ذاتي عندهم، ولا هو تحريم لإيداع
القرآن في ألواح هذه الآلة أو أسطواناتها ولا لإداراتها؛ لأجل أدائها للتلاوة، وإنما
تحريم لأجل هذا الأداء في محل اللهو واللعب الذي ينافي احترام القرآن، وإذا كان
الحكم يدور مع العلة، فيمكن أن يقال: بانتفاء الحرمة عند انتفاء تلك العلة والسماع
من الصندوق؛ لأجل العظة أو ضبط القراءة أو غير ذلك من المقاصد الصحيحة،
فإن قيل: إنه ينبغي القول بِاطِّرَاد الحرمة؛ لأجل سد ذريعة إهانة القرآن يمكن أن
يجاب بمنع كون هذه الإهانة محققة أو غالبة في استعمال المسلمين لهذه الآلة في
التلاوة، وعلى تقدير التسليم يقال: إن ما حُرِّمَ لسد الذريعة يباح للحاجة كإباحة رؤية
المرأة الأجنبية عند القائلين بتحريم رؤية وجهها؛ لسد ذريعة الفتنة إذا احتيج إلى
ذلك؛ لأجل توكيل أو شهادة، وجواز رؤية الطبيب لأي جزء من بدنها المحرم
إبداؤه بالإجماع لأجل المداواة، فالصواب أن استعمال هذه الآلة في التلاوة لا يحرم
إلا إذا كان فيه إخلال بالأدب الواجب في الاستعمال والسماع، والعمدة في ذلك النية
والعرف، وقد يكون مستحيًا إذا كان فيه عظة أو ضبط للقراءة، وربما كان واجبًا
كأن يتوقف عليه ضبط وحفظ ما تجب تلاوته في الصلاة كالفاتحة، وقد انتقدنا على
السائل تعبيره عن الأداء الصحيح والتجويد لتلاوة القرآن بلفظ الأنغام المطربة؛
فالتطريب الذي يكون من بعض القراء بمصر محظور؛ لأنه ينافي الخشوع، وإذا
كان يعني بأبي سلامة الحجازي الشيخ سلامة حجازي المصري المشهور، فليعلم أنه
ليس من القراء ولكنه من المطربين. والحاصل أن الإقدام على التحريم ليس بالأمر
السهل؛ لأنه تشريع جديد بخلاف القول بالحل؛ فإنه الأصل في الأشياء، والنيات
في القلوب، والعرف العام ليس مما يخفى فيختلف فيه الناس، ولا أنكر أن في
مصر من لا يراعي الأدب الواجب في هذا الاستعمال فالحذر الحذر.