جلاء جنود الدولة عن تساليا: كان جلاء الجنود السلطانية المظفرة عن تسالينا بغاية الأدب والانتظام الذي لم يعهد له نظير من أعظم جنود الأمم المتمدنة، وقد جرت مبادلة الوداع بين القائد العظيم صاحب الدولة أدهم باشا وأركان حربه وبين قناصل الدول ووجهاء الأهالي، وقد أعجب الأهالي بحسن معاملة الجيش الفاتح الظافر، وودعوا الضباط بكل احترام، وقدموا لهم الهدايا شكرًا على مجاملتهم، وقد سافر دولة أدهم باشا ومن معه على اليخت السلطاني (طليعت) ، وجاء سلانيك، وهناك صدرت له الإرادة السنية بالقدوم إلى الآستانة العلية. أدهم باشا بالآستانة: صبح الآستانة والناس لم يهبوا من رقادهم، ومع ذلك وجد الناس قد غصت بهم المحطة والطرقات من شدة الازدحام، ولما نزل من مركبته ترامى عليه الناس للسلام، حتى كادوا يكونون عليه لِبدًا، وطفقوا يقبلونه بشوق واحترام وسار مع أكابر القواد وأركان الحرب الذين معه، تحدق بهم الألوف، وتحوم عليهم القلوب، حتى بلغوا قصر يلدز الأعلى. تشرف كل من القائد الباسل صاحب الدولة أدهم باشا وصاحب السعادة سيف الله باشا بالمثول بين يدي الحضرة السلطانية المعظمة، وتناولا الطعام على مائدته الكريمة. وقد أنعم على أدهم باشا بوسام الافتخار المرصع، وعلى أصحاب السعادة سيف الله باشا وإبراهيم باشا ورضا باشا (الذي ترقى عن رتبته) بالوسام العثماني الأول. وعلى كل من أصحاب السعادة خيري باشا وحمدي باشا وحيدر باشا وحقي باشا وحلمي باشا وحليم باشا وثابت باشا بالوسام المجيدي الأول، وعلى كل من ممدوح باشا وعمر رشيدي باشا بوسام اللياقة الذهبي، أنعم عليهم ذلك مكافأة لهم على ما أبدوه من المهارة والبسالة في الحرب اليونانية التي نالت فيها الدولة العلية بحكمة هؤلاء القواد الصادقين من المنافع المعنوية ما هو أفضل من مملكة اليونان الحقيرة برمتها. وقد بلغهم مولانا أيده الله تعالى أنه لا ينسى خدمتهم لسدته العلية وسلطنته السنية. هذا جزاء الصادقين في الدنيا {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} (الإسراء: ٢١) . فتعس الخائنون ولا انتعشوا {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (الأحزاب: ٦١) . ما ذكرناه عن استقبال دولة أدهم باشا هو زبدة ما نشرته جرائد الآستانة، وذلك يكذب ما قالته جريدة التان من أنه لم يستقبل دولته سوى عشرين ضابطًا، وصاحب الدار أدرى بما فيه. التخوم بين الدولة واليونان: حددت التخوم بين الدولة العلية واليونان، وأخذت الدولة العلية المواقع الحربية الحصينة التي تحول دون تعدي اليونان مهما غرهم بقوتهم الغرور. وقد أخذت الدولة العلية قطعة من الأراضي اليونانية في جهة دمكو لتقيم فيها بناء على نفقة مولانا السلطان الأعظم، يكون تذكارًا لشهداء الحرب، وسيحاط البناء بقفص من الحديد، ويتولى حراسته رجلان من طرف الحكومة اليونانية، وينقدان أجرتهما من الجيب السلطاني الخاص، أدام الله المكارم السلطانية مصدرًا للأعمال الشريفة المرضية. *** نصيحة للمنار من عظيم بالآستانة ورد لنا رقيم كريم من جانب أحد العظماء المقربين لدى الحضرة السلطانية، يحثنا فيه على الثبات في الخطة التي جرينا عليها في المنار، من عدم التملق والنفاق، ومن النزاهة عن السب والثلب، ويأمرنا فيه بالمواظبة على خدمة الدولة العلية، ومقام الخلافة الإسلامية، وسائر الأمة، مع الصدق والإخلاص، فإن ذلك مفتاح النجاح والفلاح. وقد تلقينا الأمر بالامتثال ونسأل الله التوفيق في كل حال.