للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

البيع بالنسيئة
(س٦٩) ح. ح. فى الجبل الأسود: ما قولكم دام فضلكم فى البيع
بالنسيئة مضاعفة كأن يكون ثمن السلعة في السوق قرشًا واحدًا بالنقد, فيبيعها المالك
بقرشين نسيئة، وهل يوجد فرق في هذا البيع بين أن يكون لمسلم أو لغير
مسلم؟
(ج) إن ذلك جائز للمسلم وغيره ما لم يكن غش أو تغرير، ولا فرق في
المعاملات بين المسلم وغيره لأن الشريعة الإسلامية ساوت بين الناس في الحقوق ,
وإن اختلفوا في الجنس والدين، وإنما الشرائع الأخرى لاسيما الأوربية منها هي
التي تفاضل بين الأجناس والملل، فتميز كل شريعة أبناء جنسها في الحقوق على
غيرهم، أما الشريعة الإسلامية فإنما تقدم المسلم على غيره في الأمور التي تتعلق
بالدين، ولا يخفى أمر التراحم والتسامح مع المحتاج أو المضطر.
***
شرب الغازوزة
(س ٧٠) ومنه: الماء الذي يقال له في اللغة التركية (غازوز) هل يجوز
شربه أم لا؟
(ج) ما كنا نظن أن هذا مما يحتاج للسؤال عنه فإنه لا يسكر قليله ولا
كثيره, وليس فيه شيء من مادة السكر، ومازال العلماء يشربون الكازوزة في
الآستانة ومصر، وفى كل بلد توجد فيه.
***
شرب الدخان في مجلس القرآن
(س٧١) محمد أفندي حلمي من المشتغلين بالعلم في دمياط:
قد سئلت عن حكم من يحضر لسماع أو تلاوة القرآن العزيز مستعملاً لشرب
الدخان - المسمى بالتبغ - ولكوني أرى الحكم على غير رأي من ذهب فقال
بالحرمة , أو من قال بالكراهة بدون استناد منهما لشيء مما يقطع بصحة الحكم؛
أمسكت عن الجواب، وانثنيت لأخذ رأي من آتاه الله بسطة في العلم ناظرًا بماذا
يرجع إليه رأيه في ذلك، وإليك رأينا:
نحن لانرى في حق من شرب الدخان وقت تلاوة أو سماع القرآن الشريف أنه
ارتكب محظورًا يجعله الشارع في حقه مكروهًا أو محرومًا، وكيف يتسنى لنا ذلك
ونحن على ما نعلم أنه لم يقم دليل من كتاب الله أو سنة على حرمة أو كراهة ذلك
على من ذكرنا، فهو عندنا لم يخرج عن كونه نباتًا تحول بالحرق لمادة كربونية،
ثم انتشر في الهواء مثل تحول الفحم النباتي وبقية المواد القابلة للاحتراق كذلك،
ومتى كنا نعلم أنه لم يقل أحد بتحريم أو كراهة استعمال ما يتسبب عنه انتشار ما
يتولد بالحرق من نحو الفحم النباتي في مجلس من ذكرنا , فلا يخول لنا القياس أن
نخصص أحدهما بالحكم دون الآخر متى كان الكل متحولاً لما هو من نوع واحد ,
فما يحكم به على الواحد يحكم به على غيره، وإلا كان هناك ترجيح بلا مرجح،
ولا يمكن مع هذا المتخيل أن يرى فيما ذكرنا انحطاطًا بكرامة الألفاظ المتلوة متى
كانت الآداب مرعية من الجانبين، ولا يقال: إنه من الصوارف عما هو المقصود
من المتلو مادامت الأسماع والقلوب ليست في أكنة، ولا يقال أيضًا: من شروط
تلاوة المتلو طهارة محله، وحمض الكربون بانتشاره في محل المتلو يجعله قذرًا
لأنه ليس مما عُدَّ في الشرع مستقذرًا، بل صار في زماننا هذا مستطابًا لنفوس
الكثيرين، وانتشر في سائر أنحاء الكرة الأرضية وجنح إلى تعاطيه أكثر الناس
حتى الأطفال والنساء لاسيما المخدرات , والشيء - كما قيل - يعطى حكم وقته.
هذا ما يظهر للناظر من تلك الجهة - جهة الاستعمال - أما إن نظر لهذا الجوهر
من جهة أنه يضر بصحة المتعاطي حيث يجلب لجسمه الخطر الجسيم، أو أنه
يضر الحاضرين بالنظر لاتحاد حمض كربونه بالهواء المجاور فيجعله غير صالح
للتنفس تمامًا، فذاك نظر من جهة أخرى له حكم آخر ولو لم يكن بمحضر القرآن،
هذا وليعلم المطلع على ما كتبنا أن تصدينا له ليس من قبيل الميل لما نهوى فإننا -
وربك - ما تعاطينا شرب هذا الدخان عمرنا فلا يحمله ذلك على أن يقول: هذا
امرؤ يختار حكمًا لما يشتهي , وإنما مقصدنا بيان الحق في ذلك فجئ بجوابك
الفصل أيها العالم الحكيم، وأنت الحكم الذي تُرْضَى حكومته والسلام.
(ج) إن الذين يتأثمون من التدخين المعروف في مجلس القرآن لا يبنون
ذلك على نجاسة مادة النبات، ولا على كونه أخس من غيره أو نجسًا، ولا على كون
التدخين يقتضي لذاته الإعراض عن الفهم والتدبر، وإنما يرون ذلك ينافي الأدب
لأن مجلس القرأن أفضل من مجالس العلم بغير القرآن، ولا شك أن من يدخن في
مجلس درس العلم سواء كان في مدرسة نظامية أو مسجد يعد مخلاًّ بالآداب , فإذا
كان عرف البلد يعد التدخين حال التلاوة أو سماعها مخلاًّ بالأدب، فالقول باجتنابه
ظاهر , وإذا لم يكن ذلك عرفًا عامًّا فعلى كل امرىء أن يعمل بما يعتقده وتطمئن
إليه نفسه , ومن كان أقرب إلى الأدب كان أبعد عن توجه الإنكار عليه. هذا ما
ظهر لنا في المسألة بعرضها على قواعد الشريعة وآدابها , والله أعلم وأحكم.
***
حكمة عدة الوفاة وعدة الطلاق
(س ٧٢) مصطفى أفندي صبري مأمور مركز (البداري) : أرجو التكرم
بإفادتنا على مناركم الإسلامي عن الحكمة في تربص المتوفى زوجها أربعة أشهر
وعشرًا، وتربص المطلقة ثلاثة قروء. أفادنا الله بكم وأثابكم على إرشادنا.
(ج) الأصل في العدة بعد انفصال الزوجين بالطلاق أو بموت الرجل أن
يعلم أن المرأة غير عالقة من الرجل لئلا يشتبه حال الولد , فلا يعلم أهو للزوج
الأول أم الثاني؟ فإذا تكرر على المرأة الحيض أو الطهر ثلاث مرات؛ يعلم أنها
غير حامل , ولهذا المعنى كانت عدة الحامل أن تضع حملها , فلو ولدت في اليوم
الثاني جاز لها أن تتزوج، والمتوفى زوجها تعتد لتعرف براءة رحمها من الحمل،
ولمعنى آخر وهو الحداد على زوجها، ولذلك كانت عدتها أطول من عدة ذوات
القروء إذ لا يليق بها أن تظهر الرغبة في الزواج بعد شهرين أو ثلاثة من موت
زوجها , بل ذلك ينتقد منها ويؤلم قرابة زوجها، ولذلك زادت عدتها على عدة
غيرها ووجب عليها الحداد أربعة أشهر وعشر ليال لا تتزين فيها، ولا تمس طيبًا
مع أن الحداد على غير سائر الأهل والأقربين لا يزيد على ثلاثة أيام , فإن زاد
حرم , إلا قيل في الأب لحديث معلول ورد بسبعة أيام.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الحكمة في تحديد عدة الوفاة بهذا القدر أنه هو
الزمن الذي يتم فيه تكوين الجنين ونفخ الروح فيه، ولابد من مراجعة الأطباء في
هذا القول قبل التسليم به , والظاهر لنا أن الزيادة لأجل الحداد , ولم يظهر لنا شيء
قوي في تحديده، ولكن هناك احتمالات منها أنه ربما كان من عرف العرب أن لا
ينتقد على المرأة إذا تعرضت للزواج بعد أربعة أشهر وعشر من موت زوجها ,
فأقرهم الإسلام على ذلك لأنه من مسائل العرف والآداب التي لا ضرر فيها. وقد
كان من المعروف عندهم أن المرأة تصبرعن الزوج بلا تكلف أربعة أشهر , وتتوق
إليه بعد ذلك، ويروى أن عمر أمر أن لا يغيب المجاهدون عن أزواجهم أكثر من
أربعة أشهر، إذا صح أن هذا أصل في المسألة تكون الزيادة الاحتياطية عشرة أيام
والله أعلم بالصواب.