للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الحرب بين أمريكا وأسبانيا
لقد طال على الحرب أمد المطاولة، وكاد يقع اليأس من المناجزة والملاحمة،
إلا ما كان ويكون من المناوشات الصغرى التي تقع بين شراذم الأمريكيين الذين
نزلوا إلى سنتياغو وبين الأسبانيين، والحرب بينهما سجال، ولقد كان الفلج أخيرًا
للجنود الأسبانية، كما ترى في الأنباء البرقية. أما حركات الأساطيل فقد علمت أن
براعة الأميرال سرفيرا الأسباني في قطع عرض القاموس العظيم (الأتلانتيك)
تحت حجاب الخفاء، قد انتهت بحصر أسطوله في ميناء سنتياغو، وأما أسطول
الأميرال كمارا الأسباني، فقد وصل أمس إلى بورسعيد قاصدًا جزائر فيلبين من
طريق السويس الأمين.
وقد ورد على جريدة المقطم رسالة برقية من بورسعيد، بأنه صدر الأمر إلى
ولاة الأمور فيها باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الأسطول من شحن الفحم منها، حتى
تأتيهم أوامر أخرى بذلك، وقد ذكرت جريدة السلام (أن من شروط ترعة السويس
أن لا يصح لدوارع إحدى الدول المحاربة أن تأخذ فحمًا من بورسعيد إلا مقدار
ما يكفيها للوصول إلى نقطة الحرب، أي أنه لا يصح لها أن تأخذ فحمًا
وتحارب به بعد وصولها؛ ولذلك فإن أسطول أسبانيا إذا مر بترعة السويس فلا
يأخذ منها إلا كفاية وصوله فقط، ثم تنقطع بعد ذلك المواني التي تعطيه الفحم؛ لأن
إنكلترا والدولة العلية وسواهما معتزلة الحرب، فلا تمده بشيء، والمرجح أن
هذا الأسطول سيتضايق جدًّا إلا إذا صحب معه سفنًا خاصة مشحونة بالفحم، وعلى
هذا ربما كانت عاقبة هذا الأسطول شرًّا من عاقبة ذلك، والله أعلم بمصير
الأمور.
أخبار بريد أوروبا عن الحرب متعارضة: نفي وإثبات ونقض وإبرام،
والمتفق عليه أن جزائر فيلبين التي يقصد أسطول كامارا إغاثتها قد تفاقمت خطوبها،
وعظمت كروبها وأضر بمنلّا حصار الثائرين، وقد أضوى الأسبانيين الجوع
فخارت قواهم، وخانتهم عزائمهم، وقد طلب الأميرال ديوي الأميركي من حكومته
نجدة، فسيرتها إليه، ولا بد أن تصل قبل وصول أسطول كامار، حتى إذا كان لديه
من الفحم ما يبلغه موضع قصده لا يرجى أن يستفيد من سعيه وكده، وربما وجد
الأسطول ديوي له بالمرصاد، فكان كما قيل:
مثل الغريق نجا ووافى ساحلاً ... فإذا الأسود روابض بجواره
أما أخبار كوبا: فقد نقل أن الأسبان في رضا عنها، وأن الأميركان أجَّلوا
الهجوم العام عليها إلى الخريف القادم، حيث يقل فتك الحمى وإنهم يكتفون الآن
بالاستيلاء على سنتياغو وأسر أسطول سرفيرا، ولذلك أرسل الأسبانيون إليها جيشًا
من هفانا بقيادة الجنرال باندو للدفاع عنها، كما أن الأميركيين أرسلوا نحو عشرة
آلاف رجل إمدادًا للجنرال شفتر الذي أنزل جنوده إليها، والثائرون يمدون هذا
ويصدون ذاك.
إن الأسبانيين برهنوا على بسالتهم وثباتهم في جميع مواقف الحرب، ولكن
خصمهم أكثر منهم عَددًا وعُددًا، وأهالي البلاد في مواقع الحرب يناوئونهم ويمالئون
خصمهم، وهذه عواقب الجهل بحالة العصر، وكون النجاح فيه منوطًا بالعلم
والثروة أكثر مما هو منوط بالبأس والشدة.
((يتبع بمقال تالٍ))