للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية وأدبية

(سؤال وجواب عن آيتين من الكتاب)
رفع سؤال إلى مولانا حجة الإسلام وقدوة الأنام الشيخ محمد عبده مفتي
الديار المصرية يطلب صاحبه فيه بيان الجمع بين قوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ
حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ
عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء: ٧٨) , وقوله -
تعالى - عقيبها: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ
وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النساء: ٧٩) فإن بينهما في بادي
الرأي تنافيًا يتنزه عنه كلام الله تعالى , فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله:
(كان بعض القوم بطِرًا جاهلاً إذا أصابه خير ونعمة يقول: إن الله تعالى قد
أكرمه بما أعطاه من ذلك , وأصدره من لدنه وساقه إليه من خزائن فضله عناية منه
به لعلو منزلته لديه , وإذا وصل إليه شر وهو المراد من السيئة يزعم أن منبع هذا
الشر هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن شؤم وجوده هو ينبوع هذه السيئات
والشرور , فهؤلاء الجاهلون الذين كانوا يرون الخير والشر والحسنة والسيئة
يتناوبانهم قبل ظهور النبي وبعده كانوا يفرقون بينهما في السبب الأول لكل منهما؛
فينسبون الخير أو الحسنة إلى الله تعالى على أنه مصدرها الأول ومعطيها الحقيقي
يشيرون بذلك إلى أنه لا يد للنبي فيه , وينسبون الشر أو السيئة إلى النبي على أنه
مصدرها الأول ومنبعها الحقيقى كذلك، وأن شؤمه هو الذي رماهم بها.
وهذا هو معنى (من عند الله) أو (من عندك) أي: من لدنه ومن
خزائن عطائه , ومن لدنك ومن رزاياك التي ترمي بها الناس.
فرد الله عليهم هذه المزاعم بقوله: {قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ} (النساء: ٧٨)
أي إن السبب الأول وواضع أسباب الخير والشر المنعم بالنعم والرامي بالنقم
إنما هو الله وحده , وليس ليُمن ولا لشؤم مدخل في ذلك.
هذا فيما يتعلق بمن بيده الخير والشر والنعم والنقم، وأما ما يتعلق بسنة الله
في طريق كسب الخير والتوقي من الشر والتمسك بأسباب ذلك، فالأمر على خلاف
ما يزعمون كذلك , فإن الله سبحانه وتعالى قد وهبنا من العقل والقوى ما يكفينا في
توفير أسباب سعادتنا , والبعد عن مساقط الشقاء , فإذا نحن استعملنا تلك المواهب
فيما وهبت لأجله , وصرفنا حواسنا وعقولنا في الوجوه التي ننال منها الخير وذلك
إنما يكون بجودة الفكر وإخضاع جميع قوانا لأحكامه , وفهم شرائع الله حق الفهم
والتزام ما حدده فيها؛ فلا ريب في أننا ننال الخير والسعادة , ويجنبنا الشقاء
والتعاسة , وهذه النعم إنما يكون مصدرها تلك المواهب الإلهية فهي من الله تعالى ,
فما أصابك من حسنة فمن الله؛ لأن قواك التي كسبت بها الخير واستغزرت بها
الحسنات , بل واستعمالك لتك القوى إنما هو من الله.
وأما إذا أسأنا التصرف في أعمالنا , وفرطنا في النظر في شئوننا , وأهملنا
العقل وانصرفنا عن سر ما أودع الله في شرائعه , وغفلنا عن فهمه فاتبعنا الهوى
في أفعالنا , وجلبنا بذلك الشر على أنفسنا , كان ما أصابنا من ذلك صادرًا عن سوء
اختيارنا , وإن كان الله تعالى هو الذي يسوقه إلينا جزاءً على ما فرطنا , ولا يجوز
لنا أن ننسب ذلك إلى شؤم أحد أو تصرفه.
وحاصل الكلام في المقامين أنه إذا نظرنا إلى السبب الأول الذي يعطي ويمنع
ويمنح ويسلب وينعم وينتقم فذلك هو الله وحده ولا يجوز أن يقال: إن سواه يقدر
على ذلك , ومن زعم غير هذا فهو لا يكاد يفقه كلامًا , لأن نسبة الخير إلى الله
ونسبة الشر إلى شخص من الأشخاص بهذا المعنى مما لا يكاد يعقل , فإن الذي
يأتي بالخير ويقدر عليه هو الذي يأتي بالشر ويقدر عليه , فالتفريق ضرب من
الخبل في العقل.
وإذا نظرنا إلى الأسباب المسنونة التي دعا الله الخلق إلى استعمالها ليكونوا
سعداء , ولا يكونوا أشقياء فمن أصابته نعمة بحسن استعماله لما وهب الله فذلك من
فضل الله لأنه أحسن استعمال الآلات التي منَّ الله عليه بها فعليه أن يحمد الله
ويشكره على ما آتاه , ومن فرط أو أفرط في استعمال شيء من ذلك فلا يلومن إلا
نفسه , فهو الذي أساء إليها بسوء استعماله ما لديه من المواهب , وليس بسائغ له
أن ينسب شيئًا من ذلك للنبي ولا لغيره فإن النبي أو سواه لم يغلبه على اختياره ,
ولم يقهره على إتيان ما كان سببًا في الانتقام منه.
فلو عقل هؤلاء القوم لحمدوا الله وحمدوك (يا محمد) على ما ينالون من
خير فإن الله هو مانحهم ما وصلوا به إلى الخير وأنت داعيهم لالتزام شرائع الله
وفي التزامها سعادتهم , ثم إذا أصابهم شر كان عليهم أن يرجعوا باللائمة على
أنفسهم لتقصيرهم في أعمالهم أو خروجهم عن حدود الله فعند ذلك يعلمون أن الله قد
انتقم منهم للتقصير أو العصيان فيؤدبون أنفسهم ليخرجوا من نقمته إلى نعمته , لأن
الكل من عنده , وإنما ينعم على من أحسن الاختيار , ويسلب نعمته عمن أساءه.
وقد تضافرت الآثار على أن طاعة الله من أسباب النعم , وأن عصيانه من
مجالب النقم , وطاعة الله إنما تكون باتباع سننه وصرف ما وهب من الوسائل فيما
وهب لأجله.
ولهذا النوع من التعبير نظائر في عرف التخاطب، فإنك لو كنت فقيرًا أعطاك
والدك مثلاً رأس مال فاشتغلت بتنميته والاستفادة منه مع حسن في التصرف وقصد
في الإنفاق , وصرت بذلك غنيًّا فإنه يحق لك أن تقول: إن غناك إنما كان من ذلك
الذي أعطاك رأس المال وأعدك به للغنى.
أما لو أسأت التصرف فيه وأخذت تنفق منه فيما لا يرضاه واطلع على ذلك
منك فاسترد ما بقي منه , وحرمك نعمة التمتع به؛ فلا ريب أن يقال: إن سبب
ذلك إنما هو نفسك وسوء اختيارها مع أن المعطي والمسترد في الحالين واحد
وهو والدك , غير أن الأمر ينسب إلى مصدره الأول إذا انتهى على حسب ما يريد ,
وينسب إلى السبب القريب إذا جاء على غير ما يجب لأن تحويل الوسائل عن
الطريق التي كان ينبغي أن تجري فيها إلى مقاصدها إنما ينسب إلى من حولها
وعدل بها عما كان يجب أن تسير إليه.
وهناك للآية معنى أدق يشعر به ذو وجدان أرق مما يجده الغافلون من سائر
الخلق , وهو أن ما وجدتَ من فرح ومسرة وما تمتعتَ به من لذة حسية أو عقلية
فهو الخير الذي ساقه الله إليك واختاره لك وما خلقت إلا لتكون سعيدًا بما وهبك،
أما ما تجده من حزن وكدر فهو من نفسك , ولو نفذت بصيرتك إلى سر الحكمة فيما
سيق إليك لفرحت بالمحزن فرحك بالسار , وإنما أنت بقصر نظرك تحب أن تختار
ما لم يختره لك العليم بك المدبر لشأنك.
ولو نظرت إلى العالم نظرة من يعرفه حق المعرفة , وأخذته كما هو وعلى ما
هو عليه؛ لكانت المصائب لديك بمنزلة التوابل الحريفة [١] يضيفها طاهيك [٢] على
ما يهيئ لك من طعام لتزيده حسن طعم , وتشحذ منك الاشتهاء لاستيفاء اللذة ,
واستحسنت بذلك كل ما اختاره الله لك ولا يمنعك ذلك من التزام حدوده , والتعرض
لنعمه , والتحول عن مصاب نقمه فإن اللذة التي تجدها في النقمة إنما هي لذة
التأديب ومتاع التعليم والتهذيب، وهو متاع تجتني فائدته ولا تلتزم طريقته , فكما
يسُر طالب الأدب أن يحتمل المشقة في تحصيله وأن يلتذ بما يلاقيه من تعب فيه
يسره كذلك أن يرتقي فوق ذلك المقام إلى مستوى يجد نفسه فيه متمتعًا بما حصل
بالغًا ما أمل , وفي هذا كفاية لمن يريد أن يكتفي.
***
(تقويم المؤيد)
صدر تقويم المؤيد للسنة الهجرية الحاضرة , وأهدانا مؤلفه الكاتب
الفاضل محمد أفندي مسعود نسخة منه فإذا هو فلك مشحون بالفوائد العلمية علوية
وسفلية , أو سماوية وأرضية وكونية ونفسية , وفي القسم الجغرافي منه بيان أطوال
وعروض السودان وكلام عن بلاد الترنسفال وأورانج والكاب كما أن في القسم
التاريخي ملخص تاريخ الحرب في السودان وفي الترنسفال , وفي القسم
الزراعي فوائد لا يستغني عنها مصري , وفي القسم الطبي وقسم تدبير المنزل
فوائد لا يكاد يستغني عنها أحد , وفيه قسم لغوى فسر فيه كثير من الألفاظ الغريبة
بترتيب المعاجم , وفيه جداول ليضبط حامل التقويم في البياض منها أمورًا ينبغي
ضبطها كالكتب التي باعها واشتراها وأعارها واستعارها وكالأسماء والعناوين التي
يهمه حفظها , وكالديون التي له وعليه , وكالمشاهدات الغريبة التي تعرض له ,
وكأيام المرض والعلاج وما يتعلق بذلك لمن يعنيه ضبط ذلك لهم , وكالكسب الذي
يدخل عليه من السندات والأسهم , وكتاريخ أهل المنزل في عامة أطوارهم كالولادة
ودخول المدرسة والحج وغير ذلك , وليت المؤلف جعل هذه الجداول في باب واحد
ليسهل الكشف عليها ومراجعتها.
وفيه تعريف بأحوال التلغراف والبريد وسكك الحديد وأجور السفر فيها
ومواقيته , فينبغي أن لا يخلو جيب قارئ من هذا التقويم فإنه خير رفيق في السفر ,
وألطف صديق في الإقامة.
***
(جمعية النهضة الأدبية)
يسرنا أن هذه الجمعية التي أنشأها عمال المطابع قد نجحت , وما كان أجدر
أرباب المطابع والصحافة بمثلها , وقد احتفلت في أول ليلة من السنة الهجرية
احتفالاً عامًّا حضره الجم الغفير من الفضلاء والخطباء , وألقيت فيه الخطب
المفيدة , ووفقت الجمعية لإنشاء نشرة أدبية تاريخية صناعية فكاهية تصدر في
الشهر مرتين وسمتها باسم الجمعية (النهضة الأدبية) وصدر العدد الأول منها
في أول السنة فنرجو للجمعية وجريدتها التوفيق والنجاح.
***
(الصبا)
جريدة سياسية علمية أدبية فكاهية أسبوعية تصدر في الزقازيق مديرها الوجيه
المحترم أحمد أفندي عبد الله حسين , وقيمة الاشتراك فيها ٢٠ قرشًا في
القطر المصري و ٣٠ في خارجه فعسى أن تصادف توفيقًا ونجاحًا.