... ... (كتاب إصابة السهام فؤادَ مَن حاد عن سنة خير الأنام) أهدانا الشيخ محمود محمد أحمد خطاب السبكي أحد علماء الأزهر نسخة من كتاب له جديد سمّاه بهذا الاسم، وهو في بيان البدع والمنكرات الفاشية بين أهل العلم والدين، وفي المساجد وحلقات الدروس وغير ذلك، ولم تتيسر لنا مطالعته، وإنما أخذناه الآن في يدنا، وقرأنا جملة من فهرسه، فإذا فيها: (مطلب تحريم القراءة إذا لزم عليها تشويش خلافًا لمن قال بالكراهة) ، فراجعنا هذا المطلب، وأحببنا أن ننقل منه تأييدًا لما ذكرنا آنفًا في الانتقاد على رسالة الشيخ بخيت ما يأتي، قال المصنف - في سياق الكلام على المنكرات الفاشية في الجامع الأزهر ومنها التشويش على المصلين برفع الصوت بالنية - ما نصه: (قال ابن العماد: لو توسوس المأموم من تكبيرة الإحرام على وجه يشوش على غيره من المأمومين حرم عليه ذلك، كمن قعد يتكلم بجوار المصلي، وكذا تحرم عليه القراءة جهرًا على وجه يشوش على المصلي بجواره) . اهـ وقوله: (من المأمومين) : يعني مثلاً، وكذا قوله: (على المصلي) ، وإلا فالتشويش حرام، ولو على النائم، وأما قول ابن حجر بكراهة القراءة عند التشويش، وردّه قول ابن العماد بالحرمة فهو المردود، وكيف لا، وقد أضر بقراءته المتعبدين، ورسوله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) . اهـ ثم رأيت فيه مبحث قراءة سورة الكهف في المساجد فأحببت نقله أيضًا، وهو: ومنها - أعني البدع التي اخترعوها في الجامع الأزهر ونحوه - قراءة سورة الكهف يوم الجمعة بصوت مرتفع وترجيع، والمسجد ممتلئ من الناس ما بين راكع وساجد وذاكر وقارئ ومتفكّر إلى غير ذلك، ومع ذلك يرتبون للقارئ لها أجرة من الوقف، وذلك ممنوع من وجوه: (الأول) كونه مخالفًا لما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وزمن أصحابه والسلف، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع والأحاديث في ذلك معلومة. (الثاني) أن فيه تشويشًا على مَن بالمسجد متلبّسًا بعبادة، وقد تقدم غير مرة أن التشويش ممنوع بالإجماع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ملعون مَن ضارَّ مؤمنًا) . (الثالث) فيه صرف المال في غير مصرف شرعي؛ بل هو منكر، وهو ممنوع، ولا سيّما من مال الوقف. (الرابع) أن ذلك كان سببًا في اعتقاد العوام أن قراءة السورة المذكورة بهذه الصفة من معالم الدين، فأدخلوا في الدين ما ليس منه، وتقدّم أنه ممنوع بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الخامس) فيه رفع الأصوات في المسجد لغير ضرورة شرعية، وقد ورد النهي عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (يا عليُّ، لا تجهر بقراءتك ولا بدعائك حيث يصلي الناس؛ فإن ذلك يفسد عليهم صلاتهم) . وقال في الدر المختار للسادة الحنفية: (يحرم رفع الصوت في المسجد بذكر إلا للمتفقهة) . اهـ. ولعل موضوعه فيما إذا كان في تشويش، وقال ابن العماد الشافعي: (تحرم القراءة جهرًا على وجه يشوش على نحو مصلٍّ) اهـ ومر. ويأتي النص على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الصوت بالذكر والقرآن، ولا سيّما في المساجد، فإذًا عند التشويش لا يشك في التحريم، نعم، ورد النص على فضل قراءة هذه السورة ليلة الجمعة ويومها، ولكن ليس كما اعتاده هؤلاء الناس، بل يقرأ لنفسه في بيته مطلقًا، أو في المسجد بدون رفع صوت؛ حذرًا من التشويش، وعبارة (قرة العين) مع شرحها (فتح المعين) للعلامة زين الدين المليباري الشافعي نصها: (وسُن قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها لأحاديث فيها، وقراءتها نهارًا أوكد، وأولاها بعد الصبح مسارعة للخير، وأن يكثر منها ومن سائر القرآن فيهما، ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيرها إن حصل به تأذٍّ لمصلٍّ أو نائم، كما صرّح به النووي في كتبه) وقال شيخنا في شرح الباب: (ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد، وحمل كلام النووي بالكراهة على ما إذا خِيفَ التأذي، وعلى كون القراءة في غير المسجد) اهـ. قال محشيّه السيد علوي قوله: (.. لأحاديث) فقد صح أن من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. اهـ وفي فتاوى قاضي خان: (رجل يقرأ وبجنبه رجل يكتب الفقه لا يمكنه أن يستمع كان الإثم على القارئ؛ لأنه قرأ في موضع يشتغل الناس بأعمالهم، ولا شيء على الكاتب) . اهـ فما بالك بمَن كان مشغولاً بنحو صلاة، ويشوش القارئ عليه كالحاصل بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، ونحوه في الفتح عن الخلاصة قال: (وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم) . اهـ، قال ابن عابدين: (أي لأنه يكون سببًا لإعراضهم عن استماعه، أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم) ، ثم قال: (يجب على القارئ احترام القرآن بأن لا يقرأه في الأسواق ومواضع الاشتغال، فإذا قرأ فيها كان هو المضيع لحرمته، فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال دفعًا للحرج) اهـ (وكذا في مذهب السادة الحنبلية وغيرهم، فتحصل أن قراءة السورة المذكورة بهذه الكيفية التي اعتادها كثير من الناس ممنوعة بإجماع المسلمين، وكيف لا وهي من الحدث في الدين لمخالفتها لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وصالح السلف، ومعلوم أن كل ما خالف ذلك فهو في شَرَك الوبال والتلف) . اهـ. هذا ما رأينا نقله الآن من كتاب السبكي من غير بحث فيه، وسنعود إلى النقل عن هذا الكتاب الذي نودّ أن يطلع عليه جميع المسلمين، ونشكر لمؤلفه عنايته بخدمة الدين. *** (تقويم المؤيد) صدر تقويم المؤيد للسنة الهجرية الجديدة، وفيه من الفوائد والمباحث العلمية والتاريخية والسياسية والأدبية ما جمع - على اختصاره - بين الفائدة واللذة، وقد توسع فيه بالكلام عن مصر والسودان، حتى إنه يُغني عن كتاب (دليل مصر) لما فيه من بيان أحوال البريد والسكك الحديد ... وذكر في باب وفيات الأعيان ملخص تراجم كبار الرجال الذين ماتوا في العام الماضي، ومنهم باي تونس والسيد الكواكبي، وذكر في باب القضاء أهم المسائل التي يحتاج إلى معرفتها المتخاصمون في المحاكم المصرية مرتبة على حروف المعجم، وفي باب الإحصاء طلبة العلم والعلماء بمساجد مصر، البريد المصري، سكك الحديد في العالم، الأمم المدمنة السكر، نسبة المتعلمين في الأمم، العائلات وضعف التناسل، الجرائد في العالم، سكان الأرض، السفن، اللغات، الزنا في فرنسا، النساء في الولايات المتحدة، أعمار النساء، وغير ذلك. وجملة القول في هذا التقويم: إنه نديم المقيم، ورفيق المسافر، وقاموس العلم، ومكتبة الحبيب، وهو يُطلب من مؤلفه محمد أفندي مسعود المحرر بالمؤيد، ومن المكاتب الشهيرة، وثمنه خمسة قروش. *** (النخبة الأزهرية في تخطيط الكرة الأرضية) كتاب حافل في تقويم البلدان يدخل في أربعة أجزاء: الجزء الأول: عموميات على الدنيا، الجزء الثاني: مصر والحكومة السودانية، الجزء الثالث: إفريقيا وأوربا، الجزء الرابع: آسيا وأمريكا والأقيانوسية والأقاليم القطبية، وفيه ٤٧ خريطة ملونة و٦٦ صورة وشكلاً، ومؤلفه إسماعيل أفندي علي الموظف بنيابة الاستئناف الأهلية، ومدرس علم تقويم البلدان بالجامع الأزهر الشريف. هذا ملخص التعريف بالكتاب، ونقول إن قُراء العربية في أشد الحاجة إلى كتب مطولة في هذا الفن ومن العجيب أن وُجدت كتب مطولة في أكثر العلوم العصرية دون هذا العلم الذي يجب أن يكون عامًّا، ومن الفضائح أن يجهله ذكر أو أنثى، فمن نعم الله تعالى على قراء العربية أن سخر لهم رجلاً من أوسعهم اطلاعًا وتدقيقًا فيه، فوضع لهم هذا الكتاب، وهو مؤلفه إسماعيل أفندي علي الذي زاول تعليمه في المدارس الأميرية أعوامًا طويلة، ثم لا يزال يعلّمه في الأزهر إلى اليوم. ومن شكر النعم أن يبادورا إلى اقتناء الكتاب والاستفادة منه؛ لأن الشكر إنما يكون بوضع النعمة في موضعها الذي وجدت لأجله، ومن آيات الجهل الفاضحة أن يحبس هذا الكتاب الجليل في مكاتب الباعة زمنًا طويلاً، ومن الإساءة أن ينفق هذا المؤلف زمنًا طويلاً من وقته في التعريب والتأليف ووضع الخرائط بالعربية، ثم يصرف مبلغًا كبيرًا من ماله في نفقات طبع الكتاب، ولا تكون أقل مكافأة له من الأمة سرعة الإقبال على كتابه. أما صفحات الكتاب فهي ٦٤٠ من الشكل الكبير جدًّا، وثمنه أربعون قرشًا صحيحًا، ومَن لاحظ الصعوبة في طبع الخرائط الملونة بالألوان الكثيرة، وصعوبة وضعها يعلم أن ثمن الكتاب رخيص بصرف النظر عن فائدته. إننا تصفحنا بعض الكتاب بالإجمال، وإنما نثق به لثقتنا بسعة اطلاع مؤلفه على كتب الإفرنج الحديثة، وله العذر إذا وقع فيه شيء من الخطأ في إحصاء أهالي بلاد كالبلاد العثمانية، لا يتيسر له الوقوف على كتب حديثة فيها كما يتيسر له في غيرها، وقد كان أول مَن انتقد ذلك في الكتاب هو أول المعجبين به صديقنا رفيق بك العظم، قال: (إنه اعتمد على الإحصاءات القديمة) ، كقوله - عن سكان دمشق - إن عددهم ٦٠ ألفًا، مع أن الإحصاء الجديد الوارد ذكره في سلنامة الولاية الرسمية هو ١٤٣٣٢١، وفي الحقيقة إنه يزيد عن هذا العدد أيضًا؛ إذ يقدر العارفون سكان دمشق بمائة وستين ألفًا، وعلى هذا يقاس ما ذكره عن عدد نفوس بقية البلدان الكبيرة في الزيادة والنقصان كحلب وبيروت وحماة وغيرها، ولو اعتمد في النقل على سلنامات الدولة الرسمية لكانت خدمته العظيمة أتم، ووضعه الجميل أكمل، وانتقد عليه أيضًا عدم تعيينه درجات العرض للبلدان الكبيرة بالتفصيل، أو الأقطار بالإجمال، ولو فعل لأغنى المطالع عن مراجعة الخرائط الموجودة في الكتاب لمعرفة عرض كل بلد أو قطر، كما فعل غيره في كتب أصغر من كتابه، وانتقد أيضًا اختصار الكلام في المملكة العثمانية، وهو يرجو - كما نرجو - أن يضع لها كتابًا مخصوصًا.