للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: المسيو شاتليه


الغارة على العالم الإسلامي
أو فتح العالم الإسلامي [*]

(٨)
مؤتمر لكنهوء سنة ١٩١١
مقدمة المجلة الفرنسوية
عقد مبشرو البلاد الإسلامية من البروتستان المؤتمر الثاني العام بمدينتهم في
(لكنهوء الهند) يوم ٢١ يناير سنة ١٩١١ أي بعد خمس سنوات من انعقاد مؤتمر
القاهرة.
ومعلوم أن المبشرين كانوا قد تفاوضوا في (مؤتمر أدنبرج) بمسألة مقاومة
الإسلام , ودرسوا وسائل مناضلته من كل الأوجه , ولما عقدوا مؤتمر لكنهوء
ارتاحوا لما رأوا من نجاحهم واشتركوا مع رئيسهم القسيس (زويمر) في معرفة
موقف الإسلام وقوته وأسبابها , وأظهروا استعدادًا لتطبيق أعمالهم على الحالة
الحاضرة.
والظاهر من مطبوعات البروتستان ومنشوراتهم أنهم يتذرعون بالتؤدة في بذل
المجهود لمعرفة موقفهم وميدان عملهم ودرس محاسنهما , وهم لا يدعون شيئًا من
هذا القبيل , ومنشأ هذا التضامن في جماعة المبشرين البروتستان هو المواهب
العملية التي امتاز بها الأنجلوسكسوني والمزايا النظامية التي اختص بها الجرماني ,
ثم قالت هذه المجلة: طلبنا من القسيس زويمر أن يوافينا بملخص أعمال المؤتمر
أثناءَ انعقاده , فأجابنا إلى طلبنا وأرسل لنا مجموعة تضمنت أبحاث المبشرين في
ذلك المؤتمر.
***
برنامج المؤتمر وترتيبه
انعقدت جلسات المؤتمر في باحة مدرسة (إيزابلا ثوربون) البروتستانية
الخاصة بالبنات , وامتدت إلى يوم ٢٩ يناير سنة ١٩١١ وهو ثاني مؤتمر خاص
بالإسلام , والأول هو مؤتمر مصر الذي عرفه القراء.
والذي يدخل إلى باحة ذلك المؤتمر يرى جدرانه مستورة بالخرائط
والإحصائيات التي يتبين منها مبلغ اتساع نطاق الإسلام وارتقائه وتقدمه في الأيام
الأخيرة , وعلى المنضدة التي أمام الرئيس كرة أرضية مجسمة وعليها هلال
وصليب , أما المقصود من هذا الرمز فظاهر ومفهوم.
وفي جانب الباحة غرفتان عرضت فيهما الغرائب المتعلقة بالإسلام مع
مطبوعات جمعية التوراة التبشيرية , والمظنون أن هذا المعرض سيبقى تحت
مراقبة لجنة مواصلة أعمال مؤتمر مصر.
واشترك في المؤتمر ١٦٨ مندوبًا و١١٣ مدعوًّا عن ٥٤ جمعية تبشيرية ,
ونزل كل هؤلاء ضيوفًا على مبشري لكنهوء.
وبين المشتركين في المؤتمر القسيس زويمر - الذي تقول عنه المجلة
الفرنسوية: إنه الرجل الذي لا يهرم؛ لأنه درس الإسلام سنين طويلة بعد أن عاش
سنين أطول بين الشعوب الإسلامية التي يحبها حبًّا جمًّا - ولم يكن القسيس زويمر
رئيسًا للمؤتمر فقط , بل كان مديره الروحي أيضًا.
ومن هؤلاء المشتركين الدكتور (ويتبرخت) الجرماني الإنكليزي المشهور
والدكتور (وهري) صاحب التعليق المعروف على القرآن , ومن المتنصرين الذين
حضروا المؤتمر (متري أفندي) الشاب المصري الذي يدير جريدة عربية
والقندلفت (إحسان الله) , والمبشر (أحمد شاه) الذي يحسن معرفة الإسلام وهو
واضع (قاموس القرآن) .
ومُنع الصحافيون الإنكليز والأميركان من حضور جلسات المؤتمر , ولم
ترسل لهم مذكراته إلا بعد أن عنيت لجنة القرارات بتنقيحها.
وكانت مجلة العالم الإسلامي الإنكليزية - التي يصدرها رئيس هذا المؤتمر -
قالت قبل أن تذكر ما جرى في لكنهوء: (تمخض الإسلام في السنوات الخمس
التي أعقبت مؤتمر مصر بحوادث خارقة لم يسبق لها نظير , ففيها حدث الانقلاب
الفارسي والانقلاب العثماني وما نتج عنهما , وفيها انتبهت مصر لحركتها الحاضرة,
وعُنِيَ المسلمون بمدّ السكة الحجازية , وتأسست في الهند مجالس إدارية وشورية،
وكان في قوانين انتخاباتها امتيازات للمسلمين , ودخلت الأمور الإسلامية في قالب
يلائم العصر ازداد به التمسك بمبادئ الإسلام , والمسلمون يحاولون إحياء دينهم في
الصين , وانتشر الإسلام في إفريقية والهند الغربية والجزائر الجنوبية.
كل هذه الحوادث تحتم على الكنيسة أن تعمل بحزم وجد , وتنظر في أمر
التبشير والمبشرين بكل عناية , وعلى ذلك فسيشمل برنامج مؤتمر لكنهوء الأمور
الآتية:
أولها: درس الحالة الحاضرة
ثانيها: إنهاض الهمم لتوسيع نطاق تعليم المبشرين والتعليم النسائي.
ثالثها: إعداد القوات اللازمة ورفع شأنها.
هذا ما نشرته مجلة الرئيس عن مواد تضمنها برنامج المؤتمر , أما البرنامج
نفسه فقد عرض على المؤتمرين بعد قراءة الخطب الافتتاحية وانتخاب اللجنة
وتلاوة تقارير لجنة مواصلة أعمال مؤتمر مصر وهذه موادُّه:
الأولى: النظر في حركة الجامعة الإسلامية ومقاصدها وطرقها والتأليف بينها
وبين مسألة تنصير المسلمين.
الثانية: النظر في الانقلابات السياسية في العالم الإسلامي وعلاقاتها بالإسلام
ومركز المبشرين المسيحيين فيها.
الثالثة: موقف الحكومات إزاء إرساليات تبشير المسلمين.
الرابعة: الإسلام ووسائل منع اتساع نطاقه بين الشعوب الوثنية.
الخامسة: تربية المبشرين على ممارسة تبشير المسلمين والمزايا النفسية
اللازمة لذلك , والبحث في الدروس الإعدادية ودروس التبشير , وتأليف الكتب
للمبشرين وللقراء المسلمين.
السادسة: حركات الإصلاح الديني والاجتماعي.
السابعة: الارتقاء الاجتماعي والنفسي بين النساء المسلمات.
الثامنة: الأعمال النسائية.
التاسعة: القرارات العملية وتقارير اللجان المالية للمطبوعات والمنشورات.
***
خطبة الرئيس الافتتاحية
افتتح القسيس زويمر مؤتمر لكنهوء بخطبة أنيقة , تكلم فيها على المسائل
الإسلامية التي سيتناقش فيها الأعضاء , فقسم خطبته إلى أربعة أقسام:
الأول: الإحصاءات الإسلامية.
الثاني: حالة المسلمين السياسية وارتقاؤها.
الثالث: ما طرأ على الإسلام بعد مؤتمر مصر من الانقلابات السياسية
والفكرية.
الرابع: الخطة التي اتبعتها كنائس أوربة وأميركة بعد مؤتمر مصر.
***
الإحصاءات الإسلامية
قال الرئيس زويمر: ليست لفظتا (العالم الإسلامي شيئًا اخترعه المبشرون
للإشارة إلى معضلة التنصير العام، بل هي كلمة دقيقة تدل على موقف حقيقي.
ثم أشار إلى مجلة العالم الإسلامي الفرنسية وما نشرته عن الإسلام.
ودخل بعد هذا في موضوعه فقال: إن عدد المسلمين يزيد قليلاً على ٢٠٠
مليون، وذلك بحسب متوسط الإحصائيات الكثيرة التي يتراوح تقدير المسلمين فيها
بين ١٧٥ مليونًا و٢٢٩ مليونًا.
فمسلمو روسية وبخارى وخيوه ٢٠ مليونًا ومسلمو الصين بين ٥ ملايين
و١٠ ملايين , ويزيد عدد مسلمي الهند على ٦٢.٤٦٨.٠٧٧ ولاحظ أن المسلمين
الذين تحت سلطة إنكلترة أكثر من الذين تحت سلطة أي دولة غيرها في
هذه العصور أو في العصور المتوسطة، ومسلمو المستعمرات الإنكليزية والهند يبلغ
عددهم ٩٥ مليونًا أي أنهم يزيدون ٥ ملايين على النصارى الذين يحكمهم الإنكليز
ومسلمو الهند الإنكليزية آخذون في النمو , وقد جاء في كتاب (الهند وحياتها
وأفكارها) الذي ألفه الدكتور (جونس) أن عدد المسلمين ازداد في السنوات العشر
الأخيرة ٩١ في الألف مع أن زيادة عدد السكان بنسبة ١٩ للألف وفي جاوه
٢٤.٢٧٠.٦٠٠ مسلم، ومسلمو روسية ٢٠ مليونًا , وفي السلطنة العثمانية
١٤.٢٧٨.٠٠٠مسلم , وعدد المسلمين في كل واحد من أقطار مصر وفارس
ومراكش والجزائر وبلاد العرب والأفغان وغيرها يتراوح بين ٤ ملايين و٩ ملايين
ولا تخلو بلدة في آسيا وإفريقيا من سكان مسلمين، وقد يكون المسلمون أقل من
غيرهم في بعض هذه البلاد إلا أن هذه الأقلية في نمو مستمر. وفي بلاد التبت
المقفلة أبوابها في وجوه الأجانب ٢٠ ألف مسلم. والإسلام منتشر في الكونغو وبلاد
الكاب. وهو في نماء سريع في بلاد الحبشة. ويدور على الألسنة منذ انعقد مؤتمر
مصر أن كثيرًا من القبائل النصرانية التي في شمال الحبشة دخلت في الإسلام،
وإن كانت أسماء أفرادها لا تزال كما كانت من قبل.
والمبشرون المنتشرون على ضفتي النيل وشرقي إفريقيا وبلاد النيجر
والكونغو يرفعون أصواتهم بالشكوى من انتشار الإسلام بسرعة في هذه الأنحاء.
وبالرغم من أن انتشاره في الهند الهولندية قد لقي موانع من مجهودات جمعيات
التبشير الهولدنية والألمانية فهو يتوطد ويثبت هناك؛ لأن المسلمين أخذوا يستبدلون
التقاليد الحشوية والخرافية ويتمسكون بعقائد ثابتة قوية، ففى (صومتره) اكتسح
الإسلام الأرجاء الوثنية وفي جاوه ظهر بمظهر جديد على أثر تأسيس المدرسة
الجامعة الإسلامية، وكثرة طبع القرآن وازدياد عدد الدعاة والمرشدين المسلمين.
وما زال الوطنيون يدخلون في شبكة الإسلام إلى درجة يتعذر فيها على المبشرين
المسيحيين أن يلقوا لأعمالهم رواجًا.
وفي أميركا عدد كبير من المسلمين لا يُستهان به؛ لأنه صار ٥٦ ألفًا، وفي
مستعمرة (لاغوبان) الإنكليزية فقط ٢٢ ألفًا منهم وفي أميركا الوسطى ٢٠ ألفًا.
والبلاد الإسلامية التي لم يدخلها المبشرون البروتستانت هي التركستان
الروسية، وفيها خمسة ملايين من المسلمين وخيوه وفيها ٨٠٠ ألف وبخارى وفيها
١.٢٥.٠٠٠ والأفغان وفيها ٥ ملايين وبرقة (بني غازي) وفيها ١٠٠.٠٠٠
وتونس وفيها مليون ووهران وفيها ١.٣٠٠.٠٠٠ وريف مراكش وفيه ٢.٢٦٠.٠٠٠
وفي وادي مولويه وصحراء مراكش يتنافس الإسلام والنصرانية في الاستيلاء على
الوثنية. ونجد والحجاز وحضرموت لا يوجد فيها مبشر واحد وجزائر مالزية وفيها
أكثر من مليون مسلم خالية من إرساليات التبشير.
***
الانقلابات السياسية والجامعة الإسلامية
انتقل الرئيس زويمر في خطبته الافتتاحية إلى قسمها الثاني الخاص
بالانقلابات السياسية التي حدثت أخيرًا في العالم الإسلامي فشكر الله على حدوث
هذه الانقلابات في غرب آسيا إذ كانت موجبة للإعجاب والاستغراب وبددت معالم
التجسس وأقامت الحرية على أنقاض الاستبداد وصار التجول في البلاد العثمانية
والعربية والفارسية غير ممنوع وأصبح عبد الحميد سجينًا في سلانيك. وارتبطت
المدينة بدمشق بواسطة السكة الحديدية، وتلألأ نور الكهربائية على الروضة النبوية.
كل هذا يعد عصرًا جديدًا في تاريخ آسيا الغربية وإفريقيا الشمالية.
وصار مسلمو روسيا يحاولون تعزيز حقهم في الدوما ويؤلفون الجمعيات
للتدرج في مراقي المدنية.
إلا أن النزعة الجديدة في مصر إسلامية محضة، يراد بها جعل مصر
للمصريين باعتبار أن المصريين مسلمون. ونتيجة ذلك اضطهاد المسيحيين في
مصر! خصوصًا إذا كانت إنكلترا لا تترك خطتها في ترجيح كفة المسلمين.
وأن بوادر الانقلابات قد أخذت تظهر في جزائر مالزية أيضًا فأسس شبان
(جاوه) جمعية الاتحاد العام (بوندي أوتومو) الذي يرمون به إلى إحداث ارتقاء
اجتماعي واتباع مبادئ التربية والاستقلال الإداري. وقد فسروا القرآن بلغتهم.
وتوجد في (طوكيو - اليابان) جريدة باللغة الصينية اسمها (النهضة
الإسلامية) منتشرة في كل بلاد الصين. وجريدة إنكليزية ينشرها مسلم مصري
وآخر هندي. وفي ذلك دلالة على مبلغ حركة الجامعة الإسلامية.
واحتلال الجيش الفرنسي لمقاطعة (واداي) بإفريقيا في العام الماضي أهم
حادث سياسي في هذا العصر؛ لأن واداي كانت أهم مركز في إفريقيا للاتجار
بالرقيق وانتشار الإسلام، وعلى ذلك فإن هذا المركز أصبح تحت سلطة أوربية
تحتفظ به مهما كلفها ذلك. وهذه الحادثة جعلتنا في مأمن من أن تكون واداي بعد
الآن مركزًا للحركات الحربية ضد الحكومات النصرانية، وهي أيضًا ستقلل نفوذ
مشايخ الزوايا السنوسية بحيث لا يستطيعون الوقوف في طريق التقدم الاستعماري
والتجاري في الإسلام.
ولم يبق الآن غير ٨٠٠. ١٢٨. ٣٧ مسلم تحت سلطة حكومات إسلامية
وقد انتقلت السلطة السياسية على أكثرية المسلمين من يد الخلافة الإسلامية إلى يد
إنكلترا وفرنسا وروسيا وهولندا. وعدد المسلمين الذين تحت سلطة كل واحدة من
هذه الدول يفوق عدد المسلمين الموجودين في كل أرجاء السلطنة العثمانية، وإن
عدد المسلمين الذين تحت سلطة الدول النصرانية سيزداد كثيرًا عقيب انقلابات
قريبة الحصول، وبذلك تزداد مسئولية الملوك النصارى في مهمة تنصير العالم
الإسلامي!
***
الانقلابات الاجتماعية والفكرية
قال الخطيب: إن الإسلام قد بدأ ينتبه لحقيقة موقفه. ويشعر بحاجته إلى
تلافي الخطر. وهو يتمخض الآن بثلاث نهضات إصلاحية: الأولى: إصلاح
الطرق الصوفية، الثانية: تقريب الأفكار من الجامعة الإسلامية، الثالثة: إفراغ
العقائد والتقاليد القديمة في قالب معقول.
ومصدر هذا الشعور بالحاجة إلى الإصلاح واحد، وهو التغير الذي حدث في
الإسلام عندما اكتسحت أهله الأفكار العصرية والحضارة الإفرنجية، ولا يمنع هذا
أن يكون الشعور مؤديًا إلى عاطفة الاحتجاج والحذر أو إلى التوفيق والتحكيم؛ لأن
كلا العاطفتين تجتمعان عند جعل الإسلام في مستوى الأفكار العصرية.
قال (إسماعيل بك غصبر نسكي) في جريدته (ترجمان) : إن العالم في
تغير وارتقاء مستمر، ولكن المسلمين لا يزالون متقهقرين أشواطًا بعيدةً.
وقال (الشيخ على يوسف منشئ أهم جريدة إسلامية) في خطاب ألقاه على
جمهور عظيم: إن المسيحيين قد سبقونا في كل شيء. فالمسلمون ليس لديهم
بواخر في البحر، وهم غير منتبهين لموقفهم، ومجهوداتهم متشتتة، وكل ما
يفعلونه أنهم يمشون وراء مرشديهم، ولكن بغير اهتمام ذاتي لإدراك الأمم التي
سبقتهم. ومثل كلام هذين الرجلين ما سمعناه مرارًا في الهند وغير الهند.
ثم قال القسيس زويمر: وإن نهضة الشعوب الإسلامية وانتباهها لمعرفة
مركزها يدعوانها إلى التساؤل عن طريقة التوفيق بين المبادئ الدستورية والمبادئ
الدينية وتاريخ الدستور الفارسي وحركة الارتجاع في البلاد العثمانية يؤيدان وجود
تباين بين الأفكار الديموقراطية ونصوص القرآن (!!!) .
ويمكننا أن نرتاب في صحة التصريح الصادر من شيخ الإسلام عن انطباق
تأسيس مجلس المبعوثان العثماني عن النصوص القرآنية! ومما يؤيد ارتيابنا وقوف
المبعوثين المسلمين المعروفين بالتقى في وجه كل إصلاح يعرض على مجلس
المبعوثان والصحف المصرية تدافع عن الفظائع التي أمر بها سلطان مراكش والبدو
يخربون السكة الحديدية الحجازية بدعوى أن (العربات) المخصصة فيها للصلاة
تنافي الشعائر الإسلامية؟ !
وفي العالم الإسلامي الآن حركتان متناقضتان يحمل لواء الحركة الأولى رجال
الصوفية والمشايخ في اليمن والصومال والبوادي وشعارهم الرجوع إلى التعاليم
المحمدية، والحركة الثانية يتولى زعامتها أنصار الإصلاح ومبشرو الإسلام الجديد
في مصر والهند وجاوه وفارس، وهؤلاء يبنون أساسهم على وضع الطرق المعقولة.
والصحف الإسلامية في (باكو) تتبع رجال الحزب الثاني الذي يقول: إن
الجمود والخرافات مما طرأ على الإسلام وهوغريب عنها كما أن فظائع دواوين
التفتيش في القرون الوسطى ليست مما يأمر به المذهب الكاثوليكي.
ثم أشار إلى كتاب (حقيقة الإسلام) الذي ألفه محمد بك بدر المتخرج في
جامعة أدنبرج فقال: إن هذا الكتاب يدل على أن أشياع الإسلام الجديد! يريدون أن
يرموا من السفينة مشحونها لينقذوها من الغرق.
وقال القسيس زويمر بعد ذلك: إن تأويل سورة الكهف وسورة النساء
وتطبيقهما على مقتضى العقل أمر مستحيل! ولو اقتصرنا على مطالعة ما كتب عن
الحجاب وتعدد الزوجات في الصحف الإسلامية يتضح لنا أن ما يظهر لنا من وحدة
الأفكار في الإسلام غير صحيح وهذه الوحدة مهددة بالنزاع والتناقض.
ولا ريب أن في فارس والسلطنة العثمانية بل والبلاد العربية ألوفًا من
المسلمين مقتنعون بصحة النصرانية [١] ومخالفتها للإسلام؟ !
وأشار إلى قول الدكتور (و. شيد) من أن الإسلام يتحكك في كل قطر
بالمدنية العصرية ومبادئها وملاحظته لهذه الانقلابات يتوقف عليها بقاؤه، فتساءل
عن نتيجة ذلك وعما إذا كان في الإمكان مجاراة تيار الحضارة مع الاحتفاظ بمبادئ
القرآن وتعاليمه، وعما إذا كان التقدم الاجتماعي والعقلي المجرد من كل صبغة دينية
كافيًا لسد الحاجة الروحية في الملايين من المسلمين. أو أن العالم الإسلامي -
رجاله ونساءه - ينهض من كبْوته ليتسلق معالم المجد الذي أبقاه على الأرض يسوع
المسيح ابن الله! ! [٢]
***
خطة الكنائس بعد مؤتمر مصر
وانتقل زويمر بعد هذا إلى القسم الرابع من خطابه وهو الكلام على الخطة
التي اتبعتها كنائس أوربا وأمريكا بعد مؤتمر مصر. فذكر أن مؤتمر مصر كان
فاتحة عصر جديد لتنصير المسلمين؛ لأنه كشف الحجاب عن أمور كثيرة كانت
مهملةً ومنسيةً، وحثّ الكتاب على وصف أعمال المبشرين في بلاد الإسلام،
واستنجد بالكنائس واستصرخها. فخاضت الجرائد والمجلات في مسألة الانقلاب
العثماني والانقلاب الفارسي والنهضة المصرية وحركة الجامعة الإسلامية، ومكانها
من الحالة السياسية الحاضرة. وكل هذه الكتابات التي نشرتها الجرائد أبانت عما
يجب أن نعمله في العالم الإسلامي، وصنفت الكتب الكثيرة التي يراد بها تعريفنا
ببلاد الإسلام وحالات المسلمين مثل كتاب (المشرق الأدنى والمشرق الأقصى)
الذي طبع منه٠٠٠ ' ٤٥ نسخه، ومثل كتاب (أخواتنا المسلمات) ، وكتاب
(العالم الإسلامي) الذي طبع منه ٠٠٠' ٥٠ نسخة، وأكثر هذه الكتب نشر بلغات
متعددة. وكتب المبشرون في هذه المدة مقدار عشرين كتابًا بحثوا بها في المعضلة
الإسلامية من كل أوجهها وكلها مبنية على بحث واستقصاء. ومن هذه الكتب كتاب
(دين الإسلام) و (الشعائر الدينية الإسلامية) و (الإسلام والنصرانية في الهند
والشرق الأقصى) و (صليبيو القرن العشرين) و (مصر والحرب الصليبية)
و (الإسلام في الصين) .
وختم القسيس زويمر خطابه الافتتاحي بقوله: إذا نظرنا إلى البلاد التي
يحكمها هذا الدين الكبير المخاصم لنا، وإلى البلاد التي يتهددها بحكمه إياها يظهر
لنا أن كل واحدة من هذه البلاد هي رمز لعنصر من المعضلة الكبرى. فمراكش في
الإسلام مثال للانحطاط. وفارس مثال للانحلال. وجزيرة العرب مثال للرقود.
ومصر مثال لمجهودات الإصلاح. والصين مثال للإهمال. وجاوه مثال للتغير
والانقلاب. والهند مركز التحكك بالإسلام. وإفريقيا الوسطى مكان للخطر
الإسلامي.
والإسلام يحتاج قبل كل شيء إلى المسيح!! فهو الذي يرسل أشعة النور إلى
مراكش ويعيد الوحدة لفارس والحياة لجزيرة العرب والنهضة لمصر ويرد إلى
الصين ما أهمله الإسلام فيها. وهوالذي يبقي لأهالي مالزية بلادهم، ويزيل الخطر
العظيم من إفريقيا!
***
بعد مؤتمر مصر
رأى القائمون بمؤتمر لكنهوء أن تقرأ قبل الخوض في موضوعات هذا
المؤتمر تقارير اللجان التي تألفت بعد مؤتمر مصر. فقرأ الدكتور (ويتبرخت)
الألماني تقريرًا عن حالة المؤلفات التي صنفت لتبشير المسلمين. وَأَبَانَ أن دائرة
انتشار هذه المؤلفات قد اتسعت جدًّا باللغات الثلاث التي هي أهم اللغات الإسلامية
ويعني بها العربية والفارسية والأُرْدِيَّة. وأن قسمًا كبيرًا من هذه المطبوعات خاصّ
بالبلاد العثمانية، ومنها ما تكرر طبعه مثل مؤلفات القسيس (بفندر) ومنها ما
هو مكتوب بأسلوب عصري صار يفيد التبشير منذ أخذ العالم الإسلامي يتحكك
بالعلوم العصرية. وأهمية هذه المؤلفات كبيرة في الهند؛ لأن الذين يكتبونها هم
مسلمو الهند المتنصرون مثل (عماد الدين) الذي حصل من مدارس إنكلترا على
لقب (دكتور) في اللاهوت.
وبهذه اللغات الثلاث صار يمكن للمبشرين أن يتحككوا بثلثي المسلمين في
العالم. أما الثلث الثالث، فمؤلف من ١٠ ملايين صيني، و٢٠ مليونًا من
السلافيين، و٢٥ مليونًا من السود. وهؤلاء لا توجد في لغاتهم كتب تبشير.
ثم تليت تقارير أخرى في بيان ضرورة نشر مؤلفات في المناظرات الدينية
التاريخية التي تكون مكتوبة بأسلوب عصري على ما تقتضيه حالة المسلمين في
مصر والهند وسائر أقطار الشرق. ثم أشاروا إلى مساعدة صحف أوروبة الكبرى
للمبشرين لاهتمامها بالأمور الإسلامية. ومن أدلة هذا الاهتمام إنشاء مجلة العالم
الإسلامي الفرنسية [٣] ، ومجلة الإسلام الألمانية ودائرة المعارف الإسلامية التي
نشرت بثلاث لغات.
***
الجامعة الإسلامية
وبعد أن تليت التقارير الكثيرة في موضوعات مختلفة بدأ المؤتمرون بالمسائل
التي عقدوا مؤتمرهم لأجلها. وافتتحوا ذلك بمسألة الجامعة الإسلامية، فقدمت عنها
ثلاثة تقارير: الأول من القسيس (نلسن) عن (حركة الجامعة الإسلامية في
السلطنة العثمانية) . والثاني من القسيس (ورنر) السويسري عن (الجامعة
الإسلامية في إفريقيا) والثالث من القسيس (سيمون) عن (حركة الجامعة
الإسلامية في مالزية) .
قال القسيس نلسن عن الجامعة الإسلامية في السلطنة العثمانية: إن حركة هذه
الجامعة قد ضعفت جدًّا بعد خلع السلطان عبد الحميد، ولكن لا تزال في الأهالي
روح تضامن ملازمة للإسلام وهي سائدة بين مسلمي سورية إلى درجة تدعو
للتبصر في علاقتها بزعماء الفكرة الإسلامية.
ثم قال: إن الألوف من مسلمي الأرض يتجهون في كل سنة إلى (مكة)
ويشربون ماء (زمزم) إلا أنه بالرغم من وجود كل أسباب الارتباط الخارجي
وبالرغم من وجود الاتحاد الذي يجعل لفكرة الجامعة الإسلامية قوة حقيقية إلى حدّ
يستدعي اهتمام المبشرين النصارى والحكومات النصرانية - بالرغم من ذاك وهذا
فإنه يستحيل أن يكون من المسلمين عنصر حي حقيقي في استطاعته أن يجمع شمل
السنيين والشيعة معًا ويضم الأتراك والفرس والهنود إلى العرب، ليكافحوا ويدافعوا
يدًا واحدةً على اتفاق وثقة متبادلة [٤] .
وختم القسيس نلسن تقريره بقوله: (اسمحوا لي أن أقول لكم أنه يظهر لي أن
اجتماع المسلمين بجامعة إسلامية بكل المعني الذي يدل عليه هذا اللفظ هو أمر
وهمي لا ثمرةَ له غير توليد أحلام تقلق رجال السياسة الذين يغلب عليهم الخوف
ويعتريهم المزاج العصبي) .
وقال القسيس (ورنر) عن الجامعة الإسلامية في إفريقيا: إن مدينة مكة
والطرق الصوفية هما من أكبر العوامل على بث شعور الوحدة بين المسلمين والنفرة
من كل شيء غير إسلامي، وهذا ما يسمونه بالجامعة الإسلامية.
وإذا كان في إفريقيا عوامل أخرى توجب تقدم الإسلام فيها فهي الأحوال
المساعدة التي يتصف بها الإسلام ومركز بلاده الجغرافي وارتقاء الشعوب الإسلامية
في السودان عن الشعوب الزنجية، ثم إن للحالة الاقتصادية والتجارة الداخلية تأثيرًا
كبيرًا على النيجر وبانوية ومقاطعة بحيرة تشاد؛ لأن التجارة في هذه الأصقاع كلها
بيد القبائل الإسلامية. وأما التجار الأوروبيون فيهتمون ببلاد السواحل على الأكثر
مع أن تجارة الذهب والملح والحديد والجلود والنارجيل (جوز الهند) ، ونقل هذه
المحصولات يستخدم فيه ألوف من الوطنيين الذين يحتك بهم التجار، ومن المحقق
أن التاجر المسلم يبث في هؤلاء الوطنيين مع بضاعته التجارية دينه الإسلامي
وحضارته الراقية. والحالة في السودان الغربي مثلها في السودان الشرقي.
وللإسلام في إفريقيا صديق آخر يساعده على انتشاره، ولعلكم تستغربون إذا
قلت لكم: إن هذا الصديق هو الاستعمار الأوربي، فإن الذي يفعله الاستعمار بعد
أن يسلب من الأمراء المسلمين سلطتهم السياسية هو أنه يقرر الأمن ويمهد السبيل
للمسلمين [٥] ، فبعد أن يكونوا منفورين من الوطنيين الوثنيين قبل الاستعمار
الأوربي بسبب الاتجار بالرقيق يصبحون بعد منعه أصدقاء لهم، فيتعامل
الفريقان ويتفاهمان بكل حرية ومحبة.
ومن هذا يتبين أن الاستعمار يسلب من المستعمرات السلطة الإسلامية
السياسية، ولكنه يزيد الإسلام نفوذًا فيها.
ثم أسف صاحب التقرير أن المنافع الإسلامية تتم بإرادة المستعمرين؛ لأنهم
يفضلون استخدام المسلمين وتوظيفهم واستشهد على هذا بقول (أسكنفلد) مفتش
إرساليات التبشير إذ صرح في المؤتمر الاستعماري الألماني بأن الإسلام يتبع
خطوات الأوربيين حيثما ذهبوا، فلا توجد نقطة عسكرية أوربية بدون جنود
مسلمين ولا توجد مصلحة استعمارية أوروبية بدون مستخدمين مسلمين. ولا تكاد
توجد مزرعة خالية من حانوت لمسلم يبيع فيه ويشتري.
وتكلم (ورتر) عن المدرسة التي أسستها إنكلترة في (سيره ليونه) بغرب
إفريقيا لتعليم أطفال القبائل الإسلامية والوثنية باللغة العربية، وعدم تعليمهم الديانة
النصرانية احتفاظًا بمبدإها في الحياد الديني.
ثم قال: ولو اتفق أن المسلمين غضبوا للصور الموجودة في كتب دروس
الأشياء فلا تتأخر إدارة المستعمرات الإنكليزية عن استفتاء علماء الإسلام في
الآستانة ومصر والهند استرضاءً لآباء التلاميذ وأقاربهم.
ثم أشار إلى تقدم الإسلام في إفريقيا، فتساءل عما إذا كان هنالك عمل مرتب
ويد عاملة على نشره أم أنه ينتشر بطبعه؟ وأجاب بأن من الصعب حل هذه المسألة؛
لأن القوات الفعلية التي ينتشر بها الإسلام تختلف عن قوات المبشرين بالنصرانية.
ولكن يظهر أن النظام في نشر دين الإسلام أقل مما نتصوره؛ لأن المسلمين
يجهل بعضهم أخبار البعض الآخر وأحواله، وإذا اتفق أنهم اشتركوا في أمر ما
فإنما يكون ذلك بدون قصد. ومن الخطأ أن يقال إن الجامع الأزهر يرسل ألوف
المبشرين إلى إفريقيا الوثنية للدعوة إلى الإسلام؛ لأن الأزهر ليس معهد تبشير كما
هي مدارس اللاهوت في أوربة، ويقال مثل ذلك عن كل المدارس الإسلامية في
شمال إفريقية. ويستثنى من ذلك المدارس التي يديرها مشايخ الطرق في الصحارى
وفي السودان.
وعاد قبل أن يختم تقريره فقال: إلا أن هنالك قرائنَ كثيرةً تدل على وجود يد
تعمل بقصد لنشر الإسلام. فإنه يظهر في ربوع إفريقية من وقت إلى آخر مبشرون
متنقلون يدعون المهدوية ويثيرون الفتن الشديدة؟ ومن الذي يمكنه أن يبين لنا
علاقة أصول الدين بهؤلاء المبشرين المتنقلين! ولا ريبَ أن بين ناشري القرآن
الكثيرين في إفريقية أناسًا هم أعضاء سِرِّيُّونَ ينتسبون إلى طرق دينية.
وتكلم بعده القسيس سيمون عن حركة الجامعة الإسلامية في مالزية، فقال:
يزعم بعضهم أن الإسلام في الهند تنقصه الحياة، وأنه غير مرتب وأنه صبياني.
ولكن يجب علينا أن لا ننسى ارتباطَ الإسلام في الهند بمكة. وهذا الارتباط يدعو
سكان جزائر مالزية على الاعتقاد بأنهم جزء من مجموع كبير. وأن سلطة
النصارى عليهم شيء مؤقت. وسيأتي يوم يجيئهم فيه السلطان العثماني الذي هو
أكبر أمير في أوربة ومرتبط بأواصر المودة مع إمبراطور ألمانية فينقذهم من يد
النصارى عقب حرب دينية. ونحن نرى البوجيين يبيعون الآن كرات سحرية
لتستعمل في محاربة هولندة يوم تنشب المعركة المنتظرة.
ولكن عبثًا يبني هؤلاء آمالهم على الجامعة الإسلامية؛ لأن التربية النصرانية
قد انبثت في دمائهم بفضل مدارس التبشير وباحتياطات استمدتها حكومة هولندة من
أصول الدين النصراني، ومن شأنها أن تزعزع آمال المسلمين الباطلة!
وقال بعد هذا في ختام تقاريره: إن العامل الذي جمع هذه الشعوب وربطها
برابطة الجامعة الإسلامية هو الحقد الذي يضمره سكان البلاد للفاتحين الأوربيين
ولكن (المحبة) التي تبثها إرساليات التبشير النصرانية ستضعف هذه الرابطة
وتوجِد روابط جديدة تحت ظل الفتح الأجنبي!
((يتبع بمقال تالٍ))