للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مهاتما غاندي


الصحة
تأليف زعيم الهندوس الأكبر مهاتما غاندي
ترجمةالأستاذ الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي

الباب الثامن
الأمومة والولادة
كان غرضنا في الأبواب الماضية بيان وحدة الأصل والعلاج لبعض الأمراض
الكثيرة الشيوع وإننا لنعلم أن الذين أصبحوا لسوء عاداتهم عرضة للأمراض أو
الذين يخافون من الموت دائمًا لا يزالون يضعون أنفسهم تحت رحمة الأطباء مهما
حاججناهم ومنعناهم من ذلك، ولكنا على كل حال نظن بأن هنالك على الأقل أفرادًا
يريدون أن يزيلوا أمراضهم بطرق طبيعية محضة ويحفظوا أنفسهم من هجوم
الأمراض الجديدة فهم بلا شك يحبون أن يتبعوا النصائح الساذجة التي بسطناها في
هذا الكتاب وقبل أن نغلقه نريد أن نشير بعض الإشارات إلى الأمومة وتربية الطفل،
وكذلك إلى بعض الحوادث الفجائية التي يكثر وقوعها. إن أوجاع الولادة غير معروفة
لدى الحيوانات الدنيا وكذلك النساء الصحيحات صحة تامة وإن أكثر القرويات
ليعددن الولادة شيئًا عاديًّا صرفًا فلا يزلن في أشغالهن العادية المتعبة إلى آخر لمحة
من الحمل تقريبًا وقلما يتألمن من الوضع.
لماذا إذن تتعذب نساء المدن هذا العذاب الأليم عند الوضع؟ ولماذا يضطررن
إلى التداوي الخاص قبل الولادة وبعدها؟
الجواب ظاهر وهو أن هاتة النسوة تعيش عيشة غير طبيعية فطعامها وعوائدها
وطرق معيشتها كل مخالفة للقوانين الطبيعية للحياة الصحية، ثم إنها فوق هذا ومع
حملها قبل أن يكمل استعدادها للحمل استعدادا تامًّا تكون ضحية مأسوفًا عليها لشهوة
الرجال أثناء الحمل، وبعد الوضع مباشرة وهكذا تحمل مرة قبل أن يمضي على
خلو الرحم مدة يعتد بها هذا هو سبب العذاب والتعاسة التي نجد فيها مئات الألوف
من بناتنا وأخواتنا الآن.
إن مثل هذه الحياة في رأيي قلما تختلف عن حياة المجرمين في جهنم، وما دام
الرجال يعاملون النساء بهذه المعاملة الفظيعة فلا يمكن أن يكون هناك أي رجاء
للمسرة لنسائنا؛ يحمل كثير من الناس اللوم على كواهن النساء نحن لا نناقشهم في
ذلك لأنه ليست وظيفتنا هنا الموازنة في الإثم المشترك بين الرجل والمرأة في هذه
المسألة، وإنما الذي يهمنا هو معرفة الشر الواقع والإشارة إلى علاجه ليعلم
المتزوجون والمتزوجات جيدًا أنه ما دام التمتع الزوجي موجودًا قبل أوانه وأثناء
الحمل وبعد الوضع مباشرة فلا يمكن أن تنجو النساء من أوجاع الولادة أو ترى
الولادة السهلة بل يبقى هذا الأمر حلمًا غير محقق.
تتحمل النساء بسكوت جميع أوجاع الولادة؛ لأنها تعترف باطلا بأنه لابد لها
منها، ولكنها لا تعلم أن جهلها وضعف إرادتها هو الذي يجعل ولادتها تتعسر
وأولادها يكبرون ضعفاء غير نشطين، إن من وظائف كل رجل وامرأة السعي في
إزالة هذه المصيبة بأي طريقة تتيسر. ولو أدى رجل واحد أو امرأة واحدة هذه
الوظيفة تكون الدنيا قد تقدمت إلى الأمام إلى ذلك الحد ومن البديهي أن هذا ما لا
يحتاج الإنسان في القيام به ولا ينبغي أن يحتاج إلى القدوة بإنسان آخر.
فعلى هذا أول وظيفة تجب على الزوج أن يقطع كل علاقة زوجية مع زوجته
من ساعة الحمل. إن المسئولية التي تقع على الزوجة خلال مدة الحمل لعظيمة جدًّا
يجب عليها أن تعلم جيدًا أن أخلاق الطفل الذي ستلده تتوقف كلها على حياتها
وسيرتها أثناء هذه المدة المقدسة، فإن هي ملأت مخيلتها بالحب لجميع الأشياء
الطيبة العالية والتفكر فيها، فالطفل كذلك ينطبع على هذه الطبيعة نفسها وبالعكس
إن وسعت المجال للغضب وغيره من الميول الفاسدة فطفلها كذلك يرث هذه الميول
حتمًا.
فإذن يجب عليها خلال هذه الأشهر التسعة أن تشغل نفسها تمامًا بأعمال طيبة
فتطهر مخها من كل خوف، وقلق، وانزعاج، ولا توسع المجال على نفسها لفكرة
خبيثة أو ميل فاسد ولا تضيع دقيقة واحدة في لغو الكلام أو الفعل عبث؛ فالطفل
الذي يولد لمثل هذه الأم لابد من أن يكون شريفًا نبيهًا قويًّا.
يجب أن تبقى الحامل نظيفة الجسم مثلما تبقى نظيفة المخ، وأن تستنشق كمية
كبيرة من الهواء النقي، وتقتصر على الغذاء الخفيف الجيد بقدر ما تستطيع هضمه
بسهولة، فإن هي قامت بجميع النصائح التي قد بينت في مسألة الغذاء وغيره فلن
تضطر إلى الاستعانة بالأطباء، وإن هي أصيبت بالإمساك فلتزد كمية زيت
الزيتون في الطعام، وفي حالة الغثيان والقيء يجب أن تشرب عصير الليمون في
الماء بدون سكر، ثم عليها أن تهجر جميع البهارات والتوابل على اختلاف أنواعها.
والميل الذي يتولد في الحامل إلى أكل أشياء مختلفة جديدة يمكن إزالته
باستحمام (كيوهن) الذي يزيد فوق ذلك قوتها الجسدية والحيوية ويسهل أوجاع
الولادة، وعليها أن تقوي إرادتها، فتقتل مثل هذه الرغبات في أول نشأتها، ويجب
على الوالدين أن يهتما غاية الاهتمام بخير الجنين في الرحم.
وكذلك يجب على الزوج أن يجتنب المشاجرة والخصام مع زوجته أثناء هذه
المدة؛ فيسير معها سيرًا يسرها ويرضيها وعلى الزوجة أن تقلل من واجبات البيت
الثقيلة وأن تمشي في هواء طلق مدة كل يوم وأن لا تستعمل أي دواء أثناء الحمل.
***
الباب التاسع
تربية الطفل
ليس غرضنا في هذا الباب ذكر وظائف القابلة أو المرضع بل نريد أن نبين
الاحتياطات الواجب اتخاذها إذا ولد الولد. إن الذين قرءوا الأبواب المتقدمة
لا يحتاجون إلى التنبيه على عظم الضرر الذي يلحق الأم بحبسها في حجرة مظلمة
فاسدة الهواء وتنويمها على فراش وسخ مع نار تحت سريرها أثناء مدة النفاس. إن
هذه العادة مهما تكن قديمة فهي محاطة بمخاطر كثيرة على كل حال، نعم، إن
التدفئة في أيام الشتاء واجبة ولكن ذلك يتم على أحسن صورة باستعمال الأغطية
الدافئة، وإن كانت الحجرة باردة جدًّا ولا بد من وضع النار فيها فلتوقد خارجها فإذا
ذهب دخانها تدخل فيها، وفي هذه الحالة أيضًا لا ينبغي وضعها تحت
السرير وكذلك تحصل التدفئة بوضع قوارير الماء الساخن على الفراش يجب
أن تنظف جميع الملابس والأقمشة تماماً بعد الولادة وقبل استعمالها ثانية.
وبما أن صحة الطفل تتوقف على صحة الأم فلذلك يجب الاهتمام العظيم
بغذائها وطرق معيشتها فيقدم إليها الطعام من القمح مع كمية كبيرة من الثمار الجيدة
كالموز وزيت الزيتون حتى تسري فيها الحرارة والقوة وتدر لبنًا كثيرًا.
إن زيت الزيتون يوجد الخواص المسهلة في لبن الأم وهكذا يساعد في حفظ
الطفل من الإمساك وإن انحرفت صحة الطفل وجب الاهتمام بحالة صحة الأم. إن
معالجة الطفل بالأدوية تساوي قتله؛ لأن الطفل بسب ضعف بنيته يمرض سريعاً من
تأثيراتها السامة؛ ولذلك يجب أن تعطى الأدوية للأم لا للطفل لكي تنتقل فوائدها إليه
مع لبنها، وإن أصيب الطفل بالسعال أو الإمساك كما يحصل كثيراً فلا ينبغي الخوف
من ذلك بل يجب الانتظار يوماً أو يومين لنعرف أساس المرض فنداويه، إن الجزع
والخوف لا يزيد الأمر إلا سوءًا وشدة.
يجب أن يغسل الطفل في الماء الفاتر دائمًا وتقلل ملابسه ما أمكن بل الأحسن
أن لا يلبس بضعة أشهر ثوبًا ما وينوم علي قماش أبيض لين ويغطى بقماش دافئ
ويترك حرًّا في حركاته ليتقوى ويتصلب يجب أن توضع قطعة من القماش الجيد
مطوية أربعة طيات على السرة وتربط فوقها عصابة.
إن عملية ربط السرة بخيط وتعليقه في العنق مضرة جدًّا بل يجب أن تكون
عصابة السرة غير مشدودة شدًّا محكماً وإن كان المكان حول السرة رطباً فينبغي أن
يذر عليه ذرور (بودرة) دقيق الرز الجيد الناعم جيدًا.
وما دام اللبن عند الأم كافيًا فيجب أن يقتصر عليه الطفل وحده، فإن قل يجوز
استعمال دقيق القمح المشوي المطحون جيدًا في الماء الساخن مع قليل من السكر
فإنه يأتي بنتائج حسنة، وكذلك نصف علبة من دقيق الموز معجوناً بنصف ملعقة من
زيت الزيتون نافع جدًّا، وإن كان لا بد من إعطائه لبن البقرة فيجب أن يمزج أولاً
بالماء بمقدار الثلث ثم يوضع على النار حتى يغلي ثم يزاد فيه قليل من سكر
القصب كذلك.
إن استعمال السكر عوضًا من سكر القصب مضر يجب أن يعود الطفل
تدريجًا على أكل الغذاء من الثمار ليبقى دمه طاهرًا من أول الأمر ويكبر قوي
الاستعداد للرجولية، وعظائم الأمور، إن الأمهات اللاتي يبادرن إلى إطعام
أطفالهن الأشياء الثقيلة كالرز والنباتات والعدس بمجرد ظهور الأسنان بل قبل ذلك
أيضًا فإنهن يضررنهم ضررًا بليغًا ولا احتياج إلى القول بأن القهوة والشاي يجب
منعها عنهم بتاتًا.
إذا كبر الطفل وأخذ في المشي فيلبس القميص وما شاكله من الملابس، ولكن
يجب أن تبقى أقدامه حافية لتكون حرة للمشي والتنقل على إرادتها.
إن لبس الحذاء يمنع دورة الدم ونماء القدم والرجل، إن كسو الطفل الملابس
الحريرية أو الأقمشة المزركشة مع الطربوش والحلل والحلي عمل همجي، وإن
سعينا لزيادة الجمال الذي وهبته الطبيعة بمثل هذه الطريقة المضحكة إنما يدل على
غرورنا وجهلنا يجب علينا دائما أن نعرف أن تعليم الطفل يبتدئ بمجرد ولادته
فيتلقى هو هذا التعليم من والديه أكثر من كل أحد.
إن تهديد الأطفال وتخويفهم وشحن بطونهم بالأغذية كل ذلك إغارة على
أصول التعليم الحق، وكما يقول المثل القديم (إن الطفل يكون مثل والديه) فقدوة
الوالدين وعملهما لا بد من أن يفرغ في قالبه سير الطفل وأخلاقه؛ فإن كانوا ضعافًا
فيكون أطفالهم كذلك ضعافًا نحافًا، وإن كانوا يتكلمون بفصاحة وبيان فكذلك يكون
أطفالهم، وإن كانوا يتلعثمون ويجمجون، فأطفالهم يقلدونهم في ذلك، وإن كانوا
يسبون ويشتمون أو كانوا متعودين العادات القبيحة فأطفالهم أيضًا تقلدهم وتكبر في
أخلاق سيئة، والحقيقة أنه ليس هناك عمل لا يقلد فيه الطفل والديه.
فترى من ذلك كيف أن المسئولية ثقيلة عظيمة إلى أكتاف الوالدين فأول ما
يجب على الإنسان هو أن يعلم أولاده تعليمًا يجعلهم مستقيمين صادقين وحلية
للمجتمع الذي يعيشون فيه.
نحن نرى في عالم الحيوان والنبات أن كل شيء ينزع إلى شبه والديه وأسلافه
ولكن الإنسان وحده قد خرق هذا الناموس الطبيعي فنرى فيه وحده أن الأشرار
يولدون من والدين فاضلين، والضعاف من الأصحاء، وليس هذا ذنب الأولاد بل هو
ذنبنا نحن الآباء والأمهات الذين ندخل في حياة الأبوة والأمومة ونحن غير مستعدين
تمام الاستعداد لحمل مسئولياتها العظيمة الثقيلة. إن من الواجبات المقدسة على
جميع الآباء الأفاضل أن يربوا أولادهم تربية عالية وهذا يتطلب أن يكون الوالدان
قد تعلما تعليمًا صحيحًا، فإن كانا يريان أنهما لم يتلقيا مثل هذا التعليم ويشعران
بنقصهما فعليهما تسليم الأولاد إلى تربية مربين صالحين، وإن من الحمق وقبح
التصور أن نظن بأن الأولاد يحصلون على العلم بمجرد إرسالهم إلى المدرسة وما دام
التعليم والتربية في المدارس يخالف ما في البيت فلا يمكن أن يكون هناك رجاء
لإصلاح النشء الجديد.
وحيث إن التعليم الصحيح للطفل يبتدئ بمجرد ولادته مباشرة فينبغي أن يلقن
مبادئ العلم أثناء اللعب. وعلى هذه الطريقة كان يمشي القدماء في تعليم أولادهم،
وأما عادة إرسال الأطفال إلى المدرسة فمن بنات الأمس، وإذا قام الوالدان بما يجب
عليهما لأولادهما فلا يكون هناك حد لرقيهم ولكنا - ويا للأسف - لا نقوم بواجبنا بل
الواقع أننا نتخذ أطفالنا ألعوبة لنا نحن نزين أجسامهم بالملابس الجميلة ونحليهم
بالذهب والمجوهرات ونملأ بطونهم بالحلوى ونفسد عاداتهم بحنيننا المتناهي وعطفنا
الكاذب من منشئهم ونتركهم يسرحون ويمرحون على أهوائهم متأثرين بعوامل
الحب الكاذب، وما دمنا نحن نعبد بكل شقاء شهواتنا ونسير سيرًا معوجا ونعيش
في الكسل والوساخة؛ فهل من العجب أن اتبع أولادنا خطواتنا وأصبحوا ضعفاء
أشرارًا أنانيين كسالى عُبَّاد الشهوة سيئ الأخلاق مثلنا؟ فليتدبر جميع
الآباء والأمهات جيدًا هذه المسائل؛ لأن عليهم وحدهم يتوقف مستقبل البلاد.
((يتبع بمقال تالٍ))