نشرنا منذ بضعة أيام فصلاً عن الإسلام والطورانية الحديثة ضمّناه ما نشرته الصحف الإنكليزية نقلاً عن شركة (سنترال نيوز) الصحافية. وقد وقفنا الآن على مقالة ضافية في هذا الموضوع، نشرتها مجلة الشرق الأدنى فرأينا أن نورد خلاصتها لحضرات القراء، قال الكاتب: بدت طلائع الطورانية في الأستانة في عام ١٩١٣ ثم أخذت تمتد وتزداد جلاء حتى أصبحت نهضة عامة في جميع أنحاء السلطة العثمانية. وخلاصة ما يعرف عن هذه النهضة أنها تركية محضة غرضها الأصلي الانفصال عن الإسلام، ولها أغراض أخرى عديدة ينحصر أهمها في ما يأتي: (١) جعل الجنسية التركية مستقلة عن الإسلام. (٢) ترقية الروح العسكري في الأتراك. (٣) إنشاء علاقات تجارية وغيرها مع مسلمي آذربيجان وروسيا الأسيوية وروسيا الجنوبية. (٤) تطهير اللغة التركية من كل ما هو عربي أو فارسي. (٥) محو الجنسية العربية وإدماجها في الجنسيات الأخرى. ويرمي القائمون بهذه الحركة إلى جعل التركي يعتقد أنه تركي قبل كل شيء ومسلم بعد ذلك. ويقوم بمساعدة هذه النهضة جمعية (الملة التركية) التي تؤيدها الحكومة الاتحادية بالإعانات المالية. ومن مبادئ هذه النهضة تربية الأجيال الحاضرة والمستقبلة على الروح الطوراني بإنشاء مدارس طورانية بحتة , وبناءً عليه يجب التوسع في تعليم التاريخ باللغة التركية وإنشاء فرقة كشافة (سكوتس) من الأولاد الأتراك تحت إشراف أنور باشا. وقد أُنشئت الآن هذه الفرقة، وشرع الأولاد الذين يتربون تربية عسكرية توطئة لدخولهم في الجيش، أما شارات الفرقة وراياتها فمأخوذة عن رموز ترجع إلى ما قبل الإسلام والأولاد الذين لهم أسماء عربية تُستبدل أسماؤهم بأسماء تركية بحتة. ولهذه النهضة وجهة لغوية أيضًا؛ ولذلك أخذ زعماؤها يترجمون كثيرًا من المؤلفات العلمية والتاريخية إلى اللغة التركية البسيطة، وقد كان في نيتهم أن يترجموا القرآن أيضًا، ولكن علماء الإسلام قاوموا تلك الفكرة بكل عزم وحالوا دون تنفيذها. ويُعزى نشوء هذه النهضة إلى عدة أسباب منها السببين الآتيين وهما: (١) اللغة. لا يخفى أن أحرف اللغة التركية مأخوذة عن الأحرف العربية والاصطلاحات التركية تزداد كل يوم تعقدًا وصعوبة في نظر الطبقة الساذجة. (٢) كتاب المسيو (ليون كاهون) عن تاريخ الترك والمغول من أقدم الأزمنة إلى سنة ١٤٠٥ للميلاد، وقد توجت الأكاديمية الفرنسية هذا الكتاب. واتفق أن ناظم بك سكرتير جمعية الاتحاد والترقي العام، قد قرأ هذا الكتاب فوضع أساسات النهضة الطورانية التي نحن بصددها. ولا شك أن نهضة كهذه مما تهم العالم الإسلامي قاطبةً، وتهم أيضًا إنكلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا اللواتي يحكمن على الملايين من المسلمين، والذي يشجع الاتحاديين على ترويج هذه النهضة اعتقادهم صحة النظرية التي ابتدعها (فمبيري) وهي أن الإسلام يناقض فكرة الجنسية. فالاتحاديون يقولون: إن الإسلام بالاتحاد مع العوامل العربية والفارسية والرومية والبيزنطية قد جعل الأتراك (مسلمين ليفانتيين) وحال دون نشوء حضارتهم. على أن هذه الدعوة هي عكس الحقيقة تمامًا، فإن الأتراك الذين جاءوا أصلاً من حدود الصين وانتشروا في مجاهل آسيا حتى ضفاف (الأوكسوس) لم يكن لهم دين معروف أو حضارة راقية؛ لأنهم كانوا قبائل رُحَّل يؤجرون سيوفهم لكل من يطلب معونتهم. ولم يحاول أحد من قواد الأتراك أن يخضع جميع القبائل التركية. نعم: إن (جنكيز خان) كان يحلم بنشر سلطته عليها، ولكنه لم يفعل. وقد اشتهر بأنه كان يقتبس عن الصين والعجم والعربية وبيزنطة وجرمانيا كل ما كان يروقه فيها من آثار الحضارة. ولاشك أن أهم ما اقتبسه هو الاسلام فالإسلام لم يحُلْ دون نشوء الحضارة التركية؛ إذ لم يكن للأتراك حضارة خاصة بهم وكل ما لدى الأتراك من حضارة هو بفضل الإسلام. ولما كان التركي مشهورًا بروح الخضوع العسكري لمن يقوده، فقد جعل نفسه سيفًا في قبضة الإسلام. إن العنصر الطُّوراني لم يشتهر بشيء من قوة الابتداع. وما تاريخه سوى تاريخ تدمير. فقبائل (بوشي) أخربت مستعمرات بكتريا اليونانية. وقبائل (الهون) اجتاحت رومية الشرقية ورومية الغربية اجتياحًا همجيًّا وقبائل (أفار) سعت لسحق الشعوب السُّلافية في مهدها، و (هولاكور) ردم أقنية بابل، وجعل أخصب بقاع الدنيا بلادًا قاحلة حتى الآن، والعثمانيون أبادوا الحضارة البيزنطية التي ربوا عليها واكتسبوا منها شيئًا من العلم والمعرفة. هذه هي القبائل الطورانية التي تباهي (بأتيلا) الذي كان نقمة الله على العالم، وجنكيز خان الذي سمى نفسه (غضب الله - تعالى -) ولما شرع الألمان يحاربون البلجيك وغيرها من دول أوروبا رأوا أن يقتبسوا أساليب جنكيز وأتيلا وتيمورلنك. ومما يدل على أن العقل التركي ليس عقلاً مستنبطًا أنه لم يأت بمستحدَث في الإسلام. بل هو اتخذ الإسلام ودان به كما هو، ولو كان مخلوقًا مفكرًا لرأيناه بعد انتحاله الإسلامية يزيد عليه أو ينقص منه، ولكنه لم يفعل شيئًا من ذلك لعجز مخيلته عن الاختراع. إمبراطورية تركية ومما تسعى إليه نهضة الطورانية الحديثة إنشاء إمبراطورية حربية واسعة الأرجاء، تضم تحت ألويتها جميع قبائل التتر والمغول الخاضعة لروسيا أو لأية دولة أخرى. (أما الجنسية العربية فيجب إبادتها وإدماجها في الجنسية التركية المحضة؛ لأنها خطر كبير على الجنسية التركية ومن،أمثلة الأتراك من هذا القبيل قولهم: وإذا لم نعامل العرب كما نريد عاملونا بما نستحق) لذلك تراهم يسعون (لتتريك) العناصر العربية بحسب الأساليب البروسية. ومما يستحق الذكر أن جلال نوري بك الكاتب التركي الشهير قال في كتاب حديث ألفه ما يأتي: (إن بلاد العرب ولاسيما اليمن والعراق يجب تحويلها إلى مستعمرات تركية لنشر اللغة التركية التي يجب أن تكون لغة الدين. ومما لا مَندوحة لنا عنه للدفاع عن كياننا أن نحوّل جميع الأقطار العربية إلى أقطار تركية؛ لأن الجيل العربي الحديث قد صار يشعر الآن بعصبيته، وهو يتهددنا بنكبة عظيمة، فيجب أن نحتاط للأمر من الآن) . وكتب أحمد شريف بك مقالة في (طنين) جاء فيها ما يأتي: (لا يزال العرب يلهجون بلغتهم، وهم يجهلون اللغة التركية جهلاً تامًّا، كأنهم ليسوا تحت حكم الأتراك. فمن واجبات (الباب العالي) أن يجعلهم ينسون لغتهم ويجبرهم على تعلم لغة الأمة التي تحكمهم. فإذا أهمل الباب العالي هذا الواجب كان كمن يحفر قبره بيديه؛ لأن العرب لن ينسوا لغتهم وتاريخهم وعاداتهم. بل سيسعون لاسترجاع مجد مملكتهم وإعادة ترميمها على أنقاض دولة الأتراك) . وجاء في نبذة وزعها الأتراك في القوقاز: (إن العرب هم بلية علينا مع أن حصان التركي خير من أي نبي ظهر في العالم) . هذا وقد علقت مجلة الشرق الأدنى على هذه المقالة بتوجيه نظر العالم الإسلامي إلى الخطر الذي يتهددهم إن هم تباطئوا عن الاحتياط لدرء ذلك الخطر.