للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بيان حزب اللامركزية والإصلاح في الولايات
نشرنا في غير هذا الموضع بيان حزب اللامركزية إلا قليلاً منه أشرنا إلى
سبب حذفه، أما السبب الذي حمل الحزب على هذا، وعلى حمل اللجان
والجمعيات العربية على إرسال البرقيات إلى الصدارة العظمى بطلب اللامركزية
فهو مشروح في البيان. ونزيد عليه شيئًا نعلمه علم اليقين عسى أن تتدبره الوزارة
حق التدبر وهو:
أن بعض المتملقين للحكومة اليوم، الذين كانوا أشد تملقًا للحكومة الحميدية من
قبل، ما زالوا يغشون الوزارة الحاضرة وجمعية الاتحاد والترقي بتهوين أمر
طلاب الإصلاح اللامركزي وتحقيرهم، وزعمهم أنهم لا قيمة لهم عند الأمة ولا هي
ترى رأيهم، وأن الحكومة يمكنها أن تأتي هذا البنيان من القواعد بمعونتهم، وهم
أصحاب الزعامة بزعمهم، وما عليها إلا أن تواتيهم على ما جربوا من السياسة
الحميدية فتعيد فتنة الرتب والأوسمة سيرتها الأولى، وتفتن بزخرفها وزينتها أشهر
علماء المسلمين، وبعض قرنائها من المعارضين، فيتحد الفريقان على المصلحين،
ويحاربون الإصلاح باسم الدين، الذي جدل به عبد الحميد الفرسان الأحرار تجديلاً،
فجعلهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ولكنهم اهتدوا بعد إلى القوة.
هذا ما بلغ رجال الحزب من خبر المعارضين للإصلاح، ثم رأوا أن الحكومة
انخدعت لرقيتهم، وأمطرت على حملة العمائم مطرًا من الرتب والأوسمة، بدون
عمل كوفئوا بها عليه ولا مناسبة، ومن يهتدي برأي رجال عبد الحميد، لا مندوحة
له عن عمل عبد الحميد، ولم نكن ننتظر هذا من رجال حكومتنا الحاضرة، ولكنهم
سوفوا في ما وعدوا به من الإصلاح، حتى ما صدرت به إرادة مولانا السلطان،
وعادوا إلى التجارب التي تضيع بها نفائس الأوقات، فأراد حزب اللامركزية أن
يريهم آية من أكبر الآيات، على صدقه وإخلاصه هو وسائر المطالبين بالإصلاح
وأنهم هم زعماء الأمة لا أولئك المدعون الكاذبون، الغارُّون المغرورون،
وسيعلمون أيضًا أن معارضي الإصلاح من المعممين، تعدهم الأمة من المنافقين،
فلا نفوذ لهم في أمر الدنيا ولا الدين، وأما من عداهم من الصادقين، فهم لا يبيعون
دينهم وأمتهم بالرتب والنياشين.
هذا وإن رجال حكومتنا يعلمون أن أكثر المعارضين للإصلاح من العرب أولو
تملق ودهان، وطلاب مناصب ومنافع، ولكنهم كانوا يظنون أن السواد الأعظم من
العرب أقرب إلى رأيهم، لغلبة الجهل عليهم، وأن لهم نفوذًا في البلاد إذا أيدته
السلطة يزداد قوة، فيكون عونًا للحكومة على ما تريد من الأمة، فأراد الحزب أن
يخدم الحكومة بكشف الحقيقة لها في هذا الأمر أيضا. لعلها تبادر إلى الإصلاح من
تلقاء نفسها، في هذا الوقت الذي يعده طلابه فضلا وإحسانا منهم.
فإذا هي أصرت على المطل والتسويف يخشى أن تنتقل المسألة العربية
بحسب سنة الله تعالى في نظام الاجتماع البشري إلى طور آخر يضطر الحكومة إلى
الإصلاح اضطرارًا، أو يلجئ الأجانب إلى التوسط بينها وبين العرب، كما أنشئوا
يتوسطون بينها وبين الأرمن، وهذا ما لا يرضاه طلاب الإصلاح من العرب،
ولذلك لم يسعوا إليه كما سعت الأرمن، ولكنهم يخشون أن تلجئ إليه طبائع الأحوال،
وتقضي به سنن الاجتماع.