الدهر والزمن (س١) أحمد أفندي عبد الكريم بالزقازيق: نقرأ ونسمع كل يوم من مذام الدهر نظمًا ونثرًا من جميع الملل ما لا يخفى عليكم ولا نعلم ما يقصدون بالدهر الذي ينسبون إليه أفعالاً كالرفع والخفض والعسر واليسر وما مسمى هذا الاسم، أهي المدة الزمانية ولا دخل لها في الأفعال أم ماذا؟ والحامل على هذا السؤال أنني سمعت من أحد العلماء حديثًا أدهشني وهو: (لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله) وقد نرى أكثر سابِّي الدهر من العلماء الذي لا يغيب عنهم هذا الحديث فما رأيكم في هذا السؤال وفي صحة الحديث؟ أجيبوني ولكم مزيد من الشكر ومن الله الأجر. (ج) اختلف العلماء في تفسير الدهر والزمان والنسبة بينهما فقال الراغب: الدهر اسم لمدة العالم من مبدئه إلى منتهاه، ثم صاروا يطلقونه على المدة الطويلة، وأما الزمان فيطلق على المدة الطويلة والقصيرة إطلاقًا حقيقيًّا، وزعم السعد أن الدهر طول الزمان. وقد فشا بين الأدباء والشعراء ذم الدهر والزمان ونسبة الحوادث السيئة إليهما، وترى شعراء العرب بعد الإسلام قلما يذمون الدهر وإنما يذمون الزمن. ولا يقصد هؤلاء ولا أولئك بالزمن أو الدهر حركة الفلك أو الليل والنهار أو ما يقول المتكلمون في تعريف الزمن (مقارنة متجدد معلوم لمتجدد موهوم) وإنما يقصدون أن تعاستهم أو شقاءهم وكل ما يشكون منه لم يكن من تقصيرهم وإنما علته عدم مواتاة الشئون الكونية المتعلقة بغيرهم من الخلق ولما كانت هذه الشئون التي يتوقف عليها النجاح مع سعي الإنسان غير معينة صاروا ينسبوها إلى أعم شيء يمكن أن تسند إليه وهو الزمن أو الدهر. وقد حكى الله تعالى عن بعض الملاحدة نسبة الإحياء والإماتة إلى الدهر فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (الجاثية: ٢٤) والظاهر أنهم يعنون أن هذا هو المعروف طول الدهر فلا يوجد شيء آخر يحيي ويميت، وهذا النفي المطلق جهالة لا دليل عليها. وأما الحديث فقد جاء في صحيح مسلم بلفظ (لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله تعالى) وورد بلفظ آخر عند أبي داود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وهو: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره) ورواه غيرهم وله ألفاظ أخرى لا حاجة إلى استقصائها. ولم يرد اسم الدهر في أسماء الله تعالى؛ لأنه أطلق عليه سبحانه على سبيل التجوز والمعنى فيه أن الشيء الذي يسند إليه الناس الأفعال ولا يعرفون حقيقته وإنما يسمونه الدهر؛ لأنه غير متعين في علمهم الناقص هو الله جل شأنه؛ لأنه هو الفاعل المختار والذي يرجع إليه الأمر كله. *** الدعاء والقضاء وطول العمر (س٢) أحمد أفندي متولي بمصر: اطلعت على حديث في تفسير الخازن هذا نصه: عن سلمان أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر) وهذا مضاد ما نعتقده من أنه لا رادّ لقضاء الله، وإن العمر لا يزيد ولا ينقص لقوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} (الرعد: ٣٨) وقوله جل ذكره: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف: ٣٤) فالرجاء إفادتنا عن ذلك. (ج) اتفق النقل مع العقل على أن كل ما يقع في الوجود فإنما يقع بحسب ما في علم الله تعالى؛ لأن وقوع شيء على خلاف ذلك يستلزم الجهل وهو مُحَال على الله تعالى فما خالف هذه العقيدة خلافًا حقيقيًّا فهو مردود نقطع بأنه مكذوب على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا لم يمكن تأويله وإرجاعه إليها، وقد أول العلماء حديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء) فقالوا: قد يكون في علم الله تعالى أن فلان يصاب بكذا أو يكون بصدد أن يصاب به فيدعو الله فيكشف عنه البلاء الذي كان معلقاً نزوله أو دوامه على عدم الدعاء، وانكشافه على الدعاء ويسمون هذا القضاء المعلق. أما القضاء المبرم هو ما سبق في علم الله تعالى أن يكون لا محالة فهو الذي لا يمكن أن يرد. وإذا كان هذا التقسيم لأجل الجواب عن هذا الحديث فهناك أحاديث لا يمكن أن يجاب عنها منها ما أخرجه أبو الشيخ عن أنس مرفوعًا (أكثر من الدعاء فإن الدعاء يرد القضاء المبرم) وما أخرجه ابن عساكر عن نمير بن أوس مرسلاً (الدعاء جند من أجناد الله مجندة يرد القضاء بعد أن يبرم) والحديثان ضعيفا السند جدًّا. والحديث الوارد في السؤال رواه الترمذي والحاكم. وقد ذكر المحدثون أن من علامة الحديث الموضوع مخالفته للعقائد القطعية والأصول الثابتة ومنها مخالفته للعقل وللوجود. وأما كون البر يزيد في العمر فقد ورد بمعناه أحاديث في الصحيح وهو كلام في الأسباب لا في علم الله تعالى وقضائه في العباد. قال بعض العلماء في تفسيره: إن أهل البر يكونون أهنأ الناس عيشًا لما بينهم وبين والديهم وأهليهم وسائر الناس من الحب وحسن المعاملة، وهذه هي الزيادة في العمر فإن من يعيش بالمناكدة والفجور كأنه لم يعش لأن حياته تذهب سدًى. وفيه وجه آخر وهو أن البر وحسن الأخلاق والاعتدال في الأمور من أسباب الصحة واعتدال المزاج، والصحة هي مادة طول الحياة في الغالب، وهذا إنما يأتي بالنسبة لحالة البنية واستعداد الشخص لا بالنسبة لما في علم الله تعالى؛ لأنه لا يتغير، وأكثر الكلام بين الناس يكون في الأسباب لا في أصول العقائد، وقد أوضحنا هذه المسألة في الدرس ١٦ من الأمالي الدينية. (راجع ٣: ٥٥٨) *** رضاع الزوج من الزوجة (س ٣) م. ص في الجيزة: إذا رضع الزوج من ثدي زوجته هل تحرم عليه؟ (ج) لا، فإن حكم الرضاع إنما ثبت في الصغير عند جماهير العلماء من السلف والخلف والمروي عن الأئمة الأربعة وغيرهم أنه لا تأثير له بعد الحولين وفيه حديث رواه الدارقطني عن ابن عباس: (لا رضاع إلا ما كان في الحولين) وفي حديث صححه الترمذي (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام) والمراد بفتق الأمعاء كونه عمدة في التغذية ولكن وردت أحاديث أصح من هذه التحريم برضاع الكبير، وقد أجابوا عنها بما يحتمل البحث ومن أراد الاحتياط فليجتنب كل ما فيه خلاف. وأما سؤالكم الأول فإننا لم نفهمه وسنجيب عن اقتراحكم في الطلاق عند سنوح الفرصة.