للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أبو الحسنات الندوي


الجامعة الإسلامية والجامعة الشرقية
الكتاب الثاني
للشيخ أبي الحسنات الندوي رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة الفاضل الجليل، والعالم الكامل النبيل، أمتع الله المسلمين بطول
بقائه سلامًا سلامًا.
أما بعد فقد وصلني كتابكم، ووقفت على ما كتبتم فيه من حقيقة الأمر، ولاح
لي المنهاج الذي أشرتم إليه بكلمة (وما كل أمر يمكن إعلانه) وهكذا كان يخطر
ببالي أحيانًا، فالحمد لله على ما صدق ظنوني، وما أوردتم فيه من كلمة السيد
المرحوم الأفغاني تغمده الله بغفرانه، التي قالها في المغفور له السلطان عبد الحميد
خان، فإني على خبرة منها، ومن سعيه وبذل جهده في سبيل جمع كلمة الأمة
المرحومة تحت اسم الخلافة الإسلامية على ذلك السلطان، حتى كان أقنع كثيرًا من
مجتهدي الشيعة بالمساعدة على ذلك، وأيضًا إني على خبرة مما كان لسعيه وعمله
هذا ضياعًا وخسرانًا بما كان أصيب به السلطان المرحوم في أواخر عمره من
(ماليخوليا ووسواس) ولو سلّمت - كما حررتم - أن الاتحاديين الذين جاؤوا بعده
كانوا شرًّا منه، فالسلطان إن كان سلاًّ في رئة الدولة، فالاتحاديون كانوا أشد منه
وطأة عليها، حتى ذهبوا بقوتها وأسباب بقائها، لو لم يجعل الله تعالى رجلاً من
الدولة حفاظًا لها، ولكن مع هذا كله ليس لنا أن نقطع الأمل ونترك العمل، فإن
عدم نجاح العمل لا يثبت لنا إلا تقصيرًا في جهدنا، ولا يظهر لنا إلا نقصانًا في
سعينا، فعلينا أن نجهد بكل الجهد، ونبذل كل الوسع مرة بعد أخرى، حتى
نفوز بالأمل وننجح في العمل، وكيف يمكن القنوط والزمان قد تقلب بما هو خير لنا
وأحسن، فإن القرن الماضي قد مضى، وكانت الأمة المسلمة في يوم غفلتها،
ونجم هذا القرن وهي في يقظة لا سِنَة معها، وحركة لا فتور فيها.
نعم كان بدأ السيد المرحوم بعمله دعوة المسلمين إلى الوحدة تحت لواء
الخلافة الإسلامية في زمان كانت الأمة فيه نائمة غافلة، فمضى أكثر أيام حياته في
اتخاذ الوسائل إلى تنبيهها، وتهيئة الأسباب لإيقاظها، حتى توفاه الله تعالى قبل أن
يتم العمل، ومع ذلك لا يجوز أن يقال: إن السيد المرحوم قد خاب في أمله، وخسر
في عمله، فإن هذه كلمة كذب لا تحملها الأرض والسموات، وإني على يقين - ولا
أزال عليه - أن صلصلة الوحدة الإسلامية التي تُسمع في عصرنا هذا هي من
الجرس الذي دقه السيد المرحوم، وما وصفتم لي من ضعف الأمة وجهل الحكومات
الإسلامية الذي يحول دون السعي ونجاح العمل، فهذا الحائل والعائق أيضًا قد ذهب
به الزمان، فانظروا إلى الأمة ليس فيها شيء من ضعف النباهة والإحساس،
والحكومات الإسلامية ما بقي فيها الجهل (؟) عن الأهوال والأحوال، الأمة قد
شعرت بحاسة الأخوة الدينية، فترى القيام بها من الواجب، وهي تسعى لها.
والحكومات الإسلامية قد علمت بمضارِّ التشتت والافتراق، فترى ارتباط بعضها
مع بعض من اللازم، فكل واحدة منها تسير سير التعاون والوفاق، حتى صار أمر
خدمة الأمة على من يريد أن يخدمها في هذه الأزمان هونًا والطريق إليها سهلاً.
وما كتبتم في أمر الاتحاديين والكماليين، فإن يكن الأمر كذلك، ولكن ليس لنا
الآن أن نقول في هذا الشأن قولاً مفصلاً، وأقول بالإجمال: من أعرض من
الاتحاديين أو الكماليين ونأى بجانبه عن مصلحة الأمة المسلمة ونصوص الدين،
فله ما له وعليه ما عليه - الأمة المسلمة لا تشترك بعمله، ولا تكون عونًا له إلا فيما
يهمها من أمر دينها، نعم إني أعلم بعض زعماء الاتحاد والترقي: كالغازي أنور
باشا حفظه الله تعالى وأدام له السلامة قد غلب عليه الاتحاد التوراني، وهو يجهد
في سبيله ويبذل له ما في وسعه. فإن كان ذلك تابعًا للاتحاد الإسلامي وموافقًا
له، فتكون الأمة المسلمة بأجمعها ساعدًا له وعضدًا. وهكذا الكماليون إن كانت
تشتمل مساعيهم على مشروع الاتحاد الإسلامي ومصلحة الدين، فالأمة بأموالها
وأنفسها تتعاون بهم، وتكون أنصارًا لهم، وإن نبذوه وراءهم وهجروه، فالأمة
تنبذهم وتهجرهم.
وما كتبتم في الكماليين من إلغائهم منصب الخلافة الإسلامية، وجعلها عبارة
عن رياسة روحية بابوية، فنحن مسلمو الهند لسنا على علم بصدقه كما هو يروى
ويقال (!) ومسلمو الهند - بل ومسلمو العالم - لا يرضون أبدًا بجعل منصب
الخلافة منصبًا روحيًّا محضًا كمنصب البابا.
ومن ذا الذي يعلم الكتاب ويعرف أصول الشريعة يرضى به ويستحسنه؟
ولا نخال كيف يمكن لمصطفى كمال باشا وحزبه أن يرتكبوا هذا الخطأ الكبير دينًا
وسياسة، وهو يضرهم كما لا يضر غيرهم أحدًا، فإن هذا الإلغاء يذهب بشرف
الدولة التركية بين الدول الإسلامية، وبمكانتها العليا في نفوس المسلمين قاطبة،
هل أرادت الأمة التركية أن تضع حمل الخلافة عن كواهلها فإنه ثقيل عليها؟ هذا
أمر لم أظنه بالأتراك، ولم أجد مؤمنًا به في الهند أحدًا (!) وأما ما ذكرتم من
إطماع المسلمين مصطفى كمال باشا صانه الله تعالى وحزبه، بأنهم يوافقونهم على
كل ما يفعلون، وإن كان مخالفًا للمصلحة ونصوص الدين، فليس بشيء، فإن
المسلمين لا يتعاونون بهم على ما يخالف الشرع ونصوص الدين أبدًا؛ لأن روحهم
الدينية تنفر عن مثل هذا التعاون، قال الله عز وجل {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: ٢) .
وكنت كتبت وفقًا لما وعدتكم قبل ذلك مقالة في مسألة الجامعة للمسلمين
وطريق الوصول إليها، والأخذ بها، وكنت هممت بإرسالها إليكم إذ ألقي إليَّ كتابكم
قبل الأمس، ووجدت فيه ذكر الجزء التاسع للمنار في البريد الآتي فيه إشارات إلى
شيء من المشروع الذي أوردتم ذكره في الكتاب، فأحببت أن أرسل مقالتي
المذكورة بعد مطالعة (المنار) والوقوف على رأيكم في هذا الشأن.
وأما ما سألتموني عن رأيي في الطريق الذي يمكن أن تتعاون به مع جمهور
مسلمي الهند على تنفيذ المشروع الجليل، وكيف السبيل إلى إطلاعهم على تفصيله
المبهم. فإني أنا بنفسي أُظهر لكم ما أرى بعد مطالعة المشروع. وأما طرحه على
جمهور المسلمين، واستحصال تعاونهم عليه وسبيل إطلاعهم على تفصيله، فإن كان
المشروع محتويًا على الظواهر ليس لها خفايا، فالسبيل إليه بنشره في الجرائد الهندية
بعد ترجمته بالأردوية؛ حتى يراه ويطالعه زعماء المسلمين وخواصهم، ثم بعد
ذلك يسأل عنه، وماذا يرون فيه؟ فإن وقع عندهم موقعًا حسنًا فيسهل إلى أن يتم
العمل، ففي هذا السبيل إن شئتم وآذنتموني فأترجم مشروعكم الجليل بالأردوية
فأرسله إلى الجرائد، ونسأل عنه رأي من هو أهل الرأي من المسلمين في الهند،
وأيضًا إني لقادر على أن أترجمه بالفارسية، وأرسله إلى جرائد أفغانستان، وإن كان
المشروع لم يفده مثل هذه الأعمال، فبينوا لي ما هو يفيده وأي سبيل عندكم إلى
تنفيذه؟ وما ترون طريق عمله وكيف تقصدونه.
وأما استئذانكم بنشر ما كتبت وأكتب في هذا الشأن فما كان لازمًا، الأمر
إليكم والخيار لكم، فانشروا منه ما شئتم، وبأني رجل من الهند لست بعربي ولا
صحبت عربيًّا، فأرجو أن تسودوا وتصلحوا ما وقع في العبارات من زيغ وفساد
فتقبلوا مني أحسن التحية.
أنا العاجز أبو الحسنات الندوي أحد رفقاء دار المصنفين.
... ... ... ... ... ... شبلي نزل ... أعظمكده (الهند)
(المنار)
رحمه الله وأثابه فقد كان من خيار المصلحين، وقد توفاه الله تعالى قبل أن
نتمكن من إجابته إلى كل ما سأل.