للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المنار والمناظر

جاءتنا جريدة (المناظر) الغرَّاء من أشهُرٍ مكتوبًا على غلافها كلمات يطلب
بها كاتبها الفاضل منا العود إلى تلك المقالات الوطنية الضافية، لا سيما التي تؤلف
بين قلوب العناصر المختلفة في الوطن، وتحثهم على التضافر والاتفاق على خدمته
وإعلاء مناره، فعزمنا على المجاوبة ثم نسيناها لأن الورقة فقدت من بين أيدينا،
ثم جاءنا في هذه الأيام العدد ٣٩ من هذه الجريدة ينتقد علينا بأن مواضيع الجريدة
كلها دينية، وأنه ينبغي أن نكتب (جريدة دينية) بدلاً من (علمية أدبية تهذيبية
إخبارية) .
ونقول في جواب رصيفنا الفاضل (أولاً) : إننا كنا نكتب تلك المقالات
عندما كان (المنار) منتشرًا في سوريا يقرأه المسلمون والنصارى واليهود، فلما
طال أمد منعه من ولايات الدولة العلية وانحصر قرّاؤه في مسلمي مصر
وتونس والجزائر ومراكش والهند والجاوه، وفي نفر قليل من بني وطننا السوري في
أمريكا وغيرها، اضطررنا إلى جعل أكثر إرشاداته إسلامية، ووجدنا الرغبة من
القرَّاء قوية جدًّا في المواضيع الإسلامية الإصلاحية التي نكتبها حتى إننا لم نكد نكتب
في موضوع منها إلا عن اقتراح من أحد الفضلاء أو من غير واحد منهم، على أن من
رأينا الذي يوافقنا عليه كثير من العقلاء المسلمين والمسيحيين أن فهم الدين على وجهه
الحقيقي الذي نشرحه في (المنار) هو الذي يطفئ من النفوس نائرة الغلوّ في
التعصب، ويقف بها عند حدود الاعتدال في المعاملة مع البعيد والقريب
والموافق والمخالف.
و (ثانيًا) إن كثيرًا من المواضيع الدينية التي كتبناها ونكتبها يمكن أن يستفيد
منها غير المسلم، ونخص بالذكر (الأمالي الدينية) فإن جميع ماكتب فيها متعلق
بالإيمان بالله تعالى، وأنه جاء لجمع البشر وتوحيدهم لا لتفريق كلمتهم وإلقاء
العداوة والبغضاء بينهم، والإتيان بآيات القرآن في هذه الدروس لا ينبغي أن يصدّ
غير المسلم عن الانتفاع بها؛ إذ ليس كل ما في القرآن مخالفًا لاعتقاده، ولقد اطلع
بعض علماء النصارى الفضلاء المدرسين في إحدى المدارس العالية في سوريا على
درس من دروس الأمالي، فكتب إلينا يطلب أعداد (المنار) التي فيها سائر
الدروس، ويقول: إنه أقنع ناظر المدرسة بأن يشترك في (المنار) باسم
المدرسة ويضع أعداده في مكتبتها لينتفع به المعلمون والتلامذة.
و (ثالثًا) إننا نعتقد أن أشرف العلوم علوم الدين، وأحسن الآداب آدابه،
وأفضل التهذيب تهذيبه، فإذا لم يكن في المجلة غير المباحث الدينية لم نكن مخطئين
في تسميتها علمية أدبية تهذيبية.
و (رابعًا) إنه لا يكاد يخلو عدد منها من مباحث التربية التي هي أهم
ما يحتاج إليه الوطن، وحسبه كتاب (أميل القرن التاسع عشر) الذي هو أمثل
كتاب ألَّفه الأوربيون في التربية العملية، كما لا يكاد يخلو عدد من جمل في أهم
الأخبار، لا سيما تاريخ دولتنا العلية الذي ننشره تباعًا باسم (قليل من الحقائق)
إلخ.
و (خامسًا) نعترف بأن الأولى أن تكون مواضيع كل عدد متنوعة ليأخذ كل
قارئ حظه، ولكن الكُرَّاسين لا يسعان كل ما نريد أن يسعه كل عدد، وقد اقترح علينا
أحد القرَّاء الفضلاء أن نجعل (المنار) أربعة كراريس ونصدره في كل نصف شهر
كالهلال) و (الموسوعات) وسنجيب هذا الطلب إذا وافق عليه كثير من القرَّاء،
والله الموفق.