نشرنا في الجزء الرابع والعشرين من السنة الماضية مقالين في ذلك لعالمين من علماء المغرب الأدنى (تونس) ، والمغرب الأقصى (مراكش) ، وذكرنا في مقدمتها أننا رأينا في الجرائد الهندية مقالات في الموضوع، وعلمنا أن بعض القراء يودون لو يعرب شيء منها للمنار، ولكننا نعتذر لهم بأن الأكثرين قد اكتفوا بما كتبناه في المسألة وأهل المشرق الهند وغيرها كأهل المغرب مقتنعون بما قلناه، ومؤيدون له ولكننا نذكر المقدمة الوجيزة التي افتتحت الكلام بها في الموضوع جريدة المسلمين في (عليكده) منبع الحياة العلمية، وموطن النهضة الإسلامية في الهند , فقد جاء في العدد الصادر من تلك الجريدة في ٨ فبراير سنة ١٩٠٤م ما تعريبه: (هل ولد السيد أحمد خان ثانية في مصر، وظهرت جريدته (تهذيب الأخلاق) بشكل المنار؟) إن الله وهب للمرحوم السيد أحمد خان طبعًا سليمًا، ودماغًا عجيبًا فبينا العلماء الأعلام، والفقهاء الكرام يشتغلون عامة بوسائل التقليد، وطرقه، وينهمكون في البحث بعبارات أمثالهم كان السيد يبحث في أصول الدين، ومقاصده بحث المجتهد المحقق، وانبرى بهمة (أسدية) قوية لإظهار الإسلام بصورته الأصلية الأولى بنزع لباس التقليد عنه وإزالة شوائبه منه؛ إذ كان شيوخ الملة المقيدين بقيود التعصبات والأوهام قد جعلوا أحكام الحنيفية السمحة البريئة من الحرج في غاية الضيق والشدة، وحكموا فيها الرسوم والعادات فجعلوها مذهبًا، وشريعة. عنى السيد بتحقيق العقائد والأحكام، وبيان الحق، ولم يخف في مخالفة الجمهور لومة لائم ففصل بين العادة والعبادة، وبين الرسوم الموضوعة والأحكام المشروعة؛ ليخرج المسلمين من تلك الأوهام، ويعود بهم إلى أصل الإسلام، ولما أنشأ يطبع تحقيقاته، وينشرها علت الجلبة والضوضاء، وصاح مع العامة العلماء والفقهاء: قد كفر قد كفر. وطلبوا من الحرمين الشريفين الفتوى بتكفير السيد، والغالب أنه لم يكن في ذلك الوقت أحد من المسلمين في الهند إلا وهو ينظر إلى أفكار السيد وتصوراته بعين الحيرة والتعجب. لعل أكثر الناس يتذكرون ذلك الزمان الذي أجاز السيد فيه لباس الإنكليز، وأباح الأكل معهم، وقال: إن اللباس ليس من الأمور الدينية، بل من الرسوم والعادات، ولم يحكم الشرع بالتزام زي يختص به المسلمون، وأما الأكل فهو حل بنص الآية القرآنية , ويتذكرون كيف هب العلماء للرد عليه، واستدلوا بحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، وكفروا السيد، ولكن الأقوال التي قالها السيد منذ ثلاثين سنة يقولها الآن أشهر العلماء في الممالك الإسلامية، والأفكار التي أظهرها السيد في الماضي يظهرها في هذا الوقت مفتي الديار المصرية بالحرية التامة، و (النظافة) ، ونحن الآن نترجم الفتوى بحل طعام أهل الكتاب ولباسهم، ولكن لا ندري ماذا يقول الناس في هذا؟ - اتفاق الحاضر مع الماضي - فإن كان المسلمون قائلين بالتناسخ؛ فليقولوا ضرورة بأن السيد قد ولد (ثانية) في مصر، وظهرت جريدته (تهذيب الأخلاق) في شكل (المنار) اهـ المقدمة. (المنار) لتعتبر الجريدة المحدثة بأقوال علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فإن كانت كتبت ما كتبته من الطعن في الفتوى عن جهل، وكانت تريد باستنجاد مسلمي الآفاق بيان الحق؛ فهاهم أولاء قد أيدوا الفتوى، فعليها أن تعترف بخطئها، وتتوب إلى ربها، ويا ليت أصحاب الجمود ودعاة التأخير يعلمون أن الأستاذ الإمام وحزبه هم الذين يخدمون الإسلام والمسلمين في هذه البلاد دون سواهم، وأن عقلاء المسلمين في جميع الأقطار معهم، ومؤيدون لدعوتهم، ومرتبطون معهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم، فلا يغتر حزب التأخير، بمال فلان الغني، وجاه فلان الأمير، فإن الحق يعلو ولا يُعْلى , وإن حزب الله هم الغالبون.