للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات

(الفطرة) جريدة عربية أسبوعية تصدر في (بوينس أيرس) عاصمة
(الأرجنتين) صاحبها الكاتب الفاضل العاقل السيّ محمود محمد سلوم، وغايتها:
إرشاد قرائها إلى الوحدة والمدنية الراقية بسنن الله تعالى في الفطرة، ويدخل
فيها هداية دين الفطرة (الإسلام) ولذلك نرى مقالاتها الإرشادية متوجة بآيات
الذكر الحكيم وممزوجة بها أيضًا على المنهاج الذي أشرعه أستاذانا حكيمَا الإسلام
وموقظَا الشرق في العروة الوثقى وسلكنا جادته بالمنار، وقد خلفت في ذلك جريدة
الأرجنتين التي ساءنا احتجابها. وأهم ما ننتقده منها ما انتقدنا من تلك وهو كثرة
الغلط في الآيات القرآنية والأحاديث، وتلافيه أن يراجع الكاتب أو المصحح تلك
الآيات في المصحف الشريف قبل طبعها، وأن يستعين على ذلك بمفاتحه ككتاب
(فتح الرحمن) أو كتاب (مفتاح كنوز القرآن) ويراجع الأحاديث في معاجمها
وأشهرها كتاب الجامع الصغير وكنوز الحقائق المطبوع على حواشيه.
ونضرب لذلك مثلاً مقالاً [١] عقدته الجريدة في عددها ١٢ بعنوان: (انصر
أخاك ظالمًا أو مظلومًا) لإنكار كون هذه الجملة حديثًا نبويًّا؛ صيانة لمقام النبوة
المعصوم من الأمر بنصر الظالم. وقد أخطأ كاتب المقالة في إنكار الحديث كما
أخطأ في أكثر الآيات التي أوردها في المقالة.
بنى إنكاره للحديث على قاعدة صحيحة وهي أن من علامة الحديث الموضوع
مخالفته للقطعي كالقرآن وغيره من أصول الدين وفروعه القطعية، ومنها تحريم
الظلم وإزالته لا إقراره ومساعدة أهله عليه، ولكن تحكيم هذه القاعدة في الحديث
كتحكيمها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} (النساء:
٤٣) بإنكار أن يكون من القرآن للقطع بأن القرآن يأمر بالصلاة، ولا يمكن الجمع
بين الأمر بالشيء والنهي عنه. ومن علم أن هذا النهي مقيد بقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ
سُكَارَى} (النساء: ٤٣) لا ينكره. كما أن العالم بأن النبي صلى الله عليه وسلم
فسَّر في هذا الحديث نصر الظالم بحجزه عن الظلم، كما رواه أحمد والبخاري
والترمذي عن أنس، وبرده عن ظلمه، كما رواه الدارمي وابن عساكر عن جابر
ابن عبد الله - لا ينكره، وقد ظن الكاتب أن هذا تأويل من بعض العلماء، والصواب
أنه تتمة الحديث، وفي رواية عن عائشة: (إن كان مظلومًا فخذ له بحقه. وإن
كان ظالمًا فخذ له من نفسه) .
ومن الغلط في الآيات قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: ٦) إلخ جعل فيها (إذ) مكان (إن) ومنها قوله تعالى:
{وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ
تُنصَرُونَ} (هود: ١١٣) حذف من وسطها {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} (هود: ١١٣) ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ
شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} (النساء: ١٣٥) زاد فيها كلمة
(بالحق) ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (التوبة: ٦) . أورده هكذا: (وإن استجارك أحد من
المشركين فأجره حتى يبلغ مأمنه.
وفيها من الخطأ في الحديث - متنه وتصحيحه - قول الكاتب: ورد في الحديث
الصحيح قول الرسول الأمين: (خذوا كلامي فاعرضوه على القرآن فما كان منه
وفقًا فهو شرع والا فهو رد) وهو مروي بلفظ آخر وغير صحيح السند ومعارض
بالصحاح، قال عبد الرحمن بن مهدي أحد أقران الإمام مالك: الزنادقة والخوارج
وضعوا حديث: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا
قلته وإن خالف فلم أقله) وقال الشافعي: ما رواه أحد عمن يثبت حديثه في شيء
صغير ولا كبير. وزعم بعضهم أنهم عرضوه على مثل قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: ٧) فخالفه. والصواب أن ليس
كل ما روي من الحديث موافقًا لكتاب الله فهو صحيح، فمن الأحاديث الموافقة للقرآن
ما لا يصح سنده بل ما هو موضوع. وأما ما خالف القرآن مخالفة صحيحة
فيستحيل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
وقد علمنا أن صاحب هذه الجريدة من طائفة العلويين المعروفين بالنُّصَيْرِيَّة
فَسَرَّنَا ذلك أضعاف ما كان يسرنا لو كان من طائفة أخرى؛ لأن هذه الطائفة أشد
الفرق الإسلامية تقصيرًا في العلم ولم أر أحدًا من أفرادها في بلادنا متعلمًا بصيرًا
بأمور العصر إلا شابين أحدهما كان عضوًا معنا في المؤتمر السوري العام بدمشق
والثاني أديب شاعر له على حداثة سنه ذوق في الشعر وأسلوب جيد سيكون بهما
من أشهر شعراء الوطن، وأرجو أن يكون فيها كثيرون خيرًا منهما. وإنني أرى
في هذه الجريدة أن بعض الجالية في الأرجنتين يهدونها إلى بعض القارئين في
الوطن فعسى أن تكون خير وسيلة إلى إصلاح حال الطائفة وترغيبها في العلم
والوحدة الملية من جهة والوطنية من جهة أخرى. فإن الدسائس الأجنبية تدب
عقاربها في القوم والوساوس الشيطانية تفعل في أذهانها فعلها، تقول لهم: إنكم لستم
مسلمين بل أنتم أصحاب دين مستقل يجب أن تكون لكم دولة مستقلة ... ولكن
قصارى هذا الاستقلال التفريق والضعف الذي يذهب باستقلال الوطن كله.
وأما مسألة الدين الإسلامي ومكانهم منه فسيجليهما العلم لمن لا يعرفهما فتعلم
هذه البطون العربية العريقة أن مجوس الفرس هم الذين أسسوا الجمعيات الباطنية
للقضاء على مُلك العرب بتفريقهم في الدين الذي جمع كلمتهم وآتاهم ذلك المُلك
العظيم لأجل إنقاذ وطنهم وإعادة ملك كسرى ودين (زرادشت) وقد كانت دسائسهم
من أسباب إضعاف العرب وإذهاب ملكهم، ولكن الإسلام ظل هو الحاكم لبلاد
الأكاسرة إلى اليوم.
* * *
(محاضرات الفلسفة العامة وتاريخها والفلسفة العربية وعلم الأخلاق)
في الجامعة المصرية
قد طبع منذ عامين أو أكثر ما ألقاه الأستاذ (الكونت دي جلارزا) الأسباني من
هذه المحاضرات في الجامعة المصرية في ثلاثة أجزاء، جُمعت في كتاب واحد نافت
صفحاته على ٢٥٠ وجعل ثمنه ثمانون قرشًا، فمن يقرأه من طلاب الفلسفة كان كأنه
واظب على تلك الدروس في تلك السنة، وكان هذا الكتاب مما ادخرت لأقرأه فأكتب
عنه بعد القراءة فحالت الضروريات دون ذلك بل ضاق الوقت عنها.
* * *
(أسرار المراهقة في الفتى)
وهي محاورات دارت بين أب طبيب وابنه، تبحث في شئون دور البلوغ في
الفتى، وفي أهمية وظائف أعضاء التناسل وكيفية الاحتفاظ بها سليمة ونصائح قيمة
عليها تتوقف صحة الأبدان ونضارة العمران، تأليف الدكتور شخاشيري الطبيب
والجراح في المستشفى الإنجليزي بمصر القديمة.
جرى العرف العام على عَدِّ كل ما يتعلق بشئون داعية التناسل من بدء الاستعداد
الطبيعي لها إلى غاية حصول ثمرتها من الأمور السرية التي يخل إظهارها والتحدث
عنها بالآداب، ويُرمى صاحبه بالمجون والخلاعة، فقلما يسمع الفتى كلمة من أهله أو
أصحابه عن معنى بلوغ الحلم إلا ما يتلقاه طالب علم الفقه الإسلامي من أحكام غسل
الجنابة، وبناء على هذا العرف سمي هذا الكتاب الذي بين مؤلفه موضوعه (بأسرار
المراهقة) وجرى فيه على تعريف المراهقين بما سيجدونه في أنفسهم من شئون هذا
الطور الجديد بأسلوب علمي طبي نزيه، ولكن تلك الآداب قد طوي بساطها في هذا
العصر عند أكثر أهل هذه البلاد وأمثالها فصار أعمق الأسرار فيها جهرًا، قلما يجهله
فتى أو فتاة إلا في بيوت قليلة. والكتاب يفيد هؤلاء وغيرهم؛ لأن الذين يعرفون
أسرار المراهقة والبلوغ يعرفونها من المُجَّان والفُسَّاق المقاربين لهم في السن أعني
أنهم يعرفون منها ما تضر معرفته، والكتاب يرشدهم إلى ما يتقون به هذا الضرر فلا
يستغنى عن مثله منهم أحد، وقد طبع على ورق جيد في ٦٨ صفحة من القطع
الصغير وهو يطلب من مؤلفه ومن مكتبة المنار بمصر وثمنه خمسة قروش، وأجرة
البريد قرش واحد.
* * *
(القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد)
للإمام المجتهد القاضي محمد بن علي الشوكاني قال في أوله: (طلب مني
بعض المحققين من أهل العلم أن أجمع له بحثًا يشتمل على تحقيق الحق في التقليد
أجائز هو أم لا؟ على وجه لا يبقى بعده شك، ولا يقبل عنده تشكيك. ولما كان هذا
السائل من العلماء المبرزين كان جوابه على نمط علم المناظرة) وقد طبع هذا
الكتاب في العام الماضي فبلغت صفحاته زهاء الستين من قطع المنار، وصححه
وعلق عليه بعض الفوائد صديقنا الشيخ محمد منير السلفي من علماء الأزهر. ولكن
بقي فيه غلط كثير لعل سببه رداءة النسخة التي طبع عنها، وهذا لا يمنع الاستفادة
من الكتاب فنحث جميع المشتغلين بعلم الدين الصحيح بالنية الشرعية الصحيحة أن
يطالعوه، وسننقل نبذة منه في جزء آخر إن شاء الله تعالى، وثمن النسخة منه
ثلاثة قروش وهو يطلب من مكتبة المنار بمصر.