للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: محمد رشيد رضا


إيران
كتبنا في العدد السالف نبذة وجيزة في مشاكل الدول ومنها: مسألة الوزارة في
فرنسا وإيطاليا وسكتنا عن وزارة إيران، التي أخبرنا البرق من مدة باستقالة
رئيسها (الصدر الأعظم) ، ولما يرد نبأ آخر بتعيين غيره، وقد انتهت المشكلة في
فرنسا وإيطاليا، وتشكلت الوزارة كما ترى في الأخبار البرقية. وقد علمنا من
الأنباء الخصوصية أن الأزمة في بلاد إيران على أشدها، فإن شركة أجنبية
(إنكليزية) تطلب من الحكومة الإيرانية امتيازًا بحصر التنباك، وقد أحدث هذا
الطلب هزة في البلاد الإيرانية، أوجس منها المرشحون للصدارة العظمى، خيفة
من قبولها، وتحمل تبعة التصديق على الامتياز المطلوب أمام الأمة التي أشعرها
جميعها بعظيم ضرره ما كان من أمره في أواخر عهد الشاه ناصر الدين السابق
(رحمه الله) .
طلب هذا الامتياز يومئذ وأقرت عليه الحكومة الإيرانية، لما كان من عوج
وزيرها الأول وضلعه مع إنكلترا، فنبه بعض العقلاء الناصحين رئيس العلماء
الحاج الميرزا محمد حسن الشيرازي (رحمه الله) الملقب بحجة الإسلام لمضار هذا
الامتياز، وأنه نافذة للتداخل الأجنبي الذي يذهب باستقلال البلاد، وطلب الناصح
من الحجة أن يفتي بتحريم التدخين المستلزم ترك زراعة التنباك فأفتى، وكان ذا
نفوذ روحي عظيم، فاضطربت لفتواه بلاد العجم كلها، وامتنعوا عن التدخين،
حتى إن الشاه نفسه طلب يومًا نارجيلة (شيشة) فلم توجد في قصره، وشغب الناس
على الشاه، وحاولوا قتله، أو يبطل المقاولة التي عقدها مع الأجانب لحصر التنباك
(الرزي) ، فاضطر الشاه إلى الانصياع، وأبطل المقاولة، ودفع للشركة خمسمائة
ألف جنيه إفرنكي إرضاءً لها. نعم، ربما لا يوجد اليوم في تلك البلاد إمام ذو نفوذ
يستنفرها لمقاومة الحكومة، لكن الإحساس والشعور الأول لم يزل من النفوس، إذ
العهد به قريب، فعسى أن يأخذ جناب الشاه المعظم بالحزم، ويرفض طلب كل
شركة أجنبية، ويجتهد بتأسيس الشركات الوطنية، فإذا قوي نفوذ الأجانب في بلاده
يحولون بينه وبين كل إصلاح وعمل، يعود على بلاده بالنفع والترقي، ويجعلونه
آلة لتنفيذ رغائبهم ورعاية مصالحهم، بحجة المحافظة على أموال رعيتهم أصحاب
الشركات، ومن رأى العبرة في غيره فليعتبر.