في يوم الخميس الأسبق احتفلت المدرسة العثمانية احتفالها السنوي بكمال الإتقان والانتظام على أعين الجماهير من الوجهاء والفضلاء، فحاور بعض التلامذة بعضًا باللغات العربية والإنكليزية والفرنسوية، وحلّوا بعض المسائل الحسابية، ونقلوا بعض العبارات من لغة إلى أخرى قولاً وكتابة، ثم كان من التلميذات بعض ما كان من التلامذة، وقد أُعجب الحاضرون بمحاورة بين التلميذات كانت من آيات التهذيب البينات؛ لما حوته من انتقاد سيئ العادات كالزار وبِدَع المآتِم، وما فيهما من المآثم، وكتبذيرات الأفراح المولدة للأتراح، وكان مبدأ المحاورة في المفاضلة بين العلم والأدب، وبين الحسن والنشب، وما يتبع الأخيرين من الأنس والتمتع بشهوات النفس، ومما استلفت الأنظار من أصحاب الذوق والأفكار أن الفتاة التي فضلت التبرج واللهو والقصف والزهو، وتصبِّي الشبان لأجل الافتتان، كان عليها من الحياء الفطري والخفر الطبيعي ما يدل على طينة طيبة، وعرق طاهر وأدب باهر بحيث كان ما جرى على لسانها مخالفًا لما هو راسخ في وجدانها، على أنها ما أنطقت به إلا لترجع عنه، وما حملت على ذكره إلا لتتنصل منه، وقد جرت محاورتان أخريان هزليتان في ظاهرهما، جديتان في حقيقتهما؛ لأنهما في بيان سوء مغبة إهمال التربية والتعليم، ومضرات تضييق الأغنياء على أولادهم، واضطرارهم إياهم بذلك إلى الاستدانة بالرباء الفاحش، وقد قام قبل انتهاء الاحتفال حضرة الخطيب الشهير عزتلو إسماعيل بك عاصم فحمد ما رأى من نظام المدرسة ونجاحها، وأثنى على سعادة صاحبها رضا بك العظم وعلى ناظرها السابق السري الفاضل رفيق بك العظم وناظرها الآن محمد بك السيد، ثم أفاض في بيان شدة الحاجة إلى التعليم الديني، وانتقد على المدرسة بأنه لم يسمع من التلامذة شيئًا في الدين، وانتقد على بروز بعض البنات المراهقات حاسرات عن وجوههن ورؤوسهن وعلى عبارة جاءت في المحاورة الهزلية وهي أن أحد المتحاورين ذم أباه وسبه ونسب إليه ما هو فيه من الشقاء حيث لم يعلمه ولم يربه، فصفق له النادي مرَّات كثيرة، ولما فرغ انبرى أحد التلامذة الصغار (وهو صلاح الدين أفندي ابن عبد الحليم أفندي حلمي مدير جريدتنا) وبَيَّن للملأ بعض الأحكام الدينية ككيفية الوضوء وقال: (لولا ضيق المقام لبَيَّنا أحكام الصلاة بالتفصيل) فَسُرَّ الناس بذلك سرورًا كبيرًا، وتصدى البعض للرد على حضرة الخطيب لاعتقادهم أن هذا الانتقاد مقصود لأمر ما كما صرح بذلك بعض أساتذة المدرسة لكثير من الناس، ولكن العاقل من ينظر في الكلام دون نية المتكلم وقصده، ولا شك أنه ينبغي تعويد البنات المراهقات على التقنع، لا سيما إذا أردن البروز من خدورهن، وأنه كان ينبغي أن تشتمل المحاورة الهزلية على من ينهى سابّ أبيه ويبين خطأه، أما الدين فقد بلغنا أن المدرسة باذلة العناية في تعليمه والتربية عليه بإلزام التلامذة بالصلاة، وقد رأينا في (بروغرام) الاحتفال ذكر الدين، ولكن كانت الخطبة قبل تمام الاحتفال، وبالجملة قد كان الاحتفال بغاية الانتظام، ودل على نجاح المدرسة وتقدمها فحمدًا لسعادة صاحبها السرّي الكامل محمد رضا بك العظم على ما بذل، ثم لحضرة ناظرها على ما فعل.