للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خنوثة الرجال وفسوقهم
بينا في النبذة الماضية أن النساء قد استضعفن الرجال فاتبعن الهوى، وضللن
طريق الهدى. وصار التبرج في الأسواق، وإبداء الزينة للصالحين والفساق، سنة
في العمل متبعة، وإن كان في الشرع بدعة محرمة، ولذلك يوشك أن تعم جميع
النساء؛ لأنهن خلقن مولعات بالتقليد في الأزياء، والذنب في ذلك كله على الرجال،
فهم الرعاة وعليهم تبعة الاختلال.
يرخي الرجل لامرأته الطوَل بعد أن يبذل لها ثمن ما تشتهي من الحلي
والحلل، ويخرج إلى الطرق والمتنزهات، يستشرف للظباء السانحات، فلا تمر به
عذراء إلا ويلقي إليها قولاً، ولا تلمحه عوان إلا ويطلب منها نيلاً، وقد حملني على
هذا الذي كتبت الآن أنني رأيت رجلين في سن الكهولة عليهما أثر النعمة يتمشيان
في شارع من أعظم شوارع القاهرة فمر بهما فتاتان صبيحتا الوجه فكرَّا على
عقبيهما يقتفيان أثر البنتين، وينبذان بكلمات التصبي التي تَغْثَى لسماعها نفس
الحرّ حتى تكاد تقيء.
صادف هذا المنظر من نفسي أشد الاستهجان؛ على أنني لا أكاد أمر في شارع
ولا أطل من كوّ إلا وأرى ما يحاكيه، أو يزيد قبحًا وشناعة، وكأن السبب في ذلك
أنني توهمت الأدب والكمال في الكهلين.
رأيت منذ أيام شابًا يَتَأَثَّر فتاة في جَادَةٍ واسعة في أحد جانبيها قمامة وأقذار
فكان كلما دنا منها بعدت عنه حتى اضطرها إلى المشي في ذلك الجانب القذر فرارًا
من قذارة نفسه، ونتن أخلاقه، وما كان امتعاضي من هذا المنظر إلا دون امتعاضي
من منظر ذينك الكهلين اللذين كانا يتكلمان بما يعد في العرف البلدي ظرفًا وذوقًا.
ما كل متبرجة بغي أو ملتمسة خدن، بل فيهن المقلدة في الزي كيلا تعاب بين
النساء بالعجز عن مجاراة صنفها، أو بالتأخر فيما يسمونه (المودة) ولكن هذا
التبرج مطمع للفساق- وما أكثرهم لا أكثر الله من أمثالهم- ولهم العذر فقد ورد في
الحديث (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه ابن
خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. ودخلت امرأة مِن مُزَيْنَة المسجد تَرفُل في زِينة
لها؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس
الزينة والتبختر في المسجد؛ فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة
وتبخترن في المساجد) رواه ابن ماجه، والتبختر في الشوارع والمَنَازه أَدْعى إلى
الفتنة منه في المساجد، فهل من ذي نفس أبية وغيرة إسلامية، يسعى في إبطال
هذه الأزياء الفاضحة، والمعاصي القادحة، وهل للكتاب أن يحملوا على هذه
العادات الشائنة حملة منكرة في الجرائد، لعلهم يفيدون؟.