نموذج من كتاب القول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، حمدًا لله، والصلاة والسلام على نبيه ومن والاه فقد رفع إلينا سنة ١٣١٢هـ، سؤال هذا نصه: ما قول السادة العلماء في حكم الأذكار الملحونة وقصر لفظ الجلالة واستماع الأذكار المحرفة، والذكر جهرًا، ومع الجماعة وما حكمه، والهزة والتمايل والإنشاد في الذكر، واستعمال الخرقة والحزام، وعلم الراية، والذكر بمثل أنا أنت وأنت أنا، وفي التكلم بين العامة بعبارات الصوفية الغامضة، وفي الطبل والزمر والتصفيق بالأيدي ورفع الأصوات بالألفاظ الساذجة حال الذكر، وفيما يحصل من الرطانة المعروفة عند أهل مصر بضرب اللوندي، وفيما يقع من أرباب الطرق حال ذهابهم إلى بعض الأضرحة أو البيوت لإقامة حفلة الذكر فيه من رفع أصواتهم في الطرق بالأذكار المحرفة والصلوات المبدلة، والفواتح المتعددة كلما وصلوا لجهة فيها بعض إخوانهم أو جعلوها موعدًا للقائهم - وحمل واحد يسير أمامهم بفانوس يسمى بالزي، وفيما يفعلونه في الموالد والليالي الرسمية أثناء ذهابهم إلى مركز مشيخة الطرق من الاصطفاف ميمنة وميسرة، يحمل لهم الشموع الموقدة والمجامر الأرجة غلمان مجملون بالملابس الفاخرة والمناطق المطرزة الناعمة، وفيما يسمى بزفة الرفاعي والبيومي وزفة الفار، وفي التصدي لمشيخة الطرق وأخذ العهود وإرشاد الخلق ممن ليس أهلاً للإرشاد؟ أفيدوا الجواب ولكم من الله حسن الثواب. فأجبت مستعينًا بالله تعالى. تمهيد: أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأيما قول أو عمل صادم نصًا من كتاب الله أو هدي رسوله فهو رد على صاحبه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) وقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) [١] وأن غالب هذه الأمور التي اشتمل عليها السؤال المذكور من البدع السيئة المحدثة في الدين التي يجب على كل قادر من المسلمين إزالتها لقوله عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [٢] وقوله: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلم يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب) [٣] وقوله: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) [٤] . وإلى الناس بالمسارعة إلى ذلك سواس الأمة وعلماؤها الذين لهم الزعامة في الدين، وإليهم المرجع في أمور المسلمين، وعليهم الاحتفاظ بمعالم الشريعة والإرشاد والذود عن حماها؛ لأنهم رعاة والناس مرعيون، وقادة والناس مقتدون. فإذا تغاضوا عنها أو تواكلوا في إزالتها، أو بدا منهم ما يشعر باستحسانها والرضا عنها كانت التبعة عليهم مضاعفة، واندرجوا في وعيد قوله عليه الصلاة والسلام (إذا ظهرت البدع وسكت العالم فعليه لعنة الله) [٥] وليس المراد بالعالم من تزيا بالزي الخاص، بل كل من يعلم الحكم الشرعي في الحادثة، وقوله: (من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره، فقد أعان على هدم الإسلام) [٦] وقوله: (من نظر إلى صاحب بدعة بغضًا له في الله ملأ قلبه أمنًا وإيمانًا، ومن انتهر صاحب بدعة أمَّنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن استحقر صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة ومن لقيه بالبشر أو بما يسره فقد استخف بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم) [٧] . وكثيرًا ما كان يتمثل الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه بهذين البيتين: من الدين كشف العيب عن كل كاذب ... وعن كل بدعيٍّ أتى بالمصائب ولولا رجال مسلمون لهدمت ... صوامع دين الله من كل جانب وأول من أحدث هذه البدع في الطرق الصوفية جماعة من مرتزقة الأعاجم في أواخر القرن الرابع استمرءوا مرعى الخوانك [*] التي أحدثها بمصر أهل الخير والنجدة ليأوي إليها الزهاد والعباد فتدثروا بشعار الصوفية لينسبوا إليهم، وتعطف القلوب عليهم، وانتهجوا مناهج أهل الإباحة فأتوا من المنكرات ما يبرأ منه الدين وأهل التصوف. (له بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))