للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نبوة آدم وعدد النبيين والمرسلين

(س٦٣) من صاحب الإمضاء في سمبس - جاوه:
حضرة العلامة الكبير مولاي الأستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار
أطال الله تعالى عمره، ونفع بعلومه المسلمين.
إنني رأيت في شرح عقيدة السفاريني ما نصه: ففي صحيح ابن حبان من
حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم جالس وحده، فذكر حديثًا طويلاً، وفيه: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء
؟ قال: (مائة ألف وعشرون ألفًا) قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟
قال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا) قلت: يا رسول الله مَن كان أولهم؟ قال:
(آدم عليه السلام) قلت: يا رسول الله أنبيّ مرسل؟ قال: (نعم خلقه الله بيده ونفخ
فيه من روحه وكلمه قبلاً) .. إلخ.
وقال فيه قبل هذا: اعلم أن الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله مما
اتفقت على وجوبه جميع الأنبياء والمرسلين من لدن صفي الله أبي البشر آدم عليه
السلام إلى خاتمهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام. اهـ.
فهل يصح الاحتجاج بحديث أبي ذر هذا على نبوة آدم عليه السلام أم لا؟
وهل يوجد ما هو أقوى منه دليلاً من الكتاب أو السنة المتواترة على نبوته عليه
السلام أم لا؟
وما قولكم في قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته: (وأولهم نوح
عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين. والدليل على أن
أولهم نوح قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (النساء: ١٦٣) وهل هذا القول صحيح أم لا؟ وهل مقتضى قوله هذا أنه أنكر
نبوته عليه السلام أم لا؟ وهل يجوز لأحد إنكارها؟ وهل كان نبينًا رسولاً أم نبيًّا
فقط؟
وقال الأستاذ الشيخ حسين والي في كتابه (كلمة التوحيد) ما نصه: والسبعة
الباقية (من الأنبياء) آدم، إدريس، صالح، شعيب، هود، ذو الكفل، محمد
عليهم الصلاة والسلام. فإذا عرض أحدهم على المكلف وجب الاعتراف به، ولا
يجب حفظ أسمائهم، فمن أنكر نبوة أحد من المتفق على نبوته أو رسالته - كفر؛ إلا
إذا كان عاميًّا، وممن اختلف في نبوته: ذو القرنين والعزير ولقمان. اهـ.
وإني لم أَرَ أن الأستاذ في عبارته أدخل آدم فيمن اختلف في نبوته.
فتفضلوا بالجواب عن هذه الأسئلة فإنه يكون (إن شاء الله) شفاءً لما في
الصدور.
... ... ... ... ... ... ... ... محمد بسيوني عمران
(ج) يجد السائل تحقيق الحق في أسئلته مفصَّلاً تفصيلاً تامًّا في تفسير
الآيات (٨٥- ٩١) من سورة الأنعام التي ذكر فيها أسماء ١٨ من الرسل
عليهم السلام، إذ عقدنا لها فصلاً استطراديًّا، عنوانه: (تحقيق مسألة الإيمان بالرسل
إجمالاً وتفصيلاً وعدد الرسل المذكورين في القرآن) وهو في الجزء السابع من
التفسير والجزء التاسع من المجلد العشرين من المنار، وكل منهما يوجد عند السائل،
ولعله قرأه ونسيه، ولولا ذلك لم يحتج إلى هذه الأسئلة كلها ولا بعضها، فليراجعها
يجد فيها أن حديث أبي ذر في عدد النبيين والمرسلين قد جزم ابن الجوزي بأنه
موضوع والسيوطي بأنه ضعيف، فلا يعتد به على كل حال في الاستدلال، ولا سيما
في مثل هذه المسألة الاعتقادية، وأن ما قاله الشيخ محمد عبد الوهاب موافق لنص
حديث الشفاعة المتفق عليه؛ إذ حكى النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن أهل
الموقف يقولون لنوح عليه السلام: (يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض) فهو
فيه متبع لا مبتدع ومهتدٍ لا ضال. وإن ما قاله كل من السفاريني والشيخ حسين
والي هو المشهور في كتب العقائد المتداولة، ويجد هنالك تحقيق الحق في كل ذلك،
وأمثل الأدلة على نبوة آدم، وما أجاب به العلماء عن الآية التي استدل بها الشيخ
محمد عبد الوهاب وعن حديث الصحيحين وغيرهما في الشفاعة، وما جمعنا بين نص
الآية والحديث ما قرره المتكلمون وهو مبني على التفرقة بين عرفهم في معنى
الرسول وعرف القرآن.