للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد عمر الإسكندري


نظرة في الجزء الثاني من كتاب
تاريخ آداب اللغة العربية [*]

(لحضرة الفاضل جرجي أفندي زيدان)
يتفق جمهور القراء بمصر على أن حضرة الفاضل جرجي أفندي زيدان من
أعظم الكتاب نشاطًا واجتهادًا، وأسرعهم ترجمةً وتأليفًا، وأكثرهم قصصًا وكتبًا،
غير أنهم لا يتفقون على أن هذه القصص والكتب محررة العبارة مضبوطة الرواية
محققة الوقائع مصححة الأحكام.
وأنا مع جمهور المتفقين في الأمر الأول، ولست مع كل المخالفين في الأمر
الثاني، وإنما أنا مع مَن ينصف الرجل، فلا أجحد فضله وتحبيبه المطالعة إلى كثير
من طلاب العربية بكتبه السهلة التناول، وإن كنت أمقت تهوُّره واستهتاره في أمور.
ولو أتيح لكل كتاب من كتبه ناقد منصف يعلن للملأ ما يزلّ به قلمه لتحترز القراء
من الوقوع في خطئه ولانتفعوا بصوابه، كما ينتفع المؤلف أيضًا بذلك بتصحيحه
عند إعادة طبعه أو بإلحاق جدول تصحيح به أو بالضرب على الخطأ بالسواد كما
فعل في بعض مواضع من هذا الكتاب الذي سنبحث في بعض مشتملاته الآن.
وأظن المؤلف لا يأنف مِن قَبُول ذلك النقد، فطالما دعا إليه الكتاب، وقل من
أجاب؛ لأن الكتّاب على قِلّتهم في شغل شاغل بمصالحهم، وأعمال وظائفهم، عن
أن يُعْنَوْا بمصالح غيرهم، اللهم إلا بعض نَفَرٍ إذا وَجَدوا مِن وقتهم فرصة اختلسوها
في سبيل المصلحة العامة.
وهذا ما أغرى فريقًا من الطلبة والإخوان في هذه العطلة المدرسية بأن أقفهم
على رأيي في هذا الجزء حتى إذا قرءوه هم أو مَن يريد الاستفادة من كل كتاب جديد
كانوا على بَيِّنَة من موضع الشبه فيه , فاخترت العافية وطويت عن طلبهم كشحًا
إجمامًا لنفسي وترفيهًا لصحتي وإيثارًا لحفظ المعرفة بيني وبين المؤلف، ولكن
قاتل الله الإلحاح فإنه أنساني هذا كله، وقرأت الكتاب فوجدته ككل كتاب حديث في
بابه لا يخلو من سمين وغث وسمينه أكثر من غثه، وذلك ما نحمد عليه المؤلف
ونحث القراء على مطالعة تأليفه مع لفتهم إلى آراء النقادين والمقرظين فيه.
أما ما رأيته من الصواب والخطأ حسبما أستطيع , فسأذكره مجملاً معددًا
كمسائل لفهرست كتاب رفعًا لملل التطويل عن نفسي وعن القارئ.
غير سالك في التقريظ مسلك الذين يجدر بهم أن يكونوا أجراء لشركة
الإعلانات , ولا ناهج في النقد منهج الذين تنطبق عليه المادة (٢٦١ و٢٦٢) من
قانون العقوبات ولكن قصدًا بين الطرفين وتوخيًا لِكِلْتَا الحُسْنَيَيْنِ.
***
وصف الكتاب في الجملة
الكتاب في ذاته حسن الطبع والورق، سهل العبارة، قصير المقدمة، كثير
الأبواب والأقسام والعنوانات، قريب الاستطراد، مختصر التراجم، متشابه
المقالات المفتتح بها كل عصر من العصور أو كل مبحث من المباحث المختلفة،
خالٍ من الكلام في الخطابة والخطباء مع تيسر ذلك في العصر الأول من الدولة
العباسية، قليل الاستشهاد جدًّا على أحوال الكتابة والكتاب، كثير النقل عن
مستعربي الإفرنج من غير تمحيص لدعاواهم، فيه كثير من صور فلاسفة اليونان
ونقلة السريان وصور خيالية لخرافات أهل القرون الوسطى من الإفرنج في حروب
الإسكندر المقدوني وتمثيل حداد عاشوراء بإيران في العصر الحاضر وصور خيالية
لبعض المراصد والآلات وصور لابن سينا ومعمل الرازي وصورة سفينة عربية
وغير ذلك مما يَزِيدُ القارئ وُلُوعًا بالمطالعة، والكتاب بهجة وزينة.
***
محاسن الكتاب ومزاياه
إذا قصدنا إلى ذكر مزاياه فليس ذلك أن نستقصي كل صواب فيه ونذكره، فإن
ذلك يخرج بنا إلى تأليف كتاب آخر لا يقل عن نصف كتاب المؤلف , وإنما نقصد
إلى بيان محاسن الكتاب ومزاياه في الجملة، والذي يهم القارئ والمؤلف أن يبين
موضع الضعف والخطأ في الكتاب ليتنبه له كلاهما، فمن هذه المحاسن والمزايا:
١- سهولة عبارة الكتاب فلا تمتنع على أي طبقة من الطبقات.
٢- كثرة تناوله للمباحث المقصودة الآن عند الأوربيين والعصريين من آداب
اللغة بالإضافة إلى أي كتاب طبع إلى الآن في آداب اللغة العربية.
٣- عناية المؤلف فيه بذكر كتب المؤلفين وَمَظَانّ وجودها , وأماكن طبعها
ناقلاً أكثر ذلك عن كتاب بروكلمان الألماني مما يتعذر على غير عارف باللغات
الأجنبية معرفته خصوصًا فن أحوال الكتب الذي للأوربيين فيه القدح المعلي , وإنْ
لم يكن من أغراض أبواب اللغة الأساسية، هذا مع شك في صحة كل ذلك.
٤- تعريفه القارئ في أكثر المواضع بالكتب التي تعرضت لها بنوع من
التوسع.
٥- تذييل الكتاب بالمراجع التي نقل المؤلف عنها نصوص عباراته , وإن لم
يراع في ذلك الضبط , وبيان نوع طبع الكتاب المكرر الطبع.
٦- حسن طبع الكتاب وجودة ورقه.
***
الأمور التي تؤخذ على الكتاب
يكفي القارئ أن أذكر بغاية الاختصار بعض هذه الأمور، فإذا شاء أو شاء
المؤلف فضل إيضاح لبعض المباحث فصلته تفصيلاً.
ويمكن توزيع هذه الأمور إلى الأنواع الآتية:
١- الخطأ في الحكم الفني. أي تقرير غير الحقيقة العلمية سواءٌ كان ذلك
بقصد من المؤلف أم بغير قصد.
٢- الخطأ في الاستنتاج. وهو ما يعذر فيه المؤلف؛ لأنه اجتهاد من عند
نفسه , فإن أصاب فله الشكر , وإن أخطأ فَمَنْ ذا الذي ما ساء قط.
٣- الدعوى بلا دليل وهو ما يقرره المؤلف من غير تدليل عليه وقد يكون في
ذاته صحيحًا , ولكنه في سوقه ساذجًا مجالاً للشك.
٤- الخطأ في النقل وهو آتٍ مِن تصرف المؤلف في عبارات المؤلفين بقصد
اختصارها , أو من تسرعه في الجمع وقلة مراجعة الأصول.
٥- قلة تحري الحقيقة بمراجعة الكتب المعتبرة والتواريخ الصادقة ووزن كل
عبارة بميزان العقل والإنصاف , وقياس الأمور بأشباهها , بل كثيرًا ما تروج عند
المؤلف أقوال الخصوم في خصومهم وأقوال الكتب الموضوعة لأخبار المُجَّان أو
لذكر عجائب الأمور وغرائبها.
٦- تناقض بعض أقوال الكتاب.
٧- الاختصار في كثير من التراجم والمباحث , وإهمال ما ليس من شأنه أن
يهمل.
٨- إدخال ما ليس من موضوع الفن فيه لغير مناسبة أو لمناسبة ضعيفة جدًّا.
٩- الاستدلال بجزئية واحدة على الأمر الكلي وهو كثير الحصول في جميع
كتب المؤلف , وفي أكثر استنتاجاته ودعاواه.
١٠- تقليد المستشرقين في مزاعمهم أو نقلها عنهم من غير تمحيص.
١١- اضطراب المباحث وصعوبة استخراج فائدة منها لاختلال عبارتها أو
لعدم صفاء الموضوع للمؤلف.
١٢- اضطراب التقسيم والتبويب؛ إما بِذِكْرِ المباحث في غير موضعها ,
وإما بعدّ رجال عصر في عداد رجال عصر آخر , وربما زاد المؤلف عن ذلك بعدّ
رجال فن في رجال فن آخر.
١٣- التحريف واللحن , وهما كثيرا الشيوع في جميع كتب المؤلف مع
سهولة الاحتراز عنهما بمراجعة الأصول عند التأليف والطبع واستئجار أحد
المصححين العَالِمِينَ بقواعد العربية.
١٤- تهافت المؤلف على تطبيق قانون النشوء والارتقاء حتى في الأمور التي
فيها تدلٍّ وانحطاط لا نشوء ولا ارتقاء.
(يتلى)
((يتبع بمقال تالٍ))