للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المسلمون والقبط
(١)
إنما بقاء الأمم والملل بمقوماتها التي تمتاز بها عن غيرها، فإذا قصر أفرادها
في التماسك والاعتصام بالمحافظة على تلك المقومات وما يتبعها من المشخصات،
زالت الأمة أو الملة بانقراض أهلها أو اندغامهم في أمة أخرى.
مضت سنة الله في البشر بمحافظة كل قوم على مقوماتهم ومشخصاتهم
وحرصهم عليها بقدر ارتقائهم في حياتهم الاجتماعية، فالأمة الحية المستقلة لا تتبع
أمة أخرى، ولا تقلدها في دينها ولا عاداتها ولا تقاليدها، ومثلها في ذلك كمثل
الأفراد، فالعالم المستقل لا يتقلد رأي غيره وإن كان مثله أو أعلم منه، وإنما يعمل
بما يظهر له أنه الصواب لا بما يظهر لغيره.
يتعصب بعض الشعوب لما هم عليه، وإن ثبت لهم أن المخالف لهم فيه أولى
بالصواب وأجدر بالاتباع، كما يتعصب الإنكليز لمقاييسهم ويأبون اتباع الفرنسيين
وغيرهم في المقاييس العشرية التي هي خير منها، فإذا ثبت لهم أن ما هم عليه
ضار بهم أو مقدم لغيرهم عليهم، تبدلوا به غيره بالتدريج البطيء لكيلا تتزلزل
مقومات الأمة أو مشخصاتها، فيضعف تماسكها وتشعر بعلو غيرها عليها.
كان المكونون للأمم يراعون هذه السنن فيها، حتى إن رؤساء النصارى لما
أرادوا فصل أتباع المصلح العظيم لليهودية (عيسى عليه السلام) من قومه اليهود،
تركوا من تعاليم الناموس (التوراة) ما أقره المسيح، ولم ينقضه كالراحة في يوم
السبت والامتناع عن عمل الدنيا فيه، واستبدلوا به يوم الأحد بغير أمر من المسيح
ولا من حواريه، ووضعوا لهم غير ذلك من العبادات والأعياد، حتى صارت ملتهم
من أبعد الملل عن اليهودية، كذلك فعل المصلح الأعظم خاتم النبيين (صلى الله
عليه وعليهم أجمعين) بما كان يأمر به من مخالفة أهل الكتاب وغيرهم في عاداتهم
وتقاليدهم زائدًا ذلك عما جاء به الوحي من الإصلاح في أصول دين الله وفروعه،
والحكمة في ذلك تكون الأمة وامتيازها بما تكون به قدوة لغيرها لا تابعة مقلدة.
كذلك مضت سنة الله في البشر بتقليد الضعيف للقوي وتشبهه به فيما يسهل
التقليد، والتشبه فيه سواء ذلك في الأفراد والأمم، وإنما السنة فيه أن يكون
بالتدريج والانتقال من محقرات الأمور كالأزياء والعادات إلى ما فوقها، حتى ينتهي
بأعظم المقومات التي بها التمايز كاللغات والمذاهب والأديان، ولولا التعارض بين
داعيتي التقليد والاستقلال، لكان أمر البشر على غير ما نعهد الآن، فإما أن يكون
كل منهم مقلدًا لمن قبله فيكونون كالأنعام، وإما أن يكون كل منهم مستقلاً في كل
شيء، فلا يكادون يشتركون في شيء يجمع بينهم، ويرى بعض الحكماء أنه يجب
التأليف بين جميع البشر واتحادهم، وما هذا بالذي يتم، وغاية ما يرجى من الكمال
أن يتعارفوا ولا يتناكروا في اختلافهم كما أرشد القرآن.
كان أمر الناس في الزمان الماضي متروكًا إلى طبيعة الاجتماع، تعمل عملها
بسنن الله تعالى فيهم، وهم لا يشعرون بسيرها، فيساعدوها عليه أو يقاوموها فيه
بالطرق العلمية إلا ما كان من الحروب التي توقد نيرانها مطامع الأقوياء، وقد
اتسع نطاق علم الاجتماع في هذا العصر، فصارت الأمم العالمة المتحدة تفضل قوة
العلم على قوة السلاح في محاربة الأمم الجاهلة المتخاذلة، فتسطو على مقوماتها
ومشخصاتها من الدين واللغة والتقاليد والعادات فتزلزلها، وتزيل ثقتها بها بالتدريج،
وتزين لها أن تتبدل بها ما تخيل إليها أنه خير منه، فتزيدها بذلك ضعفًا ومرضًا
حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين، إما بالاستبعاد وذهاب الاستقلال، وإما
بالاندغام والاضحلال.
هذا هو السبب في بث الإفرنج دعاة دينهم، وفي بنائهم المدارس في البلاد
الإسلامية وغيرها، وفي اتخاذهم الوسائل إلى بث لغاتهم وآرائهم وعاداتهم في
مدارسنا، حتى صارت نفوس نابتتنا في البلاد المقلدة لمدينتهم في تصرف الأساتذة
من الافرنج والمتفرنجين، ينقشون فيها من الأفكار، ويطبعون فيها من الملكات ما
يغير نظام الاجتماع في بلادنا، ويجذب أموالها وميولها إليهم حتى يكون أهلها عالة
عليهم أو خدمًا لهم في كل شيء، إلى أن تصير ملكًا خالصًا لهم في الحقيقة دون
الاسم أو في الأمرين معًا، وقد صرح لورد كرومر في بعض تقاريره عن مصر
بأن الغرض من مدارس الحكومة فيها فرنجة المصريين، فهل اعتبر بهذا القول أحد
من القارئين، أو نبه عليه أحد من السياسيين؟ وهو الذي ترتب عليه تقليد
حكوماتنا لأوربا بغير اجتهاد ولا استقلال.
لا أقول ما قلته ذمًا في الافرنج بل مدحًا لهم؛ فإن هذه الطريقة هي أرقى ما
وصل إليه البشر في الفتح والاستعمار، واستيلاء الأقوياء على الضعفاء الذي هو
من سنن الاجتماع، فلهم في شرع العمران والفلسفة أن يجدوا ويجتهدوا في جذب
جميع الأمم إلي دينهم ولغاتهم وعاداتهم، وفي تسخيرها لخدمتهم ومنافعهم، وإنما
يمكن أن تلومهم الفلسفة أنهم لا يرضون أن يساووا هؤلاء المجذوبين بأنفسهم، ولا
أن يرقوهم إلى درجتهم، فالشرقي عندهم لا يمكن أن يساوي الغربي وإن اتبعه هذا
في دينه ولغته وعاداته، والإسلام يفضلهم في هذه المسالة، فهو قد سبقهم إلى تلك
الطريقة السلمية في جذب الناس إليه مع تقرير المساواة التامة بين المنجذبين إليه
الداخلين فيه، لا فرق بين الملك العظيم كجبلة بن الأيهم والصعلوك الفقير. ولا
بين السيد الشريف الفاتح كخالد بن الوليد وبين العتيق الأسود كبلال الحبشي، بل
الإسلام يساوي بين المسلم وغير المسلم في الحقوق، كما ساوى أعدل أمرائه عمر
بن الخطاب بين أكبر سيد فيه علي بن أبي طالب وبين رجل من آحاد اليهود،
والانكليزي لا يساوي الهندي بنفسه، ولا الفرنسي يساوي الجزائري بنفسه، بل
ميزوا أنفسهم علينا في عقر ديارنا وأرقى حكومتنا.
الإفرنج أرقى منا في العلم والمدنية، فنحن في حاجة إلي أخذ الفنون
والصناعات منهم بالاجتهاد والاستقلال، مع المحافظة على مقوماتنا الملية والقومية
التي تحول دون فنائنا فيهم. ولكننا لم نأخذ منهم شيئًا مما نحتاج إليه بالشرط الذي
بيناه، وإنما سرى إلينا ما سرى منهم بالتقليد لا بالاستقلال؛ لذلك كان سببًا لضعف
استقلالنا أو ذهابه لا لرسوخه وثباته، اللهم إلا ما اقتبسته دولتنا العثمانية من فنون
الحرب، فلها استقلال واجتهاد ما فيه، لعلمها بتوقف حياتها عليه، ولم يكن استقلالها
فيه تامًّا؛ لأنها لا تزال عالة عليهم حتى في تعليم الجند، فما بالك بصنع الأسلحة
والآلات والبوارج والمدرعات، ولو تواطأت دول أوربا على منع بيع
السلاح وآلات الحرب للدولة لقضين على قوتها بغير مقارعة ولا مكافحة.
من آية استقلال الأمة فيما تأخذه عن غيرها، وما تدعه من عاداتها التي هي
عرضه لها، أن يكون ذلك رأي زعمائها وعمل جمعياتها، باسم الأمة ولمصلحتها
العامة، ولسنا معاشر المسلمين على شيء من هذا الاستقلال، بل نحن مقلدون
للأفرنج حتى فيما نحسب أننا نهرب به من سيطرتهم؛ كالدعوة الوطنية التي كان
الخسار فيها علينا والربح لغيرنا، ومن الشواهد المحسوسه على ما ذكرنا من
المقدمات ما يسمونه اليوم بالمسألة القبطية في مصر.
***
سكان القطر المصري اثنا عشر مليونًا منهم أحد عشر مليونًا ونيف من
المسلمين، ويزيد عدد القبط فيه عن نصف مليون والباقي من سائر الشعوب والملل،
ودخل بعض القبط في حماية الدول الأجنبية، فلم يعد لهم من الحقوق ولا عليهم
من التكاليف مثل ما للوطنيين وعليهم، والمشهور أن نسبة القبط إلى المسلمين في
هذا القطر هي نسبة ستة إلى مئة.
في هذه الفئة القليلة من الحياة الملية ما ليس في تلك الفئة الكثير العدد،
صاحبة الحق في الملك والسؤدد؛ لأن الحاكم العام منهم، وهو صاحب التصرف
المطلق في إدارة بلادهم التابعة في السياسة والسلطة لخليفتهم، ولغة الحكومة والأمة
هي لغة دينهم، ولم تغن عنها كثرتهم، ولا سلطتهم، ولا شكل حكومتهم، ولا
تبعيتهم لخليفتهم من شيء لما قامت القبط تنازعهم ما في أيديهم، فتنزعه شيئًا بعد
شيء على سنة الكون ونظام الاجتماع، فما أجدر القبط في سيرتهم هذه بالفخر
والإعجاب.
ليس لمسلمي مصر جمعيات دينية محضة ولا مجلس ملي إسلامي كما للقبط
وغيرهم، ليس لهم أندية إسلامية خاصة بهم من حيث هم مسلمون، ليس لهم
جرائد ولا مجلات دينية محضة كجرائد غيرهم ومجلاتهم، لا يوجد فيهم أفراد ولا
جماعات ينظرون في أمورهم الاجتماعية ونسبتهم فيها إلى غيرهم، ويعملون عملاً
ما لمسابقة غيرهم أو مزاحمته في أعمال الحكومة أو الأعمال المالية أو الأدبية،
الجرائد السياسية لغير المسلمين تروج عند المسلمين، وجرائد المسلمين لا تروج
عند القبط. والمسلمون يعلمون ذلك ولا تحركهم نعرة عصبية، ولا غيرة ملية،
وما ذلك إلا من بقايا ما ورثوا من أخلاق دينهم من صفاء القلب والتساهل.
أما القبط فإنهم يعملون كل شيء للقبط باسم القبط، ويعبرون عن أنفسهم بالأمة
القبطية، ويسمون البلاد المصرية بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم، ولهم مجلس ملي
وجمعيات وأندية وجرائد ومجلات قبطية محضة، ويطلبون ما يطلبون من
المناصب والأعمال في الحكومة للقبط باسم القبط على أنها حق للقبط من حيث إنهم
قبط، ويتعاونون في جميع مصالح الحكومة، فيفضل القبطي أخاه القبطي على
غيره، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا شيء عند المسلمين من هذا التعاون
والتكافل، على أن البلاد بلادهم وليس للقبط فيها مزية على غيرهم من النصارى
واليهود إلا بتمييز المسلمين لهم، ثم إنهم يتهمون المسلمين بالتعصب الذميم
والتحامل وهضم حقوقهم، فمرحى للقبط المتعاونين، ويا حسرة على المسلمين
المتخاذلين.
إن معظم أعمال الحكومة المصرية ومصالحها في أيدي القبط، ولا يمتاز
المسلمون عليهم إلا بقليل من المناصب الرئيسية التي لا حظ لهم منها غير الفخفخة
والتحلي بكساوى التشريف والأوسمة، فالمديرون على قلتهم من المسلمين وكثيرًا ما
يكونون من غير الأكفاء المختبرين، وينقلون من مديرية إلى أخرى، ورؤساء
الكتاب وأكثر العمال الذين تحت أيديهم من القبط ثابتون في أعمالهم عارفون
بقوادمها وخوافيها، متكافلون في الاستئثار بها؛ ولذلك يكون أكثر المديرين آلات
في أيديهم لا يقدر أعلاهم كفاءة أن يخالف رئيس الكتاب القبطي في شيء يريده؛
لأن العمال في المديرية وأكثرهم من القبط يتعصبون حينئذ على المدير، ويعرقلون
أعماله ويوقعونه في المشكلات مع نظارة الداخلية أو نظارة المالية، وينصرهم
إخوانهم في النظارة عليه؛ لأنهم كلهم يد على من عداهم، وعلى هذا القياس
تناصرهم في القضاء وسائر المصالح، ثم إنهم يزعمون مع هذا كله أنهم مظلومون
مهضومون، وأن المسلمين هم المتعصبون الظالمون، فمرحى للقبط المتحدين، ويا
حسرة على المسلمين المتفرقين.
هذا ما كانت عليه الفئة الكثيرة بالعدد القليلة بالتخاذل والغفلة، والفئة القليلة
الكثيرة بالتعاون والوحدة، وهذا هو الذي أطمع القبط في جعل حكومة مصر قبطية
محضة في يوم من الايام، وكان من حسن حظهم أن فتن الباحثون في الأمور العامة
من المسلمين بالسياسة، وجعلوا هجيراهم فيهم دعوة الوطنية، وصاروا يلهجون بهذه
الكلمات: إخواننا القبط، إخواننا القبط، نحن مصريون قبل كل شيء، لا دين في
الوطنية، إنما الدين في المساجد والكنائس، وبلغ من لهجم بالوطنية وإخلاصهم فيها
أن صار بعضهم يقول: لا فرق عندي بين أن يكون الخديوي مسلمًا أو قبطيًا،
وإنما المهم عندي أن يكون مصريًا، وقد سمعت مثل هذه الكلمة من بعض
المدرسين في مدارس الحكومة العالية، فقلت له: وهل تظن فيمن سمحت لهم
عاطفتك الوطنية بعرش الإمارة أن يسمحوا لك بوظيفة (قومسير) في مصلحة سكة
الحديد؟ ؟ أما وسر العقل والبصيرة إنهم لا يسمحون بذلك مختارين، وما هم على
ذلك عندي بملومين، فمرحى للقبط المتعصبين، ويا حسرة على المسلمين
المتساهلين.
***
سبق لي مدح القبط في المنار غير مرة، وتفضيلهم على المسلمين بالتعاون
والتناصر والرابطة الملية، وإن كانوا دون المسلمين في الكفاءة الشخصية إلا التملق
الذي يستميلون به الرؤساء، واتباعهم في ذلك طريق العقل والحزم وسنن الاجتماع
التي أشرنا إليها في فاتحة القول بترك المسلمين بين عامل خامل، وذكي يائس،
ونشيط مغرور شغله الكلام في مقاومة الاحتلال عن كل عمل تقوى به الأمة في
وجه الاحتلال (وهو عندي محصور في التربية الملية والأعمال الاقتصادية، كما
بينت ذلك مرارًا) وتوجيه همتهم في هذه الفرصة إلى التربية القبطية والتعليم،
وتنمية الثروة، والتغلغل في أعمال الحكومة، ولكنني أنكرت عليهم في هاتين
السنتين سيرتهم فرأيتهم قد تركوا ما عهدت فيهم من الهدوء والسكينة، واللين التملق،
وطفقوا يطعنون في جرائدهم طعنًا صريحًا في سلف المسلمين وخلفهم، ودينهم
وآدابهم ولغتهم، فعجبت من هذه الطريقة الجديدة، التي يخشى أن تعلم المسلمين
التعصب والمقاومة، فتكون كرة القبط هي الخاسرة، وصرت أقول في نفسي: ما
عدا مما بدا، وأقدح زناد الفكر لعلي أجد على النار هدى.
ولو صبروا على جدهم وتعاونهم، وتركوا المسلمين في غفلتهم وتخاذلهم،
لنالوا كل ما أملوا، ولساعدوهم باسم الوطنية على ما أرادوا، يريدون أن يثبوا
على الوظائف الإدارية العالية، كما وثبوا في القضاء، يريدون أن تترك الحكومة
العمل في يوم الأحد، يريدون أن تدرس الديانة المسيحية في الكتاتيب والمدارس
كلها، يريدون أن لا يكون للمسلمين في هذه الحكومة مزية ما، كل هذا كان سهلاً
إذا رضوا بسنة التدريج، والمسلمون أنفسهم يساعدونهم على كل ذلك؛ حتى إذا
نالوه سهل عليهم أن يجعلوا الحكومة وقفًا عليهم، ويمنعوا المسلمين منها ألبتة.
أليس بعض كتاب المسلمين يهينون في جرائد الأحزاب القوية كل من يرتقي
من المسلمين إلى منصب عال في الحكومة، ويعدونه خائنًا لوطنه، مشايعًا للإنكليز
فيه، بقدر ما يعظم القبط كبار الموظفين منهم، ويستعينون بهم على سعة نفوذهم في
الحكومة؟
أليس هذا تمهيدًا لنيل القبط هذه البقية القليلة من الوظائف؟ ألم يساعدهم
الوزراء المسلمون على ما طلبوا من تعليم دينهم في مدارس الحكومة (وهو ما لا
نظير له في حكومات الأرض) ؟ بلى، وكذلك يساعدهم المسلمون في فرصة
أخرى على كل ما يطلبون، وإذا هم نالوا بقية الوظائف الرئيسة وتمكنوا بها من
جعل تسعة أعشار الموظفين منهم، يكون لهم الوجه الوجيه في طلب إبطال الأعمال
يوم الأحد دون يوم الجعة، ولا يتجرأ مسلم يومئذ أن يفتح فمًا، أو يحرك قلمًا؛
خوفًا من تهمة التعصب الديني من جهة، ومن تحامل الحكومة القبطية عليه من
جهة أخرى.
هذا ما أقوله معتقدًا له ولا شك فيه عندي، ولذلك عجبت كيف خانهم الصبر،
وفاتهم إدراك هذا الأمر، وحرت في تعليل هذا المسلك الجديد، حتى كان مما خطر
في بالي أنهم ربما كانوا يريدون إحراج المسلمين لإحداث فتنة في البلاد، تكون
وسيلة لإعلان إنكلترا الحماية عليها أو ضمها إلى مستعمراتها، ولم أصدق ما يقوله
بعض الناس من أنهم أحسوا من المسلمين ضعفًا، ووجدوا فرصة لإخراج
أضغانهم، وشفاء غليل حقدهم، ففعلوا ذلك لمجرد اللذة بإيذاء من كان يستثقلون
اسم سيادتهم عليهم، لا أرى هذا القول ولا ذلك الخاطر بالمعقول، وإنما هناك سبب
آخر نشرحه في النبذة التالية، ثم نبين شكل هذه الحكومة الرسمي، وهل للقبط حق
فيها أم لا؟ ثم مسألة يوم الراحة الأسبوعية في الأديان الثلاثة، وما ينبغي أن يكون
عليه الحال في مصر.
(للمقال بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))