للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


بيان هادي باشا الفاروقي
في وظيفة الجيش
ومسألة تداخله في السياسة

جاء في جريدة الحضارة الشهيرة التي تصدر في الآستانة بالعربية ما نصه:
على أثر الاختلاف الذي ظهر أخيرًا في حزب الاتحاد والترقي، لقي محرر
جريدة رومللي القائد الباسل هادي باشا الفاروقي مفتش الفيلق الثاني في الرومللي،
وسأله عن مداخلة الضباط، وعلى الخصوص ضباط الفيلق الأول في هذه
الاختلافات فقال: إنه لم يكن له علم قطعي بذلك، ثم صرح بما يأتي:
إن وظيفة الجيش والأشخاص الذين يتألف منهم؛ هي أن يكونوا دومًا
متأهبين للمدافعة عن الوطن، وأن يواصلوا السعي بكل عزم وغيرة إلى الكمال؛
ولأجل أن يصل الجيش إلى هذه الغاية المقدسة لا بد أن يكون كتلة واحدة مهيبة،
ولذا تكون مداخلة بعض الضباط بشؤون السياسة مضرة جدًّا؛ إذ إنها تولد الحرص
والاختلاف، وتخل برابطة الجيش وتضر بوحدته. وأنا من جهتي أقبح هذه الأفعال.
وإذا كان يوجد ثمة من يتداخلون هذه المداخلات، فهم لا شك خونة جهلاء؛ لأنهم
يكونون بذلك حطوا من مقام الجيش الذي هو أرفع وأعلى من اختلافات الأحزاب
ومبارزات السياسة.
إن وظيفة الجيش العليا هي الذود عن الوطن والمحافظة على الدستور
(المشروطية) عند الاقتضاء لا غير. وإذا ظهر خلل في إحدى شعبات الإدارة،
فأمرها يكون موكولاً إلى غيره. وإني أقول مكررًا: إن إدخال فكر السياسة في
الجيش أمر لا يعبر عنه إلا بالجهل والخيانة والجناية، ورغمًا من الواقع فإني موقن
بأن الجيش العثماني عار عن هذه الشائبة، وأنه إذا كان يوجد ثمة شيء من هذا
القبيل فالمرجع الإيجابي يتوسل لإزالتها.
(وقال المحرر: إن هذا الشهم المقدام العالم العامل بوظيفته العسكرية، كان
يتكلم هذا الكلام والشرر يتطاير من عينيه، كأنه واقف أمام عدو هائل) .