بسم الله وحمده نختم الجزء الرابع والعشرين من هذه السنة كما افتتحنا أول جزء منها باسمه - جل ثناؤه - وحمده وشكره عظمت نعماؤه , فله الحمد أولاً وآخرًا , وباطنًا وظاهرًا {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (المؤمنون: ٨٨) . قلنا في فاتحة هذه السنة أن المنار دخل في سن التمييز بالنسبة إلى الأشخاص. ذاك أن للأعمال أطوارًا كأطوار الناس: طفولية ومراهقة وشبابًا وكهولة وشيخوخة, وإن العامل ليتقلب في أطوار عمله فيكون في أوله كالطفل أو الغلام الصغير , وإن كان في علمه أو سنه كالشيخ الكبير , لأن حياة التجربة والخبر , غير حياة النظر والفكر , وإننا لم نقل إن المنار دخل في سن التمييز تواضعًا - كما يقال - ولا عنينا به الخروج عن حدود الخطة التي اختططناها , أو السبيل التي أشرعناها له وذكرناها بالإيجاز في فاتحة العدد الأول من سنته الأولى، فإن من راجع تلك الفاتحة يعلم أن كل ما كتب في السنوات السبع تفصيل لإجمالها، ومن سنة الله تعالى في هذا النوع أن كتابة العلم آلة لإخراجه من حيز الإجمال والإبهام , إلى حيز التفصلة والإيضاح وأن من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم , كما ورد في الحديث الذي ذكرناه في تلك الفاتحة؛ وإنما عنينا بالدخول في سن التمييز أن العمل نما نموًّا طبيعيًّا، وأننا أنشأنا نعرف في هذه المعاملة بيننا وبين الناس ما لم نكن نعلم من أمر الاستعداد للإصلاح الديني والاجتماعي، ودرجات ارتقاء الأخلاق والأفكار، ومبلغ التعاون والتساند والاختلاف في ذلك بين أصناف الناس في قطر واحد والتفاوت بين أهل الأقطار المتعددة.
(طفولة المنار وتمييزه) دخلنا في هذا العمل ونحن على غرارة الأطفال في معرفة الناس؛ إذا أظهر لنا أحد استحسانًا اعتقدنا أنه مستحسن , وكنا مسرورين , وإذا بلغنا عن آخر استهجان اعتقدنا أنه مستهجن , وكنا آسفين عاذرين , ومتى رأينا من أحد ميلاً إلى نشر المنار أو الدعوة معه إلي ما يدعو إليه , وثقنا به وعولنا عليه , ولم يكن في الفكر ولا في القلب شيء إلا أن الأمة في حاجة إلى الإصلاح، وأن حوادث الزمان أعدتها له في الجملة، وأن الكلام في ذلك والدعوة إلى ما يجب يزيدان الأمة استعدادًا لما به تكون أمة عزيزة، ويكون عونًا للساعين في سبيل نهضتها والعاملين لتكوينها وعزتها. بدا لنا من فضل الله تعالى ما كنا نرجو ونحتسب، وفوق ما كنا نرجو ونحتسب , فقد انتشر المنار في جميع الأقطار ولا يزال انتشاره في نمو مستمر من غير سعي ولا دعوة تذكر، وبدا لنا من الناس ما علمنا به علم تجربة واختبار أنه لا ينبغي أن يوثق بكلام أحد في أمور الجد والأعمال العامة التي لا حظ فيها لأهواء الأفراد، إلا من شهدت له الأعمال والأخلاق بالاختبار الصحيح - وقليل ما هم ثم قليل ما هم ثم قليل ما هم - وأنه لا ينبغي لمن لا يتبع أهواء الأمراء والرؤساء والأغنياء أن يرجو من أحد مساعدة علي خدمة الملة والأمة، بل يجب أن يخشى ويحذر من إيذائهم وفتنتهم. بدا لنا أن من يريد أن يخدم دين الله وعيال الله - دون العظماء المترفين- يجب عليه أن لا يعتمد في نجاح عمله إلا على تحري الحق والخير، والعلم بحاجة الأمة إلى خدمته، وبأن الإحساس والشعور بهذه الحاجة قد دب في نفوس كثير من أفرادها، وأن حركته فيها حركة حية، ولا علامة للحياة إلا النمو والزيادة. هذا هو الأساس المتين الذي يجب البناء عليه ولا يشترط معه للنجاح إلا حرية العامل وثباته، فمتى صادف الداعي إلى الحق حرية وثبت على عمله، فإن فضل الله تعالى كافل له بالنجاح رغمًا عن أنوف المبطلين الذين يتعقبونه يضعون في طريقه العقاب ويبغونه العواثير {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: ٤٠) . (الدعوة إلى المنار) بدا لنا أن الدعوة إلى العمل الذي يعمل للأمة لا يرجى نفعها إلا ممن يعتقد نفع ذلك العمل، ويشعر بدافع الغيرة يدفعه إلى الدعوة , ولقد كنا نعرف هذا نظرًا واستدلالاً , ولكن ذلك لم يصدف بنا قبل الاختبار عن الاغترار بأناس مدحوا على هدى , ثم عادوا فذموا عن هوى , وأناس أقبلوا على علم , ثم أعرضوا بغير عذر. وعن الرجاء بمن عهد إلينا إرسال المنار إلى أشخاص على أنه كفيل بالتحصيل منهم، ومرت السنوات ولم يأت شيء من الكافل ولا من المكفول , وقد وقع لنا هذا من غير واحد، ولم يكن ذلك مخادعة بل كان سعيًا في النفع، ولكنه غير مستوفٍ للشرط فكان ضارًّا من حيث ينوى به النفع، فلأصحابه الشكر على نيتهم الأولى والعذر على إهمالهم الأخير، ولولا أن كتبنا في المجلدات السابقة كلمات ظهر لنا أنها كتبت بمداد الغرة لما نبهنا على اغترارنا في آخر هذا المجلد , ونصرح الآن بأن العبرة في مساعدة المنار على ما نقول بعد دون ما قلنا قبل تصريحًا أو تلميحًا، وإنما استفاد المنار من دعوة من رغبوا فيه عن اعتقاد، ودافع من شعور الغيرة ودافعوا عنه بمدافعتهم عن اعتقادهم لا حبًّا في شخص منشئه، ولا إرضاء لبعض محبيه , دعاة المنار وأنصاره هم أسلم الناس من الظنة , وأبرأهم من التهمة , وأبعدهم عن الهوى , وأقربهم بفضل الله من الهدى , إذ لا مجال لنوال , ولا مطمع في جاه أو مال , ولا وسيلة إلى رتبة أو وسام , ولا رجاء في مدح ولا خوف من ذام.
(مقاومة المنار) للمنار خصماء ينفرون عنه ويذمونه، فمنهم من يطعن فيه وينفرعنه بغضًا ببعض محبيه، ومنهم من يتجرم عليه تزلفًا إلى بعض مبغضيه، ومنهم من يكرهه حسدًا وموجدة؛ ولا يكاد يخفى أمر هذه الأصناف على أحد إلا من كان خالي الذهن غير مطلع على حقيقة أمرهم وحقيقة ما يطعنون فيه. وإن مقاومة أمثال هؤلاء الناس - وإن ضخمت ألقابهم - لا تضر الحق إلا حيث يحرم الحق من الحرية كبلاد الاستبداد والظلم , أما في بلاد الحرية فإنها تكون أكبر نفعًا له وأعون على نشره وإعلاء شأنه، من المدح والإطراء لأن النفوس لا تتوجه إلى ما يمدح ويدعى إليه إلا بعض توجهها إلى ما يذم ويصد عنه، وإنما يعرف الحق بالتوجه إليه، والاطلاع عليه، ولذلك تجد أهله لا يجزعون من المناصبة، ولا يحفلون بالقيل والقال، ولا يبالون بمحل أهل الكيد والمحال وإن تفننوا في الاعتداء وبالغوا في الافتراء، وتجد أهل الباطل يجزعون من ذكر أعمالهم. ويضطربون من معرفة الناس لأحوالهم، فيبذلون المال لكذبة المؤرخين وللشعراء الغاوين، ليلبسوا الحق بالأباطيل ويشغلوا الأذهان بالخلابة والتخييل، وسيكون التاريخ حكمًا بيننا وبين من تصدى للمنار من هؤلاء في الدنيا والله خير الحاكمين. ومن الناس من يمقت المنار؛ لأن مباحثه ومسائله تبين للناس ما هم عليه من الأباطيل التي اتخذوها وسيلة للرزق وجمع المال، وسلمًا للصعود في مراقي الشرف والجاه، كبعض الدجالين الذين يدعون الولاية والقرب من الله والوساطة بينه وبين عباده يقربونهم إليه زلفى، ويدفعون عنهم البلاء، ويستنزلون لهم النعماء، وكسدنة القبور , وأكلة النذور , وكبعض أصحاب الجرائد الذين يخادعون الناس بما يوهمونهم من الدفاع عن بلادهم والذود عن حقيقتهم، والدعوة إلى حفظ شريعتهم، وهم لا شأن لهم في أمور البلاد، ولا قيمة لكلامهم عند أصحاب السلطة والنفوذ، ولا معرفة لهم بأمر الدين فيقرروا عقائده، أو يدفعوا الشبه عنه، أو يبينوا حكمه للجاهلين، ويذكروا بهدايته الجاهلين، وهؤلاء يعذرون بعداوتهم لنا في دنياهم، ولا يبالون بأمر أخراهم، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. ومن الناس من يفر من المنار ويصد عنه لأنه يخالف رأيه ومذهبه في بعض المسائل، وما آفة الأولين والآخرين إلا العداء بالخلاف {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (هود: ١١٨-١١٩) فللخروج من الخلاف خالفنا رأيهم أو مذاهبهم، ولكننا لم نبغضهم ولم نعادهم بل نحبهم من حيث يكرهوننا، ونحترمهم وإن كانوا لا يحترموننا، ونعذرهم وهم لا يعذروننا، ولعلنا بهذا نفضلهم ونود لو يساووننا أو يفضلوننا، وهذا الصنف على قسمين: مقلد جامد لا يقرأ ولا يبحث ولا يطالب بدليل بل يذم ويعيب لأنه سمع من يفعل ذلك فصدقه وتبعه، وذي رأي ونظر يقرأ ويبحث ولكنه رأى ما يخالف اعتقاده فظنه ضارًّا فكرهه وصد عنه، وهذا الفريق يكاد يكون نادرًا في أمتنا لهذا العهد الذي قال في أهله الشاعر: غوينا فلا الداعي إلى الخير بيننا ... يعان ولا الداعي إلى الشر يخذل بل كثيرًا ما نرى أُناسًا يخذلون داعي الخير لأقل شبهة، ويعينون داعي الشر والفتنة، ولنا مع من يكره المنار لمخالفة رأيه كلمات ثلاث نقولها في خاتمة هذه السنة: (الأولى) من البديهي أن الخلاف في البشر طبيعي ولا يكاد يوجد اثنان يتفقان في كل شيء حتى في الأمور العامة الظاهرة، فمن الجهل أن نجعل أمرًا طبيعيًّا لا مفر منه سببًا للتعادي والتباغض؛ لأن ذلك يجعل هذا التعادي دائمًا مستمرًّا في الأمة. وما استمر التعادي في أمة إلا وكانت من الهالكين. (الثانية) إن الذي يخالفك في أمر من الأمور العامة بأن كنت تخشى ضرره إذا نشر وهو يرجو نفعه، يجب عليك أن تتروى في أمره، فلا تقدم على عداوته والصد عن عمله لئلا تكون صادًّا عن الحق والخير من حيث لا تعلم، بل عليك أن تنظر في رأيه بإمعان وإنصاف فإن ظهر لك خطأه فاكتب إليه وكلمه بما ظهر لك لينشره حيث ينشر رأيه، فإما أن تقنعه وترجعه وإما أن يقنعك ويرجعك، وإما أن يعرض الرأيان على الناس فيكونوا هم الحاكمين، وأي ذلك كان فهو خير من التنازع والخصام، ولا ينبغي لك أن تخاف على حقك من باطله إذا هما تصارعا معًا فإنه ما تصارع شيئان إلا وغلب أقواهما أضعفهما، والحق أقوى من الباطل فإذا قذف به عليه دمغه فإذا هو زاهق. (الثالثة) أولى الناس بأن يعامل هذه المعاملة من تدل حاله على أنه يعتقد ما يقول , وأنه يرجو النفع والإفادة للأمة، ويخلص لها الخدمة، ومن آية ذلك ترك الدهان والتقرب إلى الذين ينال المال والجاه بالتقرب إليهم واتباع أهوائهم والعدول عن ذلك إلى ما يسيء المبطلين من الخاصة، ولا يوافق أهواء العامة. وآية أخرى أكبر من أختها وهي أنه ينادي دائمًا بأنه يقبل كل اعتراض وانتقاد وينشره كما ننادي في كل عام. (ضروب الانتقاد على المنار) الانتقاد على المنار على ضربين: انتقاد خطة وانتقاد مسائل. فأما الأول: فمن الناس من يرى أنه لا ينبغي للمنار الخوض في السياسة , وأول من صرح لنا بهذا الرأي الشيخ محمد عبده عند اطلاعه على أول عدد صدر من السنة الأولى، ثم إننا رأينا رياض باشا على هذا الرأي أيضًا، وذلك أن هذين الشيخين الكبيرين يعتقدان أن خوض الجرائد في السياسة قد أضر بهذه البلاد، ويودان لو يكون المنار الذي يعتقدان نفعه بعيدًا عنها , وقد ذكر لنا كل واحد منهما رأيه غير مرة، ولكن السياسة فتنة العالمين، وإنه ليصعب على الإنسان أن يرى الأهواء تعبث بالأمور العامة، ويرى أهلها يخفون الحقائق ويموهون على الناس ويغشونهم وهو ساكت لا يحير قولاً ولايكشف لبسًا. على أننا قلما نقصد إلى السياسة ونبحث فيها، وإنما نذكر في باب الأخبار والآراء أحيانًا بعض المسائل التاريخية والجوانب الطارئة، ونذكر وجه العبرة فيها والعبر التاريخية كلها سياسية على أنهما يعنيان السياسة المصرية، وهذه قلما نعرض لها أو نلتفت إليها. ومن الناس من ينتقد ذكر الأخبار والأدبيات في المنار زاعمًا أنه مجلة دينية لا ينبغي التعرض فيها لغير مسائل الدين، وجواب هؤلاء مكتوب على غلاف المجلة منذ وجدت وهو (مجلة علمية أدبية تهذيبية ملية إخبارية) . (مسلك المنار السلفي) ومن هذا الفريق من ينتقد على المنار اتباع طريق السلف في الاستدلال على المسائل بالكتاب والسنة، ويسمون هذا اجتهادًا، ويقولون: إن منشئ المنار لا تسلم له دعوى الاجتهاد. ونجيب هؤلاء من وجهين: (أحدهما) أن المنار يتكلم في مسائل الدين في أبواب منها باب التفسير , ولا ينبغي لمسلم أن يقول: إنه يجب أن نجعل أحد المذاهب أصلاً ونرجع القرآن إليه ونحكمه فيه، بل الواجب اعتقاد أن القرآن هو أصل الدين وأساسه وينبوعه ومصدره، يرجع إليه كل شيء منه وهو لا يرجع إلى شيء لأنه فوق كل شيء. ومنها بابا الفقه والسؤال والفتوى، وهما موضوعان لبيان حِكم الدين وأسراره، ودفع الشبه والاعتراضات عن الإسلام، وإقامة الحجة على المتهاون بأحكامه، وليس يضر الإسلام والمسلمين أن يكون بعض المسائل الاجتهادية في بعض المذاهب منتقَدًا أو غير ظاهر الحكمة أو غير معمول به إذ لا بد من هذا، وإنما يضرنا أن يتوجه الانتقاد إلى أصل الكتاب والسنة وأن يكون هذا الأصل مخالفًا للبرهان العقلي في عقائده وللمصلحة في أحكامه. ثم إن المنار قد أنشئ لجميع المسلمين لا لأهل مذهب معين منهم والمسائل ترد إليه من أهل المذاهب المختلفة في الأصول والفروع وهم لا يسألونه عن مذهب معين إلا نادرًا، وإنما يسألونه عن أصل الدين وهو الكتاب والسنة، ومن يسأله عن مذهب معين يجبه عنه إن علم، وإلا قال: لا أدري، بلسان المقال، أو بلسان الحال وهو السكوت. (الوجه الثاني) إن رأي المنار أن الوحدة الإسلامية لا تتحقق إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة المتبعة المجمع عليها في أمور العقائد والعبادات المحضة كما كان السلف، وأن يكون الاجتهاد في المعاملات قائمًا على أصولهما العامة مع مراعاة مصلحة الأمة وعُرف الزمان كما جرت المذاهب، وعدم التفريط في مصلحة الأمة لأجل موافقة مذهب دون مذهب، وما نذكر من المسائل بأدلتها مع بيان حكمتها وانطباقها على المصلحة نريد به مع الرد على المنكرين بيان النموذج الذي نرى اتباعه جامعًا لكلمة الأمة ومحييًا لنشأة الدين فيها، ولا نلتزم في ذلك إلا موافقة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فما كتبنا شيئًا يخالف هذه الأصول ولا القياس حيث لم توجد. فإذا كان نشر كل ما يخالف مذهبك أيها المعترض ضارًّا فكتب التفسير والحديث ضارة؛ لأنها مملوءة بذكر الخلاف والأدلة، وكذلك أكثر كتب الفقه , وللمنار أسوة بها. وأما الضرب الثاني وهو انتقاد المسائل فإننا ننشر في كل سنة ما يرد علينا منه ونذكر رأينا فيه، وقد جاءنا في أواخر هذه السنة رسالتان: إحداهما من فاس ينتقد صاحبها فتوى نشرت في المنار، والثانية من الهند ينتقد صاحبها الحنفي ما كتبناه في مسألة اشتراط الولي في النكاح، فلم نتمكن من الرد عليهما فأرجأناه إلى أجزاء السنة الثامنة. وقد رأينا في جريدة الأفكار البرازيلية انتقادًا على ما كتبناه في مسألة تعدد الأزواج سنذكر خلاصته ونجيب عنه أيضًا.
(تقريظ المنار ومدحه) ذكرنا كل ما انتهى إلينا علمه من الانتقاد علينا، فإن كان أحد يعلم أنه كتب إلينا شيئًا لم نذكره فليذكرنا به. ولكننا لا نذكر ولا نشير إلى تلك التقاريظ والثناء الذي يرد علينا من هذه البلاد ومن المشرقين والمغربين، بل نثني على أهله ونشكر لهم حسن ظنهم وثقتهم بالمنار ودعوتهم إليه، والله تعالى يتولى مثوبتهم أجمعين. (مشتركو المنار) زاد عدد المشتركين في هذه السنة كالتي قبلها عدة مئين، ونحن نرى أن قراءه خير القراء وأقربهم إلى الوفاء , ولا يزال المنار متغنيًا بالثقة بوفائهم عن الوكلاء، إلا أن كثيرين منهم لم يرسلوا إلينا القيمة انتظارًا لوكيل يطالبهم، فعسى أن يتفضلوا بإرساها حوالة على البريد أو أحد المصارف (البنوك) وقد شغل وكيلنا الفاضل بتونس في هذه السنة عن إنجاز وعده الذي ذكرناه في آخر السنة الماضية، وهو يشكو من عسر التحصيل في البلاد البعيدة عن الحاضرة لما في إرسال المحصل إليهم من النفقة فنرجو من هؤلاء ومن جميع من لم يتيسر له التحصيل منهم أن يسعفونا بإرسال القيمة حوالة على البريد، كما نرجو من همته العالية إنجاز وعده بتسديد حساب السنين الماضية عن قريب. (البريد) زادت شكوى القراء في هذه السنة من فقد أجزاء المنار وكثرت مطالبتهم للإدارة بما لم يصل إليهم. ومنهم من رد عمال البريد أجزاءهم زعمًا منهم أنهم هم الذين رفضوها، ثم تبين لنا خلاف ذلك، وُفقد لنا في البريد رسائل ومطبوعات أخرى فلعل هذا الأمر لا يعود لئلا يثلم شرف البريد المصري الذي رفعه مديره الهمام.
(السنة المقبلة) ومما أفادنا الاختبار أن نتحامى الوعود الجازمة , وإنما نذكر ما ننويه على أنه بيان للعزم. كعزمنا على العود إلى إنشاء المقالات الاجتماعية والفلسفية في الأبحاث المفيدة كبحث: (١) الشعور والوجدان، والفكر والإذعان (٢) الإعداد والاستعداد. (٣) تكون البيوت. (٤) تكون الأمم. (٥) هلاك الأمم. (٦) الحياة الزوجية. (٧) الحياة الملية. (٨) الحياة الوطنية. (٩) الزعماء والمصلحون. (١٠) إيذاء المصلحين. (١١) الاستقلال والتقليد. (١٢) التعاون والتخاذل. (١٣) تنازع البقاء. (١٤) الحياة والموت. (١٥) اللغة والحياة. (١٦) اللذتان (١٧) الجنسية. (١٨) الجمعيات. (١٩) السياسة والساسة. (٢٠) الملك والخلافة. (٢١) طغيان الاستغناء. (٢٢) القوة والحق. (٢٣) الدين والدنيا. (٢٤) المال والجاه. (٢٥) الدنيا والآخرة. وما أشبه ذلك ونسأل الله تعالى أن يوفقنا فيما يأتي لخير ما وفقنا له فيما مضى، وأن يقينا زلة القلم، ويحفظنا من سوء القصد في القول والعمل، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.