للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات الحديثة

(مجموع أدبي تاريخي [*] )
(١) رواية آخر بني سراج.
(٢) (خلاصة تاريخ الأندلس) إلى سقوط غرناطة.
(٣) كتاب أخبار العصر، في انقضاء دولة بني نصر.
(٤) أثارة تاريخية، في أربعة مرسومات سلطانية أندلسية.
نشر في هذه الأيام مجموع مطبوع مشتمل على هذه الآثار التاريخية الأربعة
المتعلقة بتاريخ الأندلس، ذلك الفردوس الأرضي الذي كان أبدع مظهر للحضارة
الإسلامية والثقافة العربية، والموازنة بينهما وبين ما يقابلهما وما قاومهما من
الحضارة الأوربية التي وسموها بالمسيحية، ولم تكن قبل ولا هي الآن من المسيحية
في شيء.
فأما الرواية فهي تاريخية غرامية أدبية، ألفها بالفرنسية الفيكونت
دوشاتوبريان الكاتب الفرنسي الشهير فأجاد، وراعى فيها حق العرب والمسلمين
وشعور الأسبانيين على سواء، بما أورده من تنازع سلطان الغرام في كل من
العاشقين العربي المسلم والأسبانية المسيحية، وسلطان الدين والنفرة الجنسية، فلم
يأت بشيء نستنكره نحن، ولا بشيء يستنكره الآخرون.
وقد ترجمها باللغة العربية الأمير شكيب أرسلان الشهير في أول عهده
بالترجمة والتأليف، وطبعت الطبعة الأولى في مطبعة الأهرام سنة ١٨٩٧ م،
وترجمتها تشهد له بالإجادة ومتانة الإنشاء وسعة المادة اللغوية منذ عرفت أنامله
الأقلام.
وموضوعها سياحة شاب من بقايا آل سراج من سروات الغرناطيين في
الأندلس حَنَّ إلى ذلك الوطن الذي عمره آباؤه وملكه قومه بضعة قرون، فشد رحاله
من تونس إلى غرناطة، قال المترجم: (وبينما هو يجول في غرناطة مسكن أهله
قبل الجلاء الأخير، ثمالة ما كان بقي في يد الإسلام من ذلك النعيم والملك الكبير،
كانت منه لفتة وقع بصره فيها على فتاة من سريات الأسبانيول فعلقت بقلبه،
ووقع نظرها منه على مثلها؛ فتعاشقا وتوزعت القصة بين حبها وحبه، وحال دون
اقترانهما إعجاب كل منهما بدينه وإخلاصه لربه، ثم ما تبين لابن سراج بعد طول
العشرة من كون معشوقته سلالة من آل بيفار الفاتكين - لدن الجلاء - بآبائه، فرأى
اختلاط دم القاتل بدم المقتول غير خليق بآبائه، ولا ممتزج بشيمة وفائه، بل
مضى كل من العاشقين بحبيبه صبًّا، قد اختلطت مهجتاهما حبًّا، ولم يفرق بينهما
إلا الدين وإلا المودة في القربى) .
ثم ذكر من أسباب ترجمته إياها: ما تضمنته من آداب المحبين، وما فيها من
وصف مكارم الأخلاق، ومزايا الأشراف من الفرسان، والاطلاع على كثير من
الصفات الملكية متزحزحة عن أفق الملأ العلوي إلى عالم الإنسان، استدلالاً على
بديع صنع الله حين يجمع بين الحسن والإحسان، ثم ذكر منها التلذذ بذكرى السلف،
والاستقراء لآثار العرب.
وهذا السبب الأخير وهو الاجتماعي التاريخي، له الشأن الأعلى في قلب كل
مسلم وكل عربي؛ لأن لحضارة الأندلس وآدابها من شعور اللذة المعنوية في هذه
القلوب ما لا يقل عن شعور آدم - عليه السلام - بذكرى جنته، ثم إن لنكبة
الأندلس وما كان من تعصب الأسبانيين وإكراههم المسلمين على التنصر وقسوتهم
في استئصالهم من الأندلس - آلامًا في هذه القلوب كبارًا، لا يزال جرحها نغارًا.
***
(خلاصة تاريخ الأندلس)
وأما خلاصة تاريخ الأندلس فهو من تأليف الأمير، قصد أولاً أن يكون ذيلاً
وجيزًا لهذه الرواية تفهم منه وقائعها، وتظهر مقاصدها، فما زال يسيل مداد القلم
بما يمده به ذلك العلم الواسع بالتاريخ، حتى كان مؤلفًا حافلاً لا يوجد له باللغة
العربية نظير، وقد راجع فيه أشهر ما كتب مؤرخو الأمم الأوربية في هذا
الموضوع، ولم يكتف بما لخصه صاحب نفح الطيب من أخبار سقوط غرناطة،
وأسباب زوال ملك العرب من الأندلس، فإنه قليل ووجيز، على أنه من أهم ما
يجب تدوينه من وقائع التاريخ لما فيه من العبرة للمتأخر بسيرة من قبله، ولا
سيما أسباب قيام الدول وسقوطها، وارتفاع الأمم وهبوطها، فعرب الأندلس يهم كل
عربي وكل مسلم أن يعرف كيف كان آخر عهدهم بتلك المملكة الأوربية التي أسسوا
حضارتها، وكانوا أساتيد أوربة بها.
وقد نشرنا في الجزء الثاني من هذا المجلد (٢٦) نموذجًا من هذا التاريخ
وهو معاهدة صلح غرناطة بين مسلمي العرب ونصارى الأسبانيول، وما كان من
نقض هؤلاء للمعاهدة عروة عروة، وإكراههم المسلمين على التنصر أو الجلاء عن
البلاد، حتى لم يبق منهم أحد، وفي الكتاب من أخبار المعارك واستبسال المقاتلين
ما هو من غرائب التاريخ، كما أن فيه من غرر القصائد ووصف المعاهد ما يعد
من ألطف الآثار الأدبية الأندلسية.
وأما كتاب أخبار العصر فهو تاريخ وجيز لآخر عهد المسلمين بتلك الديار
لمؤلف شهد المعارك بنفسه، ولم يذكر في الكتاب اسمه.
وأما الأثارة التاريخية في المراسيم السلطانية الأندلسية، فهو نموذج تاريخي
أدبي من إنشاء ذلك الوقت، وفي الحالة السياسية الروحية التي حملت السلطان
الأندلسي على كتابة تلك المراسيم لبعض قواد الأسبانيين.
زادت صفحات هذا المجموع على أربعمائة صفحة من قطع المنار، قد طبع
الطبعة الثانية بمطبعة المنار على صنفين من الورق، وجعل ثمن النسخة من
الورق الجيد ٢٠ قرشًا مصريًّا صحيحًا، ومن الورق المتوسط ١٥ قرشًا، وأجرة
البريد ٣ قروش في مصر و٤ قروش في الخارج.
***
(الدعاية إلى سبيل المؤمنين)
الأستاذ الشيخ أبو اسحاق إبراهيم آل يوسف أطفيش الجزائري من علماء
المسلمين العصريين الذين يلقبهم المنار بحزب الإصلاح المعتدل، أي: الذين يدعون
إلى الجمع بين هداية الدين الحق اعتقادًا وأدبًا وعملاً وبين ما يتفق معها من مدنية
العصر المبنية على قواعد السيادة والاستقلال والقوة العسكرية والثروة، وإن بين
هذا الفريق من عقلاء الأمة الإسلامية وبين مقلدة الجامدين من (حملة العمائم وسكنة
الأثواب العباعب) نزاعًا مستمرًا، وقتالاً مستحرًا، ميدانه الطروس وأسفه الأقلام،
وإن كتاب (الدعاية إلى سبيل المؤمنين) وهو أول أثر من أثار هذا الأستاذ
الغيور في هذا الجهاد - أبرزته المطابع لنا بعد هجرته إلى مصر وإلقائه عصا السير
فيها، رد فيه على رسالة لأحد المتطفلين على التأليف من أولئك الجامدين، الذين
أصبحوا فتنة للكافرين، وحجة على الدين الذي يدعون من علمائه بغير حق، فهم
يعارضون المصلحين في كل قطر، لحثهم المسلمين على العلوم والفنون
والصناعات التي تتوقف عليها القوة والسيادة في هذا العصر، وقد كان هؤلاء سبب
ارتداد أكثر من ارتد عن الإسلام في هذا الزمان من الترك والعرب والفرس
وغيرهم. ولم يذكر المصنف اسم هذه الرسالة ولا اسم مؤلفها ولا بلده؛ لئلا يكون
دالاًّ على الضلالة للمستعد لها، وقد وصلت إلينا رسائل من قبيلها لبعض خطباء
الفتنة في الشام، ومدعي الغيرة على الدين عند العوام، فأرجأنا الرد عليها إلى
فرصة نقرؤها فيها.
وقد لخص صديقنا المؤلف مسائل تلك الرسالة التي رد عليها في عشر (منها)
ذم الفلسفة، والعلوم العصرية، والأسلوب العصري، والتعليم، والفصاحة،
والبلاغة، ومدح الخمول، والذل، والاستكانة! !
وقد استطرد المصنف في الرد إلى مسائل إصلاحية كثيرة تقتضيها حالة
العصر، وترجمة بعض علماء الإباضية - وهو منهم - في الشرق والغرب، وقد
بلغت صفحات كتابه هذا ١٧٦ من قطع رسالة التوحيد والإسلام والنصرانية، وطبع
في المطبعة السلفية في سنة ١٣٤٢ على ورق جيد وثمن النسخة منه.
***
(أسرار البلاغة)
نبشر طلاب علوم البلاغة وآداب اللغة العربية بأننا قد أعدنا طبع هذا الكتاب
المنقطع النظير في هذا الباب بإلحاح وزارة المعارف بطلبه في كل عام مصححًا
على نسخة الأستاذ الإمام التي قرأها للعلماء والطلاب في الجامع الأزهر، وأودعنا
حواشيه جميع تعليقاته عليها، وجعلنا ثمن النسخة منه على حسن ورقها وزيادة
مادتها ٢٥ قرشًا بدلاً من ٣٥.