(٤) انتشار مقالة الجهمية بواسطة كبار المعتزلة وغيرهم قال الإمام ابن تيمية: لما كان بعد المائة الثانية انتشرت المقالة التي كان السلف يسمونها (مقالة الجهمية) بسبب بشر بن غياث المريسي وذويه (ثم قال) : وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب (التأويلات) وأبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه (تأسيس التقديس) ويوجد كثير منها في كلام غير هؤلاء مثل أبي علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني وأبي الحسين البصري وغيرهم، هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه، كما يعلم ذلك من كتاب الرد الذي صنَّفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمن البخاري، وسمى كتابه (رد عثمان بن سعيد، على الكاذب العنيد، فيما افترى من التوحيد) فإنه حكى هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي ثم ردها، ويعلم بمطالعة كتابه أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين الذين تسموا بالخلف هو مذهب المريسية. اهـ. وقال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة بشر المريسي: إنه تفقه على أبي يوسف فبرع، وأتقن علم الكلام ثم جرد القول بخلق القرآن وناظر عليه، ولم يدرك الجهم بن صفوان، إنما أخذ مقالته، واحتج لها ودعا إليها اهـ. * * * (٥) ظهور دولة الجهمية (المعتزلة) في عهد المأمون ودعوته إلى مذهبهم، وما جرى على المشاهير في مسألة خلق القرآن من سنن الأحزاب والفرق في هذا الكون: أن كل حزب قويت عصبته وعصبيته يتطاول إلى الغلب، ويتطاول على التغلب، فيصرف مستطاعه لهذا السبيل، ويسعى جهده لتأييده من أي طريق أمكن، ابتغاء انفراده، وتكثير سواده، فإذا أتيح لعصبة ما أن تمدها قوة سلطان قاهر، وجبار مستبد، وُجِدَ لها من نفوذ الكلمة وانتشار الدعوة، وكثرة الأعوان، ما تبلغ به أقصى أمانيها، والناس على دين ملوكهم بين راغب في حطامهم، أو مقلد يتبع كل ناعق. وقد عرف الخليفة (المأمون) بمحبته للعلم والعلماء، وشغفه في الحكمة والحكماء، بل لم ير في أولاد الملوك من تعشق العلوم الحكمية على حداثة سنه، وأقام بين العلماء لمناظرتهم في جميع أنواع العلوم مثله، فما دخل عليه مرة إلا وأُلْقِيَ في مجلس من العلماء والأدباء. وقد ورث ذلك عن أبيه (الرشيد) فقد كان العلماء والأدباء لا يفارقونه في حضر ولا في سفر، حتى أنه ليطلب شاعره في أطراف الليل فيجده ببابه مع غيره من محدث أو نديم. وإنما قرب العلماء إلى الرشيد ما بنفسه من الميل إلى الأدب، والحرص على إحراز العلوم، حتى كانوا إذا اجتمعوا بداره سما إلى مناظرتهم من حيث العلم والتواضع له، لا من حيث السيادة عليهم، وهو بموضعه الجليل من الخلافة. وكان من الفضل بحيث أن مآدبه لم تخل قط من عالم أو أديب أو شاعر. وبلغ به التواضع لهم أن معاوية المحدث الضرير كان إذا جلس إلى طعامه قام الرشيد من موضعه وصب الماء على يده تعظيما لقدر العلماء. فقال معاوية: يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك لأشرف من شرفك، وكانت همة الرشيد مصروفة إلى ترجمة كتب الفلاسفة من يونان وغيرهم بعد أن رأى جعفرًا وزيره يبتاع من صحفهم ما يأمر التراجمة بتعريبه، ثم يعطيهم زنة الكتاب المعرب ذهبًا؛ لأن سوق العلم كانت نافقة عند البرامكة، وقد استنهضوا همم العلماء إلى تعريب صحف الأعاجم فنافسهم الرشيد في ذلك، إذ كان في نفسه من الميل إلى الأدب، والتشوق إلى الاطلاع على كنوز الحكمة ما عرف، فأنفذ رسله في إحراز الأسفار القديمة، وأمر بتعريبها [١] وأخباره في العلم ومحاضرات العلماء كثيرة. ولما أفضت الخلافة إلى ابنه (المأمون) اقتدى بأبيه أو أربى عليه، فطارت شهرته في العلم والفلسفة، إلى أن حظي بقربه أحمد بن أبي دؤاد [٢] وكان ابتداء اتصاله به أنه قال: كنت أحضر مجلس القاضي يحيى بن أكثم مع الفقهاء، فإني عنده يومًا إذ جاءه رسول المأمون، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين انتقل إلينا وجميع من معك من أصحابك، فلم يحب أن أحضر معه، ولم يستطع أن يؤخرني، فحضرت مع القوم، وتكلمنا بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظر إليَّ إذ شرعت في الكلام، ويتفهم ما أقول ويستحسنه، ثم قال لي: من تكون؟ فانتسبت له، فقال: ما أخرك عنا؟ فكرهت أن أحيل على يحيى فقلت: حبسة القدر وبلوغ الكتاب أجله، فقال لا أعلمن ما كان لنا من مجلس إلا حضرته فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. وقيل قدم يحيى بن أكثم قاضيًا على البصرة من خراسان من قبل المأمون آخر سنة (٢٠٢) وهو حدث سنه نيف وعشرون سنة، فاستصحب جماعة من أهل العلم والمروءات، منهم ابن أبي دؤاد، فلما قدم المأمون بغداد في سنة (٢٠٤) قال ليحيى: اختر لي من أصحابك جماعة يجالسوني ويكثرون الدخول إليَّ، فاختار منهم عشرين فيهم ابن أبي دؤاد. ثم قال: اختر منهم، فاختار خمسة فيهم ابن أبي دؤاد، واتصل أمره، وأسند المأمون وصيته عند الموت إلى أخيه (المعتصم) وقال فيها: (وأبو عبد الله ابن أبي دؤاد لا يفارقك، أشركه في المشورة في كل أمرك، فإنه موضع ذلك) . ولما ولي (المعتصم) الخلافة، جعل أحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم وخصّ به أحمد، حتى كان لا يفعل فعلاً باطنًا ولا ظاهرًا إلا برأيه. وكان أبو العيناء يقول [٣] : ما رأيت رئيسًا قط أفصح ولا أنطق من ابن أبي دؤاد، وكان أخذ عن واصل بن عطاء مسائل الكلام حتى تضلع من الكلام، وأصبح داعية إليه، فلما اتصل بالمأمون دس له القول بخلق القرآن، وحسنه عنده، وصيره يعتقده حقًّا مبينًا إلى أن أجمع رأي المأمون في سنة (٢١٨) على الدعاء إليه، فكتب إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين في امتحان العلماء كتابًا يقول فيه: (وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم، والسواد الأكبر من حشو الرعية، وسفلة العامة، ممن لا نظر له ولا روية، ولا استضاء بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله، وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفوه كُنْهَ معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه، وقد قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: ٣) فكل ما جعله فقد خلقه [٤] كما قال {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (الأنعام: ١) وقال {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} (طه: ٩٩) فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها، وقال: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} (هود: ١) ، والله محكم آياته ومفصله، فهو خالقه ومبتدعه، ثم انتسبوا إلى السنة، وأنهم أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر، فاستطالوا بذلك وأغروا به الجهال، حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب، والتخشع لغير الله إلى موافقتهم، فنزعوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا من دون الله وليجة إلى ضلالهم) إلى أن قال: (فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة المنقوصون من التوحيد حظًا، أوعية الجهالة، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق في أوليائه، والهائل على أعدائه من أهل دين الله. وأحق أن يتهم في صدقه، وتطرح شهادته، ولا يوثق به من عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالتوحيد، وكان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا، ولعمر أمير المؤمنين إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه، وتخرَّص الباطل، ولم يعرف الله حق معرفته، فاجْمعْ مَن بحضرتك من القضاة، فاقرأ عليهم كتابنا، وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلق الله وأحداثه، وأعلمهم أني غير مستعين في عمل، ولا واثق بمن لا يوثق بدينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق، واكتب لنا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك) . هذه صورة كتاب المأمون في المحنة، وقد ذيله بأشخاص كبار فقهاء بغداد وأئمة الأثر والرواية، وتم الأمر بالمحنة التي طار شررها وطال ضررها، واشتهر من بين رجالها (الإمام أحمد بن حنبل) رحمه الله ورضي الله عنه، ولها في التاريخ ذيل طويل، وممن استوفى أطرافها التاج السبكي في طبقاته، فليرجع إليها لمستزيد. ثم موضع الغرابة من كتاب المأمون، هو حمل الناس على غير ما يعتقدون، وإكراههم على أمر لم تمض به سنة، ولم يجدوا فيه برهانًا من أنفسهم، ومع أن الإكراه على أصل الأصول، وما به العصمة والنجاة - وهو الدين الخالص - قد أباه الشرع ونهى عنه في غير ما موضع من التنزيل الكريم، كآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: ٢٥٦) ، وآية {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: ٩٩) وآية {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: ٢٩) ولكن سكرة الدولة، وانقلاب الرأي عقيدة بالتسليم والتقليد، وعظم الطول والقدرة، كل ذلك يحول دون الإنصاف والاعتدال غالبًا، وقد يظن أن ما أذاقه المأمون من الاضطهاد لرجال محنته، كان باعثه ما أشار إليه في رسالته من نبز من اضطهدهم لجماعته بالكفر والضلال، وإشاعتهم ذلك بين العامة، إذ قال في رسالته المتقدمة إعذارًا لمن يلم به الملام (ثم انتسبوا إلى السنة، وأنهم أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر، فاستطالوا بذلك وأغروا به الجهال) وجلي أنه لا يطيق الصبر على هذا فئة رأسهم في هذا المعتقد الخليفة فقضاته ووزراؤه. نعم قد يمكن أن يكون ذلك من بواعثه، وقد يكون انتقامًا من اضطهاد سابق، ومقابلته بالمثل في جزاء الاعتدال بنظيره، إذ كان للأثرية دولة في عهد الأمويين وصدرًا من الخلافة العباسية، وكانت أقوالهم في تكفير مخالفيهم من الجهمية، ورميهم بالزندقة وهدر دمهم، تغري بهم، وتحفظ الأمراء عليهم، وتستفز ذوي البطش منهم على الإيقاع بهم، كما يدري ذلك من سبر أقوالهم في الجهمية، ولم يكن قتل الجعد بن درهم وغيلان الدمشقي، بل ومثل محمد بن سعيد الشامي المصلوب [٥] إلا من جراء مقالاتهم فيهم، والتاريخ أبو العجب. وقد كان بدء المحنة بالقول بخلق القرآن سنة (٢١٨) إلى أن أفضت الخلافة إلى المتوكل، فأمر سنة (٢٣٤) بترك النظر والمباحثة والجدال وترك ما عليه الناس في أيام المعتصم والواثق من القول بخلق القرآن، وأمر الناس بالتسليم والتقليد، وأمر الشيوخ المحدثين بإظهار السنة والجماعة. ولكل زمان دولة ورجال. قال نابغة البلغاء أبو بكر الخوارزمي في إحدى رسائله: ليس من فرق الإسلام فرقة، إلا وقد هبت لأهلها رويحة، ودلت لها دولة، كما اتفق المختار بن عبيد الله للكيسانية، ويزيد بن الوليد للغيلانية، وإبراهيم بن عبيد الله للزيدية، والمأمون لسائر الشيعة، والمعتصم والواثق للمعتزلة، والمتوكل للنواصب والحشوية اهـ. * * * (٦) أول من صنف من المعتزلة في محاجة الأثرية قال السفاريني في شرح عقيدته: معظم خلافيات علم الكلام مع الفرق الإسلامية خصوصًا المعتزلة؛ لأنهم أول فرقة أسسوا قواعد الخلاف، لما ورد به ظاهر السنة، وجرى عليه جماعة الصحابة رضي الله عنهم. فأول من صنف في علم الكلام والجدال والخصام مع أهل السنة والجماعة أبو حذيفة واصل بن عطاء، وهو رئيس المعتزلة وأول من سمي معتزليًّا، وله من التصانيف كتاب المنزلة بين المنزلتين وكتاب الخطب في العدل والتوحيد، وكتاب السبيل إلى معرفة الحق، وكتاب معاني القرآن، وكتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد، وكتاب التوبة، وله غير ذلك، وكانت ولادته سنة (٨٠) وتوفي سنة (١٣١) . قال ابن خلكان: كان واصل أحد الأئمة البلغاء المتكلمين وكان في أيام عبد الملك وهشام بن عبد الملك، - كما حكاه الشهرستاني. ومثله في السبق إلى التصنيف في ذلك عمرو بن عبيد - من كبار أئمة المعتزلة له كلام كثير في العدل والتوحيد على اعتقاد المعتزلة توفي سنة (١٤٣) قال الذهبي في الميزان: كان المنصور - الخليفة الشهير - يخضع لزهد عمرو وعبادته ويقول: كلكم يطلب صيد ... غير عمرو بن عبيد * * * (٧) تلقيب المعتزلة بالقدرية وسبب التسمية بذلك قال الشهرستاني: المعتزلة يسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية وذلك لإسنادهم أفعال العباد لقدرهم وإنكارهم القدر فيها موافقة لرأي معبد الجهيني، وغيلان الدمشقي القدريين. وقال أبو منصور البغدادي في كتاب (الفرق) في تعداد المسائل التي اتفق عليها القدرية والمعتزلة: ومنها قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس، وأن الناس هم الذين يقدرون أكسابهم، أنه ليس لله تعالى في أكسابهم صنع ولا تقدير، ولأجل هذا سماهم أهل السنة قدرية. اهـ. وقال ابن الأثير: سموا قدرية لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه. وقد قالوا لمخالفيهم أنتم الأولى بتسمية القدرية؛ لأنكم تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله، ومثبت الشيء أحق بالنسبة إليه من نافيه، فأجابهم المثبتون بأن مثبت الشيء لنفسه أولى بالنسبة إليه ممن نفاه عن نفسه. اهـ. وقال الإمام ابن تيمية: في آخر عصر الصحابة حدثت القدرية، وأصل بدعتهم كانت من عجز عقولهم عن الإيمان بقدر الله، والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده، وظنوا أن ذلك ممتنع، وكانوا قد آمنوا بدين الله وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وظنوا أنه إذا كان ذلك كذلك لم يكن قد علم قبل الأمر من يطيع ومن يعصي؛ لأنهم ظنوا أن من علم ما سيكون، لم يحسن منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه ولا يطيعه، وظنوا أيضًا أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يعلم أنه يفسد، فلما بلغ قولهم بإنكار القدر السابق للصحابة أنكروا إنكارًا عظيمًا وتبرءوا منهم، حتى قال عبد الله بن عمر: أخبر أولئك أني بريء منهم وأنهم مني براء، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أُحُد ذهبًا فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر. وذكر عن أبيه حديث جبريل، وهذا أول حديث في صحيح مسلم، وقد أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة أيضًا مختصرًا. ثم كثر الخوض في القدر، وكان أكثر الخوض فيه بالبصرة والشام وبعضه في المدينة، فصار مقتصدوهم وجمهورهم يقرون بالقدر السابق، وبالكتاب المتقدم، وصار نزاع الناس في الإرادة وخلق أفعال العباد، فصاروا في ذلك حزبين، النفاة يقولون: لا إرادة إلا بمعنى المشيئة، وهو لم يرد إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئا من أفعال العباد، وقابلهم الخائضون في القدر من المُجْبِرَة مثل جهم بن صفوان وأمثاله، فقالوا: ليست الإرادة إلا بمعنى المشيئة والأمر والنهي لا يستلزم إرادة، وقالوا: العبد لا فعل له ألبتة ولا قدرة، بل الله هو الفاعل القادر فقط، وكان جهم مع ذلك ينفي الأسماء والصفات. اهـ. (لها بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))