للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الحروف العربية واللاتينية

إذا مسستم الحروف العربية هددتم وحدة الإسلام
... ... ... ... ... ... ... ... ... عالم إنكليزي كبير
زار القاهرة في هذا الشتاء المنصرم السير إدوارد دنيسون روس مدير مدرسة
اللغات الشرقية في لندن وهو من أعظم مستشرقي العالم شهرة، وأكبرهم شأنًا
وأكثرهم اطلاعًا. له مؤلفات عدة عن آداب الشرق وحضارته. وقد قابله أحد
محرري الأهرام في فندق شبرد، ودار بينهما حديث محوره مسألة الحروف
اللاتينية والعربية.
قال العلامة المستشرق في أوائل حديثه: لقد تقدمت في السن وأخشى أن لا
يتيسر لي بعد الآن أن أزور فلسطين وسورية والعراق في طريقي إلى إيران،
أريد قبل كل شيء أن أرى حال الإسلام وما حدث له. وسيكون في مقدمة ما أقوم
به زيارة الأزهر وفضيلتي شيخ الجامع الأزهر والمفتي.
ونظر إلى الأستاذ عزام (وكان حاضرًا) ثم قال ضاحكًا: ولكن يجب أن لا
أعامل كَكَافر فإني مؤمن، مؤمن حق الإيمان.
ثم جرى الحديث في شتى المسائل وانتقل إلى مسألة الحروف التركية
واستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية فسأله المحرر رأيه في ذلك فقال:
لا شك أن مصطفى كمال باشا من أكبر العبقريين في العالم [١] فإنه إذا أراد
إدخال إصلاح يجعله قانونًا مفروضًا على الناس، خذ مثلا مسألة الحروف ولو ألفت
لجنة لبحثها لقضت سنوات بعد سنوات، دون أن تصل إلى نتيجة........ ...
وأما كمال باشا فإنه جلس مع آخر أظنه وزير المعارف الذي توفي ووضع معه
الحروف التركية اللاتينية، ثم قال (غدًا تكون هذه حروف البلاد) وفي الغداة فرض
الغازي على الناس تعلُّمها.
ثم قال: عندي أن هناك غلطتين في تطبيق الحروف اللاتينة على الحروف
التركية (أحدهما) في حرف (i) اللاتيني فقد استعمله كمال باشا بالنقطة للقيام
مقام حرف قديم وبدون نقطة للقيام مقام حرف قديم آخر، واستعماله بدون نقطة
ارتباكًا لاسم إذا كان قبله أو بعده حروف (n) أو (u) أو (m) إلخ، بل هذه
الحروف نفسها يشكو الإنجليز من تشابهها، وقد عمد الألمان إلى التخلص من هذا
التشابه، فكان الأجدر بمن يصنع حروفًا جديدة أن يتجنب وجوه التعقيد والارتباك.
قلنا: وهل يعمد الفارسيون إلى مثل هذا التغيير؟
فقال: لا أدري وسأرى هذا، متى وصلت إلى هناك، ولكني على أي حال
بحثت الموضوع بحثًا دقيقًا، وسأضع نفسي تحت تصرف الحكومة الفارسية إذا
طلبت رأيي في الأمر [٢] .
قلنا: وهل تظن أن من المتيسر استبدال الحروف العربية بلاتينية؟
قال: إياكم وهذا الأمر، إني أفهم اقتباس الحروف اللاتينية في بلاد مثل
تركيا أو إيران أما في مصر فالحذر من هذا؛ لأن الحروف العربية هي حروف لغة
القرآن، وإذا مسستم الحروف العربية مسستم القرآن بل هدمتم صرح وحدة الإسلام.
قد يمكن أن تطبق الحروف اللاتينية على اللغة العامية؛ لأنها لا ضابط لها،
تكتب كما تسمع، أما العربية فيجب أن لا تمس مطلقًا؛ لأن الإسلام أساسه اللغة
العربية فإذا ضاعت ضاع الإسلام. اهـ المراد منه باختصار.