للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أهم حوادث الشرق في هذا العام

(ثورة الهند)
من حسن حظ الهند أنه يوجد فيها عدة زعماء في كل من طوائف الهندوس
والمسلمين، وأنه نبغ فيهم زعيم كبير أذعنوا له بالقداسة الدينية والسياسة
العصرية، تدين له شعوب الهند كلها بالزعامة العامة، وهذا من النوادر التي حُرم
منها الأمم منذ قرون كثيرة، ألا وهو (مهاتما غاندي) الذي يقدسه الوثنيون، ويجله
المسلمون؛ لأنه لم يوجد في الوثنيين من ينصفهم ويعترف لهم بحق المساواة في
المصالح الوطنية مثله، وقد كان رضي من الدولة البريطانية بأن تمنح
الإمبراطورية الهندية نظام الممتلكات المستقلة، وكانت وزارة العمال الحاضرة
وعدت بذلك؛ ولكنها لمعارضة سائر الأحزاب لها ولا سيما المحافظين غلاة
الاستعمار وعشاق الاستعباد البشري اضطرت إلى المراوغة والتسويف وتعليل
البلاد بدرس اللجان لحالها، ووعدها بتأليف مؤتمر في لندن ينظر في شأنها، ولم
تعتبر بامتناع بلاد الهند من الاحتفال بولي عهد الإمبراطورية عند زيارته لها، حتى
شاهد مدنها العظيمة كالمقابر خالية من الزائرين غيره، وغير من معه من قومه،
ولقد أنذرها الزعيم الأكبر غاندي ثورة العصيان المدني عليها، والبدء فيها بعصيان
قانون احتكار الملح الذي يألم من حيفه كل فرد من أفراد الأمة، وضرب لهذا
العصيان أجلاً، وجعل له موعدًا، فتمارى رجالها في الهند وفي لندن بإنذاره،
واستكبروا عن الاستجابة له، لعدهم ذلك مخلاًّ بالعظمة البريطانية، التي لا تقل
كثيرًا عن دعوى الربوبية، وخيل لها احتقارها للبشر عجزه عن تنفيذ تلك النذر؛
ولكنه شرع في التنفيذ وشرعت هي في المقاومة، فكان فوزها جزئيًّا موضعيًّا،
وفوزه عامًّا كليًّا، فقد امتدت الثورة وانتشرت، واستشرت وتفاقمت، وهي تدنو
من العصيان العام، والامتناع من دفع الضرائب الزراعية والعقارية، أعني أنها
تدنو من الثورة الدموية العامة بتدريج منتظم ثابت، بدءًا بمقاطعة البضائع
الإنكليزية والمواد الكحولية، وسحب الأموال الوطنية من المصارف الإنكليزية، ثم
بمقاومة رجال البوليس بالقوة، ثم بتهييج القبائل على الحدود الأفغانية، حتى
شعرت كبرياء الحكومة البريطانية بالخطر، ولا تزال في حيرة من تلافي الخطب
المنتظر، وسنرى ما يخبئ لها القدر.
***
(المفاوضة المصرية البريطانية)
نوَّهنا في الجزء الماضي بخبر هذه المفاوضة، وما اعترض في سبيلها من
عقبة مسألة السودان، وإصرار الحكومة البريطانية على اعتراف الوفد المصري
المفاوض لها بإقرار الحالة الحاضرة فيه، أي امتلاكها للسودان كله امتلاكًا شرعيًّا
بإقرار الحكومة المصرية والأمة المصرية، ورضاهما بأن تكون حياة مصر
الاقتصادية والزراعية، بل حياته الحقيقية التي يقابلها الموت والخراب في قبضة
الحكومة البريطانية القهارة الجبارة ... وقد امتنع الوفد المصري من قبول ذلك
بالطبع، فانقطعت المفاوضة مع الاتفاق بين الفريقين على بقاء بابها مفتوحًا، وعدّ
كل ما تقرر فيها مقبولاً، إلى أن يرجع أحدهما إلى رأي الآخر في مسألة السودان.
وكان الجمهور يخشى أن تنقطع المفاوضة على جفاء ومشاكسة، فيعود
الإنكليز إلى العبث بالحكومة وإلغاء الدستور ثانية؛ ولكن كان من علم مصطفى
باشا النحاس وحلمه، وكياسته وفهمه، ودهاء أعضاء وفده، ما مكَّنهم من تمكين
المودة بينهم وبين الحكومة الإنكليزية، بحيث لا يخشى أن تتدخل في أمور هذه
الحكومة النيابية، وهي براعة لم تتح لوفد من الوفود السابقة؛ ولذلك أكبرت البلاد
أمر وفدها، وازدادت استمساكًا بعروته، وثقة بخدمته، وقد انصرفت همة الحكومة
الوفدية الآن إلى النهوض بالمصالح الوطنية الداخلية بلا معارض ولا منازع.
***
(الوفد الفلسطيني)
سافر الوفد إلى لندن برياسة شيخ الشعب صاحب السعادة السيد موسى كاظم
باشا الحسيني، وكان من أركان أعضائه في هذه المرة روح النهضة الفلسطينية
صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الشرعي
الإسلامي الفلسطيني الأعلى، وكان قد سبق الوفد إلى لندن رائده الشاب الذكي
البارع السيد جمال الدين الحسيني، فمهَّد له السبيل بما ألقاه من الخطب في المحافل
المختلفة، ومن المقالات في الجرائد الكبرى، ومن الأحاديث مع كبار الرجال في
المسألة الفلسطينية، فكان ذلك موضع الإعجاب والتقدير، ولولا أن نفوذ اليهود في
بلاد الإنكليز لا يعلوه نفوذ آخر لنجح الوفد في سعيه إلى تأليف حكومة نيابية في
البلاد، فإنه مطلب يقتضيه النظام المسمى بالانتداب، ولم يوجد أحد من الإنكليز
حتى أعوان اليهود منهم يصف العرب الفلسطينيين بما يصفون به الوطنيين من
الهنود والمصريين والعراقيين من التطرف أو عداوة الحكومة البريطانية.
وقد ثبت للفلسطينيين الآن بعد خيبة الوفد أنهم كانوا مخطئين في نوط أملهم
بالحكومة الإنكليزية وغرورهم بكلام بعض المنصفين من الإنكليز الذين يكرهون
اليهود، وأن خصمهم الحقيقي في وطنهم هو الدولة الإنكليزية، وأن اليهود ليسوا
إلا جندًا من جنودها تستعين بهم على نزع أرض هذه البلاد منهم حتى لا يكون لهم
حق في حكومتها من بعد، وأن من مقاصدها أن تقطع أوصال الأمة العربية فتفصل
بين مصر والعراق بشعب أجنبي تخرج به البلاد عن كونها عربية وإسلامية،
فالواجب يحتم عليهم أن يوجهوا كل قواهم إلى مقاومة الاستعمار الإنكليزية في
بلادهم بالاتحاد مع جيرانها العرب - من أهل شرق الأردن وسورية والعراق وكذا
نجد والحجاز - على استقلال هذه البلاد كلها وتأليف الوحدة العربية التي وطَّن
الأنفس عليها جميع المفكرين من العرب، وعليهم مع ذلك أن يستعينوا على خطتهم
بمسلمي سائر الأقطار كما يفعل اليهود، ولا سيما مسلمي الهند الذين لم يقصِّروا في
إظهار العطف عليهم، ومخاطبة الحكومة الإنكليزية في وجوب إجابة مطالبهم؛ لأنه
يعز على كل مسلم في الأرض أن يستولي اليهود على بيت المقدس ويجعلوا المسجد
الأقصى ثالث الحرمين هيكلاً يهوديًّا، وهم يحفظون ما ورد في أخبار مسيح اليهود
الدجال، ومحاربة اليهود للمسلمين تحت رايته، وما وعدهم رسول الله وخاتم
النبيين من نصرهم عليهم.
***
(مؤتمر شرق الأردن)
لا حاجة بنا إلى وصف ما كان من نبأ ذلك المؤتمر الشريف وهو الثالث، ولا
إلى نشر مقرراته بالتفصيل، وقد نشرتها جرائد مصر وسورية وفلسطين، وحسبنا
منها تقريره تأليف حكومة نيابية مستقلة، وعدم اعترافه بشيء مما قررته حكومته
الحاضرة مع الإنكليز وقصاراه جعل البلاد منطقة بريطانية عسكرية محضة!! وإنما
نقول: إن عرب شرق الأردن أقدر من غيرهم من أهل فلسطين وسورية على تنفيذ ما
يقررونه، وإلزام حكومتهم العمل به إذا جدوا وعرفوا قيمة قوتهم بالوحدة وبالسلاح،
وعرفوا ما ينذرهم من الخطر إذا طال العهد على البركان الذي عليه البلاد، فهم لابد
أن يجرَّدوا من القوتين في يوم الأيام إذا لم يظفروا في هذه الفرصة بجعل حكومتهم
نيابية شعبية، خالية من قوة الاحتلال الأجنبية، بل الخطر على كل بلاد العرب حتى
الحجاز كامن في بلادهم، فليستيقظوا من رقادهم.
***
(القانون الأساسي لسورية)
وضع موسيو بونسو العميد الفرنسي لسورية قانونًا أساسيًّا لسورية سماها به
جمهورية نيابية، وحصرها في مضيق عدة حكومات أو دويلات من ملحقاتها
مستقلة بالاسم كاستقلالها وهي لبنان الكبير وجبل الدروز والعلويين أو اللاذقية
وأنطاكية والصحراء أو البادية ... وقيَّدها بكل ما تصرف به سلفه المندوبون
السامون من المظالم قبله، وبكل ما تفرضه عليهم فرنسة باسم الانتداب في الحال
والاستقبال، وخلاصة هذا القانون الذي يفرضه على سورية أن يبقى الاستبداد
الفرنسي فيها كما كان، إلا أن رئيس هذه الحكومة السورية التي لا تتجاوز دمشق
وحمص وحماه وحلب يُسمى رئيس جمهورية، ويكون لها مجلس نيابي لا يستقل
بشيء من التشريع إلا ما تريده فرنسة في جزيرة العرب والعراق.
خمدت نيران الفتن في جزيرة العرب وظفر إماماها يحيى وعبد العزيز
بإخضاع العصاة لهما في بلادهما، وانتهى موسم الحج في هذا العام بصحة وأمن
وسلام، وقد اعترفت دولة بولونية بمملكة ابن السعود بما نبينه في الجزء الآتي إن
شاء الله.
ومن أكبر الحوادث فيه اجتماع ملك نجد والحجاز بملك العراق، ووضع
أساس للاتفاق بين حكومتيهما وقد كان ذلك في أواخر رمضان، ولما يظهر لذلك
أثر فعلي في تنفيذ مواد الاتفاق.
***
(مملكة الأفغان)
وأكبر الحوادث التي فرح بها المؤمنون، واغتم بها الملحدون، استواء الشاه
محمد نادر خان على عرش الأفغان، وإقامته للأحكام والإصلاح على قواعد الإسلام،
وجعل التجديد الإلحادي الذي ابتدعه أمان الله خان مما دخل في خبر كان.