للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: إسماعيل الحافظ


الفريدة العصماء
لأشعر العلماء وشيخ الفقهاء والأدباء الأستاذ العلامة
الشيخ إسماعيل الحافظ
عضو محكمة الاستئناف الشرعية في فلسطين
في عيد الرافعي الذهبي

إن القريض صغت إليه الهامُ ... وأحاطه الإعجاب والإعظام
لم أدر حين بدت طلائع آيه ... فكر يجود بهن أم إلهام
سارت مواكب نظمه وكأنها ... جيش من الدر اليتيم لهام
يتألق الإبداع فيه وفوقه ... من هدي أعلام الهدى أعلام
لا تلمح الأحلام سر بيانه ... حتي تفيء برشدها الأحلام
رقت حواشيه فهن مناهل ... ورست قوافيه فهن إكام
وافترّ عن حر المعاني مثلما ... تفتر عن أزهارها الأكمام
تمليه من (عبد الحميد) قريحة ... عَزَّت مناهجها فليس ترام
فياضة بجوامع الكلم التي ... يبقى لهن على الدام دوام
دانت أساليب البيان لربها ... وأطاعه الإبداع والإحكام
وأقام في الفيحاء صرح بلاغة ... تعشو لضوء مناره الأقوام
سامٍ يجدد للعروبة سؤددًا ... يُزهى به جد العروبة (سام)
يهدي المشارق ضوؤه بروائع ... شغفت بها الأسماع والأفهام
من كل شاردة كأن بديعها ... قطع الرياض يجودهن غمام
جوابة الآفاق يُرقب نجمها ... في كل أفق أشرقت ويرام
كملت محاسن نظمها وسما بها ... طبع عليه وضاءة ووسام
والشعر هندام وطبع مشرق ... والبعض لا طبع ولا هندام
لك في مجال الفضل يا ابن زعيمه ... سبق وفي أوج العلى استعصام
جددت من عهد القريض محاسنًا ... ذهبت بها الأعصار والأوهام
ألقى عليك شعاع فكرك رونقًا ... للسحر في جنباته إلمام
وكسوته من صفو طبعك حلة ... أضحى بها في الناس وهو غلام
فلبسته ثوبًا قشيبًا مونقًا ... والشعر فوق حماته أهدام
وجلوت منه منهلاً مستغذبًا ... يغشاه من فطن العقول زحام
شعر عليه من الجديد ملاحة ... ومن البراعة والنبوغ وسام
نسقان، منه عبرة وهداية ... مثلى، ومنه صبابة وغرام
لولا احتشام فيه صان رواته ... إذ أنشدوه وسامعيه لهاموا
هو في النفوس كواكب مشبوبة ... تهدي النفوس وفي الرؤوس مدام
غزل كمعتل النسيم وحكمة ... صحت بها لأولي النهى أحكام
وقلائد للمدح لو هي قلدت ... للبدر تاه البدر وهو تمام
ولكَم له آيات وصف وحيها ... جهر، ولمح بيانها أعلام
يجلو الحقيقة ربها وضاحة ... لا الشك يعروها ولا الإبهام
فتكاد إذ يصف المعاني أن تُرى ... للعين أو يبدو لهن قوام
وتكاد لا تدريه هل هو شاعر ... بلغ المدى في الوصف أم رسّام
لا بدع أن سبق الرجال فإنه ... كسَّاب كل فضيلة غنَّام
صاغت يد الخلاق جوهر نفسه ... وأجاد صقل طباعه الإسلام
فبدا وفيه مناقب علوية ... وله من الخلق العظيم ذمام
وغدا وفي برديه نفس برة ... تنبو عن الأسواء حين تسام
تخفى لفرط صفائها فإذا انجلت ... للناس فهي محاسن ونظام
طبعت على الأدب الرفيع فما لها ... فيما سوى الحسن البديع مرام
فالكون شعر عندها، وضروبه ... أحداثه، ولُغى الورى أنغام
والأرض نادٍ والزمان قصيدة ... أبياتها الآناء والأيام
والنجم نور والظلام خمائل ... والصبح وجه مليحة بسَّام
والأفق بهو والبروج هياكل ... هي للشموس منازل وخيام
والنور لوح فيه من صور الورى ... نقش، ومن أعدادهم أرقام
والضوء ما بين العوالم صبغة ... كُسيت به ألوانها الأجسام
والكائنات جواهر منثورة ... نظمت بها الأشكال والأقسام
فاعجب لها فطنًا تناهت في العلى ... سبقًا فليس أمامهن أمام
واعجب لها نفسًا صفا لألاؤها ... فلها بآثار الفنون هيام
لو شاءت الأقلام وصف جمالها ... عيَت بوصف جمالها الأقلام
لئن اصطفت منك القوافي مبدعًا ... أحيا رفات الشعر وهي رمام
فأبوك بحر العلم جدد نهجه ... وجرى مع الشعراء وهو إمام
ونمتك في عليا عدي سادة ... لهمُ بأندية البيان مقام
من كل غطريف كأن جنانه ... قبس، ومتن يراعه صمصام
(عمر أمير المؤمنين) يقودهم يوم الفخار وشبله العلام
شرف أشم لو استقر ضياؤه ... لم يبق لا ظلم ولا إظلام
شرف صحِبتَ المجد تحت ظلاله ... وجفوت ما فيه عليك ملام
ورغبتَ عن زهو الحياة زهادة ... إذ قل أكفاء وعز كرام فلرب منزل رفعة طالت له الأعنـ ـاق وازدحمت به الأقدام
سحبت بساحته الأماني وانجلت ... في أفقه الآمال وهي وسام
أعرضتَ عن أفيائه متذممًا ... والمجد يأبى أن ينالك ذام
لا خير في نيل الفخار إذا استوى ... يوم المفَاخر منسم وسنام
يا شاعر الأوطان ذُد عن حقها ... فلقد يصادَر حقها ويُضام
أنت البصير بما يصون كيانها ... ويصد عنها الخطب وهو جسام
نافحت عنها والحفائظ تلتظي ... والعدل حور والضياء ظلام
وصوارم السفاح تحت شفارها ... حتف لأحرار البلاد زؤام
في فتية غرّ سمت بنفوسهم ... همم تخوض الهول وهو ضرام
كرهوا الحياة على الهوان فأزمعوا ... والعيش في ظل الهوان حِمام
فقضيت حقًّا لا يقوم بمثله - إذ ذاك - إلا الأروع المقدام
وسُقيت فيه النفي صابًا علقمًا ... والسجن، وهو على الليوث حرام
لك بين (جلق والحجاز) منازل جثم البلاء بها وعنَّ السام
وافيتها ثبت الجنان مشيعًا ... بالصبر والصبر الجميل عصام
ولو أن جزعت لكنت أخلق جازع ... لكنه لا يجزع الضرغام
والمرء لا يُبقي عليه نفسَه ... جبنٌ ولا يودي به الإقدام
حتى نزلت (بقركليسة) وانجلى عن وجه تلك المعجزات قتام
أطلقت من أبكارهن خرائدًا ... جذب القلوب لحسنهن زمام
وبعثت في الأوطان صوتًا مشجيًا ... مصر لقد طربت له والشام
فأعد على الأوطان من ألحانه ... تَنْتَبِهْ فقد خملت وطال مقام
وأجل مقالك للنضال مناهضًا ... فمن المقال أسنة وسهام
وأهب بقومك للمعالي إنهم ... نَهَضَ الورى للمكرمات وناموا
عصف الزمان بهم وهم في غفلة ... شغلتهم الأحلام والأوهام
وأزالهم عن خِيمهم وقديمهم ... سيل من البِدع الجديد عبُام
يتزاحمون على متاع زائل ... (فهمو قعود حوله وقيام)
نزعوا إلى الخلف الذميم فأركسوا ... والخلف داء في الشعوب عُقام
والخلف إن ينقض قضية معشر ... يومًا فليس لنقضه إبرام
ولكم خلت من قوة موفورة ... ذهبت بها الأشياع والأحزام [١]
أولى الشعوب بعيشة مرهوبة ... شعب حمته ألفة ووئام
وأدل مفعول على حكم الهوى ... بين الرجال تخاذل وخصام
فابعث لمن بعثوا الخلاف ملامة ... حرّى تذوب لبرحها الأوغام [٢]
وأفض عليهم من شعورك إنه ... نعم الشعور محبة وسلام
وأدر سلافًا من بيان طالما ... تلفت على نبراته الأخصام
واهنأ بعيدك إنه عيد له ... أيدٍ على الأدب الصميم جسام
خمسين عامًا جزتها وكأنها ... من حسن ما غذت القرائح عام
أهديت للفصحى بهن قلائدًا ... لا عمرو أهداها ولا همام
واسلم يتيه بك القريض ويعتلي ... ويحوطك التكريم والإكرام