للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السؤال والفتوى

إدخالُ السعديةِ الدبابيسَ
في أشداقهم
(س٣٥) ومنه: كنتم قلتم في تضارب السعدية بالسيوف: إن ذلك لعبة
عادية , فما تقولون في إدخال الدبابيس في أشداقهم من غير ضرر؟ .
(ج) إن هذا هزل ولا يدخل منه شيء في الدين , إذ الدين جدٌّ لا لهو فيه
ولا لعب , ولا يُدْخِل هذه الأعمال في الدين إلا {ِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً
وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا} (الأنعام: ٧٠) أما التعود على هذه الأشياء والحيل فيها فلا
يعرفها إلا من زاولها , ومن المشعوذين في أوربا وغيرها من يفعل أعظم من ذلك.
* * *
حروف الكتابة
احترامها
(س٣٦) ومنه: هل كل مكتوب محترم لا يجوز إلقاؤه أم ذلك خاص بما
احتوى على لفظ شريف؟ وهل غير العربي مثله في ذلك؟
(ج) ذهب الشافعية إلى أنه يجب احترام الأسماء المعظمة المكتوبة كأسماء
الله وأنبيائه كاحترام كلام الله تعالى , فلا يجوز أن تلقى حيث تداس مثلاً أو أن
يتعمد عدم الاكتراث بها , أو الإهانة لها كما يقال. وبالغ الحنفية فقالوا: إن كل
الحروف والكتابة محترمة بهذا المعنى. فأما كتابة نحو القرآن والأسماء المعظمة
فإن تعمُّد إهانتها يدل على عدم الإيمان كما ينقل عن بعض الملحدين المشهورين في
مسلمي مصر من أنه أخذ ورقة من المصحف ولفها ووضعها في أذنه يخرج بها
الوسخ منها فهذا لا شك في إلحاده وكفره. وأما إهانة كلام الناس المكتوب فلا
يتصور حدوثه من عاقل إلا لسبب كاعتقاد أن الكلام ضار , أو كتب بسوء النية
وقصد الإيذاء والدهان، مثلاً فمن قرأ جريدة ورأى فيها شيئًَا من مثل هذا فألقاها أو
مزقها ورماها؛ هل يقال: إنه عاص لله تعالى مرتكب لما حرمه؟ كلا , إن
التحليل والتحريم بغير نقل صحيح أو دليل رجيح هو المحرم , ولم نعرف دليلاً في
الكتاب ولا في السنة على أن إلقاء ورقة مكتوبة على الأرض بقصد احتقار مبني
على اعتقاد ضررها مثلاً أو بغير قصد ذلك كالاستغناء عنها , وعدم الحاجة إليها
من المحرمات التي يعذب الله فاعلها. وما عساه يقال في استنباط اللوازم البعيدة من
أن ذلك يستلزم احتقار الحروف , واحتقار الحروف يستلزم احتقار ما يكتب بها ,
وما يكتب بها عام يشمل كتاب الله وأسماءه؛ فغير مُسلَّم , ويمكن أن يستنبط مثله
فيمن يلقي قشور البطيخ والباذنجان ونحوها , بأن يقال: إن هذه نعمة يمكن أن
ينتفع بها الناس أو الدواب فيجب تعظيمها واحترامها , وعدم احترامها يستلزم الكفر
بالمنعم بها , وما أشبه ذلك. وجملة القول في المسألة أن العاقل المكلف لا يقصد
بإلقاء الورق المكتوب إهانته إلا لنحو السبب الذي ذكرناه , وهو لا شيء فيه , بل
العاقل لا يحتقر شيئًا في الوجود لذاته , أو لأنه وسيلة لشيء نافع أو شريف , فما
قاله الشافعية هو الظاهر , ولا ينبغي الغلو والتنطع فيه والله أعلم.
* * *
الطلاق
اشتراط القصد فيه
(س ٣٧) ع. ص. بمصر (القاهرة) : كنت أتجاذب أطراف الحديث
مع صديق لي في أمور دينية , فتدرجنا إلى موضوع الطلاق فاختلفنا فيه , وكان
رأيه أن الطلاق يقع لمجرد النطق باللفظ , ولو لم يكن الطلاق مقصودًا , وأما أنا
فرأيت أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الإصرار عليه. فهل لكم أن تتفضلوا بنشر الحقيقة
على صفحات مناركم الأغر فتنقذوا العالم الاسلامي من وهدة الاختلاف التي وقع
فيها من كثرة التأويلات , ويكون لكم علينا الفضل ومنا الشكر ومن الله الأجر.
(ج) الزواج عقدة محكمة توثق بين الزوجين بعقد مقصود مع العزم فمن
المعقول أن لا تُحَلَّ إلا بعزم , وبذلك جاء الكتاب الحكيم. قال تعالى: {وَلاَ
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ} (البقرة: ٢٣٥) أي لا تعزموا عقد
هذه العقدة إلا في وقتها وهو انتهاء عدة المرأة والكلام في المعتدة. وقال تعالى:
{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاق} (البقرة: ٢٢٧) إلخ أي إن صمموا عليه وقصدوه قصدًا
صحيحًا. والقاعدة عند الفقهاء في العقود أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ
والمباني , وظاهر أن أعظم العقود وأهمها العقد الذي موضوعه الإنسان من حيث
يأتلف ويجتمع ويتوالد ويربي مثله , فمثل هذا العقد يجب الحرص التام عليه لأن
في حله خراب اليوت وتشتيت الشمل المجتَمِع , وضياع تربية الأولاد وغير ذلك
من المضار , ولكن أكثر فقهاء المذاهب المشهورة ذهبوا إلى أن عقدة النكاح تنعقد
بالهزل وتنحل بالهزل , حتى كأنها أهون من العقد على أحقر الماعون الذي
اشترطوا فيه مع التعاطي الإيجاب والقبول الدالين على القصد الصحيح , وحجتهم
في حديث غريب كما قال الترمذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن ما عدا النسائي من
حديث أبي هريرة وهو: (ثلاث جدهن جد , وهزلهن جد: النكاح والطلاق
والرجعة) وقد صححه الحاكم الذي كثيرًا ما صحح الضعاف والموضوعات , وفي
إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك قال النسائي فيه: منكر الحديث , ولذلك لم
يخرج حديثه , ولقد عرف النسائي رحمه الله تعالى من ابن (أزدك) هذا ما خفي
على كثيرين , ونحن نقدم جرح النسائي على توثيق غيره عملاً بقاعدة تقديم الجرح
على التعديل مع كون موضوع الحديث منكرًا لمخالفته ما دل عليه الكتاب من
وجوب العزم في هذا الأمر ومخالفته القياس في جميع العقود , وهو أن تكون بقصد
وإرادة وإن جعله الحافظ حسنًا. ولهذا لم يأخذ به مالك ولا أحمد - وهو أحد رواته -
على إطلاقه بل اشترطا النية في لفظ الطلاق الصريح , واشتراطه في الكناية
أولى لاحتمالها معنيين. ومن العجائب أن بعض الفقهاء يقول: إن النكاح لا يقع من
الهازل ولكن الطلاق يقع , فهو يأخذ ببعض الحديث ويترك بعضًا , وقد دعم
بعضهم حديث ابن أزدك بحديث فضالة عند الطبراني: (ثلاث لا يجوز فيهن اللعب
الطلاق والنكاح والعتق) وهو على ضعفه بابن لهيعة في سنده ينقض الأول لا
يدعمه؛ لأن عدم الجواز يستلزم الفساد لا الصحة كما يعرف من الأصول , وجاء
بلفظ آخر فيه انقطاع فلا يعول عليه ولا يبحث فيه. ثم إن مسائل العقود ومنها
النكاح والطلاق كلها مشروعة لمصالح العباد ومنافعهم ومعقولة المعنى لهم , وليس
من مصلحة المرأة ولا الرجل ولا الأمة أن يفرق بين الزوجين بكلمة تبدو من غير
قصد ولا إرادة لحل العقدة بل فيها من المفاسد والمضار ما لا يخفى على عاقل , فلا
يليق بمحاسن الملة الحنيفية السمحة أن يكون فيها هذا الحرج العظيم. هذا وقد ورد
في الأحاديث الموافقة لأصول الدين وسماحته ما يدل على أن الخطأ والنسيان غير
مؤاخذ به , ومثلهما الإكراه وقد قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ
وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ} (المائدة: ٨٩) أي بتوثيقها بالقصد والنية
الصحيحة والطلاق من قَبِيل الأيمان والله أعلم وأحكم.
* * *
رأي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
واحتياطه في أكله
(س٣٨) عبده أفندي ناطق في (الإسكندرية) نذكر هذا السؤال بمعناه وهو
أن صاحب مجلة الهلال قال في ترجمة سيدنا علي كرم الله وجهه في المجلد السادس
(ص٢٠٢ و٢٠٣) : إنه كان ضعيف الرأي ولذلك فشل في مسألة الخلافة (وإنه
لم يكن يأكل طعامًا لا يعرف صانعه وحامله , فكان يختم على جراب الدقيق الذي
يأكل منه , وسئل مرة عن سبب ذلك فقال: (لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم.
والظاهر أنه كان يفعل ذلك مخافة أن يغدر به أعداؤه فيميتوه مسمومًا) اهـ هذه
عبارة الهلال وقد استبشعها السائل , وكتب إلينا أولاً فأجبناه بكتاب خاص بأن ما
ذكره في الهلال حكاية فهو منقول , فكتب يلح منفعلاً بوجوب الجواب في المنار
فنقول فيه:
(ج) إن الإمام عليًّا لم يكن يجهل من الرأي ما كان يشير به عليه بعض
الذين ظنوا أنه ضعيف الرأي كما يعلم من خبر المغيرة معه , وإنما كانت السياسة
تقضي في عهده بأن يقر بعض العمال ذوي العصبية كمعاوية على أعمالهم مع
اعتقاده بأنهم كانوا ظالمين ولكن وجد أن الدين كان أقوى عنده من دهاء السياسة
حتى لا يستطيع أن يعمل ولا أن يقر إلا ما يعتقده حقًّا وعدلاً , وهذا هو السبب
الصحيح في فشله فقد كان الدين عنده أمرًا وجدانيًّا عقليًّا لا نظريًّا فقط , وسبب ذلك
أنه تربى عليه عملاً في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عبد الباقي:
رَبيب طه حبيب الله أنت ومن ... كان المربي له طه فقد برعا
وأما مسألة الأكل فقد كان سببها الورع , وما استظهره صاحب الهلال في
غير محله , فإنه قياس على حال بعض الملوك الجبناء الظالمين الذين فتنوا بِحُبِّ
طول البقاء والنعيم والخوف من الرعية وما أبعد الفرق! ! والمؤرخون كصاحب
الهلال يأخذون الخبر على ظاهره ويستنبطون منه ما يسبق إلى خواطرهم بحسب
معرفتهم وتأثير عصرهم. أما الأثر فقد رواه أبو نعيم في الحلية بسنده إلى عبد
الملك بن عمير قال: حدثني رجل من ثقيف أن عليًّا استعمله على عكبرى. قال:
ولم يكن السواد يسكنه المصلون , وقال لي: اذا كان الظهر فرح إليَّ , فرحت إليه
فلم أجد عنده حاجبًا يحجبني دونه فوجدته جالسًا , وعنده قدح وكوز من ماء , فدعا
بظبية [١] , فقلت في نفسي: لقد أمنني حين يُخْرِج إلي جوهرًا , ولا أدري ما فيها
فإذا عليها خاتم , فكسر الخاتم فإذا فيها سويق , فأخرج منها فصبَّ في القدح ,
فصب عليها ماء , فشرب وسقاني , فلم أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين
أتصنع هذا بالعراق , وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: (أما والله ما أختم عليه
بخلاً عليه , , ولكن أبتاع قدر ما يكفيني , فأخاف أن يفنى فيوضع من غيره , وإنما
حفظي لذلك , وأكره أن أدخل بطني إلا طيبًا) . وأخرج أبو نعيم أيضًا من
طريق سفيان عن الأعمش قال: كان علي يغدي ويعشي (أي الناس) , ويأكل هو من
شيء يجيئه من المدينة. وذكر الأثر الأول من غير حكاية الراوي صاحب القوت
والغزالي في كتاب الحلال والحرام من (الإحياء) واتفقوا على أنه من
الورع, والواقعة صريحة فيه. وهكذا كانت سيرة المتقين من الخلفاء الراشدين
وكبار الصحابة والتابعين.
روى البخاري من حديث عائشة قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ,
وكان أبو بكر يأكل من خراجه , فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر , فقال له
الغلام: أتدري ما هذا؟ قال: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية
فأعطاني. فأدخل أصبعه في فيه , وجعل يقيء , حتى ظننت أن نفسه ستخرج ,
وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده إلى زيد بن أرقم قال: كان لأبي بكر مملوك
يغل عليه فأتاه يومًا بطعام , فتناول منه لقمة , فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني
كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: (حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا؟)
قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني؛ فلما كان اليوم مررت بهم
فأعطوني. قال: (أَُفٍّ لك كدت أن تهلكني) فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ ,
وجعل لا يخرج. فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء , فدعا بعس من ماء فجعل
يشرب ويتقيأ حتى رمى بها. فقيل له: رحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة قال:
لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) فخشيت أن ينبت شيء من
جسدي من هذه اللقمة. ورواه غيره. وروى مالك من طريق زيد بن أسلم قال:
شرب عمر لبنًا فأعجبه فسأل الذي سقاه: من أين لك هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد
على ماء قد سماه؛ فإذا نَعمٌ من نَعَم الصدقة وهم يسقون , فحلبوا لي من ألبانها
فجعلته في سقائي فهو هذا , فأدخل عمر يده فاستقاءه. - هذا بعض شأنهم في
الورع والاحتياط في المأكل , ولم يكن عهد أبي بكر وعمر كعهد علي في تهاون
الناس بالحلال والحرام , ولذلك بالغ هو في الاحتياط في سفره. وحاشا أن يمس
الخوفُ من السم ذلك القلب المملوء إيمانًا وشجاعة.
* * *
تركة ووصيتان
(س٤٠) السيد حسن بن علوي بن شهاب الدين في (سنغافورة) ما قولكم
فيمن أوصى بما نصه: وما يزيد من تركتي بعدما ذُكِرَ أعلاه (يعني من دينه) يقسم
أثلاثًا؛ ثلثان للورثة يقسم بينهم , والثلث الثالث يقسم عشرين سهمًا. اهـ، وعين
مصرف العشرين السهم , ثم قال في وصية له أخرى ما نصُّه: وجعل لأولاد أخيه
أحمد مثل نصيب أحد أولاده الذكور , والوصية المتقدمة باقية على صحتها. اهـ
أما الوصيتان فمعلوم صحتهما , والورثة أم , وزوجة , وستة أولاد وثلاث بنات ,
ولا يخفاكم أنه مات قبل الاستحقاق فريق له ثلاثة أسهم ونصف سهم من العشرين
السهم قبل موت الموصي. فهل بسقوط هذه الأسهم تعود هذه الأسهم تركة أم يوزع
ما بقي على ما بقي من الأسهم , وتعود وصية؟ وعلى كلا التقديرين كيف تكون قسمة
التركة , وكيف تصحيح المسألة لأن بعض العلماء يزيد ذلك المثل أولاً في تصحيح
المسألة , ويزيد مثله للموصى له. نعم ثلث المال في واقعة الحال شيء كثير , فلو
كان الثلث مثلاً ألفًا , ومقدار مثل نصيب أحد الأولاد سبعمائة فهل يأخذ الموصى له
بمثل النصيب نصيبه كاملاً , أم يدخل النقص على الجميع. وفي مسألتنا هنا؛ هل
يشاركهم في الزائد وهي الثلاثة الأسهم والنصف السهم الذي مات مستحقوه قبل
الاستحقاق؟ نؤمل من شيم الكرام الجواب على صفحات المنار مع التوضيح
الكامل فالمسألة واقعة حال ودمتم.
(ج) نقول أولاً: إن السائل كتب حاشية للسؤال ذكر فيها اختلاف أهل
العلم في المسألة , وأن كلام ابن حجر اختلف فيها فظننا أنها ذكرت في فتاويه
بنصها , فأرجأنا الجواب لمراجعة كلام ابن حجر. إذ ليس عندنا فتاواه ولا تحفته ,
ثم رأينا أن نعطي السؤال لأحد أصدقائنا من علماء الشافعية في الأزهر ففعلنا
وجاءنا منه ما يلي بنصه:
الحمد الله أما بعد , فهاتان وصيتان على الترتيب: الأولى بالثلث وجعله
عشرين سهمًا فلتكن التركة ستين سهمًا , والثانية بمثل نصيب ذكر من أولاده.
وحيث قد مات أصحاب ثلاثة أسهم ونصف من العشرين قبل موت الموصي , فتلك
الحصة تركة , فتكون الوصية الأولى بستة عشر سهمًا ونصفًا من ستين، وتكون
التركة التي فيها الوصية الثانية ثلاثة وأربعين سهمًا ونصفًا، تقسم كلها على الورثة
لا غير وهم: أم , وزوجة , وستة ذكور , وثلاث بنات , ومسألتهم من أربعة
وعشرين , وتصح من ثمانية وأربعين , ونريد الآن الثاني؛ لأنه أسهل حسابًا ,
فلنعتبر أن الثلاثةَ والأربعين سهمًا ونصفًا ثمانيةٌ وأربعون سهمًا؛ للزوجة الثمن
بستة , وللأم السدس بثمانية , فهذه أربعة عشر. يبقى أربعة وثلاثون لستة ذكور
وثلاث بنات , فتكون القسمة على خمسة عشر باعتبار البنات فلا تنقسم الأربعة
والثلاثون سهمًا عليهم صحيحة , فتضرب في خمسة عشر فيكون حاصل الضرب
خمسمائة وعشرة يقسم ذلك الحاصل على خمسة عشر , فتكون حصة البنت أربعة
وثلاثين , وحصة الذكر ثمانية وستين , ثم تحول حصة الزوجة والأم إلى أسهم
كهذه فتضرب أربعة عشر في خمسة عشر فيبلغ مائتين وعشرة تضم إلى خمسمائة
وعشرة حصة بقية الورثة , فتكون التركة التي كانت ثلاثة وأربعين سهمًا ونصفًا
سبعمائة وعشرين سهمًا حصة جميع الورثة , فقد صحت المسألة على ذلك , ويزداد
عليه مثل نصيب ذكر وهو ثمانية وستون فتبلغ سبعمائة وثمانية وثمانين سهمًا ,
فإذا قسمت الثلاثة والأربعون سهمًا ونصف سهم إلى سبعمائة وثمانية وثمانين؛
أعطيت الزوجة تسعين والأم مائة وعشرين , وبقية الورثة خمسمائة وعشرة؛
للذكر مثل حظ الأنثيين. وكان لأولاد الأخ ثمانيةٌ وستون على سبيل الوصية , وهي
الوصية الثانية، منها أربعة أسهم وستة وعشرون جزءًا من ثلاثة وأربعين
ونصف زائدة على الثلث فهي موقوفة على إجازة الورثة، وبيان كون هذا المقدار
هو الزائد على الثلث أنه اذا كانت الثلاثة وأربعون سهمًا ونصف سبعمائة وثمانية
وثمانين فلتكن الوصية الأولى التي هي ستة عشر سهمًا ونصف مائتين وثمانية
وتسعين سهمًا وتسعة وثلاثين جزءًا من ثلاثة وأربعين ونصف , حيث تضرب ستة
عشر ونصفًا في خمسة عشر فليكن المال كله قبل الوصيتين ألفًا وستة وثمانين
سهمًا وتسعة وثلاثين جزءًا من ثلاثة وأربعين ونصف , وليكن ثلثه ثلاثمائة واثنين
وستين سهمًا وثلاثة عشر جزءًا من ثلاثة وأربعين ونصف، وحيث إن
الوصيتين على الترتيب فلتنفذ الأولى كلها وهي مائتان وثمانية وتسعين سهمًا وتسعة
وثلاثون جزءًا من ثلاثة وأربعين ونصف , ولتنفذ الثانية لأولاد الأخ فيما يتمم
الثلث. والذي يتممه ثلاثة وستون سهمًا وسبعة عشر جزءًا ونصف من ثلاثة
وأربعين ونصف مع أن حصة الذكر ثمانية وستون فيكون الزائد عن الثلث
أربعة أسهم وستة وعشرين جزءًا من ثلاثة وأربعين ونصف فيحتاج إلى إذن
الورثة.
والحاصل أن التركة بحسب الأصل ستون سهمًا؛ منها عشرون للوصية
الأولى رجع منها ثلاثة ونصف للتركة , فتكون التركة ثلاثة وأربعين سهمًا ونصفًا.
يأخذ منها أولاد الأخ ثلاثة ونصفًا تتمة الثلث , ويبقى بعد الثلاثة ونصف شيء يتمم
حصة الذكر فيحتاج إلى إذن الورثة فإن أجازوا نفذ , والا فلا نفود؛ واذا أجازوا
فلتكن القسمة على ما بينا، بحيث تصحح مسألة الورثة أولاً ثم يزاد على أصل
المسألة مقدار ما يخص الذكر , ثم يقسم بعد ذلك على الورثة , وفيهم صاحب
الوصية الثانية , ولا يخفى أن تلك الزيادة هي مسألة العول الذي يدخل على جميع
الأنصباء. وليس في هذه الواقعة خلاف ما قررنا والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... حسين والي