للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خطبة الإمام الملك ابن السعود الموسمية
في وفود الحاج سنة ١٣٥٣

(مقدمة) جرت عادة الإمام عبد العزيز الفيصل بن السعود منذ ولاه الله أمر
الحجاز وأمنه أن يأدب لخواص وفود الحاج من جميع شعوب المسلمين مأدبة
عظيمة، تكون خير وسيلة لجمعهم في مكان واحد وتعارفهم وتآلفهم - ومن ذا الذي
يستطيع جمعهم هذا غير ولي أمر البلاد؟ - وأن يلقي عليهم في هذا الجمع الحافل
خطابًا جامعًا يُذَكِّرهم بما مَنَّ الله به عليهم من إكمال دينه لهم، وإتمام نعمته عليهم
الذي أعلنه لهم في حجة الوداع رسوله محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم،
الذي بعثه رحمة لجميع العالمين، ويلم في هذا الخطاب بحالهم العامة، وما يجب
عليهم من شكر هذه النعمة، بإحياء ما أماتته البدع من هذه الهداية، ويذكر لهم
خطته هو في الدعوة إلى التوحيد والوحدة الإسلامية، وجمع كلمة المسلمين،
ويسمح لكل من شاء منهم أن يتكلم ويبدي رأيه في قوله وعمله، وغير ذلك مما
يرى في المصلحة العامة، وإن هذه لسنة من أفضل السنن التي جرى عليها الخلفاء
الراشدون، واهتدى بها السلف الصالحون، ثم أماتها الملوك المستبدون حتى جهلها
الخلف الطالحون.
وقد أقام جلالته مأدبة هذا الموسم في يوم الإثنين سادس ذي الحجة الحرام
(سنة ١٣٥٣) وبلغ عدد من لبوا دعوته إليها خمسمائة ونيف من خواص مشارق
البلاد ومغاربها، نقلوا كلهم إلى القصر الملكي بالسيارات الخاصة، وكانت الموائد
التي نصبت لهم ثلاثًا، رأس جلالته أحدها، وسمو ولي عهده الأمير سعود الثانية،
وسمو نجله ونائبه في الحجاز الأمير فيصل الثالثة، وبعد فراغهم منها صعدوا إلى
الطبقة العليا من القصر حيث ألقى عليهم جلالته خطابه الحكيم، وتلاه من تلاه من
الخطباء، مشيدين بالحمد لله ثم الثناء عليه، وإقرار ما فيه من دعوة الحق إلى
الإصلاح، فنحن ننقل ذلك عن جريدة أم القرى الغراء:
* * *
نص خطبة الإمام الملك
قال جلالته بعد أن حمد الله وشكره على نعمائه:
إننا في غنى عن التنويه بعظمة هذا اليوم؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل
اجتماع المسلمين فيه لأداء فريضة الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام من جهة،
وللتعارف والتآلف من جهة ثانية، وقد هدانا الله جل شأنه إلى الصراط السوي في
معاش الدنيا و (حياة) الآخرة، فقال في كتابه العزيز: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} (آل عمران: ١٠٣) ، فالاعتصام بحبل الله واجب على كل
فرد من أفراد المسلمين؛ لأن العز كله والخير كله بذلك، فإذا نحن حدنا عن هذا
السبيل خسرنا الدنيا والآخرة.
والحقيقة أن حبل الله عز وجل هو كلمة لا إله إلا الله، إذ لا معبود سواه فهو
الأول والآخر، وعبادته باتباع ملة إبراهيم قال تعالى في كتابه العزيز: {وَاتَّبَعَ
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} (النساء: ١٢٥) [١] فمن واجب كل إنسان أن يعمل بما أمر
الله به، وأن يطيع مولاه صاحب النعمة عليه، ولا يكون ذلك إلا بالعمل بما في
كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقد أرسل الله الرسل لهداية الأمم
والشعوب، وإنقاذهم من الضلالة، وكانت هداية نبينا عليه الصلاة والسلام أن
أرسله الله جل شأنه في أحسن القرون، وأن بعثه إلى جميع الأمم، وقد أزال الله
ببعث النبي الكريم الشبهة والضلال، فكانت بركة الله، ثم بركة رسوله علينا
عظيمة لا تعد ولا تحصى.
وقد أمرنا الله تعالى على لسان نبيه بأمور عظيمة الشأن، لو عملنا بها لكان
حالنا اليوم غير ما نرى، لقد جعل أركان الدين الحنيف خمسة، وهي شهادة أن لا
إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت،
وصوم رمضان، فالله سبحانه وتعالى يأمر بالعمل بها مع الإخلاص النقي، والنية
الحسنة، فإذا صدعنا بأوامره جل شأنه غفر ذنوبنا وأولانا نعماءه.
فإذا فهمنا ذلك وعلمنا أن الخير بحذافيره بما أمرنا الله وجبت علينا طاعته،
وطاعته - كما قلت - هي الاعتصام بحبل الله، وذلك باجتماع المسلمين وتعاضدهم
وتكاتفهم بأن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضًا؛ ولكننا أضعنا أوقاتنا
في شقشقة اللسان بدون فائدة، لقد تراشقنا بالكلام فتنابذنا، فكانت هذه الفرقة، وهذا
الهوان، ولو تركنا هذه الأمور التي لا طائل تحتها لكانت رحمة ربي علينا عظيمة.
يجب أن نعبد الله ونطيعه كي يوفقنا، فعلى كل إنسان أن يحاسب نفسه،
فيجتنب المعاصي والمنكرات، ويتبع أوامر الله عز وجل.
هنالك أحزاب تتطاحن، على أي شيء؟ لا أدري؟ لقد أدخل الشيطان
وساوسه في عقولنا، فتركنا حبل الله المتين، فتفرقنا أيدي سبًّا.
أما نحن فتعرفون يا إخواني سيرتنا، ليس لنا من المقاصد والغايات إلا أن
تكون كلمة الله هي العليا، نحن سرنا في الجادة ولم يكن عندنا مال ولا رجال، نحن
أهل بادية، وإن ما ترونه اليوم لم يكن إلا من بركة الله تعالى، نحن نعاهد الله
سبحانه وتعالى على السير في هذا الطريق مهما وجدنا فيه من العقبات، نعاهد الله
ونقسم أمامكم على ذلك، وإننا لن نتنكب عن الطريق السوي مهما تحملنا من
المتاعب والمشاق.
إن الذي يجمع شملنا ويوحد بيننا هو أمر صغير في ذاته؛ ولكنه كبير وعظيم،
هو الالتفاف حول كلمة التوحيد، والعمل بما أمر الله به ورسوله.
إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد
ذلك أن يجمع كلمة العرب فيوحد غاياتهم ومقاصدهم؛ ليسيروا في طريق واحد
يوردهم موارد الخير، وإذا نحن أردنا ذلك فلسنا نروم إتمامه في ساعة واحدة؛ لأن
ذلك يكون مطلبًا مستحيلاً، كما أننا لا نرمي من وراء ذلك إلى التحكم بالناس؛
وإنما غايتنا أنه إذا لم يكن لنا من وراء هذا التضامن خير، فلا يكون لنا من ورائه
شر على الأقل.
كلكم يذكر حوادث العام الماضي، وهذا السيد عبد الله بن الوزير وهذا السيد
الحسن الإدريسي، الجالسان الآن بجانبي، ما كنا نظن أن يكون بيننا وبينهم عداوة
وبغضاء؛ ولكن الأشرار فرقوا بيننا، والله عز وجل قد جعل بعد هذا التباغض ألفة
بيننا {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة: ٢١٦) لقد خشى
المسلمون من عاقبة هذا التنابذ الذي حصل بيننا؛ ولكنه أفضى إلى خير جم طرب
له المسلمون، جاء ابن الوزير إلى هنا، وحدثني في هذا المكان الجالس فيه الآن
بشأن الخلاف، فقلت له ماذا تبغون؟ إذا أنتم قتلتموني من يخسر؟ أنا وحدي،
وإذا أنا قتلتكم من يخسر؟ أنتم وحدكم، لا، لا الخسارة علينا وعليكم على حد
سواء، ولما عرفت أننا وإياهم متفقون على أن نتائج هذه الفرقة الخسران، وأن
هذا الخسران واقع علينا جميعًا، أمرت بالقرطاس والقلم وجلست أنا وإياه وحدنا،
ووضعنا مواد المعاهدة التي اطلعتم عليها، والتي قابلها المسلمون بالارتياح، فإلى
مثل هذا التضامن أدعو المسلمين إليه والعمل به.
أكثر الناس يقولون إن الأغيار هم الذين ضربونا بالصميم، ففرقوا بيننا هذا
كلام، ماذا عمل الأغيار؟ الحق أن الضرر والخسران لم يأت إلا من أنفسنا، فنحن
المسؤولون عن ذلك، نحن نسعى للتفرقة، ونحن نعمل للبغضاء، أذكر لكم مثلاً
بسيطًا يعرفه كل واحد منكم: أن صحفنا وجرائدنا إذا تكلمت عن مسلم أو عربي
تكلمت عنه بشدة وقسوة، وبلاذع القول؛ ولكنها إذا تكلمت عن غربي تكلمت بآداب
واحترام فلماذا؟
يا إخوان وجب علينا أن نحترم أنفسنا ونتكاتف ونتعاضد، فإذا نحن سرنا
على هذه الطريق وفقنا الله سبحانه وتعالى، واحترمنا العدو قبل الصديق يجب أن
نداوي أنفسنا بطاعة الله سبحانه وتعالى، فطاعته مصدر كل عز وخير لنا.
هذا ما عَنَّ لي ذكره، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم لصالح الأعمال اهـ.
(المنار) هذه الخطبة تدعو إلى توحيد الملة في العقيدة والاتباع، واجتناب
الابتداع، وتوحيد الأمة بجمع كلمة شعوبها وقبائلها، واجتناب الشقاق والتفرق بينها،
وضرب له خير مثل باتفاقه مع اليمانيين، الذي حمده وسر به جميع المسلمين،
وأعجب به غير المسلمين من الغربيين والشرقيين، كما ابتهجت الأمة العربية بما
صرح به في هذا الموسم لكشافة العراق وغيرهم من بذل جهده لجمع كلمة الأمة
العربية وسنبينه بعد.
* * *
خطبة الأستاذ التفتازاني
ثم قام الأستاذ الفاضل السيد محمد الغنيمي التفتازاني فألقى خطبة رنانة كان
لها تأثير عظيم وهذا نصها.
يا رجل العرب:
لقد شاء الله ولا راد لمشيئته أن تكون رجل الساعة، وأن نصبح نحن الذين
كنا بالأمس من ألد أعدائك وخصومك في مقدمة من يناصرونك عن حب وإجلال
وإكبار.
ولم يكن ذلك غلوًّا، أو وليد شهوة مستعرة، أو إربة عاجلة؛ ولكن مجلسك
الذي تجلسه الآن تستطيع أن تُقَدِّر من مظهره مبلغ فضل الله عليك.
أليس من أكبر دلائل فضل الله عليك أن يكون آل الإدريسي عن يمينك،
ووزراء اليمن عن شمالك، والتفتازاني خطيب محفلك الآن، وقد كان هؤلاء جميعًا
بالأمس سيوفًا عليك.
شهد الله أنك أرضيت الله، وأعليت كلمة الله، وأحييت ما اندرس من شرعة
الله، وأمنت السبيل إلى بيت الله، فلم يكن بد من أن يجزيك الله سبحانه وتعالى
أحسن الجزاء، جزاء هذه المنن الخوالد.
يا رجل العرب:
منذ أربعة عشر قرنًا بعث الله من بين هذه الجبال الجرد، والهضبات
المتواضعة رجلاً يحمل المشعل الأول، يخرج الناس على ضوئه من الظلمات إلى
النور، وينزع من أعناقهم أطواق الرق التي أصارت منهم طبقات غير متلاصقة
هي أشبه بالسوائم، حتى إذا ما أنقذ البشرية ضوء ذلك المشعل، كانت إثر ذلك
النكبة الشاملة، إذا تعامى المسلمون عن ذلك النور فغشيتهم ظلمته فأنستهم الله
فأنساهم أنفسهم، فهم الآن كمريض كله قروح، وكل قرحة داء مختلف، وكلما
داويت جرحًا سال جرح.
والآن وقد أراد الله أن يدوي صوت أخاذ لينفذ إلى أعماق القلوب من بدوي
صقله الطبع المحض، وهذبته الغريزة البريئة، فهو في بلد محمد ليستعيد مجد دين
محمد.
وما كان موقفك الأخير من اليمن إلا موقف الأخوة الإسلامية والنبل العربي
المحض، وقد قضيت على دس الدساسين وكيد المغرضين، واتبعت سياسة الباب
المفتوح، فلا أغلق الله لك بابًا.
يا جلالة الملك:
إن الحجاز معبد يفد إليه المسلمون طواعية لذلك التحنان الذي يحسونه بين
جوانحهم، وكان لزامًا أن يجدوا فيه أنسهم وراحتهم، وإنك ولله الحمد لتسمع من
كل وافد مبلغ ما يحسه من غبطة واعتزاز إزاء هذا الأمن الشامل من مشارق الشام
إلى أقاصي اليمن، ومن البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي، فقد شهدت بعيني
رأسي كيف تستطيع الفتاة العذراء أن تجتاز درب المدينة آمنة على ما تحمل من
مال، بينما كانت تلك الدروب بالأمس مباءة إجرام ومصدر إذلال.
يا رجل العرب:
إن للمسلمين أمانة على كاهلك، لئن آدت بها الجبال، فلن يئود بها هذا
الكاهل الذي استطاع أن يحمل التبعة جميعًا، هي أن تصافيهم، وأن تواصل الجهد
في تأمين سبيلهم إلى حج بيت الله، وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن العرب في أنحاء العالم ليحسون الاعتزاز بكل ما يرونه من مواقفك المجيدة في
سبيل نصرتهم، والدفاع عن قضيتهم، فأنت منهم وإليهم.
إن الإسلام هو جنسية شاملة لا يعرف شعوبية ولا إقليمية يستلزم بنيه أن
يؤدوا حقوقه على أن يقوموا بواجباته أيضًا، وإنك لحامل العلم اليوم في سبيل
نصرة العرب والإسلام حفظك الله، وآزرك بروح من عنده، ووفقك ورجال دولتك
الذين عرفناهم، فعرفنا جنودًا يطيعون قائدهم عن حب وإكبار، لا عن قسر وخوف،
والحب هو دعامة الحياة. اهـ.
ثم تقدم الشيخ إسماعيل الغزنوي فترجم خطاب جلالة الملك إلى اللغة الأردية،
ثم أعقبه جلالة الملك أمان الله خان ملك الأفغان السابق، فألقى خطابًا باللغة
الفارسية ترجمه إلى اللغة الأوردية الشيخ إسماعيل الغزنوي وهذا نصه:
خطاب أمان الله خان
ملك الأفغان السابق
أخي الملك:
كيف يمكنني أن أكتم ما يجيش في قلبي من الإعجاب بدراية جلالتكم وحنكتكم
في اجتياز تلك المفاوز التي أوجدتها أيدي أبالسه الإنس، وأحاطتها بأشواك حداد
طالما اعترت من قبلها الأمم الإسلامية التي تخضبت أكنافها بالدماء؛ ولكن إيمانكم
وحزمكم أيها الأخ الذي اؤتمن على أرواح المسلمين حال دون إهراق الدماء، فهنيئًا
للإسلام ببطل مثلك، وهنيئًا لي بصداقتك التي غدت إعجابًا وتقديرًا عظيمًا.
هذا وإني لأتمنى لو أن المسلمين ممن حضروا ناديكم العامر يعون ما تفضلتم
به من النصائح الثمينة، ويأتمرون بها فيما بينهم في كل عام، إذن لكان الإسلام
بخير، بل بألف خير.
وليس كبيرًا على جلالتكم أن ترشدوا المسلمين بآرائكم الصائبة، وأن تبثوا
بينهم هذه الفكرة الحميدة، حتى يعلموا أننا إذا عبدنا الله حق عبادته لا يسهل على
أحد أن يستعبدنا، وأن يسترق أعناق المسلمين في بطاح هذه الأرض التي ضاقت
بما تشاهد من شذوذنا الحاضر عن الجادة القويمة، حتى أوذي الإسلام في عزيز
أوطانهم، وذهب أكثرها مغانم لمن كانوا مغانم لنا طيبة، يوم انشقوا على أنفسهم
واختلفوا في دينهم ودنياهم.
ويزيد نصائح جلالتكم قوة أن كل ما تتفضلون به لم تنصحوا المسلمين
والعرب باتباعه إلا بعد أن ضربتم لهم المثل العالي بأنفسكم بحرصكم على الأخوة
العربية والإسلامية في المعاهدة الشريفة التي عقدتموها.
وإني لأعانق جلالتكم باسم من عقدوا على أعمالكم الخناصر، وأصافحكم على
البر والخير الدائم إن شاء الله. اهـ.
وعقبه سعادة وزير الأفغان المفوض السيد محمد صادق المجمددي فألقى
الخطاب القيم التالي:
خطاب وزير الأفغان المفوض
في المملكة العربية السعودية
وفي مصر
{الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ
رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف: ٤٣)
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي قرنت البركة بذاته الشريفة ومحياه، أرسله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وعلى آله وصحبه
ومن والاه إلى يوم يبعثون.
أما بعد، فأسترحم من صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية أن ألقي
كلمة في هذا المحفل الإسلامي: يا صاحب الجلالة أحييكم بتحية الإسلام باسم جلالة
ملكنا المعظم المتوكل على الله محمد ظاهر شاه أيده الله، وباسم الشعب الأفغاني،
وأستمنح من جلالتكم أن تأذنوا لي بأن أوجه خطابي إلى إخواني المسلمين، إخواني
حجاج بيت الله الحرام وفود الملك العزيز العلام:
ما فُرضت هذه العبادة إلا لأداء ركن من أركان الإسلام، ولحكم تتعلق بالسفر
إلى المشعر الحرام ألا وهي التعارف والاستفسار عما يحتاج إليه المسلمون في أمور
معادهم ومعاشهم، ولا يحصل ذلك إلا بتبادل الأفكار والآراء من أولي الأبصار،
فأرجو منكم أيها الإخوان أن تستسيغوا من هذا المنهل العذب الذي (هو) سائغ
شرابه، وتعاونوا على البر والتقوى، وتعاضدوا لإعلاء كلمة الله كي تفوزوا
بمرضاة الله، واتبعوا سنة نبيكم سيدنا محمد رسول الله المنزل عليه - {قُلْ إِن
كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: ٣١) - ولا تضيعوا هذه
الفرصة فإنه تعالى يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (لقمان: ٣٤)
ها أنتم على وشك أن تقفوا في عرفات والمزدلفة وتبيتوا في منى ثلاثة أيام
بلياليها، فهل تريدون أن تنتفعوا، أو تنفعوا إخوانكم بالسؤال عن موجبات تأخر
المسلمين، وأن تكبحوا جماح وساوس الشياطين، وتأخذوا في جد واجتهاد لإعلاء
كلمة الدين، والله سبحانه هو نعم المولى ونعم المعين؟
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد
بعضه بعضًا) الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،
والسلام عليكم. اهـ.