للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتنة ملاحدة الترك في سورية ومصر

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} (النساء:٨٩)
يود ملاحدة الكماليين من الترك لو يقتدي بهم مسلمو العرب في العراق
وسورية ومصر، ومسلمو العجم من سائر الترك والتتار والأفغان والفرس،
فيتركون الإسلام مثلهم، ويجعلونهم أئمة في اللادينية لهم، ويظن أولئك الملاحدة
أنهم ينالون بكفرهم من الزعامة في الشرق ما لم تنل مثله الدولة العثمانية بإسلامها
التي يحتقرونها لأجله، ويحاولون إخفاء ذكرها وذكره وتشويه تاريخها وتاريخه،
وهم يبثون الدعوة إلى الإلحاد، ويجرءون الزنادقة والمرتابين على ترك الإسلام
واحتقار تشريعه وآدابه، ولبس قلانس الإفرنج (البرانيط) لأنها الزي العام لهم،
والمميزة بين المسلمين وبينهم، ولأنها مانعة من سجود لابسها في الصلاة.
وقد علمنا والأسف والعجب يملأ القلب أن بعض السوريين والمصريين الذين
لا يزالون يحتقرون أنفسهم ويفضلون الترك على قومهم، يميلون إلى تقليدهم في
ذلك؛ لأنهم مثلهم في الكفر والتعطيل وعدم الشعور بالرابطة الدينية، ودونهم في
النعرة القومية والعصبية الجنسية، ولو كان لهم كرامة دينية أو قومية لشعروا
بكليهما أو بكل منهما أنهم أشرف من الترك وأولى بأن يكونوا قدوة لهم، فهم
أكرم عنصرًا وأجل أثرًا في الدين والحضارة سواء كانوا من العرب أو من قدماء
المصريين.
على أن هؤلاء الملاحدة قلما يثبت لهم نسب صحيح في الشعب التركي الذي
صار عريقًا في الإسلام، بل هم أو شاب منهم الروسي والرومي والبلقاني
واليهودي الأصل، وقد سلطوا على إفساد هذا الشعب بدعاية العصبية الجنسية،
ومحاولة جعله كأرقى الشعوب الأوربية علمًا وحضارة بقوتهم العسكرية،
وترجمتهم للقوانين الأوربية ولبسهم البرنيطة الإفرنجية، وهذا جهل فاضح وخبث
واضح. فإن أحوال الأمم وأطوارها لا تتبدل بتقليد غيرها في قوانينه
وأزيائه، مع مخالفته لها في تاريخه وتربيته وعقائده، كما هو معلوم عند علماء
الاجتماع.
وقد روى لنا الثقات الخبيرون منا ومن الأوربيين أن السواد من الترك
يمقتون هؤلاء الكماليين، أشد مما كانوا يمقتون إخوانهم الاتحاديين، وأنهم
يتربصون بهم الدوائر، بل أكد لنا بعض الذين عاشوا في الآستانة أو الأناضول
عدة سنين أن جمهور الشعب التركي كان يتمنى -منذ خرج الشريف حسين على
الدولة- لو تجددت للعرب دولة تنقذهم من الكفر وتستولي على بلادهم، بل
قالوا: إنهم صاروا يفضلون أية دولة أوربية على حكومتهم المعاصرة.
أفليس من العجب أن يكون هذا شعور الترك في وطنهم، ثم يوجد في سورية
من يمتهن نفسه بتقليد ملاحدة الكماليين، ويطب التجنس بجنسيتهم الجديدة المذبذبة
التي لا ثبات لها ولا استقرار، ويتخلى لأجلها عن دين القرآن وهداية الإسلام،
وأشرف لغات الأنام؟ ؟ {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (البقرة:
٦١) {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ
إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: ٨٥) .
***
(آراء الإنجليز في العالم الإسلامي)
جاء في برقية من لندن إلى الأهرام في ١٠ أبريل ما ترجمته:
نشرت جريدة (الديلي نيوز) اليوم مقالاً لمكاتب تكلم فيه عن إمكان تأسيس
جمعية أمم إسلامية ثم قال:
(إذا تألفت هذه الجمعية فإن الأقطاب الذين يسيطرون عليها هم من أعظم
الرجال الذين عرفهم العالم في هذا العصر جرأة وإقدامًا وشهرة، ولابد أن تقلب
الحركات التي يديرونها الآن بين شعوبهم وجه العالم الإسلامي في خلال ربع القرن
المقبل، ولو لم تتمكن من تأليف جمعية أمم.
إن العالم الإسلامي في الوقت الحاضر هو في طور انقلاب عظيم يشبه الطور
الذي مرت فيه أوربا عندما تلاشت الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وخلفت
بعدها شعوبًا رغب كل منها أولاً في الانفصال عن الآخر. فإذا استطاع أولئك
الرجال أن يؤلفوا جمعية أمم إسلامية، ويقيموا منها سدًّا في وجه السيطرة
الأوربية، فقد تتقوض أركان الحضارة الغربية) .
وهنا تكلم الكاتب عن زعماء العالم الإسلامي وقال: (إن عبد الكريم أحد
الأقطاب في أقوى حركة موجودة على وجه البسيطة الآن، وهي الحركة التي تقوم
بها الأمم المحكومة للمطالبة بحقها في تقرير مصيرها، على أن الإدارة الاستعمارية
البالغة منتهى القوة والمقدرة في الجزائر وتونس وطرابلس قد جعلت الحركة
القومية في هذه البلدان في منتهى الضعف.
وزغلول باشا أول حاكم حكم مصر بعد حصولها على نظام ذاتي بعدما تغلب
الفرس على الفراعنة منذ ٢٤٠٠ سنة، وهو أول رئيس وزارة منتخب في بلد
إسلامي ديمقراطي في التاريخ كله، وقد شهدت بنفسي جماهير غفيرة من الطلبة
المسلمين تتدفق كالسيل العرم في شوارع القاهرة، وتسير إلى منزل زغلول باشا
وأصواتها تشق كبد الفضاء بالهتاف له. إن هؤلاء الفتيان ليسوا سوى زبد يعوم
على بحار الحركات القومية الزاخرة في العالم الإسلامي. وليس زغلول باشا ومصر
سوى نور ضئيل بإزاء نيران مصطفى كمال باشا والحركة القومية التركية.
ويمثل مصطفى كمال باشا في تركية اللادينية دور موسوليني في إيطاليا،
ولكنه مكروه من ابن سعود العاهل العربي العظيم الذي يسير في طليعة الحركة
القومية العربية، وهو زعيمها الحربي. ولعله أقدر وأقوى شخصية ظهرت في
العرب منذ عهد النبي الهاشمي، وهو في الوقت ذاته صديق حميم لبريطانيا.
وأما إيران فإنها آخر معقل للفتور الذي أصاب العالم الإسلامي، ولكن الشاه
رضا خان يبث فيها الآن روحًا قومية جديدة.
وفي الهند ثمانية وستون مليوناً من المسلمين تقتسمهم حركتان لا يمكن التوفيق
بينهما، فهم يتمسكون بالمبدأ القومي، فلا بد لهم من أن يكونوا هنودًا وهم مسلمون،
ولذلك يعدون من ضمن العالم الإسلامي.
(وفي جزائر الهند الشرقية الهولندية ٣٥ مليونًا من المسلمين، يرسلون كل
سنة عشرين ألفاً من الحجاج إلى مكة، ويعودون منها أعظم تمسكًا بالإسلام،
فالحركة الإسلامية في جاوى تعدّ والحالة هذه من أعظم الحركات حماسة في العالم
الإسلامي.
فإذا وضعنا هذه الحقائق أمامنا وتأملنا فيها استخرجنا منها ما يأتي:
١- إن الحركة القومية في العالم الإسلامي قد تفوقت لأول مرة في التاريخ
على رابطة الإخاء في بيت الإسلام، وانتثرت كنانة مشروع الجامعة الإسلامية
القديمة، وظهرت منها سهام الحركات القومية.
٢ - لم يظهر حتى الآن أي دليل على التحالف بَين هذه الحركات، فلا
مصطفى كمال باشا ولا الملك ابن سعود يقبل أن يكون الملك فؤاد خليفة.
٣ - إذا حاولت الدول الغربية أن تسيطر على هذه الأمم وتستغلها فإننا نسوقها
إلى تأليف عصبة ضد العالم المسيحي في الغرب.
فيجب على سياسة الغرب وتجارته أن يتخليا عن كل رغبة في السيطرة،
ويقبلا موقف التعاون بكل ارتياح وإخلاص، ونحن في حاجة ماسة إلى مساعدة هذه
الشعوب وإعداد زعمائها لحكمها حكمًا ذاتيًّا سلميًّا.
ولا شك أن الجامعات الأمريكانية في القاهرة والآستانة وأزمير وبيروت قد
خطَت الخطوات العظمى حتى الآن في هذا السبيل. وفي الكليات والمدارس
الإنكليزية في فلسطين ومصر والعراق وإيران نحو خمسة آلاف طالب قد يخرج
منهم زعماء في العالم الإسلامي، فهم يتعلمون الآن ويرقون مواهبهم الطبيعية،
وسيكونون جسرًا بين العالم الإسلامي الجديد والعالم المسيحي الجديد) اهـ.
فليتأمل.
***
(الاحتفال بعيد المقتطف الخمسيني)
جاءنا من سكرتيرة لجنة الاحتفال ما يأتي:
حضرة العلامة صاحب مجلة (المنار) المفضال:
أتشرف أن أقدم مع هذا بيان تأليف لجنة مركزية في آخر يونيو سنة ١٩٢٥
للاحتفال بيوبيل المقتطف الذهبي، والنداء الذي وجهتْه اللجنة إلى الأدباء والشعراء
والعلماء ليشتركوا في هذا اليوبيل. وقد نشرنا هذه الدعوة في مختلف الأقطار
الشرقية كفلسطين وشرق الأردن وشبه جزيرة العرب وسورية ولبنان والعراق
والجزائر والمغرب الأقصى وتركيا وبلاد الفرس والهند وفي الأقطار الأوربية
والأمريكية، فلبى أهل العلم والفضل هذه الدعوة من كل جانب ووافونا بما جادت
به القرائح شعرًا ونثرًا، مع رسائل الثناء العظيم على هذا المشروع، والشكر
للقائمين به وشد أزره، وقد نوهت به بعض الصحف التركية والفارسية والهندية
والفرنسية والألمانية والإيطالية، علاوة على الصحف العربية العديدة. وكان
لدعوتنا، عدا تلك النفثات التي ستجمع في كتاب (الذكرى) لليوبيل النتائج التالية:
أولاً: اكتتاب عام اشتركت فيه الجالية السورية واللبنانية في أمريكا الجنوبية
لتقديم هدية تذكارية، وقد وصلت هذه الهدية، وهي تمثال فاخر من البرونز، مقام
على قاعدة من المرمر، وعليها لوحة من الذهب الإبريز، نقش عليها بيتان من
الشعر باسم الذين أهدوا الهدية.
ثانيًا: اكتتاب أهالي حاصبيا في البرازيل لتقديم دوانين وقلمين من الذهب
لصاحبَي المقتطف.
ثالثًا: اشتراك الجامعة الأمريكية ببيروت اشتراكًا رسميًّا في هذا اليوبيل
وقرارها أن تقيم احتفالاً حافلاً في منتداها في نفس اليوم الذي يقام فيه الاحتفال
بالقاهرة.
رابعًا: اشتراك جمعيات متخرجي الجامعة المذكورة في مختلف الأقطار
للاحتفاء باليوبيل كل منها بالطريقة المتيسرة لها.
خامسًا: اشتراك أهل طرابلس الشام يرأسه صاحب مجلة (المباحث) اشتراكًا
فعليًا، فيقيمون حفلة في مدينتهم في اليوم الذي يقام فيه الاحتفال في القاهرة.
أما الاحتفال في القاهرة فسيقام بعد رمضان الكريم وسيعلن عن الموعد فيما
بعد. هذا وقد تفضل حضرة صاحب الجلالة المعظم الملك فؤاد الأول -أيده الله-
فشمل هذا اليوبيل برعايته السامية.
فالرجاء يا سيدي أن تفسحوا في صحيفتكم الغراء مكانًا لهذه التفاصيل بعد
نشر نداء اللجنة ليشترك معنا أهل العلم والفضل في مصر، خدمة للنهضة العلمية
الجديدة، وتقريرًا لجهود العاملين.
وتقبلوا خالص الشكر سلفًا مع عواطف الإكرام.
... ... ... ... ... ... ... ... سكرتيرة اللجنة
... ... ... ... ... ... ... ... ... (مي) ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... القاهرة ٢٤ مارس سنة ١٩٢٦
ترون مع النشرة التي مع هذا أنه قد تألفت في مصر جماعة للاحتفاء باليوبيل
الذهبي لمجلة المقتطف تقديرًا لآثارها العلمية مدة نصف قرن. واختارت من بين
أعضائها لجنة تنفيذية لبث الدعوة وتنظيم العمل. واللجنة تود أن يشترك في هذا
الاحتفاء أبناء القومية العربية في أقطار الأرض جميعًا، لاعتقادها أن ذلك من
رغبات أنفسهم.
وإذا كان الاشتراك بالحضور فعلاً غير متيسر للجميع، فاللجنة تدعو العلماء
والأدباء والشعراء والجمعيات والمعاهد، والأندية العلمية والأدبية والنقابات
الصحافية، وأصحاب المجلات والصحف عامة إلى الاشتراك في هذا الاحتفاء بما
يتيسر الاشتراك به من الحضور بالفعل، أو بإرسال ما تجود به القرائح من شعر
أو نثر يناسب المقام. وسيجمع المختار مما سيرسل ويلقى في الاحتفال في كتاب
يكون ذكرى هذا اليوبيل الذهبي.
وترجو اللجنة أن يتفضل كل بإرسال بحثه أو قصيدته باسم (الآنسة مي زيادة
سكرتيرة لجنة الاحتفال بيوبيل المقتطف، مكتبة المنار شارع زين العابدين رقم ٦٣
بمصر) على أن يصل قبل ٢٠ أبريل ١٩٢٦، لكي يتسنى للجنة أن تودعه في
كتاب الذكرى.
... ... ... ... ... ... ... ... ... الرئيس
... ... ... ... ... ... ... ... محمد توفيق رفعت
... ... ... ... ... مصر ٢٦ يونيو (حزيران) سنة ١٩٢٥
اللجنة التنفيذية
الرئيس: حضرة صاحب المعالي محمد توفيق رفعت باشا وزير المعارف
المصرية العمومية سابقًا (ووزير الأوقاف الآن)
الأعضاء
صاحب السعادة أحمد لطفي السيد بك مدير الجامعة المصرية.
صاحب السعادة أحمد شوقي بك.
صاحب الفضيلة السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار ورئيس المؤتمر السوري.
صاحب الفضيلة السيد مصطفى عبد الرازق المفتش بوزارة الحقانية.
الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير السياسة.
صاحب السعادة السر سعيد شقير باشا مدير عموم حسابات السودان.
السكرتيرة: الآنسة مي زيادة.
***
(المنار)
كانت الآنسة مي زيادة المشهورة في عالم الأدب العربي والغربي صاحبة السبق
إلى هذه العناية بتكريم العلم والعلماء، فدعت إلى دار والدها طائفة من أهل
العلم العصري، واقترحت عليهم السعي للاحتفال بمرور خمسين سنة على مجلة
المقتطف الشهيرة، فأجمعوا على القبول وانتخبوا لجنة منهم لتنفيذ ذلك. وسيكون
الاحتفال بمصر في مساء ٣٠ أبريل الحالي، وسنعود إلى الكلام عليه إن شاء الله
تعالى.