للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


سماع الغناء والتلاوة من آلة الفونغراف

(س٥) من صاحب الإمضاء في دنقلا (السودان)
حضرة صاحب الفضل والفضيلة، الأستاذ الجليل، العلامة السيد محمد رشيد
رضا , حفظه سرمدًا، وجعله منارًا للأنام ومرشدًا، وبعد: أريد أن أوجه لفضيلتكم
سؤالاً لإرشادنا بالإجابة عنه للوقوف على الحقيقة، وها هو السؤال، ونرجو نشره
في مجلتكم المنار الغراء:
ما قولكم - دام فضلكم - في الغناء بالآلة المسماة بالفونوغراف، هل هو
محرم أو مكروه؟ وإن كان، فما نوع الكراهة؟ وما حكم قراءة القرآن به؟ هل
يترتب عليها ما يترتب على القارئ من نحو سجود التلاوة، أو الموانع التي تترتب
على منع القارئ من القراءة؟ وهل يجوز استعماله إن كان لا يمنع صاحبه من
أداء الفرائض في أوقاتها كالصلاة، ونحوها مع حفظ مجلسه من استعمال المحرمات
فيه كالخمر وما شاكله، وإنما يقصد مسمعه منه ترويح النفس من عناء الأعمال،
وإدخال السرور على المستمعين له من الأصدقاء والأحباب والأهل والعشيرة؟
أفيدونا الجواب، ولكم الأجر والثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ودمتم
في حفظه تعالى.
... ... ... ... ... ... ... ... المخلص
... ... ... ... ... محمود حسين الحكم طالب علم بدنقلا
(ج) سبق لنا فتوى في سماع القرآن من الفونغراف، وما يتعلق من الأحكام،
نشرت في (ج٦: م ١٠ من المنار سنة ١٣٢٥) ، ذكرت فيها أن بعض
أصحاب العمائم تجرأ على القول بإباحته مطلقًا، وأن شيخنا الأستاذ الإمام كان يتأثم
من ذلك مطلقًا، وأن الأقرب أن يكون ذلك تابعًا لقصد المستعمل للآلة، فإذا قصد
بذلك الاتعاظ والاعتبار بسماع القرآن؛ فلا وجه لحظره، وإذا قصد به التلهي،
وهو ما عليه الجماهير في كل ما يسمعونه من الفونغراف؛ فلا وجه لاستباحته،
وأخشى أن يدخل صاحبه في عداد الذين اتخذوا دينهم هزوًا ولعبًا، وذكرت بعض
الآيات في هذا المعنى، وأنه يترتب على ما ذكر كل ما يتعلق به من وجوب احترام
الألواح التي تنقش فيها آيات القرآن، وسجود التلاوة، وغير ذلك.
هذا، وإنني لا تطيب نفسي لاستعمال الفونغراف في تلاوة القرآن، ولكن
تحريمه على من يمكن أن يتعظ به ويستفيد ليس بالأمر السهل.
وأما سماع الغناء والشعر من هذه الآلة، فحكمه حكم السماع من مُغَنٍّ ليس في
غنائه فتنة، ولا تحريض على معصية، ولا شغل عن واجب، وهو في هذه الحال
التي تسألون عنها مباح، ومن العلماء من شدد في السماع، ولا سيما للمعازف
تشديدًا عظيمًا، وقد محصنا المسألة في المجلد التاسع من المنار بذكر أدلة الحظر
والإباحة كلها وترجيح الحق فيها، وهو الإباحة.