تكلمنا في العدد الماضي عن طور الرضاعة ووظائفه، ووعدنا بأن نتكلم عن إطعام الأطفال وتقريمهم (تعليمهم الأكل) ، فنقول: لا هادي إلى تربية الطفل كالطبيعة والفطرة، فعلى المربي أن يسترشد بها؛ لأنها هداية إلهية ممنوحة للجميع. قلنا في بحث الرضاع: ينبغي أن ترضع الطفلَ أمُّه، وإلا فمرضع يكون ولدها الرضيع في سنه والحكمة في ذلك أن الله تعالى جعل اللبن في الأم موافقًا لسن ولدها، ففي أول الأمر يكون سهل الهضم جدًّا وكلما تقدم في السن وقويت معدته على الهضم تزيد المواد المغذية في اللبن. أما الأكل فيرشد إليه من الطبيعة ظهور الأسنان فمتى أسنَّ الطفل (نبتت أسنانه) وصار قادرًا على المضغ يُطعَم، ولكن يبتدأ في إطعامه بما كان سهل الهضم كلبن الحيوانات والأرروط والنشا، ولا يكون هذا إلا بعد بلوغه بضعة أشهر حتى إذا ما كملت مواضغه (أضراسه) يطعم من سائر أنواع الطعام، ويراعَى فيه سنة الفطرة بالتدريج؛ لأن آلات الأكل تظهر فيها تدريجًا. وإطعام الأطفال الأطعمة النشوية والسكرية في سن اللبان يولد فيهم الأمراض ويكثر فيهم الموتان. ويحسب الأمهات الجاهلات أن معالجة الطعام وتلويقه (جعْله لينًا) ، بحيث لا يحتاج إلى مضغ يسهل هضمه على الوليد ويغتررن بواحد من عشرات ومئات يطعم فيسمن، ولا يعتبرن بالعشرات والمئات الذين يمرضون ويموتون؛ وذلك لأنهن لا يعرفن سبب مرضهم وموتهم، وهو في الغالب من المآكل الغليظة العسرة الهضم، لا سيما مع عدم الوقاية من البرد. ولا بد من التوقيت والانتظام في تقريم الأطفال، فيطعمون أربع مرات في اليوم - بعد القيام من النوم وعند الظهر وعند العصر وبعد المغرب - فطعام الصباح والعصر: اللبن والبيض والخبز وشيء من الحلوى، وطعام الظهر: اللحم والبقول والفاكهة، وطعام المساء: الشوربا والبقول ولو باللحم والرز، أما مقدار ما يأكله الطفل فليس بمحدود، بل يُترك وشأنه، يأكل ما شاء، لا يلزم بالزيادة، ولا يمنع من الاستزادة، إلا إن كان شرهًا يأكل فوق طاقته، وقلما يكون الشره إلا من سوء التربية. ويمنع الأطفال الإكثار من الفاكهة والحلوى، ويمنعون من شرب الشاي والقهوة فضلاً عن المسكرات والأشربة الروحية التي هي سموم قاتلة، لا يقل فتكها بالكبار عن فتك سائر الأمراض الخبيثة.