عرفات وحدودها: كل من عرفة وعرفات (بفتح العين والراء فيها) اسم لتلك البقعة الشريفة من الأرض، التي هي أشهر البقاع عند ألوف الألوف من البشر. وعرفات اسم مفرد يُنَوَّن كأذرعات وليس جمعًا لعرفة، وجُوِّز أن يكون أشير بصيغة الجمع إلى كون كل مكان أو قسم من تلك البقعة يتحقق فيه معنى التعارف أو التعرف الذي عُللت به التسمية كما يأتي قريبًا. ويحتمل أن يكون بعض قدماء العرب مد فتحة الفاء وأشبعها في الشعر، ثم كثر فصار اسما مستقلاًّ، ونظيره قول الشاعر في عُرَنَة (بضم العين وفتح الراء والنون) : أبكاك دون الشعب من عرفات ... بمدفع آيات إلى عرنات وقول عمر بن أبي الكنات الحكمي المغني: عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بين توز فملتقى عرنات وظاهر عبارة لسان العرب أنهما موضعان، قال: وعرونة وعرنة موضعان، وعرنات موضع دون عرفات إلى أنصاب الحرم، قال لبيد: والفيل يوم عرنات كعكعا ... إذ أزمع العجم به ما أزمعا اهـ وأقول: ليس دون عرفة موضع يسمى عرنات غير بطن عرنة الذي يذكره جميع العلماء. وأخطأ مَن قال: إن عرفة مولَّد ليس بعربي صحيح. ومَن قال: إنه اسم لليوم التاسع من ذي الحجة، وإنما يقال: إنه يوم عرفة بمعنى أنه يوم الوقوف بها، كما يقال: يوم التروية، وليس كيوم عاشوراء. وقد ورد اسم عرفة في الأحاديث الصحيحة علمًا للبقعة وكذا في كلام الصحابة، وسيأتي شيء منها، وعليه جرى العلماء والفقهاء، فكلهم يطلقون اسم عرفة على تلك البقعة الشريفة، فلا يغترنَّ أحد بعبارة القاموس المُوهِمة، ولا بقول مَن توهم ذلك من المتأخرين، وزعم أنه مقتضى كلام الراغب، وإنما قال الراغب: (ويوم عرفة يوم الوقوف بها) ، أي بالبقعة المخصوصة التي اسمها عرفة وعرفات. قيل إنها سميت بذلك؛ لأن آدم وحواء تعارفا بها بعد هبوطهما من الجنة، وقيل لقول جبريل لإبراهيم عليهما السلام، لما علمه المناسك، وأراه المشاهد: أعرفت أعرفت؟ قال: عرفت عرفت. وقيل: لأنها مقدسة معظمة، كأنها عرّفت، أي طيبت بالعطر. وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها، وقيل: لتعرُّف العباد فيها إلى الله تعالى بالعبادة والدعاء. والقولان الأولان يتوقفان على نقل صحيح، والأخيران أظهرُ معنىً، ويعدون تعارف الناس هنالك من حِكَم الحج التي شُرع لأجلها، والواقع أن التعارف بين الحجاج لا يتيسر في عرفة، كما يتيسر في منى؛ لأن وقت عرفة قصير، فإن المجمع عليه منه يمتد من وقت الظهر إلى وقت المغرب، ولا يجزئ الوقوف قبل الزوال عند أحد من العلماء إلا ما رُوي عن الإمام أحمد من أن وقت عرفة من فجر يومها. ويجوز الوقوف في ليلة العاشر عند غير الشافعية، فأنَّى يتيسر التعارف بين أفراد ذلك الجمع الكبير في ذلك الوقت القصير، مع ما يشرع فيه من ذكر الله تعالى ودعائه، المقصود في هذه المعاهد لذاته. وستأتي للبحث تتمة. وحدود عرفة معروفة للناس بما يتناقلوه بالتواتر عن المواضع التي يحصل الفرض بالوقوف فيها. وذكر العلماء المتقدمون لها حدودًا، منها قول بعضهم: الحد الأول ينتهي إلى جادة الطريق المشرق، والثاني ينتهي إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها، والثالث ينتهي إلى الحوائط (أي البساتين) ، التي تلي قرية عرنة، وهذه القرية على يسار مستقبل القبلة في عرفة، والرابع إلى وادي عرنة بضم العين وفتح الراء والنون، وعرنة ونمرة (بفتح فكسر) ليستا من عرفة، ولا من أرض الحرم والمالكية يجيزون الوقوف بعرنة، ويحتج عليهم الجمهور بحديث: (عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، ومزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر، ومنى كلها منحر) ، رواه مسلم وغيره. ومُحَسِّر (بكسر السين المهملة مشددة) ، وبطن محسر وعرنة، كل منهما وادٍ فاصل بين المزدلفة ومنى. وقالوا: حد الحرم من المأزمين (بكسر الزاي) وهو مضيق بين عرفة ومزدلفة، وهناك علمان مبنيان في أول حدود عرفة، جُعلا علامة على حد الحرم، فما كان شرقيهما من عرفة وما وراءها فهو من الحل، وما كان قبلهما من جهة الغرب من بطن عرنة ومزدلفة ومنى فهو من الحرم، ويوجد ميلان آخران في أول حد مزدلفة من جهة الغرب، فما بين العلمين والميلين هو وادي عرنة. وفي الجانب الجنوبي من العلمين مسجد نمرة المعروف بمسجد إبراهيم بقرب الطريق الممتد من منى إلى الطائف ويسمى أيضًا مسجد نمرة ومسجد عرنة. قال الغزالي: ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. اهـ. وظاهر حديث نزول النبي صلى الله عليه وسلم بنمرة أنها أدنى عرنة لا كلها. وفي كتب اللغة أن نمرة هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف. قال شارح القاموس: كذا في التكملة. وقيل: الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من نمرة على أحد عشر ميلاً. اهـ. وقد نقل هذا في معجم البلدان وفيه بعده: وقيل نمرة على أحد عشر ميلاً. اهـ أي من مكة. فالتحقيق الذي عليه الجمهور أن المسجد لم يكن من عرفة، وقول بعض الناس فيه (مسجد عرفة) بالفاء من باب ما جاور الشيء أُعطي حكمه أو نُسِبَ إليه، ولذلك نسب بعضهم عرفة إلى مكة وبعضهم إلى منى. وقال بعضهم: إن بعضه من عرفة وبعضه من عرنة، وذلك بعد أن زِيد فيه كما سيأتي. وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في مناسك الحج - بعد ذكر استحباب المبيت بمنى ليلة عرفة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم - ما نصه: ويسيرون منها إلى نمرة عن طريق ضب من يمين الطريق. ونمرة كانت قرية خارجة عن عرفات (أي فخربت كما صرح غيره) من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي وهو موضع النبي صلى الله عليه وسلم الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطب، وهو في حدود عرفة ببطن عرنة. وهناك مسجد يقال له مسجد إبراهيم، وإنما بُني في أول دولة بني العباس. اهـ. المراد منه هنا. وقال الغزالي في (الإحياء) : وأما مسجد إبراهيم عليه السلام فصدره في الوادي وأخرياته من عرفة، فمَن وقف في صدر المسجد لم يحصل له الوقوف بعرفة. ويتميز مكان عرفة من المسجد بصخرات كبار فُرشت هناك. اهـ. قال الزبيدي عند شرح أول هذه العبارة من شرح الإحياء: وجدت بخط الإمام الفقيه الشيخ شمس الدين بن الحريري ما نصه: وقد وقع للفقهاء في نسبة هذا المسجد لإبراهيم الخليل عليه السلام كلام، وقد نسبه إليه جماعة منهم ابن كج وابن سراقة والبغوي والقاضي حسين والأزرقي وتبعهم الشيخ النووي وجماعة من المتأخرين، وادعى الإسنوي أنه خطأ، وإنما هو شخص اسمه إبراهيم من رءوس الدولة المتقدمة، كما قاله غير الإسنوي، فالتبس بالخليل عليه السلام. وردَّ الأذرعي هذا بأن الأزرقي من أعلم الناس بهذا، وقد نسبه إلى الخليل عليه السلام، قال: (وعلى تسليم أن يكون قد بناه مَن ذُكر فلا يمتنع أن يكون منسوبًا من أصله إلى الخليل عليه السلام، إما لأنه صلى هناك، أو اتخذ مصلى للناس، فنُسب إليه) اهـ، وأقول: نعم، لا يمتنع ذلك عقلاً، ولكننا لا نثبته إلا بنقل صحيح، فأين هو؟ ! وقال الزبيدي - عند شرح آخر تلك العبارة -: قال النووي في زوائد الروضة: الصواب أن نمرة ليست من عرفات، وأما مسجد إبراهيم (عليه السلام) فقد قال الشافعي رحمه الله إنه ليس من عرفة، فلعله زِيد بعده في آخره، وبين هذا المسجد وبين موقف النبي صلى الله عليه وسلم بالصخرات نحو ميل. قال إمام الحرمين: وتطيف بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفة. اهـ. وقال صديقنا محمد لبيب بك البتانوني في الرحلة الحجازية التي ألفها في سنة ١٣٢٨ - بعد وصفه لمنى وانتقاله إلى وصف الطريق منها لمزدلفة فعرفة - ما نصه: ومن ثَمَّ يضيق الوادي، ويسمى بوادي محسر، حتى إذا وصل إلى المزدلفة، وهي على مسافة ساعتين من منى (؟) أخذ في الاتساع مرة أخرى. وهناك ترى على يمينك المشعر الحرام الذي يجب الوقوف عنده في النزول من عرفة. وفي هذه الجهة مسجد على جبل قزح عمَّره السلطان قايتباي، ومن هناك يضيق الوادي ثانيًا ويسمى بوادي عُرَنة (بضم العين وفتح الراء والنون) حتى إذا قرب من مسجد نمرة (ويسمى مسجد عرفة أو مسجد إبراهيم) انفتحت أرجاؤه إلى الشمال والجنوب. وهذا المسجد كبير قد أحاطت به البواكي (يعني الأروقة) في جهاته الأربع من داخله. وعمّره قايتباي عمارة تُشكر. ونصفه الغربي (الذي إلى مكة) في الحرم والنصف الآخر في الحل وبواسطة مجرى ماء يسير إليه زمن الحج من مجرى عين زبيدة. وفي شمال هذا المسجد بقليل إلى الشرق ترى العلمين وهما عمودان من البناء بعيدان عن بعضهما (أي أحدهما بعيد عن الآخر) بارتفاع خمسة أمتار في عرض نحو ثلاثة، قد أقيما في فضاء الوادي للدلالة على حدود عرفة من الغرب وهنالك نجد الجبل قد حلق على الوادي وقفله أمامك من الشرق (أقفله أي سده) بشكل قوس كبير وهو ما يسمونه جبل عرفة. وعلى طرف القوس من جهة الجنوب الطريق إلى الطائف على كرا، وفي طرفه من جهة الشمال لسان يبرز إلى الغرب يسمونه جبل الرحمة، وسفحه الجنوبي هو حد عرفة من الشمال. اهـ. صفة جبل الرحمة بعرفات: قال ابن جبير الأندلسي في رحلته: (وعرفات بسيط من الأرض مد البصر، لو كان محشر الخلائق لوسعهم، يحدق بذلك البسيط الأفيح جبال كثيرة. وفي آخر ذلك البسيط جبل الرحمة، وفيه وحوله موقف الناس، والعلمان قبله بنحو الميلين، فما أمام العلمين إلى عرفات حل وما دونهما حرم، وبمقربة منهما مما يلي عرفات بطن عُرنة، الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عنه) - ثم قال -: (وجبل الرحمة المذكور منقطع عن الجبال، قائم وسط البسيط، وهو كله حجارة منقطعة بعضها عن بعض. وكان صعب المرتقى فأحدث فيه جمال الدين [١] المذكورة مآثره في هذا التقييد - أدراجًا وطيّة من أربع جهاته، يصعد فيها بالدواب الموقورة وأنفق فيها مالاً عظيمًا. وفي أعلى الجبل قبة تُنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها، ولا يعرف صحة ذلك، وفي وسط القبة مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه. وحول ذلك المسجد المكرم سطح محدق به فسيح الساحة جميل المنظر، يشرف منه على بسيط عرفات، وفي جهة القبلة منه جدار، وقد نُصبت فيه محاريب يصلي الناس فيها. وفي أسفل هذا الجبل المقدس عن يسار المستقبل للقبلة دار عتيقة البنيان في أعلاها غرف (وفي نسخة غرفة) ، لها طيقان تُنسب إلى آدم صلى الله عليه وسلم وعن يسار هذه الدار في استقبال القبلة الصخرة التي كان عندها موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وهي في جبل متطأمن) . أقول: هذا الجبل هو جبل إلال (بوزن هلال) قال ابن دريد في وصف الحاج: ينوي التي فضلها رب العلى ... لما دحا تربتها على البنى [٢] حتى إذا قابلها استعبر لا ... يملك دمع العين من حيث جرى [٣] ثمت طاف وانثنى مستلمًا ... ثمت جاء المروتين فسعى [٤] ثمت راح في الملبين إلى ... حيث تحجى المأزمين ومنى [٥] ثم أتى التعريف يقرو مخبتًا ... منازلاً بين إلال فالنقا [٦] موقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة: اتفق الرواة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة بمنى ورحل منها بعد طلوع الشمس، حتى جاء نمرة، فأقام بها إلى وقت الزوال، ثم جاء بطن الوادي، فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح، فوقف على الموقف من عرفة، وعلى أن المكان الذي وقف فيه، وأشار إليه في الحديث هو المكان المعروف عند الصخرات. وقال: (وقفت ههنا وعرفة كلها موقف) ، والمراد أنه لم يقف هنالك لمزية لذلك المكان على غيره في أداء النسك، بل يصح الوقوف في كل موضع من عرفة. ولكن صار لذلك المكان مزية بوقوفه فيه، فصار موقف الأئمة ونوابهم الذين يحجون بالناس. وقد نقل الزبيدي في شرح الإحياء كلامًا مفصلاً للمحب الطبري في ذلك المكان وفي جبل الرحمة، قال: (وقد روى أبو الوليد الأزرقي بإسناده عن ابن عباس أن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين الأجبل الثلاثة النبعة والنبيعة والنابت، وموقفه صلى الله عليه وسلم منها على النابت، قال: والنابت على النشزة التي خلف موقف الإمام، وموقفه صلى الله عليه وسلم على ضرس من الجبل النابت مضرس بين أحجار هناك نابتة من الجبل الذي يقال له إلال ككتاب. (قال المحب الطبري) : وعلى هذا يكون موقفه صلى الله عليه وسلم على الصخرات الكبار المفترشة في طرف الجبلات الصغار التي كأنها الروابي عند الجبل الذي يعتني الناس بصعوده ويسمونه جبل الرحمة واسمه عند العرب إلال بالكسر، وذكر الجوهري فيه الفتح والمحفوظ خلافه، وهذا يرجح ضبط مَن ضبط قول جابر في حديثه الطويل: (وجعل جبل المشاة بين يديه) بالجيم؛ فإن الواقف كما وصفناه يكون هذا الجبل أعني إلالاً بين يديه وهو جبل المشاة، وذكر ابن حبيب أن إلالاً جبل من الرمل يقف الناس به بعرفات عن يمين الإمام، حكاه عنه أبو عمرو عثمان بن علي الأنصاري في تعاليقه على الجوهري، وذكر ابن أبي الصيف في بعض تعاليقه على الجوهري أن اسم جبل الرحمة الذي يقال له جبل المشاة كبكب. (قال المحب الطبري) : والمشهور في كبكب أنه اسم جبل بأعلى نعمان بقرب الثنايا عنده قوم يُدعون الكباكبة نسبة إليه، والمشهور في جبل الرحمة ما ذكرناه. إذا تقرر هذا فمن كان راكبًا ينبغي أن يلابس بدايته الصخرات المذكورة كما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم، ومن كان راجلاً وقف عليها أو عندها بحسب ما يتمكن من غير إيذاء أحد، ولا يثبت في الجبل الذي يعتني الناس بصعوده خبر ولا أثر، (قال) : وذكر شيخنا أبو عمرو بن الصلاح في منسكه عن صاحب الحاوي أنه يقصد الجبل الذي يقال له (جبل الدعاء) ، وهو موقف الأنبياء عليهم السلام، وعن محمد بن جرير الطبري أنه يستحب الوقوف على الجبل الذي عن يمين الإمام يعني جبل الرحمة، والذي ذكره صاحب الحاوي لا دلالة فيه على إثبات فضل لهذا الجبل؛ فإنه قال: والذي نختار في الموقف أن يقصد نحو الجبل الذي عند الصخرات السود وهو الجبل الذي يقال له جبل الدعاء وهو موقف الأنبياء عليهم السلام، والموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من الأجبل الثلاثة على النابت، ثم ساق ما أوردناه سابقًا، ثم قال: وهذا أحب المواقف إلينا للإمام والناس. (قال المحب الطبري) : وهذا صريح في أنه أراد بجبل الدعاء النابت الذي وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرض في كلامه لجبل الرحمة بنفي ولا إثبات. وما فهمه - رحمه الله - أنه جبل الرحمة غير مطابق، وقوله: وهو الجبل أراد سهله، وهو من الأضداد يطلق على المكان المرتفع والمنخفض، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف عليه لكونه موقف الأنبياء عليهم السلام، وكلام ابن جرير ظاهر الدلالة أنه أراد بالجبل - الذي عن يمين الإمام - الجبل الذي وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو النابت كما تقدم بيانه، والظاهر أنهما أراداه بقولهما، فيكونان قد أثبتا له شيئًا من الفضل، ولا نعلم من أين أخذا ذلك؛ إذ لم يثبت في فضله خبر، ولو ثبت له فضل فموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه وهو الذي خصَّه العلماء بالذكر والفضل. ثم قال الطبري - نقلاً عن صاحب النهاية -: في وسط عرفة جبل يقال له جبل الرحمة، ولا نُسُكَ في الرقي عليه، وإن كان يعتاده الناس. وقال غيره: قد افتتنت العامة بهذا الجبل في زماننا، وأخطأوا في أشياء منها (أنهم) جعلوا الجبل هو الأصل في الوقوف، فهم بذكره لَهِجُون، وعليه دون غيره معرجون، حتى ربما اعتقد بعض العامة أن الوقوف لا يصح بدون الرقي (فيه) ، ومنها احتفالهم بالوقوف عليه قبل وقت الوقوف، ومنها إيقادهم النيران عليه ليلة عرفة، واهتمامهم لذلك باستصحاب الشموع من بلادهم، واختلاط النساء بالرجال هنالك صعودًا وهبوطًا بالشمع الكثير الموقد، وإنما حدث ذلك بعد انقراض السلف الصالح، ومَن كان متبعًا آثار النبوة فلا يحصل بعرفة قبل دخول وقت الوقوف يأمر ذلك، ويعين عليه، وينهى عن مخالفته. اهـ. ما نقله الزبيدي. ٥