] أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [[**] إن الدين أعظم مهذب للنفوس، وآثاره تظهر في الناس بقدر استعدادهم للخير أو الشر، وبهذا كان التدين الذي لولاه لَمَا ثبت دين؛ إذ لو توحدت الفكرة الدينية لزالت الصعوبات؛ لأن كل فريق مضطر أن يناضل الآخرين؛ ليثبت لهم أنه على حق، وما هي البراهين التي تحمله على تصديق فريق وتكذيب آخر؟ لماذا نعتبر والد إبراهيم مخطئًا في عبادة الأصنام، ولماذا نحبذ فعل إبراهيم عليه السلام؛ لتحطيمه تلك الأصنام وعبادته الحي القيوم الذي لا يغفل، ولا ينام؟ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: ١١٨ - ١١٩) الآية. يتأمل الإنسان فيما حوله من الكائنات، فيجدها سائرة بنظام واحد ميسرة لما خلقت له {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} (الملك: ٣) ، وما الطبيعة إلا ذلك الناموس الذي يخضع له كل شيء في الوجود، وإني بقدر ما وصل إليه بحثي أعتقد اعتقادًا راسخًا أن الإسلام هو الدين الطبيعي، أو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ذلك هو الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وإن جميع مبادئه موافقة للنواميس الطبيعية، وإني أؤمل أن كل محب للحقيقية يسلّم معي بهذا الاعتبار، ويعترف بما للإسلام من المزايا النافعة والمبادئ الشريفة. طَرَق كثير من كُتاب الغرب باب الكلام في الإسلام، ونبيه عليه الصلاة والسلام، ومن سوء حظي أني لم أتمكن من الوقوف على آراء السابقين، وإن فزت ببعض آراء اللاحقين مثل دانيل ولوثر وملانشون وهربولت، ولكن أرى هؤلاء الناس يتطاولون على ما ليس لهم به خبر، شأن كثير من بني الإنسان في كل زمان ومكان، ليست دهشتي من الذين يذمون الإسلام مثل هانوتو ولورد كرومر بأكثر من دهشتي لمارتين لوثر وهو ذلك الحرّ الأبيّ، المفكر الذي كون المذهب البروتستاني بالرغم من سلاسل وأغلال الفاتيكان في العصور الوسطى، ولكن الأغراض السياسية تسربت إلى نفوس هؤلاء الكتاب فأعمت بصيرتهم، فلم يَخُطّوا إلا ما توحيه إليهم أغراضهم. إلا أن الحق لا يعدم أنصارًا، وإنا لذاكرون هنا في مقدمة هذه الرسالة بعض آراء المصنفين من كُتَّاب الغرب في الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم ليرى كل منصف أن الإسلام لا يعدم من الأعداء ظهيرًا، وكفى بالله وليًّا ونصيرًا. كتب مستر جون ويغنبورت الرحالة الشهير في كتابه (تاريخ محمد) : (هل في الإمكان إنكار فضل رجل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) قام بإصلاحات عظيمة خالدة لبلاده؛ بأن جعل جميع أهلها يعبدون الله الواحد القهار، ويهجرون عبادة الأصنام، ذلك الذي منع قتل الموءودة وحرم شرب الخمر ولعب الميسر) , وكتب إدوارد جيبون (إن دين محمد خال من الشكوك والظنون، والقرآن أكبر دليل على وحدانية الله، بعد أن نهى النبي عن عبادة الأصنام والكواكب. وهذا الدين أكبر وأجلّ من أن تدرك أسراره العويصة عقولُنَا الحالية) . وكتب مستر ديفونويت في كتابه (اعتذار إلى محمد والإسلام) : (إنه لَمِن الحماقة أن نظن أن الإسلام قام بحد السيف وحده؛ لأن هذا الدين الذي يهدي للتي هي أَقْوم، يحرم سفك الدماء ويأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. ويجب أن نعترف هنا بأن علوم الطبيعة والفلك والفلسفة والرياضيات التي أنعشت أوربا منذ القرن العاشر مقتبسة ومقتطفة من القرآن، بل إن أوربا مدينة للإسلام بأكثر من ذلك؛ لأنه الدين الذي أمر بالدستور والديموقراطية وينهى عن الاستبداد في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: ٣٨) ، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: ١٥٩) ، منح الإسلام الإنسان جميع حقوقه المدنية، ولتتذكر أوربا أنها مَدِينة للمسلمين أنفسهم بحفظ آداب الغرب القديمة حينما كانت هي في ظلام دامس، فحفظوا آثار فلاسفة اليونان، وأنشؤوا علوم الطب والهندسة وغيرها، وبعبارة أخرى إن المسلمين هم أساتذة أوربا أثناء همجيتها من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر) . وكتب كاتب مقالة تحت عنوان (الشرق والغرب) جاء فيها: (لقد ساوى الإسلام بين جميع الناس في الحقوق السياسة، ورفع عن كواهلهم الضرائب الفادحة في قديم الزمان، وحفظ لهم جميع حقوقهم، وذم استعباد الإنسان للإنسان) ومع ذلك فإن ساسة أوربا وخصوصًا الإنجليز منهم، لا يدخرون وسعًا في التطاول على الإسلام ورميه بكل نقيصة، وأنه داعية للتأخر بمناسبة وبغير مناسبة، من ذلك أنه عندما حصل اعتصاب طلبة الأزهر، قالت (التيمس) والجرائد التي على شاكلتها إن الأزهريين ميالون للتأخر، وهذه الافتراءات تنافي ميل علماء الإسلام وتعاليمه على خط مستقيم، قال أحد فضلاء الإنجليز في إحدى الجرائد بهذه المناسبة: (إننا نعتقد أنه إذا كان ثمة دين خال من مبادئ التقهقر؛ فما هو إلا الدين الإسلامي الحنيف) ، وهل يقدر إنسان على نسيان ما قام به علماء الأزهر وشيخ الإسلام نفسه في أثناء تلك الحركة الدستورية التي قامت سنة ١٨٨٢، مَن غير العلماء أصدر قرارًا ضد توفيق باشا، ألم يكن شيخ الإسلام في الآستانة هو الذي قال للسلطان: (إن الشورى ليست من روح الإسلام فقط بل إنه يأمر بها أمرًا، ومن قام في مجلس المبعوثين وخطب الخطب العصماء بوجوب مساواة جميع العناصر العثمانية بصرف النظر عن الملل والنحل في مصالح الوطن غير العلماء؟) . ولقد قام العلماء بمثل هذا العمل في روسيا، فإنه لما كان الأرمن والتتر يفتك بعضهم ببعض سنة ١٩٠٥على مرأى من البوليس الروسي في باكو، كان رجال الدين المسلمون أول من نهض لحسم النزاع بين الطوائف والعشائر، وها هم رجال الدين الإسلامي يبذلون جهدهم في سائر البلاد، ويحثون التتر على تشييد المدارس؛ لنشر العلوم الحديثة لترقية أبنائهم وإلقاء المحاضرات التي تعصمهم عن ارتكاب الآثام. ولكن الحكومة لسوء الحظ، تحاول إيقافهم عن مساعيهم الحميدة؛ خوفًا من أن يستنير الأهالي، فيسعوا لإسقاطها أو يتوسعوا بطلب حقوقهم منها. ومن عجيب ما يلاحظ أن مسيحيي تلك الجهة ومعظمهم من الفلاحين، قد تأثروا بإرشاد رجال الدين الإسلامي وسعيهم وراء العلوم والمعارف، فدخل الكثيرون منهم في دين الله أفواجًا، واضطرت الحكومة أن ترسل إلى تلك النواحي مرسلين خصوصيين؛ لمقاومة تلك الحركة الضارة في نظرها. هذا هو الإسلام وهؤلاء هم رجاله، ومع ذلك فإن سواس الإنجليز لا يخجلون من أن يَصِمُوه ويَصِمُوا رجاله بالتأخير والتقهقر. ولا شك في أن آراء أولئك المنصفين من رجال الغرب أكبر حجة عليهم؛ إذ أقروا بأن هذا الدين القويم لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فتم بذلك قوله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: ٣) . ولا عجب أن يقر أولئك الناس بفضل النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أقروا بعجزهم عن معارضة فَحْوى آيات الذكر الحكيم القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧) ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤) ، {وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: ١٥٩) وهذه الآيات مِصْداق للحديث الشريف (أدبني ربي فأحسن تأديبي) أو كما قال. يدّعون أن الإسلام خال من الوطنية، فهل يقتنع أولئك المفترون بما جاء في الذكر الحكيم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} (إبراهيم: ٣٥) ألا يخجلون من حكاية أبي رئبال الذي دل صاحب الفيل على طريق وطنه وخان بلاده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم قبره، كما فعل هو ذلك بيده الشريفة، ألم يأتهم نبأ الحديث المتداول (حب الوطن من الإيمان) . يدعون أن الإسلام دين تواكل وتقاعد لا عمل ولا نشاط فيه، وهذا قول مردود، ودعوى كاذبة بنص الذكر الحكيم {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم: ٣٩) والحديث المتداول على الألسنة أيضا (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) والحديث الشريف (ليس بخيركم من أخذ من هذه وترك هذه إنما خيركم من أخذ من هذه وهذه) يدعون أن الإسلام لا يلائم بعض العلوم الحديثة، مع أنها في الحقيقة ونفس الأمر فِرْية يدحضها ما حواه القرآن الشريف أصل هذه الدين الحنيف؛ من الحث على العلم والسعي واكتشاف أسرار الطبيعة، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: ٤٣) ، {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} (يونس: ١٠١) ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الزمر: ٩) ، {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ} (الأعراف: ١٨٥) ، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (الذاريات: ٢١) . يزعمون أن الإسلام استعبد المرأة؛ ويستدلون على ذلك بالحجاب أو النقاب، ولا يفقهون أن ذلك يُعْزى إلى العوائد التقليدية أكثر مما يعزى إلى الأصول الدينية، ولقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة، فلم يجعلها متاعًا له كما يزعمون؛ نظرًا لإباحة الطلاق وتعدد الزوجات، ولا يدرون أن هذه التصرفات تكون لأسباب غير عادية، وأنه إذا فرط فيها المسلمون فذلك راجع لأخلاقهم الشخصية، وليس إفراطهم هذا من الدين في شيء , قد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء: ٣) إلى قوله تعالى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} (النساء: ٣) ثم جاء بعد ذلك {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (النساء: ١٢٩) وفي حديث شريف (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وفي قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: ٢١) فمن ذلك يرى المنصف أن تعدد الزوجات والطلاق، أمران يكادان يكونان محرمين في الإسلام. لقد أباح الإسلام للمرأة حتى القضاء، فماذا منحها غيره من الأديان من هذه الجهة. ينكر هؤلاء القوم على المرأة مطالبتها بحقوقها بصفتها حقوقًا لا هبةً، كما هو الحاصل الآن في أمريكا وأوربا، ثم يطنطنون باستعباد المرأة في الإسلام، وهي تطالبهم ببعض ما منَحه الإسلام لها فيسخرون منها، جاء في الذكر الحكيم: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: ٣٤) وهي ميزة لا تكاد تذكر، والسبب فيها أن الرجل بناء على النظامات الكونية هو الذي يسعى ويكد، وهي أكثر منه راحة في خدرها بوجه العموم، وهي معرضة للتأثيرات القلبية والنفسانية التي قد تتغلب على العقل، فكان الرجل في هذا المعنى كشكيمة لتطرف النفس والعقل. يدعون أن الإسلام دين حرب وعداء، لا سلام وصفاء، ويقيمون على ذلك دليلاً معكوسًا من الفتوحات التي نمت في صدر الإسلام، ولو أبصر هؤلاء المدعون لعلموا أن تلك الفتوحات لو تمت على أيدي غير المسلمين؛ لأذيقت تلك الأمم التي غلبت على أمرها أنواع الذل والمسكنة؛ بناء على قواعد الاستعمار الأوربية التي لا يسع المقام شرحها، جاء في القرآن {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} (النساء: ٥٨) هذا ما كان يعمل به الفاتحون من أمراء الإسلام، أفلا تخجل أوربا إذا قارنت به عملها اليوم في الشعوب التي أخنى عليها الدهر، فوقعت تحت سلطانها، جاء في القرآن الكريم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: ١٢٥) ، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: ٣٣) ، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا} (البقرة: ٢٥٦) ولم يكن القتال في الإسلام؛ إلا لتأييد الدعوة وللدفاع عنها، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} (البقرة: ١٩٠) هذه بعض آيات من الذكر الحكيم، فأين أمرها مما قال المستر موط المرسل الأمريكى في خطاب ألقاه على جمهور من المراسلين في الشرق الأدنى: (بواسطة مئة رجل نظيركم يحتملون الصعاب وعشرين ألف جنيه يقدر الله أن يلاشي الإسلام وينتاش بلاد العرب من قبضة الشيطان) . إن نصارى الشرق لم يأمنوا الإكراه على ترك دينهم بفضل شجاعة أفرادهم ولا بعجائب كنيستهم، ولكن الذي وقاهم ذلك إنما هو ما أوردناه من الآيات القرآنية فإنها ضمنت لهم سلامة استقلالهم الديني، وصانت عقيدتهم من كل اعتداء، ولو كان المسلمون الآن كما كانوا في صدر الإسلام، لما أمكن أولئك المرسلين أن يأتوا بمعشار ما يفعلونه في الشرق الآن، بل لانتشر الإسلام في سائر أنحاء العالم؛ لأنه دين مُساوِق للطبيعة ملائم للنوع الإنساني في جميع أطوراه، يقبله كل عقل فطري لم تدنسة التقاليد. بل لو كان المسلمون الآن كما كانوا عليه في صدر الإسلام، لما قَدَرَتْ أوربا بأن تستعمر شبرًا واحدًا من بلادهم أو بلاد الشرق، أو تستعبد قبيلة واحدة فيها، قال الأستاذ الإمام المرحوم الشيخ محمد عبده: (إن الأزهر كالأسد محبوس في قفص، والحكومة المصرية كالحارس على بابه، فإذا فتح ذلك الباب كان أول فريسة لذلك الأسد ذلك الحارس) [١] ، ونحن نزيد على ذلك أنه لو فتح ذلك الباب، وتنسم ذلك الأسد نسيم الحرية، لأعاد الشرق إلى الشرق والغرب إلى الغرب. (لها بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))