للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مختارات من الجرائد الغربية
في حل المسألة الشرقية

جاء في جريدة الباتري (الوطن) في ١٧ مايو سنة ١٩١٩
نهاية الدولة التركية - عدم عقد شروط صلح معها - تقسيم الولايات العثمانية.
تقسيم الدولة
قالت النيويورك هرالد في عددها الصادر هذا الصباح: إن من المرجح عدم
عقد شروط صلح مع تركية وإن كان ذلك غير مطابق للقواعد المرعية، لا أن
المؤتمر يفكر بكل اهتمام في هذا الأمر مرتكنًا على أن تركية لم يعد لها حكومة
دولية حقيقة، وإنه لم يبق للعالم المدني إلا الانتفاع بتركية الدولة العثمانية.
ستنال اليونان أكبر جزء من تركية أوربة، وأما الآستانة مع مضايق البحر
فتتبع لعصبة الأمم تحت وصاية أمريكة التي تعطى في هذا الإبان نفسه الوكالة على
أرمينية إلى أن تصير هذه البلاد صالحة لأن تحكم نفسها بنفسها.
ثم إن اليونان سيصيبها جزء ليس بالقليل من آسية الصغرى، وأما باقي ولايات
هذه الجهة فتكون تحت وكالة فرنسة وإيطالية بالنيابة عن عصبة الأمم، وإنكلترة
تأخذ بلاد العراق وفرنسة تأخذ سورية، أما العرب فقد قرر الحلفاء منحهم الاستقلال.
***
وراثة الخلافة
إن انحلال تركية أوجد مسألة أيلولة الخلافة، كما أنه وضع حدًّا لنهاية نفوذ
فرنسة في الشرق، لقد كان لنا عدة قرون أكبر نفوذ بسياستنا الودية مع تركية، وقد
حلت ألمانية محلنا عندما أهملنا المحافظة على هذا النفوذ، وكان في إمكاننا
استرجاع مكانتنا الأولى على أثر صولة النصر، إلا أننا لم نغتنم هذه الفرصة، بل
قبلنا تسوية مجحفة بمصالحنا، فما يكون نصيب فرنسة بالنسبة إلى البلاد المتسعة
التي وضعت تحت وصاية إنكلترة وأمريكة؟ إن ما خصص لنا إنما هي سورية بعد
استثناء تليسيا وفلسطين منها وحرمانها من البوغازين المهمين - أعني بهما ثغري
إسكندرونة وحيفا.
***
وجاء في جريدة لافنير (المستقبل) في ١٨ مايو سنة ١٩١٩
تعديل الخريطة
إعادة نظام النمسة وانحلال تركية
عزم المؤتمر على فحص المسألة التركية، وقد بدأ هذا الفحص بإرسال
مدرعات وجيوش دولية لاحتلال أزمير التي تقرر ضمها إلى اليونان، وتم ذلك فعلاً.
تقرر أيضًا ضم سورية إلى فرنسة، ولكن لم ينفذ هذا القرار وجعل العراق
وفلسطين تابعتين لإنجلترة، وقد تم ذلك، ثم ينتظر إلحاق إضالية وقونية بإيطالية
والآستانة وأرمينية بأمريكة.
أما التركي فإنه يحسب تخويل الشعب حق تقرير مصيرها قد صار إزالته من
الخريطة، والمأمول أن هذه المخالفة لمشروع عصبة الأمم لا تتم؛ لأنه ليس من
حسن السياسة تحريك عواطف الوحدة الإسلامية في أنحاء العالم وإضمارها في
الآستانة.
كان لدى الدول فرصة وحيدة لوضع تركية تحت سيطرة دولية، ثم رُئي
اتباع طريقة أخرى، وهي تقسيم البلاد وتجنيسها بجنسية الحكومات التي لها عليها
حق الوكالة أو الوصاية، لا حق التملك الحقيقي.
إننا بتضحية تركية وبتشريح هذه المملكة أوجدنا أوجهًا للنزاع وللشقاق بين
دول أوربة في المستقبل؛ إذ إن الرجل المريض سينقل عدوى مرضه إلى أوربة،
ولأجل تعميم العدوى دخلت أيضًا أمريكة في المرسح، ولنا أن نتساءل: ما شأن
أمريكة في تركية؟ ولماذا لم تكلف الدول صاحبة الشأن حماية مضايق البحر؟ هل
تدخلنا نحن في مراقبة ترعة بنما؟
إن الحل الوحيد هو عدم تخصيص الآستانة لدولة معينة من الدول، وإذا كان
لا بد من وضع مراقبة على تركية، فليس ثمت أحسن طريقة من جعل هذه المراقبة
دولية مشتركة، وكل طريقة أخرى تكون مخالفة للعدالة وللروح العصري
والصوالح الأوربية في الشرق.
***
وجاء في جريدة الفيجارو في ١٨ مايو سنة ١٩١٩
الإرث العثماني
بعد انكسار ألمانية العسكري وانهزام دولتي تركية والنمسة والمجر أصبحت
هاتان الدولتان الأخيرتان مزعزعتي الأركان، وتولد عن ذلك مسألة من أصعب
المسائل وأعقدها، ألا وهي تسوية الإرث العثماني.
إن سقوط الدولتين المذكورتين أنقذ الشعوب التي ليس لها رغبة، ولم يعد لها
صبر على احتمال نير الحكم الاستبدادي الذي رزحت تحته أجيالاً طويلةً.
فالذين تؤول إليهم تركة تركية هم أولاً اليونان الذين بعد أن تخلصوا من ذاك
الملك الخائن انضموا إلى قضية الحلفاء، ثم الأرمن الذين بسبب السياسة الخرقاء
الموعز بها من عمال الألمان قاسوا أشد أنواع العذاب، وأوشكوا أن ينقرضوا،
ويَليهم السوريون إلخ.
فاليونان القاطنون في تركية أوربة سينضمون إلى دولتهم التي ستتسع كثيرًا
على أثر هذا الانضمام، كما أن ولاية أزمير، حيث يكون العنصر اليوناني، ستنضم
أيضًا إلى دولة اليونان بناء على التوكيل المعطى هذه الدولة، وبحسب الشروط
المعينة لذلك.
وأما مشروع إنشاء أرمينية الكبرى مع ضم أطنة ومرسين إليها ليكون لها
منفذ على البحر المتوسط، فالمنظور أن أمريكة تكون الوصية على هذه البلاد كي
تساعدها على ارتقائها ونموها، كما أنها ستكون على الراجح هي الوصية على
الآستانة وعلى المضايق التابعة لها أيضًا، فإذا قبل الرئيس ويلسون هذه الوكالة
باسم الشعب الأمريكي لا يكون قبوله نافذًا ونهائيًّا، إلا بعد موافقة مجلس الشيوخ
الأمريكي عليه.
وفرنسة تكون الوصية على سورية بالنظر لعلاقتها القديمة بها، لكن لا بد أن
تكون هذه الوصاية شاملة للبلاد السورية بأكملها وليس على سورية مقسمة، ولا
ريب في أن المخابرات التي جرت في ذلك كان فيها بعض التراخي من قبل فرنسة،
لكن من الضروري أن تؤيد حقوقنا بكل حزم وعزم.
بلاد الأناضول ستعطى لإيطاليا مع ميناء أضاليا ثم إن فلسطين والعراق
يكونان تحت مراقبة إنجلترة.
هذا هو التقسييم الذي تم الاتفاق عليه بادئ بدء، وبقي في آسية الصغرى
جزء مأهول بسكان أتراك يحتوي على بروسة وأنقرة، وقد طلب من فرنسة حماية
هذا الجزء؛ لأن بروسة حيث يقيم السلطان تكون عاصمة المملكة العثمانية الجديدة،
ونتمنى أن لا يتبع الحلفاء سياسة التجزئة في آسية الصغرى، والذي نراه هو أن
تكون دولة تركية المقبلة تحت إشراف مستشارين أورباويين، وبمعاونتهم.
(المنار)
هذا نموذج مما كان ينشر في جرائد الحلفاء منذ عامين، بيانًا للرأي العام في
بلادهم عقب الحرب التي كانوا فيها هم المنتصرين، وكان أكثر الناس من جميع
الأمم يظنون أن ما تقوله هذه الجرائد هو القول الفصل الذي لا مرد له؛ لأنه صدى
سياسة دولهم المنتصرة التي لها الدهر عبدٌ والزمان غلام، وقد وضعوا المعاهدات
لجعل تلك الأماني حقوقًا ثابتة، ولكن الزمان جاء بما لم يكن في حسبان أحد من
الخطوب والمشكلات، التي عجز جميع دهاة السياسة عن حل عقدة واحدة من عقدها
الكثيرة، وقد جف ريقهم من كثرة ما نفثوا فيها، ودميت أظافرهم من تكرار
محاولتهم لها، فكان ذلك حجة بالغة على جهل المغرورين بالقوة والعظمة الباطلة،
الذين يرتكسون في البأس عند سماع كل صيحة هائلة {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي
الأَبْصَارِ} (الحشر: ٢) .