(المؤتمر الإسلامي في الهند) أشرنا في الجزء الماضي إلى انعقاد مؤتمر التربية الإسلامية في الهند ونذكر الآن مجملاً من خبره. انتخب المسلمون في هذه السنة رئيسًا لمؤتمرهم (السير آغاخان) وهو شاب من الكبراء الذين يقرن باسمهم لقب (السمو) وقد اشتهر بالذكاء والنبل، والعلم والفضل، ولهذه المزايا اختارته طائفة الإسماعيلية رئيسًا لها، وهي الطائفة الباطنية المعروفة بالتروي في اختيار الرؤساء ولذلك كان أمرها منتظمًا في كل البلاد إلى اليوم، ولا توجد طائفة تنتمي إلى الإسلام في هذا العصر أشد من هذه الطائفة تعاونًا وتحابًّا والتئامًا ونظامًا. والفائدة الكبرى التي استفدتها من خبر مؤتمر هذه السَّنة هي انتخاب هذا الأمير رئيسًا للمؤتمر الذي معظم رجاله من أهل السُّنة، بل هذا هو الدليل القاطع عندي على أن إخواننا مسلمي الهند قد ارتقوا عنا وعن سائر المسلمين الذين نعرف أخبارهم، ذلك أن أَدْوَأ أدواء المسلمين التفرق في الطوائف وعدم معرفة قيمة النابغين لا سيما إذا خالفوا الجماهير في بعض تقاليدهم - وهذه الخلة لازمة للنابغين لا تفارقهم - ذلك بأن مبدأ النهوض في كل أمة منحطة هو ظهور أفراد فيها كبار العقول أقوياء القلوب يوجهون عزائمهم إلى الخدمة القومية، فإذا ظهروا في أمة مستعدة للنهوض تشعر الأمة بفضلهم وتقدرهم حق قدرهم وتعطيهم مكانة الهامة من الجسد فيدبرونها ويعرجون بها إلى ما هي مستعدة له من الارتقاء، وإذا ظهروا قبل استعداد الأمة للاستفادة من مواهبهم ترى الجماهير من خواصّ قومهم يمقتونهم ويُنفّرون العامة منهم ويتوكئون على ما لا يخلو نابغ عنه من المخالفة للجماهير في تقاليدهم وعاداتهم وأعني بالخواص الرؤساء والأغنياء الذين يعبر عنهم القرآن بالمُتْرَفين، وهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والمرسلين، وكانوا ولا يزالون أعداء الإصلاح والمصلحين. أما قولنا: إن بعض النابغين الذين يتوجهون إلى إصلاح الأمم لا بد أن يخالفوا قومهم في بعض عادهم واعتقادهم، فليس معناه أنهم يتحرَّوْن المخالفة طلبًا للشهرة أو الامتياز وإنما ذلك أمر طبيعي لازم، وبيانه أن الفساد إنما يضرب بجرانه في الأمة ويفتك بها لفسادٍ يطرأ على العقول فتأخذ بالاعتقادات الباطلة، وفسادٍ يلم بالنفوس فتستبدل الأخلاق الذميمة بالأخلاق الفاضلة، وتتولد من الفسادين العادات الضارة ويفتك كل ذلك بالأمة فتكًا. فالنابغ الذي يتصدى للإصلاح يعرف بما ميزه الله تعالى به من نفوذ البصيرة منشأ الفساد في الأعمال، وينفر بما خصه به من كرامة النفس وزكائها عن كل ما يعتقده فاسدًا ويرى أثره ضارًّا، فهو بهذا وذاك يكون مخالفًا للأمة في بعض اعتقاداتها وعاداتها حتمًا بغير تكلف ولا تصنع بل يوجد من محبي الإصلاح من يتكلف إخفاء المخالفة وإظهار الموافقة في بعض الأمور لأجل أن يقبل منه غيرها. ليس هذا موضع الإطالة في أخلاق المصلحين مع أقوامهم ولكني أقول: إن أكثف الحُجُب بين المصلح وبين قومه هو أن يُنبز بأنه مخالف لهم في بعض الأمور الدينية أو مقصر فيها فإذا وصلت الطبقة المتوسطة في قوم إلى أن يعرفوا درجة المستعد للإصلاح وأن لا يصدهم عن الانتفاع به كونه مخالفًا لهم في بعض المسائل الدينية أو غيرها؛ لأنهم يعرفون كيف ينتفعون، وبم ينتفعون وهم واثقون بأنفسهم لا يخافون من شذوذ رئيسهم في بعض المسائل أن يتعدى إليهم ومنهم إلى الأمة بأسرها فأولئك هم القوم الذين أَذِنَ الله بترقيتهم ونجاحهم. خطب رئيس المؤتمر وذكر أمراض المسلمين التي هبطت بهم إلى الدَّرك الذي هم فيه بين الأمم، فذكر أن جراثيم هذه الأمراض أربع: (١) عقيدة الجبر التي حلت العزائم وأَلْصَقَ تبعتها بالإمام أبي الحسن الأشعري (رحمه الله) . (٢) اعتقاد أن ترك الشئون العامة والاشتغال عنها بالعزلة والعبادة من مهمات الدين وزعم أن منشأ ذلك اعتزال بعض الصحابة (عليهم الرضوان) الحرب بين عليّ ومعاوية وقولهم: إن هذا أَسْلَم للدين. (٣) إهمال تعليم النساء وتربيتهن لِمَا حال دون ذلك من التشدد في الحجاب والخروج به عما جاء به الشرع وأثبت أن هذه المعضلة الاجتماعية قد سرت عَدْوَاها من مُتْرَفي الفرس إلى بني العباس وبسببهم رسخت في الأمة الإسلامية وكان من أثرها حبس نصف المسلمين في السجن الأبديّ والقضاء عليه بالجهل والخمول. ويرى القارئ في كل مسألة من هذه الثلاث نزعة يصح أن تكون تَوَلَّدَتْ في دماغه من التمكن في مذهبه الذي أصله الغلو في التشيع إلى ادعاء الحلول في بعض أئمة آل البيت ورمي عظماء المسلمين من الصحابة فَمَن بَعْدَهم بالإضرار بالدين ولو عن غير عمد. لو قام مثل هذا الخطيب الذي يفتخر به مسلمو الهند اليوم وخطب خطبته هذه في مصر لشتموه، أو في الشام لضربوه، أو في تونس لنَفوه وأبعدوه، أو في الجزائر أو مراكش لقتلوه، فلنا أن نقول: إنه لم يرتقِ في البلاد الإسلامية إلا مسلمو الهند الذين أَثْنَوْا على هذا الخطيب ووقروه؛ لأن له مزايا ينتفع بها في العمل المِلّي الذي تيمموه فإذا اعتقد أهل السنة منهم أنه أخطأ في تعليل جعل اعتزال الأعمال العامة من الدين بأنه الاقتداء بفضلاء الصحابة وأخطأ بإسناد عقيدة الجبر إلى الإمام الأشعري فهم يعذرونه بأنه قال ما يعتقد بإخلاص ولا يمكن أن تظهر الحقائق في قوم لا حُرية عندهم للعالم بإظهار اعتقاده، ومن الغريب أن ترى البلاد التي يدعي أهلها اتباع السنة قد اعتصم علماؤها بُحُبْوَة التَّقِيَّة التي يعيبون بها إخوانهم الشيعيين ويحتجون عليهم بأن من يقول بالتقيَّة لا يوثق بعلمه ولا بدينه؛ إذ يجوز أن يكون كل ما يُظْهره مخالفًا لما يعتقده عملاً بالتقية، ومن تراهم يتقون؟ يتقون العوام الجاهلين المقلدين لهم، أليس من أعجب العجائب أن العالم يتبع الجاهل فَيُؤَوِّل له تقاليده وخرافاته ليكون راضيًا عنه ويبقى معظِّمًا ومكرمًا له؟ ؟ قد علم أن المرض الأول من الأمراض التي ذكرها رئيس المؤتمر يتعلق بالاعتقاد، والمرض الثاني يتعلق بالأخلاق والأعمال والمرض الثالث يتعلق بالعادات والأعمال؛ ولذلك رتبناها هذا الترتيب المخالف لترتيب الخطيب، أما المرض الرابع فهو خاصّ بالسياسة وهو احتكار الخلافة والإمارة في بيت مخصوص يتوارثها أفراده، وقد صبّ إثم هذه الجريمة على بني العباس الذين مزقوا شمل الأمويين ثم العلويين، وكادوا يفنونهم أجمعين، والقارئ يرى في هذا من الظنة ما يرى فيما سبقه، ولكن مجموع الخطبة يبرئ الخطيب من سوء القصد في كلامه كله فقد أثنى على عمرو بن العاص الذي كان عضد معاوية وساعده ويده التي تناول بها الخلافة وساد على العلويين من أول الأمر - نعم إنه لم يثن عليه بهذا العمل ولكنه أثنى عليه بالسياسة الحكيمة التي لا يُغْمِض حقه فيها بصيرٌ وإن كان مثلي من صميم العلويين، بَلْهَ ثناءه على الخليفة الثاني وعلى الصحابة كلهم في الجملة. وحاصل القول أن الخطيب أحسن في كلامه وأبان به عن عقل وبصيرة واستعداد لرياسة المؤتمر وإن كان في بعض القول مجال لمن لا شغل لهم إلا القيل والقال وهم بمعزل عن الأعمال. أما نتيجة المؤتمرالتي وجه عنايته إليها فهي إنشاء مدرسة كلية عامة كمدرسة أكسفورد الإنكليزية أو جعل مدرسة عليكدة كذلك، وقد قدّر الرئيس في خطبته نفقة إيجاد هذه المدرسة بعشرة ملايين روبية (٦٦٦.٦٦٦ جنيه إنكليزي وكسور) وما أجلَّ قول الخطيب: ألا تشترون يا قوم مجد الإسلام بعشرة ملايين روبية؟ أهذا الثمن كثير؟ ؟ ومن بعد فكره وصائب رأيه أنه ذكر في هذا المقام صلة مسلمي الهند بالعثمانيين والإيرانيين والأفغانيين، وأشار بوجوب جعل المدرسة الكلية كعبة العلم لجميع المسلمين، كأنه لم يخطر في باله نزعات شيطان (الوطنية الحقة) التي يدعو إليها بعض الأحداث في مصر وهي قطع صلات الأمة الإسلامية ومجافاة بعض شعوبها لبعض حتى الذين تجمعهم لغة واحدة وينتسبون إلى دولة واحدة! ! هذا الرأي الحميد رأي توقف نجاح الأمة على المدارس الكلية الجامعة قد نوَّهْنا به من قبل وطالبنا به عقلاء المصريين وأصحاب التأثير فيهم قولاً وكتابة، وإذا يسر الله تعالى ووفق المسلمين إلى إنشاء كليتين واحدة في الهند وأخرى في مصر فذلك منتهى السعي الحميد في إحياء المسلمين وإعادة مجدهم ولا توجد بلاد إسلامية غنية والتعليم الأهليّ فيها حرّ إلا البلاد الهندية والبلاد المصرية، ولا يتم هذا العمل في مصر إلا بسعي مثل السعي الذي في الهند وهو أن يتألف مؤتمر ويكون جميع أفراده دعاة إلى هذا العمل ساعين في جمع المال له من كل مكان، نعم، يظهر أن أهل مسلمي مصر أقل استعدادًا من مسلمي الهند بالنسبة إلى المجموع ولكن في مصر رجالاً ربما لا يوجد خير منهم في بلاد إسلامية أخرى ولهم أن يجعلوا كليتهم في أول الأمر صغيرة ثم يوسعوا دائرتها بالتدريج، وقد سمعت أكبر مرجوّ فيهم لمثل هذا السعي يقول: إنه يمكن الإقدام على العمل إذا تيسر جمع مائة ألف جنيه فقط، ولو اعتبر أغنياء مصر بالسر كاسل الإنكليزي الذي بذل من ماله أربعين ألف جنيه لأجل دراسة مرض الرمد في مصر لتيسر لهم بذل ما ينشئ مدرسة كلية تكون حياةَ قومهم وأمنهم، ومنشأ عزهم وسعادتهم. * * * (تونس - أو حادثة صفاقس) بينا مسلمو الهند يصفقون لرئيس مجمعهم وخطيب مؤتمرهم الإسماعيلي المذهب رجوعًا إلى تساهل الإسلام في الصدر الأول أيام كان الحافظ البخاري يتلقى الحديث عن عمران بن حطّان الخارجي وإذا بمسلمي البلاد التونسية يهيجون ويحتمون على مدرس من أهل مذهبهم في الأصول والفروع؛ لأنه أنكر عليهم بعض البدع التي أَلِفوها وألصقوها بالدين وتكلفوا لهذا الإلصاق ضروبًا من التأويل تصادمها نصوص الكتاب والسُّنة، تلك البدعة أو البدع هي التي أقام (المنار) بها القيامة على أهلها وكتب فيها أكثر من سبعين مرة وهي ما يفعله الجهلاء عند قبور الأولياء من التضرع والدعاء، والاستغاثة والاستجداء، والطواف والاعتكاف، والتذلل والاستعطاف، والقيام والقعود، والركوع والسجود، وما رخص الدين في زيارة القبور بعد النهي عنها ليُدعى أربابها من دون الله، ويقول المأول {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} (يونس: ١٨) ولا لينسخ بهم قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) وقوله: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: ١٨) . إلخ إلخ. الواقعة هي أن عالِمًا مدرسًا في مسجد صفاقس اسمه (الشيخ محمد شاكر) كان يقرأ عقيدة التوحيد فلما انتهى إلى وحدانية الأفعال التي يكاد يكون الكلام عليها في بعض كتب العقائد جبرًا محضًا نهى عن بدع القبور، والاستعانة بأهلها والتقرب إليهم بتقديم النذور، فَكبُر ذلك على الذين يأكلون تلك النذور فوشوا ومَحَلُوا وحرّفوا وتمحلوا، ورفع الأمر إلى المحكمة الشرعية، ثم إلى العامل المدني في صفاقس، ثم إلى الوزارة في الحاضرة (تونس) فحكم بعزله من التدريس في جامع صفاقس والتطويع في جامع الزيتونة، وقد ذكرت الواقعة بعض الجرائد المصرية نقلاً عن جرائد فرنسية، وذكرت أن قاضي تونس ومفتيها هما اللذان طلبا من الوزارة عزله وما نظن ذلك صحيحًا، وإذا كان القاضي والمفتي وشيخ الجامع الأعظم لم يسعوا بعزل هذا المدرس الذي قرر التوحيد ونهى الناس أن يستعينوا بغير الله على أمور دنياهم، أفما كان يجب عليهم أن ينصروه ويعززوه؟ بلى، ومن هنا نعرف الفرق بين تونس والهند، بل بينها وبين مصر؛ فإننا قررنا هذه المسألة وشددنا فيها النكير في المسجد الحسيني، وكان يحضر درسنا كثير من العلماء والفضلاء فما انتصر أحد ممن حضر وممن لم يحضر لبعض جهلة العوام الذين كبر عليهم ما قررناه ولا سمعنا كلمة تخطئة من شيخ الأزهر ولا من مفتي الديار المصرية ولا من غيرهما من كبار العلماء. ولا بد أن يكون تشديد الوزير في ذلك مبنيًّا على سبب مدني كأن يكون درس ذلك المدرس أحدث شغبًا وهيجانًا في العامّة، والسياسة مبنية على مراعاة أمر العامة بالحق وبالباطل، ولكن الذي يعجب منه هو رضاء الحكومة الحامية (الفرنسية) باضطهاد رجل مصلح كهذا المدرس، يحاول هدم مناشئ الخرافات التي نشأت منها تعصبات أهل الطريق الذين يهددون الحكومات في أفريقيا وهم خطر دائم عليها وعلى قومهم ولا علاج لهم إلا الإرشاد الديني الصحيح الذي يهدم تلك السلطة أو يرشد أهلها إلى الحق الذي يعرفون به أنفسهم فلا يكلفونها من العمل ما ليست أهلاً له، وقد جاءتنا جريدة فرنسية تونسية تشرح مسألة صفاقس وتبين خطأ الحكومة فيها وسننشر تعريبها في الجزء الآتي إن شاء الله تعالى. * * * (ثورة مراكش ونبأ عظيم) لا تزال الثورة مشتعلة في بلاد مراكش ولفرنسا على الحدود جيش جرار وقد أرسلت بعثة عسكرية إلى سلطان مراكش فقوي بذلك نفوذها عنده على نفوذ إنكلترا، أما النبأ العظيم الذي حدث أخيرًا فهو أن البرقيات أفادتنا اليوم أن حكومة المغرب الأقصى قد اقترضت من مصرف (بنك) فرنسا والبلاد الواطئة (هولندا) سبعة آلاف ألف وخمسمائة ألف فرنك (٧ملايين ونصف) بفائدة ستة في المائة، قال: (روتر) : ولما كان السلطان هو الكافل لهذا القرض، فالمتبادر أنه حيلة سياسية يقصد بها زيادة نفوذ فرنسا عنده: هذا وإن الحكومة الشرقية التي تقترض من دولة أوربية ينقرض حكمها باليد التي تعطيها المال، وكأن هذه الحكومات الجاهلة لا بد أن تهدم سلطانها بأيديها، وكأن بلادها لا تحيى إلا إذا ماتت موتتين، وكأن الله قضى أن لا تكون حياتها إلا على أيدي من تسميهم عِداتها، لا على أيدي كبرائها وساداتها، ولا يشترط أن تكون إماتة الأجنبي لنا مقصودًا بها الإحياء، فيقال: إننا أحسنّا الظن بالأعداء. * * * (المنار في السودان) كان المنار يرسل إلى بلاد السودان فلا يلقى معارضة ولا منعًا، وفي أثناء هذه السنة (الخامسة) صار يشكو إلينا بعض قرائه من احتجاب بعض أجزائه ووصول بعض، ثم كتب إلينا بعض مَنْ طلب الاشتراك وأرسل القيمة أنه لم يصل إليه شيء من الأجزاء، فقابلنا صاحب السعادة حاكم السودان العام السردار السرونجت باشا وشكونا إليه ذلك شفاهيًا وقدمنا مع ذلك عريضة إلى وكيل حكومة السودان بالشكوى الرسمية فصدر الأمر في أول رجب من هذه السنة بالإذن للمنار في دخول السودان وعدم معارضته وكنا أَمْسَكْنا عن إرساله فعدنا إليه، وكنا نظن أنه يصل في أوقاته ولكن لم نلبث أن علمنا من بعض من طلب الاشتراك في تلك البلاد وأرسلنا إليه المنار أنه لم يصل إليه فكتبنا ثانية إلى وكيل حكومة السودان نُعلمه بذلك لأنه ظهر لنا أن الحكومة السودانية لم تأمر مكاتب البريد بعدم المعارضة، فورد إلينا الجواب الآتي بنصه: نمرة ٢١٨٤/٨ إدارة وكيل حكومة السودان في ٢٦ - ١ - ٩٠٣ حضرة العلاَّمة الفاضل منشئ جريدة المنار الغراء: (عُلم ما أوضحتموه بجوابكم المُؤَرَّخ فى٢٢ يناير الجاري ونفيد حضرتكم بأنه (قد صدرت الإشعارات اللازمة لعموم الجهات بعدم منع جريدتكم (المنار الغراء) (من الدخول إلى السودان فاقتضى ترقيمه للإحاطة) ... ... ... ... (الإمضاء) ... ... ... * * * (هبة الإنكليزي الجواد) نوهنا في النبذة التي كتبناها عن مؤتمر التربية الإسلامي في الهند بأن السر كاسل الإنكليزي تبرع بأربعين ألف جنيه لتُنْفَقَ على دراسة مرض الرمد في مصر. ونقول الآن: إن هذا السخيَّ الجواد قد تحدى بهبته هذه أغنياء المصريين إذ قال: إنه تبرع بذلك ليفتح لهم باب البذل في هذا المشروع الذي يفيد هذه البلاد التي يكثر هذا المرض فيها. ولكن أغنياء المصريين مشغولون بالبذل في سبيل السرف والمخيلة، عن البذل في المشروعات النافعة الجليلة، فهم يقلدون الأوربيين في شر ما عليه سفهاؤهم، ولا ينظرون إلى ما يفعله كرماؤهم، ويتوهّمون أن مدنية القوم بالفجور، ومعاقرة الخمور، وحب الذات ولو فيما يضر الجمهور، وأنّى لهم أن يعقلوا أن الأوربيين ما سادوا على العالمين، إلا بسخاء أولئك المتبرعين، الذين في أموالهم حقوق لتأييد العلم، ونشر ألوية السيادة والحكم، ولعل التقليد يُفْضِي ببعض أغنيائنا إلى فهم هذه القضية، والتأسي بهذه الأريحيَّة، فنحتسي من كأس التقليد رحيقًا ممزوجًا بتسنيم، بعد ما تجرعنا شراب الحميم. * * * (المسلمون في سوريا) ننوه بحال المسلمين في جميع أقطار الأرض وقلَّما نذكر شيئًا عن مسلمي بلادنا السورية، وماذا عسانا نذكر عنهم غير البؤس والحرمان من الترقي في العلم والعمل، وقد كتب بعض كُتَّابهم الفضلاء جملة تقريظ كِتَاب (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) بلغ بها شأوًا بعيدًا في فن الاحتراس عندما أثنى على الكتاب وكاتبه وناشره وطابعه، فدلّنا ذلك على الفرق البعيد بين مسلمي مصر ومسلمي سوريا. * * * (مأثرة حميدية) أمر مولانا السلطان الأعظم (أيده الله تعالى) بمنع المسلمين من الجلوس في الحانات والمجاهرة بشرب الخمر وأوجب معاقبة المخالف، فعسى أن يعتني الحكام والشرطة بتنفيذ هذا الأمر بالدقة والإحكام. * * * (حج سلطان زنجبار) تَوجّه في هذه السنة سلطان زنجبار الجديد إلى الحجاز لأداء فريضة الحج فندعو الله تعالى بأن يوفق سائر السلاطين والأمراء لمثل ما وُفِّق إليه، وأن يكتب له السلامة في هذا السفر الشريف الذي امتاز به على أقرانه.