للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التعليم النافع

لا ترتقي أمة من الأمم دفعة واحدة , وإذا أراد الله بقوم خيرًا يعطي أفرادًا
منهم عقولاً كبيرة , ويهيئ لهم اكتساب العلوم النافعة , ويبصرهم بالمصالح وطرق
الوصول إليها , ويوفقهم للتصدي للإرشاد , ثم يلهم قومهم احترامهم , والأخذ بهديهم
وإرشادهم؛ فينتشر بذلك الإصلاح فيهم , وإذا أراد الله بقوم سوءًا يُبغِّض إليهم
كل من ينبغ فيهم وينبري لانتياشهم مما هم فيه من الشقاء والعناء متوهمين أنه
مبطل فيما يدعو إليه؛ لأنه مخالف لما هم عليه من العادات والتقاليد , ويقول
سادتهم وكبراؤهم: لو كان ما يدعو إليه خيرًا ما سبقنا إليه] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ [أي ما جاء به محمد {خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} (الأحقاف: ١١) . هكذا كان، وهكذا يكون والتاريخ شاهد
صادق وحاكم عادل ولكن الأمم في طور الجهالة لا تعتبر بالحوادث , ولا تتأدب
بالكوارث.
خير الإصلاح إصلاح التعليم , وخير التعليم ما كان على الطريقة العملية
حتى إن الأمم المرتقية لم تعد تعتبر نجاح التعليم ببراعة التلامذة في الامتحان بل
إننا نسمع كل يوم صياح المنتقدين من علماء البيداجوجيا (التعليم والتربية) قائلين:
إن جعْل النجاح في الامتحان وأخذ شهادة العالمية بأنواعها هو الغاية من التعليم
التي تتوجه إليه نفوس المتعلمين - خطأ عظيم وضرره على البلاد جسيم؛ لأنه
يجهد العقل فيما لا يعود بالفائدة على البلاد , وإنما غاية التعليم إنتاج رجال قادرين
على الأعمال النافعة ومباراة الأمم الحية ومسابقتها في ميدان الحياة , وحق ما قالوا
والعبرة أمامنا , فإننا نحن المسلمين نرى أن خيارنا في التعليم والتعلم الإسلامي أهل
الأزهر الشريف , ولنفرض أن الأمة أصبحت كلها أزهرية فهل يكون ذلك كافيًا
لنجاحنا وارتقائنا ومجاراتنا للأمم العزيزة القوية؟ كلا , إننا نرى أهل هذا المكان
أبعد الناس عن معرفة أحوال الأمم التي تنازع المسلمين البقاء , وهذه المعرفة هي
التي تنفخ روح الغيرة في النفوس , وتبعث العارفين على المنافسة والمباراة لا سيما
إذا أخذت على الوجه العملي المفيد , بل إننا نراهم أبعد الناس عن الأعمال النافعة
لأشخاصهم والمقومة لحياتهم , وليس هذا عن زهد اختياري يقصدون به التقرب إلى
الله - تعالى - فإنهم يتهافتون على الرغيف، ولو أن أميرًا أو غنيًّا صاح بهم أن
اخرجوا من هذا المكان إلى عمل كذا - وكان العمل مما يخف عليهم - ولكلٍّ منكم علي
حق معلوم في كل شهر أدناه ثلاثة جنيهات وأعلاه عشرة كاملة، لما بقي في الأزهر
من الثمانية آلاف ثمانون رجلاً.
يتناقل الناس في غير هذا القطر عن أهل مصر أنهم يحتقرون طلاب العلم في
الأزهر الشريف , وأن لفظ (مجاور) يكاد يكون عندهم من ألفاظ السخرية والشتم ,
وقد وجدنا لما كنا نسمعه أصلاً , وإننا نقر من يغمز المصريين بهذا على غميزتهم ,
ولكننا لا نغفل عن العلة الحقيقية في ذلك وهي أن أكثر المجاورين لا يكرمون
أنفسهم (ومن لم يكرم نفسه لا يكرّم) وليس بيان هذا من موضوعنا الآن فنرجئه
لفرصة أخرى , وأذكر ههنا مثالاً في التعليم النافع نقله المقتطف الأغر عن الجرائد
الأميركية , وهو أن عبدًا أسود اسمه (بوكر واشنطون) كان خادمًا ثم تعلم , ثم
أنشأ مدرسة للعلوم والصنائع بجِّده وكده , وهاك مجمل خبره تحت هذا العنوان الذي
يليق به , وهو:
هل يوجد في مصر أمير كهذا العبد الأسود
كان بوكر واشنطون أولاً في خدمة امرأة فاضلة فرأت رغبته في تعلم القراءة
فجعلت تُعلمه في دقائق الفراغ من الخدمة , وسمع يومًا أن الجنرال أرمسترنغ أنشأ
مدرسةً في مدينة اسمها همتون يتعلم فيها أولاد السود، ويعملون فيكتسبون ما يقوم
بنفقات تعليمهم. قال: (ولما سمعت ذلك عزمت على الذهاب إلى هذه المدرسة ,
ولم يكن معي شيء من النقود , ولا كنت أعرف الطريق إليها فقمت من ساعتي
وجعلت أستدل على الطريق وأستعطي أو أعمل لكي أكتسب ما أسد به الرمق , فإذا
اكتسبت فوق ذلك دفعت أجرة سكة الحديد , وإلا مضيت ماشيًا , وبلغت مدينة
رتشمند ليلاً , ولم يكن معي شيء من النقود , ورأيت ألواحًا مبسوطة في شارع
وتحتها حفرة , فانتظرت حتى انقطعت رجل السابلة من ذلك المكان ودخلت تحت
الألواح ونمت تلك الليلة ولحسن بختي وجدت عملاً في اليوم التالي في تفريغ شحن
سفينة , ودام هذا العمل عدة أيام , وكنت آتي كل ليلة وأنام تحت تلك الألواح ,
فوفرت من أجرتي ما دفعت من أجرة سفري إلى همتن وبقي معي نصف ريال) .
ولما وصل إلى المدرسة ورأى أساتذتها حالته الزرية أعطوه مكنسة , وبعثوه
إلى غرفة وأمروه أن يكنسها أربع مرات متوالية , ولما رأوا منه ذلك قبلوه في
مدرستهم. قال: وهذا كان الامتحان الذي امتحنوني به فدخلت المدرسة , ورأيت فيها
وفي مدينة همتن من أسباب التعليم والتهذيب ووسائل النجاح والفلاح ما أيقظ كل قوى
نفسي , وجعلني أشعر بأني مولود لأكون إنسانًا لا لأكون من بعض المقتنيات ,
وعزمت أن أمضي إلى الولايات الجنوبية التي يقيم فيها السود حالما تتم دروسي ,
وأبذل جهدي في إنشاء شيء لقومي يستفيدون منه كما استفدت أنا من مدرسة همتن ,
ولما أتيح لي ذلك مضيت إلى بلدة تسكجي في ولاية ألاباما , وجمعت ثلاثين ولدًا كنت
أعلمهم في كوخ صغير , ولم يكن لهذه المدرسة ما قيمته ريال واحد من العقار لكن
الرغبة في السعي , والسعي في الكسب خوَّلاني إنشاء مدرسة كبيرة للعلوم والصنائع
فيها الآن ثمانٍ وثلاثون دارًا وألف تلميذ.
وكثيرًا ما يسألني البعض عن الغرض من جمع المال لهذه المدرسة فأجيب أن
في الولايات الجنوبية الأميركية عشرة ملايين من السود أبناء جنسي , وهم
يحتاجون إلى المأكل والمشرب والمأوى , ويحتاجون أيضًا إلى التعليم والتهذيب
وإلى تربية الأخلاق التي تتخلق بها الشعوب المرتقية , ولا يسهل الوصول إلى
هؤلاء الملايين إلا بأن نرسل إليهم أناسًا من نخبة الرجال والنساء المتعلمين
المتهذبين الذين تدربت عقولهم على الشفقة , فيسكنوا بينهم ويعلموهم ويهذبوهم ,
والغرض من المدرسة التي أنشأتها إنما هو إعداد هؤلاء الرجال والنساء لهذا العمل
العظيم.
قال المستر ثرشر الذي نقلنا عنه هذه الحقائق: لما أتيت تسكجي أول مرة
مررت في ولاية جورجيا , وكان معي في القطار رجل يستدل من كلامه على أنه
كان قائدًا في جيش الولايات المتحدة وقت حرب الحرية فسألني عن الجهة التي أنا
ذاهب إليها فقلت له: إني ذاهب إلى تسكجي لأحضر مؤتمر السود , فقال:
(أظنك تقابل بوكر وشنطون هناك لقد اهتدى هذا الرجل إلى السبيل الذي يفيد به
أبناء جلدته , فإنه يعلّم السود العلم , ويا حبذا لو كان في الولايات الجنوبية ألف
رجل مثله) ثم علمت بعد ذلك أن الرجل الذي كان يكلمني من أصحاب الثروة في
تلك البلاد.
وفي اليوم التالي بعد المؤتمر قابلني رجل من السود وقال لي: ألست أنت
فلانًا؟ أو لم تكن في معرض شيكاغو؟ فقلت: بلى، ومن أنت؟ فقال: ألا تتذكر
أنك رأيتني في المعرض أعمل في المكان الفلاني؟ فقلت: بلى إني أتذكرك الآن ,
وما أتى بك إلى هنا؟ فقال: ذهبت في السنة التالية إلى معرض أتلنتا وسمعت المستر
وشنطون هناك يتكلم عن مدرسته التي يتعلم فيها أولاد السود الصنائع، وأنا في
صناعتي نجار , ولكنني لا أعرف حرفة النجارة فأتيت إلى هنا لكي أتعلمها , وقد
كدت أتقنها الآن , ومتى أتقنتها سهل علي الكسب.
قال الكاتب: ولما أردت العودة من تسكجي دخلت مركبة البريد لأضع كتابًا
فيها , وكان على غلافه اسم مدرسة تسكجي فلما رآه كاتب البريد قال لي: (إن
بوكر وشنطون رئيس هذه المدرسة رجل عجيب فإني لم أره قط ولكني أعلم أنه
يعلّم الناس العمل) وكنت كيفما التفتُّ أرى الشهادات تتكرر على نفع العمل الذي قام
به هذا الرجل , وأي عمل أنفع من أن تعلم الرجال والنساء مبادئ العلوم والفنون ,
وتجعلهم يقرنون العلم بالعمل , ولا تضطرهم إلى دفع درهم بل تكسبهم من عملهم
ما يقوم بنفقاتهم ونفقات تعليمهم.
قلنا: إن في مدرسة تسكجي ثمانيًا وثلاثين دارًا: الثلاث الأولى منها وهي
أصغرها بنيت قبلما دخلها التلامذة , والخمس والثلاثون الباقية بناها التلامذة أنفسهم
فهم كانوا يصنعون الآجُرَّ (الطوب المشوي) ويشوونه بإرشاد معلمين ماهرين
في هذه الصناعة , ولم يكتفوا بعمل الآجر اللازم لهذه المباني , بل عملوا كثيرًا منه
وباعوه للغير , وقد وصف المستر واشنطون هذا كيفية إقدامه على قرن العلم بالعمل
في محفل حافل قال:
(بعد أن مضى علي مدة في تسكجي رأيت كأن تعبي ضائع سدًى؛ لأنني
كنت أقتصر على تعليم الطلبة ما في الكتب من غير أن أعلمهم كيف يعتنون بأنفسهم
وبمن لهم , ثم وقعت عيني على أرض قرب تسكجي وددت أن أشتريها , ولم يكن
معي ثمنها فقرضني واحد مائة ريال اشتريتها بها , ونقلت المدرسة إليها , وكنت
أعلم التلامذة جانبًا من النهار , وأخرج معهم في الجانب الآخر منه نقطع الأشجار
من تلك الأرض ونمدها , ولما عملنا الآجر لم أكن أعلم كيف يشوى , ولم يكن معي
ما أدفعه أجرة لصانع ماهر في شيِّه فأخذت ساعتي ورهنتها على نقود استأجرت بها
الصانع , فعلمنا كيفية شيِّه , ولم أستفِكَّ هذه الساعة حتى الآن مع أننا بنينا ثمانية
وثلاثين بناءً كبيرًا بما تعلمناه منها) .
والتلامذة في هذه المدرسة أو المدارس يتعلمون الآجر والبناء والنجارة على
اختلاف فروعها , وفيها الآن معامل كبيرة مجهزة بكل ما يلزم لها من الآلات
والأدوات , وأكثر ما فيها من مكاتب وكراسي وأسرّة صنعه التلاميذ أنفسهم في هذه
المعامل , وصنعوا أيضا مركبات النقل على أنواعها , والبناء دائم هناك حتى يكون
للتلامذة عمل يعملونه , وقد بنوا كنيسة كبيرة في العام الماضي تسع ألف نفس
رسمها واحد من الأساتذة , وهو مدرّس المباني الهندسية , ورسم أطنافها واحد من
التلامذة , ومقاعدها تلميذ آخر , والتلامذة هم الذين وضعوا الحديد على سقفها ,
ووضعوا فيها آلة بخارية لتدفئتها , وآلة كهربائية لإنارتها.
ويتعلم التلامذة تصليح الآلات على أنواعها , ولا سيما الآلات الزراعية ,
وفي المدرسة معمل كبير لذلك , وهم يصلحون فيه آلات كثيرة لأهالي البلاد
المجاورة , ويتعلمون أيضًا الحدادة والطباعة والخياطة والتصوير , ويتعلم البنات
الأعمال الخاصة بالنساء كالطبخ والغسل والخياطة وعمل البرانيط , ويتعلم بعضهن
تمريض المرضى. ومن أهم ما يتعلمه التلامذة ويمارسونه علم الفلاحة , وكل
الأساليب العلمية المتبعة الآن حيث صارت الزراعة على أرقاها , وأساتذتهم من
أمهر الأساتذة في هذا الفن , وعندهم كثير من البقر الحلوبة , وهم يستخرجون
الزبدة من لبنها , ويصنعون منه الجبن.
ذكر المستر وشنطون حادثةً جرت لأحد تلامذته قال: أعلن أصحاب معمل
من معامل الزبدة أنهم يحتاجون إلى مدير لمعملهم وكان في مدرستنا شاب أتقن
استخراج الزبدة , وأتم دروسه في المدرسة , فمضى إلى هذا المعمل وعرض نفسه
على أصحابه , فلما نظروا إليه قالوا له: لا يمكننا أن نستخدم رجلاً أسود , فقال
لهم: إنني لم آتكم لتستخدموا لوني , بل معارفي، فجربوني واحكموا، فنظروا في
الأمر قليلاً ثم قالوا له: ابق عندنا أسبوعين , ولكن يجب أن تعلم من الآن أننا لا
نريد أن نستخدم رجلاً أسود , فأقام عندهم الأسبوع الأول , ولما عرضت زبدتهم في
السوق دفع في الرطل منها ثمن يزيد نصف غرش على ما كان يدفع عادة فاستغربوا
ذلك , وقالوا: لنرَ ما يكون في الأسبوع الثاني , فلما عرضوا زبدته للبيع دفع في
الرطل منها ربع غرش زيادة عما دفع في زبدة الأسبوع الأول فسروا بهذا الربح ,
وأقروا الرجل في منصبه ولو كان أسود فاحمًا.
والمؤتمر المشار إليه آنفًا أنشئ في تسكجي منذ عشر سنوات , أنشأه المستر
وشنطون للسود لكي يتذاكروا فيه بما يعود عليهم بالنفع , وحضره أول سنة نحو
عشرين رجلاً , لكنهم رأوا من فائدته ما ضاعف رغبتهم فيه , فصار عدد الحضور
الآن ألفين رجالاً ونساء , وهم ليسوا من العلماء , ولا كلهم من الذين يعرفون
القراءة والكتابة لأن أكثرهم كانوا عبيدًا وقت حرب الحرية , حتى إن واحدًا منهم
وقف مرة وقال: إن ذلك اليوم (يوم اجتماع المؤتمر) هو اليوم الوحيد الذي دخل
فيه المدرسة.
أما المواضيع التي يبحثون فيها فمما يتعلق بهم خاصة ويتوقف عليه نجاحهم
أو فشلهم مثل الاقتصار على زراعة القطن , ورهن الغلة قبل جنيها , والاكتفاء
باستئجار الأطيان , وقلة الاهتمام بابتياعها , وما في ذلك كله من الخسارة عليهم ,
ومثل الضرر الناتج عن الإسراف والزينة الباطلة , وابتياع ما ليس بهم حاجة إليه
ونحو ذلك من المواضيع. ويرأس المستر وشنطون اجتماعاتهم ويديرها بحكمة
ومهارة , حتى لا تضيع دقيقة من الوقت سدى , ولا يبقى هذا المؤتمر إلا يومًا
واحدًا.
قال الكاتب: وقد رأيت في أحد هذه الاجتماعات أمرًا يستحق أن يكتب بالتبر
على صفحات الأيام؛ رأيت امرأة خلاسية وقفت في الجمع , واستأذنت في الكلام
وقالت: (أخبرنا الأخ وشنطون في العام الماضي أن الإنسان الواحد يستطيع أن
يقوت عائلة من ثلاثة أفدنة من الأرض , وشرح لنا كيفية ذلك , وقال: إنه ميسور
للمرأة كما هو ميسور للرجل فعزمت أن أمتحن قوله , واستأجرت ثلاثة أفدنة ,
واستأجرت أيضًا من حرثها لي , ووقفت على يده حتى رأيت الأرض حرثت حرثًا
عميقًا جدًّا كما يجب أن تحرث , وسمدتها وزرعتها) ثم وصفت طريقة الاعتناء
بزرعها , وذكرت النفقات التي أنفقتها , ومقدار الغلة التي استغلتها منها وقالت:
(إن الغلة كفتني وكفت عائلتي سنة كما قال فثبت قوله بالامتحان) فصفق لها
الحضور طويلاً , وهي واقفة لا تبدي علامةً من علامات الشكر لهم , ثم رفعت
يدها يمنة ويسرة فصمتوا كلهم فقالت: (إني لأعجب منكم كيف تضيعون دقيقة من
هذا اليوم الوحيد في ما لا طائل تحته وأنتم تعلمون أن شعبًا كبيرًا على شفا جرف
هار) (ليت لنا رجلًا كهذه المرأة) .

(المقتطف)
وبمثل ذلك تنقضي هذه المؤتمرات ويرجع الحضور , وقد استفادوا منها فوائد
جمة , ويرى القارئ لأول وهلة أن ليس غرضنا من كتابة هذه السطور مدح رجل من
زنوج أميركا بل ذكر مثال من الأمثلة العديدة التي يبين منها ما يستطيعه المرء إذا كان
من رجال الهمة والإقدام ولو كان صفر اليدين , والاستدلال على أن رجلاً واحدًا قد
يأخذ على نفسه ترقية أمة كبيرة فيفلح في غرضه إذا كان من أبناء تلك الأمة أكثر مما
يفلح مئات مثله إذا لم يكونوا منها , فإن ألوفًا من الأميريكين البيض بذلوا أقصى الجهد
في تعليم سكانها السود وتهذيبهم فلم يفلحوا عشر ما أفلح هذا الرجل. وأمثال ذلك
كثيرة في الهند واليابان وكل البلدان التي سعى فضلاء الأوربيين والأميركيين في نشر
العلوم والفنون فيها فإنهم حيث استطاعوا أن ينهضوا همم الوطنيين ليصلحوا شئونهم
بأنفسهم؛ كان فوزهم عظيمًا , وحيث بقي الوطنيون يعتمدون عليهم لم ينتج عن سعيهم
غير فوائد قليلة محصورة في بعض الذين تعلموا منهم , ولا يفيد الأمم إلا سعي أبنائها
كما لا يفيد المرء إلا سعيه لنفسه (ومن كان أسعى كان بالمجد أجدرا) اهـ بحروفه.