للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مراسل الأهرام في أمريكا


تفاقم شر الطلاق في أميركا
لمراسل الأهرام في أمريكا

أشرت في إحدى رسائلي الماضية إلى القاضي بن لندسي في مدينة لوس
أنجلوس بولاية كليفورنيا الملقب بقاضي الطلاق لتساهله في تسهيل سبله على
الطالبين، ولكثرة عدد الذين أعتقهم من ربقة الزواج كما يعتق السجناء حال انتهاء
المدة المحكوم عليهم بها، وقد أعلن هذا القاضي اليوم اعتقادًا جديدًا أبداه بشكل
نبوءة مفادها إمحاق عهد الزواج بهذه البلاد في وقت غير بعيد؛ إذ قال:
(إن الزواج في هذه البلاد صائر إلى حالة توجب الأسف وتحمل على
الاحتساب، فإن لم نفتح عيوننا للحقائق، ونصرح بها غير متهيبين، ونعمل على
تغيير ما نفهمه من علائق الجنسين، تصبح الإباحة في الحب والفوضى في الزواج
والتطرف في حسبان الطلاق من ضروريات المعيشة الهنيئة شيئًا سهلاً وواجبًا،
وإن كان مخالفًا لما قررته الأديان وأوجبته قوانين الهيئة الاجتماعية) .
(فالزواج عندنا قد أصبح ألعوبة أو مهزلة بحيث لا يختلف عن شركة
تجارية يعقدها شخصان، ويبقيان فيها متعاونين ما بقيت رابحة، وما اتفق ذوقاهما
وينفصلان عندما يشعران بالخسارة أو بالنفور المتبادل. ولا ريب في أن البواعث
الطارئة على تمدننا في هذا الزمان تعمل على تقويض أركان التوازن الديني
وتشويه آداب المجتمع، وتمهد السبل للطبيعة البشرية الميالة إلى الشر في طغيانها
فتتمادى فيه بلا وازع من الدين ولا رادع من القانون. والقاضي الذي تبدو له هذه
المساوئ في القضايا المختلفة لا يرى سوى علاج واحد ناجع وهو أن تستعين
الهيئة الاجتماعية بالدين والعلم والتهذيب على استئصال ما طرأ في هذا العصر
من التطورات الغريبة العاملة على خراب الحياة الزوجية وفساد أخلاق الناشئة) .
(وقد يحسبني بعضهم من المفكرين المتفوقين في هذا الباب بالنظر إلى كثرة
عدد الذين أفلتوا من قيود الزواج في محكمتي، فأنا على الرغم مما يقال من تساهلي
في حل ما عقده الشرع، من أشد الناس تمسكًا بزي الزواج القديم القائل ببقاء
الاثنين جسدًا واحدًا إلى أن يفرقهما الموت، ولا يحل هذا الشكل إلا العمل بهذه
القاعدة، وأعتقد أن أجدادنا كانوا أسعد حالاً وأهنا عيشًا من الوجهة الزوجية مما
نحن عليه الآن) .
(ومهما كان اعتقادنا بنظرياتهم فإن تلك النظريات قد انطوت ومعها الحياة
الزوجية القديمة المبنية عليها، أو أنها تنطوي الآن بسرعة، وحل محلها جنوح [١]
لا يعترف بقيود، خالٍ من كل مسئولية ومن الحب الحقيقي في تعاقد الجنسين
بحيث أصبح الناس يعتقدون أن الزواج قضية مؤقتة يحافظون عليها ما وفرت لهم
الغبطة، وضروب الشهوات والمسرات، فإذا عدمت هذه الميزات ذهبوا إلى
المحامي) .
ويظن هذا القاضي أن الحالة الاقتصادية في الحياة العصرية التي تزاحم فيها
المرأة الرجل في الأعمال على اختلافها، والتي جعلت الزواج صعبًا أو مستحيلاً
على الشبان من سن ٢٠ إلى ٣٠ لقلة دخلهم - هي التي سببت هذا التشويش
والفوضى في الطلاق أيضًا؛ لأن الزوجة التي تفرك [٢] ، أو يحاول زوجها
التخلص منها، قلما تعارض لانفتاح أبواب العمل أمامها بخلاف ما كانت الحال
عليه في الماضي.
وتنبأ القاضي لندسي من سبع سنوات عن أن عدد المطلقين في السنوات
العشر التالية سيضارع عدد الذين يتزوجون، وقد مضى من تلك الأعوام سبعة وبقي
ثلاثة، ومع ذلك فقد تم ما خمنه قبل انتهائها حسبما يقول. اهـ.
(المنار)
إن سوء عاقبة هذا الفساد أكبر مما يحسب هذا القاضي ويقدر، وإن له أسبابًا
وعللاً كثيرة، وإن علة العلل كلها انحلال العقيدة الدينية وما تعقبه مع الحرية
الواسعة من إباحة الشهوات، وقد كان الدين عندهم نظامًا اجتماعيًّا أدبيًّا، تكفله
التربية والتعليم، وتحميه القوانين، فضعفت الكفالة والحماية بحرية التعليم العالي
للنساء والرجال معًا، فصار من المتعذر أن يدين هؤلاء بالنصرانية المبنية على
التسليم بما يقال لهم من غير برهان معقول مقنع، وهذا الدين لا يجدونه إلا بالإسلام؛
فهو العلاج الوحيد لجميع مفاسد الحضارة الغربية، كما فصلناه في كتاب الوحي
المحمدي.