للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: المسيو شاتليه


الغارة على العالم الإسلامي
العالم الإسلامي اليوم [*]

بلاد الترك العثمانية
وضع القسيس (أناتوليكوس) تقريرًا في هذا الموضوع لخص فيه أعمال
وحركة التبشير في بلاد الترك العثمانية , ولم يتوسع في تقريره لأن هناك أسبابًا
سياسية وغير سياسية تمنعه من ذلك.
ومما قاله: إن الكتاب المقدس راجت نسخ ترجمته التركية رواجًا حسنًا وهي
تباع بالألوف. وبنى على ذلك أن الأتراك الذين يحترمون القرآن احترام القروي
الكاثوليكي في أواسط أوروبة للإنجيل , يعرفون قدر مطالعة الكتاب المقدس إلخ.
***
سورية وفلسطين
تقف في طريق تبشير هذه البلاد عقبات خاصة بعضها من الحكومة والبعض
الآخر ناشئ عن حالة البلاد وموقفها الحاضر، فسورية وفلسطين مملوءتان
بالمذاهب المختلفة , وللدين فيهما ارتباط بالسياسة، وأهم الوسائل التي يستخدمها
المبشرون لتذليل هذه الصعوبات هي:
١- توزيع نسخ الكتاب المقدس.
٢- التبشير من طريق الطب؛ لأن ذلك في مأمن من مناوأة الحكومة له،
والمسلمون يلجأون بأنفسهم إلى مستشفيات المبشرين وصيدلياتهم.
٣- الأعمال التهذيبية: كالمدارس والكليات التي تقبل أبناء المسلمين , وكان
في مدارس (صيدا) فقط في السنوات الأخيرة ٢٥٠ تلميذًا من كل الطوائف ,
فوصل عدد المسلمين في السنوات الثلاث الأخيرة إلى ٩٨ بعد أن كانوا ٤٥ وهذه
الزيادة ناشئة عن إقبال مسلمي مصر على مدارس المبشرين في سورية.
٤- الأعمال النسائية: مثل زيارة المبشرات منازل المسلمين وإلقائهن
المحاضرات الخاصة.
٥- توزيع الكتب والمؤلفات التبشيرية. وختم صاحب التقرير آراءه بقوله:
(إننا لو سئلنا عن نتائج مجهودات مبشري المسلمين بالنصرانية في سورية
وفلسطين لا نجد جوابًا غير القول بأن الله وحده هو المطلع على مستقبل أعمالنا
بين المسلمين وعلى نتائجها، وأن الله لم يبارك داود النبي لكثرة عدد قومه.
أجل إننا لو تصفحنا الإحصائيات يتبين لنا أن عدد المسلمين الذين تنصروا
وتعمدوا هو عدد غير مُسرّ وغير مرضٍ، إلا أن هذا العدد مهما يكن قليلاً بذاته فإن
أهميته أعظم مما يتصور المتصورون.
وصفوة القول: أننا حصلنا على نتيجة واحدة جوهرية وهي أننا أعددنا آلات
العمل، فترجمنا الإنجيل , ودربنا الوطنيين على مهنة التبشير، وأتممنا تهيئة
الأدوات اللازمة وهي الكنائس والمدارس والمستشفيات والجرائد والكتب، ولم
يبق علينا إلا أن نستعمل هذه الأدوات.
***
الجزيرة العربية
قال وليم جيفورد بالكراف: (متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب
يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد
وكتابه!) .
قال مؤلف كتاب (العالم الإسلامي اليوم) : وقد أدرك أهمية هذه الفكرة
القسيس (يانغ) صاحب التقرير عن التبشير في جزيرة العرب , فجعلها نصب
عينيه في كل الأعمال , ولكننا نتساءل عما إذا كان قد حان الوقت للعمل بها وعما
تكون نتيجة التبشير حينئذ؟
وقد سبق للقسيس زويمر (رئيس إرساليات التبشير في البحرين) أن ألف
كتابًا سماه (مهد الإسلام) - وسيأتي الكلام على هذا الكتاب بعد - أتى فيه على
تاريخ إرساليات التبشير في جزيرة العرب وما تطمع به هذه الإرساليات , وأشار
بوجه خاص إلى إرسالية التبشير العربية , وهي البنت الممتازة لكنيسة الإصلاح
الأمريكية , ولها فروع أربعة أقدمها عهدًا (جمعية تبشير الكنيسة) التي تفرع عنها
فرع آخر في فارس سنة ١٨٨٢ , وقد استقلت هذه الجمعية بأعمالها باسم (جمعية
التبشير العربية العثمانية) ولها في بغداد أربع إرساليات وفي الموصل إرسالية
واحدة.
وفي سنة ١٨٨٥ ذهب إلى عدن (إيون كيث مالكونر) وهو الابن الثالث
للكونت (كنتور) فأسس هناك إرسالية تبشير اسكتلندية سماها باسمه , وهي
مؤلفة من طبيبين مبشرين , وتبعتها (إرسالية التبشير العربية) التي أسست سنة
١٨٨٩ وهي تابعة لكنيسة الإصلاح الأميركية , فانتشرت في البصرة والبحرين
ولها في البحرين خمسة مبشرين - اثنان منهم طبيبان واثنان امرأتان - ولها في
البصرة أربعة مبشرين أحدهم طبيب.
وفي (الشيخ عثمان) إرسالية تبشير دينمركية كان سلطان (مكلا) طردها
من بلاده [١] , وتوجد في الجزيرة إرساليات أخرى تمدها جمعياتها بالمال
والإعانات.
وانتقل المؤلف بعد هذا البيان إلى ذكر النفقات الجسيمة التي تتكبدها إرساليات
التبشير في جزيرة العرب , ومما قاله: إن مرتبات المبشرين والموظفين عندهم
وبائعي كتبهم تساوي ثلاثة أضعاف مرتبات أمثالهم في الهند، ومما يخفف أمر هذه
النفقات أن المبشرين في بلاد العرب اتخذوا لهم مراكز تمهد لهم سبيل التوغل في
داخل الجزيرة , وكل الإرساليات هناك على اختلاف نزعاتها وأشكالها ومعاهدها
الطبية والتهذيبية والأدبية ترمي إلى غاية واحدة.
والمرضى يشدون الرحال من أصقاع بعيدة إلى مستشفيات المبشرين في
(الموصل) و (بغداد) و (البصرة) و (البحرين) و (الشيخ عثمان) و (عدن) وعندما
يرحل الأطباء جائيين في البلاد , يبذرون في النفوس بذورًا يمكن للمبشرين
وبائعي الكتب أن يتعهدوها بعد ذلك وينمو غرسها.
والتعليم المدرسي والتربية الأخلاقية اللذان يعنى بهما المبشرون قد أسفرا عن
نتائج جمة , وأثمرا ثمرات نافعة في الأطفال والمراهقين على السواء.
قال القسيس زويمر: إنه جمع تلاميذه المسلمين مرة ووضع بين أيديهم كرة
تمثل الكرة الأرضية , ثم حول عليها نورًا قويًّا , وبرهن لهم بذلك على كون الأمر
بصيام شهر رمضان ليس آتيًا من عند الله؛ لأنه يتعذر أداء هذه الفريضة في بعض
البلاد؟ !
وقال أيضًا: إن المحاضرات التي يلقيها القسس المبشرون على الحاضرين
من المسلمين أثناء تمثيل حوادث التوراة بالفانوس السحري والخرائط الإحصائية
عن ارتقاء ممالك النصرانية وانحطاط ممالك الإسلام , كل ذلك تتمة لوسائل التعليم
البروتستاني.
وقال المؤلف عن نتائج أعمال المبشرين في بلاد العرب: إن من المتعذر
تعيين نتائج هذه الأعمال الخيرية، إلا أن مما يدعو إلى الاغتباط والسرور أننا
اقتطفنا ثمرات أعمالنا في كل منطقة من مناطق التبشير , فالأوهام تبددت وحل
محلها التسامح والاهتمام الحقيقي بالتعاليم النصرانية , وفي كل سنة تباع ألوف من
نسخ الكتاب المقدس وكميات وافرة من الكتب والكراسات والمجلات , ويهتم
المبشرون الآن بإقامة مستشفى في الشيخ عثمان؛ لأنه بينما كان عدد المرضى
الذين عرضوا أنفسهم على أطباء المبشرين يبلغ ٢٥٠٠ صاروا الآن ٤٠٠٠٠ [٢] .
***
مملكة فارس
أنشأ القسيس (سن كليريسدال) تقريرًا عن التبشير في فارس , وهو لا
يختلف عن التقارير المتعلقة بتبشير البلاد العثمانية من حيث قلة مادته:
(بذلت إرساليات التبشير جهدها في بلاد فارس , ونجحت في تبديد ما يعتقدونه
في النصارى من أنهم مشركون بالله ويعبدون آلهة ثلاثة , وهذا الاعتقاد وقر في
نفوس المسلمين لما يشاهدونه في الكنائس الشرقية والكاثوليكية , إلا أنهم عادوا الآن
فصاروا يفرقون بين الفرقتين النصرانيتين , فظهر لهم أن البروتستانية خالية من
الوثنية فارتاحوا لها؟) .
قال صاحب التقرير: (إنه لما عُين سنة ١٨٩٢ سكرتيرًا لجمعية
تبشير الكنيسة , كان الاعتقاد السائد هو أنه يستحيل أن يتنصر المسلم ويتعمد إلا
إذا عرض نفسه للموت. ولكن الاضطهاد قد خف الآن , وصارت أبواب فارس
مفتوحة للمبشرين بالإنجيل أكثر من غيرها , واكتسب المبشرون محبة الناس لهم
بسبب الأعمال الطيبة التي تصدر عن المبشرين , فتجعل الأعداء أيضًا
يعترفون بأن النصرانية مصدر عمل صالح.
ومهما يكن عدد المتنصرين لا يزال قليلاً , فإن هنالك جمعيات صغيرة
مسيحية اندمج فيها المتنصرون الفارسيون من نساء ورجال، وهذه الجمعيات
الصغيرة منتشرة في كل مكان وصل إليه المبشرون , وفوق ذلك فإن عددًا عظيمًا
من المسلمين ينتمي إلى النصرانية سرًّا ويقال: إن بينهم من لا يتأخر عن إعلان
نصرانيته عندما تنتشر حرية الأديان في فارس.
والوسائل التي يتذرع بها المبشرون هنا هي الإرساليات الطبية من نساء
ورجال ورحلات المبشرين والأعمال النسائية , ورجال التبشير يتحككون
بالمسلمين ويحاولون الحصول على مودتهم , ويستخدمون فريقًا منهم في مكاتب
التبشير , ويدخلون معهم في المناقشات الدينية , إلا أنهم لا يجرحون عواطفهم ,
والهمة مبذولة بنشر الإنجيل والتوراة وسائر كتب التبشير باللغة الفارسية ,
وبالاعتناء بتعليم الذين تنصروا ولا يزالون في دور التجربة) .
وأنكر القسيس زويمر على صاحب هذا التقرير إغفاله ذكر المدارس وما لها
من التأثير إذ أنها أحسن ما يعول عليه المبشرون في التحكك بالمسلمين , وقد قال
أحد المبشرين: المدارس هي من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين وقد
كان عدد التلاميذ في المدرسة التبشيرية في طهران قبل سنتين فقط ٤٠ إلى ٥٠ ,
فصاروا الآن ١١٥ وكلهم يتلقون التربية النصرانية بكل إتقان. وكذلك الحال في
مدرسة تبريز التي يديرها هذا القسيس , فقد كان فيها ٣ تلاميذ من المسلمين , ثم
صاروا ٥٠ ومثل ذلك مدرسة أورمية , فإن فيها ٥٠ طالبًا وفي مدرسة البنات ٣٥
تلميذة , وفي مدرسة البنات في طهران ٢٥ تلميذة.
وأنكر مبشر آخر على صاحب التقرير قوله: إن البهائيين يتقربون من
التوراة أكثر من غيرهم , وزاد على ذلك أنه لا يوجد من يعتبر البهائيين أسمى
أخلاقًا من المسلمين , بل الحقيقة على عكس ذلك.
***
صومترا
يمتاز التقرير الذي وضعه أحد قُسس الألمان عن مبشري هذه البلاد بدقته في
الكلام عليهم , وبيان أعمالهم بالأرقام , ومما قاله: (إن جمعية المبشرين الألمانية
نصَّرت مئة شخص منذ تأسست سنة ١٨٧١ إلى وقت كتابة هذا التقرير , ولجمعية
التبشير الهولاندية فقط أن تبشر على الساحل الشرقي من الجزيرة , والذين نصَّرتهم
لجنة تبشير جاوة ٥٠٠ شخص منذ ١٨٦٠ , وأما (جمعية ريتس الألمانية) فتفوق
على تلك باتساع نطاق أعمالها , لأن لها ٣٦ فرعًا: أربعة منها لتبشير المسلمين
بوجه خاص , وقد تمكنت من تنصير ٦٠٠٠ مسلم ولديها الآن ١١٥٠ مسلمًا في
دور التجربة ولجمعية التبشير بالتوراة - وهي إنكليزية - مندوبون في مناطق
أعمال الإرساليات الألمانية يبيعون الكتاب المقدس.
وقد تحسنت خطة هولندة مع المبشرين عما كانت عليه في أواسط القرن
الماضي , فصارت تشد أزر المبشرين وتساعد مدارسهم وإرسالياتهم الطبية , وتعد
ذلك من عوامل نشر المدنية.
وللمبشرين هنا ثمانون كنيسة وأدخلوا بينهم من الوطنيين خمسة قُسس وسبعين
مبشرًا هذبوهم في مدارس خاصة بهم , وإرساليات التبشير تجبي من المسيحيين في
صومترا ضريبة وضعتها على الأرز؛ للاستعانة بها على التبشير وتستوفيها نقدًا أو
من عين المال) .
ويقول واضع التقرير: (إن ميل المسلمين إلى النصرانية قد ظهر جليًّا وقويَ
تياره , ويتفق في بعض الأوقات أن يتنصر العروسان المسلمان في وقت واحد.
ويتقرب المبشرون الألمان إلى المسلمين بالمدارس والإرساليات الطبية , وهذه
الإرساليات الطبية - كما يقول عنها صاحب التقرير - مثل الشوك في أجسام
زعماء المسلمين الذين يسلون أنفسهم قائلين: إن الله أرسل هؤلاء الأطباء ليخدموا.
إلا أن للإرساليات الطبية بالرغم من ذلك تأثيرًا شديدًا على المسلمين؛ لأنها تظهر
الفرق بين أغراض الزعماء الشخصية وبين خدمة الأطباء المبشرين الذين لا
غرض لهم في النفس!) .
***
جاوه
لا يختلف موقف المبشرين في هذه الجزيرة عن موقف زملائهم في صومتره
من حيث الوسائل التي يتذرعون بها , ومن حيث خطة الحكومة في معاملتهم.
وفي جاوه ٤٦ مبشرًا و١٥٠ مساعدًا لهم , وعشرون من مجموع هؤلاء
اختصوا بتبشير المسلمين دون غيرهم , وفي الإحصائيات أن عدد المسلمين
المتنصرين بلغ ١٨٠٠ شخص!
وآخر ما جاء في هذا التقرير أن اعتقاد المسلمين بالله دون أن يعتمدوا فيه
على الكتاب المقدس لا يعد خطوة نحو النصرانية ولا ابتعادًا عن الهوة التي تفصل
الوثنيين عن النصرانية , وأن هنالك سلطة قوية يهيئها الشيطان (!) ليهلك بها
النفوس ويبعدها عن نور العالم يسوع المسيح ...
(يتبع)
((يتبع بمقال تالٍ))