للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة

(باحثة البادية)
بحث انتقادي بقلم الآنسة مي
قد اشتهر هذا الكتاب بين الناطقين بالضاد في كل قطرٍ تُنشَر فيه، أو تُقرَأ
الصحف العربية، فقد قرَّظته صحف القطر المصري، فالقطر السوري، فسائر
الجرائد العربية في سائر الأقطار، فكان له في صفحاتها أجمل الذكر والثناء؛ إذ
كان غريبًا في بابه، عديم النظير في الكتب العربية في نفسه، وفي كون منشئته
فتاة عربية تترجم عقليةً عربيةً بأسلوبٍ عربيٍّ جمع بين تأثير الشعر ودقة الفلسفة
وتحقيق التاريخ.
وقد عرف قراء هذه الصحف أن (باحثة البادية) لقبٌ أدبيٌّ مُنْتَحَلٌ للأديبة
المصرية الشهيرة فقيدة الإصلاح (مَلَك ناصف) عقيلة عبد الستار بك الباسل
(رحمها الله تعالى) كانت تتنكر عليّ به على عادة ربات الحِجال المسلمات
في عصرنا، وإن (ميًّا) لقبٌ أدبيٌّ منتحلٌ للأديبة المصرية النشأة السورية الأصل
الآنسة (ماري زيادة) أمتع الله الآداب العربية بطول حياتها، وأن هاتين النابغتين
العربيتين قد فاقتا جميع بنات جنسهما في هذا العصر، بل تفاخر مصرُ العربية بهما
بنات كل شعبٍ وكل مصرٍ.
نشر هذا الكتاب مطبوعًا منذ سنتين، وأهدته إليَّ المؤلفة، وأنا في دمشق
فكانت مطالعته مروِّحةً لنفسي مما أُكابد من أعمال رياسة المؤتمر، وسياسة الوطن،
وتبريح المرض، والبعد عن الأهل والولد، فتوجهت الإرادة إلى العناية بتقريظه،
والاستقصاء لوصْفه، والبحث في نقده على إِثْر التأثُّر بقراءته، فحالت دون ذلك
كارثة زحف الجند الفرنسي على الشام، وإسقاطه لحكومتها المبنية على أساس
الاستقلال، واشتداد المرض، ومنع المعتمد البريطاني إياي من العودة إلى وطن
السكن، فأحلت أمر تقريظه إلى مَن كان يقرظ غيره من المطبوعات التي تُهدى إلى
المنار، على ما كان من تقصيره في حقوق المهدين والقراء، فجرى فيه وفي كثيرٍ
من الكتب على مذاهب الإرجاء، وحسبي من قضاء حقه هذا التنويه الآن، وأرجو
أن أعود إليه في وقتٍ أُطيل فيه البحث في شئون تربية النساء.
***
(كتاب المسألة الشرقية)
المسألة الشرقية في علم السياسة أهم من مسألة التحسين والتقبيح العقليين في
علم الكلام، وأعقد من مسألة تربيع الدائرة في علم الهندسة، ونحن الشرقيين أحوج
إلى الإحاطة بها، والوقوف على عللها ومعلولاتها منا إلى العلم بسائر مسائل
السياسة، ومستمدها من علم التاريخ.
وقد كان أكثر أهل الشرق غافلين عن هذه المسألة لعدم المنبهات، الموقظة
من ذلك السُّبات؛ ولهذا افترضنا مسألة تألم العالم الإسلامي من مسألة طرابلس
الغرب، وبرقة؛ فكتبنا عشر مقالاتٍ بعنوان (المسألة الشرقية) نشرناها في
المؤيد، ثم في المنار، فكان لها تأثيرٌ عظيمٌ ذكرناه في محله من قبل. ثم جاءت
الحرب الكبرى - وما تلاها من الهدنة، وبناء قواعد الصلح بين الدول الغربية على
حل المسألة الشرقية حلاًّ نهائيًّا - فتم تنبه أذهان الشرقيين عامةً، والمسلمين خاصةً
للبحث في هذه المسألة، فبعث ذلك حسين لبيب أفندي أستاذ التاريخ في مدرسة
القضاء الشرعي على وضع كتابٍ وجيزٍ في المسألة نشرتْهُ مجلة الهلال المصرية،
ثم طبعته على حِدَته في جزءٍ بلغت صفحاته ١٢٠ ص من قطع المنار، وهو
خاصٌّ بطور المسألة الشرقية العثمانية التركية، وقد استمد مسائله من كتب التاريخ
العربية، والإفرنجية والجرائد. وهو مؤَلَّفٌ من مقدمة في التعريف بالمسألة، وستة
فصول، بيَّن فيها معنى المسألة، وأسباب ضعف الدولة، وما كان من نهضة الدولة
الروسية وقتالها إياها لحل المسألة الشرقية، والانقلاب العثماني الأخير، ومسألة
استقلال العناصر، وخاتمةٍ في حال الدولة العثمانية في الحرب العظمى، ومعاهدة
سيفر المقررة للقضاء على سلطنتها (ونحمد الله تعالى أن أماتها عقب ولادتها) ،
والكتاب مزين بصور عظماء رجال الدولة مِن المتقدمين، والمتأخرين، ويتصل به
خريطةٌ تاريخيةٌ لأملاك الدولة في القرن الماضي. فنحُثُّ كل مَن يهمه أمر الشرق،
والدولة العثمانية من قراء العربية - أن يطالع هذا الكتاب المختصر المفيد.
***
(مفاوضات الإنكليز بشأن المسألة المصرية)
نشر أمين بك الرافعي مدير جريدة الأخبار في العام الماضي مقالات في
الأخبار في تاريخ اعتداء الدولة البريطانية على البلاد المصرية واحتلالها إياها،
وما تبع ذلك من الوقائع، والأحداث، والمفاوضات السياسية الدولية في شؤون هذه
البلاد، كشف فيها القناع عن الدهاء، والرياء، والخداع الإنكليزي، الذي يجب
على كل مصريٍّ، وكل عربيٍّ، بل كل شرقيٍّ - أن يعرفه ويعتبر به، وكنا كلما
قرأنا مقالةً من تلك المقالات نرى وجوب حفظ الجريدة؛ لأجل الرجوع إليها، ثم
نتمنى لو تُجمع تلك المقالات في كتابٍ خاصٍّ. وكان يتمنى ذلك مثلنا كل مَن يعرف
قيمتها وشدة الحاجة إليها، وما كان من تعب الكاتب في جمع تلك الحقائق،
وإبرازها في الصيغة النافعة المؤثرة، وقد كاشف الكاتب بذلك كثيرون منهم
واقترحوه عليه فأجابهم إليه، وطُبعت المقالات على ورقٍ جيدٍ فكانت كتابًا تاريخيًّا
سياسيًّا جليلاً، بلغت صفحاته ٢٧٠ من قطع المنار، فنحُثُّ كل مَن يُعنى بالسياسة
من قراء العربية على قراءة هذا الكتاب مرارًا، ونتمنى لو ينتشر في جميع الأقطار
العربية، ولا سيما المخدوعة منها إلى اليوم بالسياسة الإنكليزية، وثمن النسخة منه
٢٥ قرشًا مصريًّا تضاف إليها أجرة البريد.
***
(كتاب الإرشادات الصحية والإسعافات الوقتية)
الأطباء أنفع العلماء بسنن هذا الكون للبشر، وأكثرهم قد قصر نفعه على
معالجة المرضَى التي هي حرفتهم، ومنهم أفرادٌ ينفعون الناس بعلمهم هذا، وبما
ينشرون من الكتب النافعة، وهم قليلون، وأقل منهم مَن لا تقف همته عند هاتين
الخدمتين العملية والعلمية، بل تتجاوزها إلى السعي لإنشاء المستشفيات، والملاجئ
للفقراء وغير ذلك من الأعمال الاجتماعية التي ترتقي بها الأمم؛ والدكتور عبد
العزيز بك نظمي من هؤلاء الأفراد، الذين تفتخر بهمتهم هذه البلاد، فهو على
كثرة عمله في عيادته الذي هو حق الحرفة، وعمله في مستشفيات الأوقاف بما
توجب عليه الوظيفة (حكمباشي مستشفيات الوزارة) ، وعمله في ملجأ الحرية
الذي أُسِّس بسعيه الحميد - يجد سعةً فيما يقتصد من وقته للتأليف، فله عدة كتبٍ
باللغة العربية، أكثرها في تربية الأطفال ومعالجتهم، وهو أخصائي في ذلك،
وأخرى باللغة الفرنسية. وآخر ما كتبه هذا الكتاب الذي نحن بصدد تقريظه، فقد
نشره بالطبع في أول هذا العام، واسمه يدل على مسماه، وهو يتألف من مقدمةٍ
وأربعة أقسامٍ.
فالمقدمة في التعريف بقانون الصحة، والقسم الأول: في الإرشادات الصحية
المتعلقة بالأغذية، والأشربة، والماء، والهواء، والنور، والنوم، والملابس،
والرياضة، ومضار المُسكِرات، والمُخَدِّرات، والثاني: في التمريض، وفيه ٣
فصول، والثالث: في الأمراض الكثيرة الانتشار في الظاهر والباطن، وطرق
اتقائها، والرابع: في الإسعافات الطبية بأنواعها، ويتلوها بيان الصيدلية المنزلية،
أي ما ينبغي أن يكون في كل دارٍ من العلاجات، والمطهرات، والأدوات التي
تشتد الحاجة إليها، لا سيما للإسعاف عند حدوث مرضٍ، أو حرقٍ، أو جرحٍ، أو
لدغٍ، أو لسعٍ، وعبارة الكتاب سلسةٌ، يفهمها كل متعلمٍ ومتعلمةٍ، وإن لم يخلُ -
كأكثر المطبوعات العصرية - من أغلاط لفظيةٍ، يحسن تصحيحها في الطبعة
الثانية، وفيه عدة صورٍ ورسومٍ لإيضاح بعض المسائل. وجملة القول فيه أنه
ينبغي أن لا يخلو منه بيتٌ من البيوت، ولا أن يجهل ما أودعه رجلٌ ولا امرأةٌ؛
فكل ذلك مِن الضروريات التي لا يُستغنَى عنها. وصفحاته ١٧٠ من قطع كتاب
(الإسلام والنصرانية) . وثمن النسخة منه ١٠ قروش صحيحة، وأجرة البريد،
وهو يُطلب من مكتبة المنار.