للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مستقبل سورية وسائر البلاد العربية [*]

(٥) خطب مؤسسي اتفاق سنتي ١٩١٦ و١٩١٧
خطبة مسيو بيكو في دمشق
ألقى موسيو بيكو معتمد فرنسا السامي في سورية هذه الخطبة في حفلة
أعدت له ولزميله السير مارك سيكس في النادي العربي بدمشق ونشرت
جرائدها ترجمتها , فنقلها المقطم في عدد ٢٣ ربيع الآخر- ٢٥ يناير (ك٢)
الماضي عن (المقتبس) الدمشقية، وهذا نصها:
أيها السادة
لم أكن أنتظر بعد أن قضيت أيامًا عديدةً وساعات كثيرةً في السفر على متن
القطارات والسيارات أن أصل إلى دمشق فأشهد هذه الحفلة الجميلة التي ضمت خير
الرجال والشبان، بيْد أني لم أستغرب هذا الأمر من صديقي السير مارك سايكس الذي
عودني أن يفاجئني بهكذا حفلات مستغنمًا هذه الفرصة التي سنحت لأهنئ الحكومة
العربية بما نالته من الاستقلال الذي جاهدت الأمة العربية وقاتلت في سبيله.
انضمت الحكومة العربية إلى الحلفاء زمن الحرب وقاتلت معهم لكونها عرفت
قدسية المبدأ الذي يقاتلون عنه، فهي بعملها هذا تستحق الشكر , وإنني باسم فرنسة
أشكر الأمة العربية والحكومة العربية لجهادهما.
انتهى دور الحرب , ودخلنا في دور جديد دور العمل والاجتهاد , ولا أظن أن
الدور الجديد يقل في خطورة شأنه عن دور الحرب، خصوصًا وأن أعداءنا وأعداءكم
لا يزالون موجودين، فلذلك يجب أن نكون متفقين متحدين.
أخذت برقيةً بالأمس من فرنسة جاء فيها أن الأمير فيصل قابل المسيو
كلمنصو مقابلةً طويلةً انتهت باتفاقهما على جميع المبادئ والآراء ولم يوجد بينهما
أثر من آثار الاختلاف.
اتحدنا زمن الحرب وعملنا معًا للوصول إلى النتيجة، فلذلك يجب أن لا يكون
اتحادنا وقتيًّا , بل ثابتًا وطيدًا لتنال الأمة العربية ثمرة أتعابها وتقطع مع دول الحلفاء
العقبات ويكون مبدأ تمدنها ورقيها.
إننا نرى في الزمن الحاضر زمن المذاكرات الصلحية كثيرًا من الأعداء
ونصادفهم أينما حللنا وذهبنا.
إن هؤلاء الأعداء أتراك يعملون للمصلحة التركية ولقد شاهدناهم يعملون
أعظم الأعمال في أوربة ضدي أنا والسير مارك سايكس.
شاهدناهم في دار نظارة الخارجية يقولون للفرنسويين: لا تؤمنوا للعرب
ولا تصدقوهم , ولا تنتظروا منهم أن يؤلفوا حكومةً , وسمعناهم يقولون للإنكليز:
لا تتفقوا مع الفرنسويين ولا تمدوا يدكم إليهم , ولا تساعدوا العرب. فلذلك يجب
أن نعرف هؤلاء الدساسين فيما يتكلمون به.
قال أحد الخطباء: إننا الآن في دور جديد وعلينا واجبات جمة. لقد صدق أيها
السادة فإن الأمم التي كافحت مع العرب للوصول إلى هذه النتيجة نتيجة الظفر
القطعي , قد ولد فيها فكر جديد وشعور جديد لم يكونا لها من قبل، ذلك الشعور
شعور الاستقلال والحرية للأمم.
يجب أن تقاوموا كل من يخالف هذا المبدأ إن كان تاجرًا يعمل لرواج سلعته ,
أو صحافيًّا يشتغل لترويج صحيفته , وأن تُدكُّوا كل المصاعب والعقبات التي تحول
دون اتفاق الشعوب العربية , أي: كل من ينطق بالعربية؛ لأن الأديان لا تكون
مانعة للاتحاد , ولا تسمعوا للمفسدين الذين يحاولون تفريق وحدتكم وكلمتكم.
إن فرنسا لم تخُض غِمار هذه الحرب لصد دعاية الألمان عن بلادها فقط، بل
لتأييد مبدأ الحرية والاستقلال , ولنرى كل أمة تعيش متمتعةً بالاستقلال وأن يكون
لها الحق باختيار طريقة الحكم الذي تريده.
التحابُّ مطلوب , وخصوصًا بين الأمم التي حاربت جنبًا لجنب , وإن فرنسا
لا تميل قط إلى الرجل الذي يأتيها ويقول لها: إني أحبك أكثر من وطني؛ لأنه
منافق لا يعرف أن يحب , فنرده ونقول له: اذهب وحب وطنك أولاً. وإن أعظم
سرور لفرنسا هو أن ترى الأمة العربية متحدةً متفقةً , والحكومة العربية مستقلةً ,
وإنها - أي: فرنسا - مستعدة لمساعدتها، وإذا كلفت أوربا فرنسا أن تساعد الحكومة
العربية فهي مستعدة لإيفائها بإخلاص , ويسرنا أن نرى الحكومة والأمة العربية
ناجحةً ناميةً بإذن الله اهـ.
***
خطبة السير مارك سيكس في دمشق
وألقى السير مارك سيكس خطبة في تلك الحفلة نفسها , وقد نقل المقطم ترجمتها
في عدد ٢٥ ربيع الآخر ٢٧ يناير عن جريدة البلاغ البيروتية الغراء وهو:
يا سعادة الحاكم , ويا حضرات المجتمعين: سأتكلم بصعوبة هذه الليلة، فقد
سمعت أمرين أوقعاني في الاضطراب , فالأمر الأول: أنني سمعت أحد الخطباء
يقص على حضراتكم تاريخ حياتي , ويظهر أنه حفظ شيئًا منه حتى خشيت أن
يتكلم عن سيئاتي , ولكنني أقول بكل ارتياح: إن معلوماته كانت قاصرة من هذه
الجهة، والأمر الذي أحرج مركزي ذكره أنني طفت البلاد العربية التي تبلغ
مساحتها ٧٠٠٠ ميل ولا أقدر أن أخطبكم باللغة العربية، ووصفني خطيب آخر
بالبطل الساكت وهذا الوصف جيد ومطابق جدًّا إذا كان موجهًا لقائد عسكري، ولا
يكون مطابقًا إذا نعت به أحد السياسيين؛ لأن السياسي متكلم بالطبع.
لا أفيد الشرق بهذا الكلام، وإنني أريد أن ألقي عليكم أمرًا هذه الليلة:
إن يومكم هذا يوم مشهود؛ إذ سيُفتح فيه مؤتمر الصلح (على ما أظن) الذي
ستقرر فيه أعمال مهمة , وتدبر فيه شؤون الكون لمدة قرنين.
منذ أربع سنين والحرب العامة تبتلع كبار العالم ومشاهيرهم وإننا نخون عهد
إخواننا الذين ذهبوا ضحيتها - ولا أظنهم يقلون عن ٥ - ٦ملايين- إذا لم نعمل
بتؤدة , لا فرق عندي في المحلات والأماكن التي لقوا بها حتفهم فالنتيجة واحدة
وهي مفارقتهم هذا العالم سواء قضى الفرنسوي بفرنسا , أو قضى البريطاني في
فلندر أو في العراق أو في هذه البلاد بلادكم، أو قضى ذلك البحري الذي كان
يقطع أجواز البحار وهو أعزل من السلاح يحمل الميرة إلى المحاربين في أنحاء
المعمورة، في البر أو البحر، أو من رجالكم الذين جاهدوا في سبيلكم، أو كانوا
من النساء والأولاد الذين أخرجوا من ديارهم في المدينة المنورة وأرمينية , وقتلوا
في الصحراء. فإن كل واحد من هؤلاء مات بسبب واحد ولغاية واحدة، وعلينا أن
نعتقد أن هؤلاء الأبرياء لم يكونوا سوى ضحية القصد الذي ماتوا في سبيله وهو أن
الشعوب المظلومة أيامها , وأن العالم ينال سلامًا عامًا دائمًا، تلك هي الغاية
العظمى التي ماتوا لأجلها، ولنأت الآن إلى تشريح أقسام هذه الغاية، ومنها ما هو
أمامنا.
هذه مدينتكم دمشق التي كانت مطلع التمدن في الزمن الماضي أصبحت
متأخرةً خربةً، وبعبارة أخرى متقهقرةً، وهذا المكان ربما كان ملك أحد أولئك
الأقوام الذين ضحوا بأنفسهم، وإذا نظرنا إلى هذه البلاد نظرةً عامةً لا نرى سوى
خرائب , ونشاهد آثار الحكم الجائر خلال ٤٠٠ سنة تحكم فيها الأتراك، وإذا أمعنا
النظر أكثر من ذلك نجد شيئًا آخر لم يتمكن التركي نفسه من تخريبه.
إن هذا الميل الطبيعي إلى الاتجار والاستثمار الذي بنى تدمر , والشجاعة
والحكمة اللتين اتصف بهما العرب، وتلك الصفات صفات الشجاعة والإقدام التي
كانت ملازمة لخالد بن الوليد - لا تزال للجندي العربي، وإن الرجولية والشهامة التي
اتصف بها صلاح الدين لا تزال للعرب.
إن الميل إلى الشعور والآداب الذي أوجد الشعر القديم , وكان الباعث على
وضع كتب التصوير والنقوش التي تعلمناها نحن منكم لا تزال موجودة عندكم،
وإن الميل إلى العلم الذي شيدت أركانه في بغداد وقرطبة , والذي نقلناه نحن
الأوربيين عنكم لا يزال لكم.
إن الطبيعة قد وهبتكم هذه الهبات التي فطرتم عليها، فلا التركي ولا العفريت
ولا الشيطان يستطيع نزعها منكم.
والآن أنتقل إلى الأمر الآخر، إن هذه الهبات موجودة لديكم أولاً وآخرًا؛ فإن
العرب هم الذين أفاضوا روح التمدن على العالم كله ونشروا ضياء العلم الساطع،
ولكن - ويالسوء الحظ - إن زمن النور الذي انبثق من جانب العرب كان قصير
المدى.
دققوا في التاريخ واسألوا أسفاره تخبركم أن الممالك العربية كانت قصيرة
الأعمار لم يمتد زمن ملكها طويلاً، فلم يَسُد الهاشميون ولا الأمويون ولا
العباسيون أكثر من قرن أو قرنين , وتأملوا أن هارون الرشيد ذلك الخليفة الذي
مات حاكمًا لجميع البلدان قد أباد ولداه ذلك الملك العظيم، فعليكم أن تحاذروا الوقوع
في هذا الأمر , ولا تدعوا نهضتكم تكون قصيرة العمر.
إن تمدنكم السابق كان مثل ينبوع ماء عذب تفجر في الصحراء فوق أرض
رملية صخرية، فلم يمض عليه قليل حتى أنبت أزهارًا ونباتات , ثم علت الغزالة
فأحرقت تلك الأزهار , وعادت تلك القفار إلى حالها , وهذا كان خطؤكم العظيم.
في رايتكم شارة سوداء فلتكن هذه الشارة رمزًا يذكركم بالماضي ويحذركم من
الوقوع فيه , ويدعوكم للاجتماع والاتحاد، فكفاكم ٤٠٠ سنة قضيتموها في الظلم
والاستبداد، لقد مضى هذا الدور والحمد لله، فقابلوا المستقبل بثبات وعزم وشجاعة
وانظروا إلى باطن الأرض , وتأملوها واستخرجوا كنوزها ومخبئاتها.
انظروا إلى القرى، انظروا إلى كثرة وفيات الأطفال، انظروا إلى هذه
الطرقات الخربة، انظروا إلى هذه العاصمة العظيمة , وإلى أية حال وصلت من
الخراب مع أنها ربما كانت أغنى دولة في العالم.
إذا أحببتم إحياء هذه الأراضي فهي تحتاج إلى جميع قواكم , وقوانا نحن
الحلفاء أيضا؛ لنحيا حياةً طيبةً سعيدةً طويلةً لا قصيرةً تتجاوز المائة أو المائتين
أو الثلاثمائة قرن [كذا ولعل أصله سنة] وأرجوكم بعد ذلك أن تضعوا ثقتكم في
أمر واحد، هذا الأمر هو الفكر الجديد الذي انتشر في أوربا.
اعلموا جيدًا أن السياسة الأوربية قد تغيرت نحو الشرق , وأن السياسة السرية
والاستعدادات الحربية التي قادت أوربا إلى هذه الحرب الطاحنة قد ذهب زمنها ,
وأنه توجد روح جديدة تنتشر في أوربا، وأن الأوربيين لا يفكرون في توسيع
ممالكهم بل في تمدين الأمم الذين حاربوا لاستقلالهم.
وأرجو منكم قبل الجلوس أن تفكروا جيدًا في مستقبل أبنائكم الذين لم يولدوا
بعد، وفي أجدادكم الذين ماتوا من قبل, والسلام عليكم اهـ.
***
خطبتا بيكو وسايكس في حلب
زار علي رضا باشا الركابي الحاكم العسكري للشام والمسيو جورج بيكو مندوب
فرنسا والسير مارك سايكس مندوب إنكلترا مدينة حلب فأقام نادي العرب حفلةً
إكرامًا لمسيو جورج بيكو ممثل حكومة فرنسا حضرها الشريف ناصر , والحاكم
العسكري العام , ورجال الحكومة العربية , وكثير من ممثلي دول الحلفاء وجم من
العلماء والأدباء والرؤساء الروحيين والأعيان، فابتدأ الكلامَ رئيسُ النادي مُرحبًا
بالقوم وتلاه أحمد أفندي الأبري فألقى خطابًا بديعًا , ثم خطب بالفرنسية يوسف
أفندي سركيس , ونهض بعده مسيو جورج بيكو وألقى خطابًا بالإفرنسية عربه
أمين أفندي غريب هذه خلاصته [١] :
خطبة مسيو بيكو
حضرة الحاكم العام وأيها السادة:
أشكركم كثيرًا لأنكم سمحتم لي اليوم بأن آتي وأحمل سلام فرنسا الظافرة
إلى ممثلي الحكومة العربية العظيمة؛ إذ ليس لنا بهجة في هذا الظفر أعظم من رؤية
مثل هذا المحفل، فهو بداية عمل كريم نتج عن الحرب , هو انتهاء الاستبداد التركي
وتقرير الحرية لشعب عظيم يديره رجال عظام.
كل يعلم ما هي الأسباب التي جعلت هذه الحرب حربًا خاصةً بفرنسا، إذ قد
كان منذ سبع وأربعين سنة في جنبنا جرح غير مندمل وكان لا بد لنا من الانتقام،
ولكن كنا نجتنب الحروب لشدة هولها على الإنسانية، فلما جاء اليوم الذي تجمعت به
القوى البربرية في العالم اضطررنا إلى محالفة قوى التمدن إبقاءً عليه من الشر
المحدق به فانضمت إلينا إنكلترا ثم العرب ثم إيطاليا ثم أميركا , وبغية كل منهم
الوصول إلى يوم يأمن فيه كل شعب على حريته واستقلاله (تصفيق حاد) .
لا شيء يرضي فرنسة ويسرُّها كرؤيتها حكومة نشأت بالأمس وأخذت تتقدم
وترتقي يوما بعد يوم في هذه الأماكن المحررة من الاستبداد , وغدًا مع تمام الصلح
لابد أن يزول الحكم العسكري الذي ترونه اليوم مع مناطقه الحاضرة التي اقتضتها
ضرورات الحرب فيطل عليكم نور يوم جديد وعظيم، فليوحد العرب جميعًا كلمتهم
ومساعيهم من حلب حتى أقاصي الصحراء ولينبذوا كل شقاق مهما اختلفت عقائدهم
أو عاداتهم , وليبذلوا ما بوسعهم من الإقدام أمام هذه الغاية المنشودة.
(حاربت فرنسا أربع سنوات توصلاً للنتيجة التي نراها الآن , ولها الطالع
الأسعد بأن ترى الحكومة العربية شديدة الأزر محترمة من الجميع , وتحل بالاتفاق
المتبادل جميع المسائل التي يشكلها عمران سورية وحرية اتصالها بالبحر؛ لأن
اتصالها بالبحر ضروري ولا بد لها منه (؟) ولكن يجب عليكم يا رجال سوريا
ومستقبلها البرَّاق أن توحدوا كلمتكم لتبلغوا هذا النجاح؛ إذ إنكم محاطون بالأعداء
الذين رأيتهم أنا والسير مارك سايكس، حيث كنا نجهر بحقوقكم أمام أوربا , فكانوا
يتذرعون لإحباط مساعينا متلبسين بزي الأصدقاء فما آبوا إلا بالفشل إذ صممت
الحليفتان على الاعتراف بحكومة عربية كبيرة مستقلة) اهـ.
***
خطبة السير مارك سايكس بحلب
ونهض بعده السير مارك سايكس فقال:
أيها السادة الكرام والمسيو جورج بيكو المحترم، أتكلم اليوم وأنا مرتاح
الضمير، إذ حزت الانتخاب في مجلس الأمة، فأصبحت قادرًا على إتمام العمل الذي
زاولته من أجلكم.
(طرق مسامعكم الآن ما قاله المسيو جورج بيكو وأزيده تأكيدًا، أنه قل أن
يشتغل إنسان كما اشتغل هو في معاونة المبدأ العربي وقد ظهرت نتائجه جليةً) .
(تذكرون ما هي الأيام السوداء التي اضطررنا لاجتياز مراحلها , فإن الأيام
السعيدة التي نحن فيها الآن لا تنسينا مكاره تلك الأيام ومتاعبها التي كان يشاطرني
مضغها المسيو بيكو الذي لم يقنط قط من نجاح المبدأ العربي رغم ما كنا نلاقيه من
العراقيل الجمة، وأهول بها من عراقيل؛ لأن العدو إذ ذاك ألمانيا وجيشها الجرار
الذي هو أكثر جيوش العالم انتظامًا) .
(كانت بريطانيا سيدة البحار , وما كان يخطر على بالها ما كانت تدبره لها
عدوتها ألمانيا من المكايد البحرية، ألا وهي الغواصات.
إن العدو الذي كنا نصادمه هو ذاك القادر ذو العظمة والجبروت (ألمانيا)
فمن ذا الذي يستطيع أن يقول سواء كان إنكليزيًّا أو عربيًّا أو إفرنسيًّا أو إيطاليًّا أو
أميركيًّا: أنا الذي أنزلت ألمانيا من حالق عظمتها، وضربت خنزوانة كبريائها؟ لا
يستطيع أحد أن يدعي هذه الدعوى , وأنه لم يقهرها إلا الله وحده , إن القدرة الإلهية
التي منحتنا هبة النصر العظيمة تأمرنا بالمحافظة عليها والانتباه كيف يقتضي أن
نستفيد منها؛ لأننا إذا أسأنا استعمالها فهي تستردها منا.
والآن أريد أن أقدم كلمةً على سبيل النصيحة لكافة الحاضرين هنا ممن يتكلم
بالعربية , وهي قصيدة (إذا) .
وعندها أنشد قصيدةً لأحد شعراء الإنكليز عنوانها (إذا) ضمت من الحِكم
الرائعة ما أصاخ له الجمهور وقابله بالاستحسان.
وعقب ذلك نهض توفيق أفندي شامية وألقى خطابًا بديعًا , وانفضت الحفلة
والجذل بادٍ على أسرة الجميع. اهـ ما في الأهرام.
***
(٦) أقوال جرائد الحلفاء
رأي حكومة الحجاز
جاء في آخر مقالة افتتاحية طويلة نشرت في العدد ٢٤٠ من جريدة القبلة
الذي صدر في مكة المكرمة يوم الخميس ١٥ ربيع الأول ما نصه:
(وها مقطمنا الأغر ينقل لنا في عدد ٩٠٣٨ الصادر بتاريخ ٢٦ صفر ١٣٣٧
من تصريحات أم صحف العالم , ولسان حال الشعب البريطاني الذي أثبت فضله
على العالم ومنته على مجتمعه، ولا حرج بمواقفه وثباته واقتداره السياسي
والحربي والمالي , أما أهوال سنيننا هذه الأربع من حسن نواياها وآمالها وما
تريده ثقةً واعتمادًا على معاشر العرب بقوله (من بحث سياستها القديمة التي
كانت ترمي إلى تسنيد تركيا وشد أزرها على أعدائها وأخذنا نحاول البحث عن بديل
حر يحل محل السلطة العثمانية البالية الفاسدة، ومن هؤلاء الأبدال الذين يحلون
محل تركيا العرب، أما سواهم فلسطين الجديدة وأرمينيا الجديدة) .
(نرحب ونؤهل ونسهل بمن أنزلنا محل ثقته، وتوسمنا بالأهلية لمصادقته،
ولا ريب فإن على مثل هذا يتنافس المتنافسون ولمثله فليعمل العاملون) .
(ألف ألف أهلاً وترحيبةً، وأضعافها شكرًا لمحسن الظن، وإنا لا نجيبه
بما قال أحد أشياخ جاهليتنا: أهملني صغيرًا وحملني كبيرًا، ولكن نقول: إن
العرب اليوم هم كالأشبال أو أفراخ الشياهين والبازي المحتاجة لصيانة آبائها) .
(ومع هذا فستجدهم أيها الداعي المحسن الظن - إن شاء الله تعالى - من
حيث تريد، وتراهم بعنايته بيت القصيد , فإليكم بني يعرب ما أوتيتموه من طموح
الأنظار إليكم، وآمال أجل شعوب العالم فيكم، فانظروا ماذا تأمرون بعد ما وصفكم
ذلك الشعب بما وصف، فأجيبوا داعي المكرمات، وحققوا في نجابتكم التصورات
وكونوا خير أمة أحيت مندرس معالم سؤدد أسلافها للناس، ولأنتم أرفع وأسمى
من أن تذكر له نكبات التخاذل وموارد الأتعاس، أو تسيئوا بقولنا الظن وعكس
القصد، وايم الله إنه الحق. ونكرر ما أشرنا إليه في أعدادنا السابقة بأنا معاشر
الحجازيين ولا شيء من الرياسة أو السيادة إن كانت في سوري أو في يمني أو في
حجازي ونحوه، ولا يهمنا، ورب الكعبة إلا توليكم لبلادكم كتولي الشعوب المحررة
لبلادها، وإن داء الشامي هو داء اليماني, وإن في شقاء الآخر شقاءً للأول، وإن ما
يصيب أحدهما يصيب الآخر من خير أو عكسه، ومتى تفطنهم في أن أبسط دليل
على هذا قيام الحجازيين ونهضتهم وهم ولا شيء مما أصاب إخوتهم من الضيم
الذي سارت بأنواعه الركبان، علمتم أنهم أدركوا تلك الغاية الجليلة , واغتنموا تلك
الفرصة لتحليهم بجلائلها، وأن يمتعهم بدعة العيش التي هم بها على مسمع من أنين
المضطهدين من إخوانهم عار عظيم لا يغسله إلا دماؤهم، وكان بفضله ما كان فلا
تعقموا النتيجة , ولا تهدروا تلك الدماء الزكية، والنفوس الأبية) اهـ كلام القبلة
بحروفه.
(المنار)
إن عبارة جريدة القبلة - على ما فيها من الغلط والمعاظلة - صريحة في
اتفاق حكومة الحجاز مع حكومتي الحليفتين إنكلترة وفرنسة في أمر الولايات العربية
العثمانية وأهمها مسألة فلسطين الجديدة، ولكن جاء في جرائد الحلفاء، ولا سيما
جريدتي الطان والتايمس كلام من مذكرة الأمير فيصل التي قدمها للمؤتمر ما يجلي
المقاصد كما ترى.