في مثل هذا اليوم (١٩ و٣١ أغستوس) من سنة ١٢٩٣هـ الموافقة سنة ١٨٧٦ م بويع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين والسلطان الأعظم على جميع العثمانيين السلطان ابن السلطان، السلطان الغازي عبد الحميد خان (نصره الله تعالى وأيده) بالخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية، وهو يوم يحتفل فيه العثمانيون على اختلاف مِلَلهم ونِحَلهم، والمسلمون على اختلاف أقطارهم وحكوماتهم، ويظهرون فيه الابتهاج والسرور، ويزينون المعاهد والقصور، ويهنئ بعضهم بعضًا بهذا الموسم الحميد، ولقد طفق المصريون يستعدون للاحتفال وإقامة معالم الزينة من أول شهر أغستوس، والجرائد العثمانية - وفي مقدمتها جريدة المؤيد الغراء - تحدو بهممهم، وتحرك من نفوسهم الأريحية العثمانية والمكارم العربية. تجول في شوارع القاهرة وأسواقها، فتسمع فوقك في كل بقعة حفيفًا كحفيف الأجنحة الخافقة، وما هو إلا خفقان الرايات الحمر ذات الأهلة والنجوم البيض التي تمثل لك سماء من الياقوت، كواكبها من الماس واللؤلؤ، أو تخيل لك النيل يجري من فوق الرءوس وقد عم فيضانه حتى رؤي ماؤه الأحمر مزينًا بزبده الأبيض في كل جو، كما روي منه كل قاع. وإذا أصخت بسمعك لخفقان الراي (جمع راية) والأعلام سمعتها تتناجى مع أرواح النسيم بأن ارتباط مصر بالدولة العلية كارتباط الروح بالجسد، وأن كل ذرة من ذرات مصر تنجذب إلى العثمانية بطبيعتها، وكل نفس منفوسة في مصر تخضع لجلالة السلطان الأعظم بطوعها وإرادتها. قال قائل: إن الاحتلال الإنكليزي أنمى محبة الحضرة السلطانية في قلوب المصريين، وفسره بما يبعد عن الصواب، ونحن نقول: إن لم يكن الاحتلال أنمى ذلك الحب فقد أيقظه ونبهه، وإن لم يكن أوجد الرابطة العثمانية فقد أحكمها وقوَّاها؛ لأن السلطان أذن للإنكليز في احتلال مصر وإصلاحها، كما زعم الزاعم، بل لأن استبداد الإنكليز في البلاد وتهديدهم استقلالها وإفسادهم معارفها واستيلاءهم على سفنها ومراكبها وأراضيها وأموالها، كل ذلك نبه المصريين إلى رحمة حكامهم الأتراك، وعرفهم أن من وجد في الأتراك إخوانهم من حاكم ظالم، فإن ظلمه ناشئ عن جهله، لا عن إرادة الدولة العلية بمجموعها -سلطانها وحكامها- لهم السوء، على أن مصر جزء من أجزاء السلطنة، وعضو طبيعي من أعضائها، تربطها بها رابطة الجنس والدين، فلو أن الحضرة السلطانية أو أي حاكم عثماني اختص نفسه بشيء من مصر لكان ذلك في نظر المصريين كانتقال الخاتم من أصبع إلى أصبع، أما أخذ الإنكليز له فهو إضاعة وفقد لا يرجى عوضه. هذا ما نبه المصريين على شدة التعلق بأذيال الدولة العلية، والإخلاص في الحب للذات الشاهانية، مقتدين في ذلك بخديويهم عزيز مصر عباس حلمي باشا، الأمين المخلص لسلطانه، والخليفة عليه. وستقام في مساء هذا النهار (ليلة الخميس) الزينة الكبرى في حديقة الأزبكية وقد استعدت الجمعية المصرية المؤلفة برياسة سعادة حسن بك مدكور التاجر الشهير لهذه الزينة أتم الاستعداد، وقد صدرت أوراق الدعوة لحضور الاحتفال ببيتين كل شطر منهما تاريخ للسنة الهجرية الحاضرة وهما: أعز الإله خليفتنا ... متين التجاريب عبد الحميد ... ٧٨ ٦٧ ... ١١٧٢ ٥٠٠ ٦٤٧ ٧٦ ٩٣ ــ ... ــ ... ... ١٣١٦ ... ... ... ... ١٣١٦ وأبلغه في دوام المنى ... سعود المفاخر في كل عيد ... ١٠٤٤ ٩٠ ٥١ ١٣١ ... ١٤٠ ٩٥٢ ٩٠ ٥٠ ٨٤ ... ــ ... ــ ... ... ... ١٣١٦ ... ... ... ... ١٣١٦ أما الزينات الخاصة التي تقام في القاهرة وفي سائر مدن القطر، فهي لا تدخل تحت الإحصاء، فإنك لا تكاد تجد بيتًا من بيوت الوجهاء، ولا إدارة جريدة من الجرائد العثمانية، ونخص بالذكر إدارة جريدتي المؤيد والفلاح الغراوين، وإدارة هذه الجريدة (المنار) ولا مكتبًا من مكاتب المحامين إلا وترى الأعلام خافقة في رحابه، والمصابيح تتألق على جدرانه وأبوابه، وبالجملة أن القلم ليعجز عن إعطاء هذه المظاهر الاحتفالية حقها من الوصف، ولا سيما إذا أراد أن يصف ما تمنحه من الشعور العام بمعنى الوطنية، وما تحكمه من روابط الجامعة العثمانية، لكننا أشرنا للإجمال وندع التفصيل للجرائد اليومية. وإننا نرفع على أعمدة الجريدة هذه القصيدة لأعتاب مقام الخلافة العظمى، ومقر السلطنة الكبرى، مسترحمين من مكارم مولانا إتحافها بالقبول وهي: يوم الجلوس على العرش الحميدي ... أجلُّ عيد على الدنيا سياسي ذاك الجلوس قيام بالأمانة أو ... نوم مع الأمن أو نيل الأماني قيام راعٍ يبيت الليل منتبهًا ... كيما ينام قريرًا كل مرعي قيامه بشؤون الملك تابعة ... حكم الخلافة في الدين الحنيفي عبد الحميد وذو الرأي الرشيد بنا ... وخير هادٍ ومأمون ومهدي مقرونة طاعة الباري بطاعته ... كما قرأناه في النص القرآني ذو همة تحسب الأفلاك أنجمها ... دارت على محور منها مجازي إذا خبا البرق في الآفاق أومض في ... أفكاره بين إيجاب وسلبي يعارض البرق منهلاً ومنسجمًا ... بعارض من نداه حافل الري بين المحيا وكفيه مناسبة ... كالبدر والبحر في الجذب الطبيعي تقلد الملك والأخطار مهطعة ... من كل صوب كأعناق البخاتي فاستَّل صارم عزم من إضاءته ... تنصلت صبغة الخطب الدجوجي فلم يدع هام خطب غير منفلق ... ولم يذر عنق كرب غير مفري وشاد للدولة العظمى دعائمها ... من دنيوي به تسمو وديني شكت له البؤس والضرا فأتحفها ... بمعنوي من النعمى وصوري وبث روح الترقي في عناصرها ... من عسكري ومالي وعلمي وكف عنها زحوف الطامعين ... وقد كانت تهدد منهم بالآلافي مآثر كهتون المزن هامية ... تواترت بين مروي ومرئي قد طوقت كرة الدنيا مناطقها ... منها بنور ولكن غير شمسي بالكَمِّ والكيف تأبى الاشتراك بها ... بالرغم عن هذيان الاشتراكي تعزى إلى شخصه السامي فلست ترى ... سوى حميدية اسم أو حميدي يا خادم الحرمين الأشرفين ويا ... رب النفوذين حسي وروحي وحاملاً راية السلم الشريف وميـ ... ـزان السياسة للقطر الأوروبي يخشى خلافك بل يرجى حلافك من ... ملوكه كل مرجو ومخشي يهنيك عيد به عاد السرور ... على كل الرعية من عرب وتركي وعش لأمثاله بالله معتصمًا ... مؤيدًا منه بالنصر الإلهي وإننا نختم القول بأبيات ذات تاريخ، قدمها لنا حضرة الأستاذ الشهير الشيخ سليمان العبد من علماء الجامع الأزهر الشريف وهي: عيد الجلوس مبشر ... بالنصر والفتح المبين وسعوده تزهو بسعـ ... ـدك يا أمير المؤمنين وتقلدت مصر بطا ... لع يمنه عقدًا ثمين وتيمنت ببهائه ... واستبشرت بالمخلصين وأضاء في أرجائها ... فزهت وضاء بها الجبين في كل عيد تجتلي ... صفو الهناء مع البنين ونراك خير خليفة ... تحمي البلاد من المهين ونرى الرعايا في صفا ... في ظل عدلك آمنين ونرى لملكك عزة ... ونراك في عز متين ونراك يقظان العيو ... ن على صلاح المسلمين ونراك في سعد السعو ... د وأنت أرقى الظافرين ونراك تحفظ حوزة الـ ... إسلام فينا كل حين ونراك فياض العطا ... كرمًا لكل الطالبين ونراك بسامًا لدى ... بذل الندى للسائلين ونراك وثابًا على ... محق البغاة المارقين ونرى سهامك والموا ... ضي في نحور المعتدين وعلى دياجي المشكلا ... ت بنور وجهك تستعين ومن الحوادث والكوا ... رث دمت في حصن حصين واسلم فما في الأمر من ... خلل إذا كنت الأمين واسعد فما في الملك من ... عوج إذا كنت المعين واهنأ بعيد جلوسك الزا ... هي على مر السنين أرخته في بيت شعـ ... ـر فائق الدر الثمين عيد الجلوس كمال بشـ ... ـر يا أمير المؤمنين ١٣١٦