همس في أذني بعض الحجاج المصريين ونحن في الباخرة (كوثر) في العام الماضي أثناء تأديتي فريضة الحج، أن الوهابيين يمنعون الناس من الصلاة على النبي، وإذا صلى أحد عليه أمامهم أنزلوا به عقابًا شديدًا. فقلت له: هذا وهم يود إذاعته بعض رجال السوء من القالين للوهابيين، فقال: بل هو عين الحقيقة، وسترى الأمر بنفسك. ولما قابلت جلالة الملك عبد العزيز آل سعود في يوم ١٢ مارس الماضي لأول مرة وكان أحد العلماء يتلو على مسامعه تفسير القرآن، فلما انتهى المفسر من التلاوة أخذ جلالته في سرد طائفة من فضائل الدين الإسلامي الحنيف، وكان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتبع اسمه بالصلاة عليه ولا يغفل عن الصلاة عليه مرة مطلقًا. وقابلت بعد ذلك حضرة العالم النجدي المشهور الشيخ عبد الله بن بليهد فقدم إليَّ رسالة اسمها (جامع المسالك في أحكام المناسك) وضعها في مناسك الحج توزعها الحكومة مجانًا، كما توزع رسالة أخرى وضعها الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأشرف الشيخ ابن بليهد على طبعها فتصفحت الرسالة الأولى فلحظت أن الشيخ ابن بليهد يلتزم ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مرة يرد اسمه فيها، فقلت له: إن بعضهم يتهم الوهابيين بإهمال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أراكم التزمتم إيراد الصلاة عليه في كل مرة يرد اسمه الشريف فيها، بينما نرى غيركم لا يلتزم ذلك، وبعضهم يضع حرف (ص) أو حروف (صلعم) ، فقال: إن وضع هذه الحروف قبيح، والواجب أن يتبع اسم النبي بالصلاة عليه كما التزم ذلك العلماء الموثوق بهم، وأورد أسماء طائفة من العلماء المتقدمين وما قالوه في هذا الباب مما لا يحضرني الآن؛ لأنني أكتب هذه الكلمة بعد مضي نحو ثلاثة أشهر على المقابلة. ولما قابلت جلالة الملك في قصره بمكة في يوم ١٩ مارس الماضي مع وفد الصحافة وتحدثنا مع جلالته وكنت أطرح الأسئلة عليه. قلت لجلالته: إنني ألحظ أنكم تصلون على النبي في كل مرة يرد ذكره فيها ومع ذلك نرى بعضهم يتهم الوهابيين بعدم الصلاة على النبي، فقال جلالته: هذا أمر غريب جدًّا، كيف لا نصلي عليه؟ ومن الذي نحبه بعد الله أكثر من نبينا صلى الله عليه وسلم، فوالله إنه أحب إلينا من كل شيء، وإنا نغار عليه وندافع عن دينه كما نغار على حريمنا وأكثر، بل إننا نحب خلفاءه الراشدين، ونحب كل خادم للإسلام ولا سيما الأئمة الأربعة، ونحن طلاب حق نتبعه أينما وجدناه ونأخذ الصحيح في أي مذهب كان أو على يد أي عالم أتي به لا نفرق بين أحد، وها نحن نحب تفسير ابن كثير ونعنى به كثيراً وصاحبه شافعي، وإذا نحن جنحنا إلى مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه فلأنه يعنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الأئمة كما هو معلوم. فهل بعد ذلك يقال عنا أننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي جاء بالدين الحق الذي ندين الله به؟ وتوسع جلالته في ذلك كثيرًا، وكانت أمارات التأثر بادية على محياه بجلاء تام. وفي المدينة المنورة قابلت حضرة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم أمير المدينة، ولاحظت أنه يلتزم الصلاة على النبي أيضًا فنوهت باتهام بعضهم للوهابيين بترك الصلاة عليه، فانطلق يسفِّه مزاعم أولئك ويفصِّل القول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومما قاله: إننا معشر الوهابيين نعتبر الصلاة والسلام عليه في الصلاة ركنًا من أركان الصلاة لا تتم إلا به، بينما بعض المذاهب لا يعتبرها ركنًا، وهذه حجة دامغة للمزاعم الباطلة. فهذه أقوال ثلاثة من أقطاب الوهابية، بل هي أقوال جلالة الملك العظيم محيي المملكة وحامي الجزيرة العربية كلها تقريباً، وأكبر علماء مملكته، وحاكم أشرف إمارة من إماراته، أجمعت قولاً وكتابة على أن ما رُميت به الوهابية محض افتراء، وإفك وبهتان.