للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عن رحلة ابن جبير


العمران العربي [*]
وصف الجامع الأموي

هو من أشهر جوامع الإسلام حسنًا وإتقان بناء وغرابة صنعة واحتفال تنميق،
وتزيين وشهرته المتعارفة في ذلك تغني عن استغراق الوصف فيه، ومن عجيب
شأنه أنه لا تنسج به العنكبوت ولا تدخله ولا تلم به الطير المعروفة بالخطاف،
انتدب لبنائه الوليد بن عبد الملك - رحمه الله - ووجه إلى ملك الروم بالقسطنطينية
يأمره بإشخاص اثني عشر ألفًا من الصناع من بلاده وتقدم إليه بالوعيد في ذلك إن
توقف عنه فامتثل أمره مذعنًا بعد مراسلة جرت بينهما في ذلك مما هو مذكور في
كتب التواريخ فشرع في بنائه وبلغت الغاية في التأنق فيه وأنزلت جدره كلها
بفصوص من الذهب المعروف بالفسيفساء وخلطت بها أنواع من الأصبغة الغريبة
قد مثلت أشجارًا وفرعت أغصانًا منظمومة بالفصوص ببدائع من الصنعة الأنيقة
المعجزة وصف كل واصف فجاء يغشي العيون وميضًا وبصيصًا وكان مبلغ النفقة
فيه حسبما ذكره ابن المعلى الأسدي في جزء وصفه في ذكر بنائه مائة صندوق في
كل صندوق ثمانية وعشرين ألف دينار ومائتا ألف دينار فكان مبلغ الجميع إحدى
عشر ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار، والوليد هذا هوالذي أخذ نصف الكنيسة،
الباقية منه في أيدي النصارى وأدخلها فيه؛ لأنه كان قسمين قسمًا للمسلمين
وهو الشرقي وقسمًا للنصارى وهو الغربي؛ لأن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
دخل البلد في الجهة الغربية فانتهى إلى نصف الكنيسة وقد وقع الصلح بينه وبين
النصارى ودخل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - عنوة من الجانب الشرقي
وانتهى إلى النصف الثاني وهوالشرقي فاختاره المسلمون وصيروه مسجدًا وبقي
النصف المصارع عليه وهو الغربي كنيسة بأيدي النصارى إلى أن عوضهم منه
الوليد فأبوا ذلك فانتزعه منهم قهرًا، وطلع لهدمه بنفسه وكانوا يزعمون أن الذي
يهدم كنيستهم يجن فبادر وقال: أنا أول من يجن في الله، وبدأ الهدم بيده فبادر
المسلمون وأكملوا هدمه.
ذرعه في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة وهما ثلاثمائة ذراع
وذرعه في السعة من القبلة إلى الجوف مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة هي مائتا
ذراع فيكون تكسيره من المراجع الغربية أربعة وعشرون مرجعًا وهو تكسير مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أن مسجد رسول الله صلى الله عليه من القبلة
إلى الشمال، وبلاطاته المتصلة بالقبلة ثلاثة مستطيلة من الشرق إلى الغرب سعة
كل بلاط منها ثمان عشرة خطوة والخطوة ذراع ونصف، وقد قامت على ثمانية
وستين عمودًا منها أربعة وخمسون سارية وثماني أرجل جصية تتخللها،
واثنتان مرخمة ملصقة معها في الجدار الذي يلي الصحن وأربع أرجل مرخمة أبدع
ترخيم مرصعة بفصوص من الرخام ملونة قد نظمت خواتيم وصورت محاريب
وأشكالاً غريبة قائمة في البلاط الأوسط تقل قبة الرصاص مع القبة التي تلي المحراب
سعة كل رجل منها ستة عشر شبرًا، وطولها عشرون شبرًا، وبين كل رجل ورجل
في الطول سبع عشرة خطوة وفي العرض ثلاث عشرة خطوة فيكون دور كل رجل
منها اثنين وسبعين شبرًا، ويستدير بالصحن بلاط من ثلاث جهاته الشرقية والغربية
والشمالية سعته عشرة خطى وعدد قوائمه سبع وأربعون منها أربع عشرة رجلاً من
الجص وسائرها سوار فيكون سعة الصحن حاشا المسقف القبلي والشمالي مائة ذراع
وسقف الجامع كله من خارج ألواح رصاص.
وأعظم ما في هذا الجامع المبارك قبة الرصاص المتصلة بالمحراب وسطه
سامية في الهواء عظيمة الاستدارة قد استقل بها هيكل عظيم هو غارب لها يتصل
من المحراب إلى الصحن وتحته ثلاث قباب: قبة تتصل بالجدار الذي إلى الصحن،
وقبة تتصل بالمحراب، وقبة تحت قبة الرصاص بينهما، والقبة الرصاصية قد
أغصت الهواء وسطه فإذا استقبلتها أبصرت منظرًا رائعًا ومرأى هائلاً يشبهه بنسر
طائر كأن القبة رأسه والغارب جؤجؤه ونصف جدار البلاط على يمين نصف الثاني
على شمال جناحاه وسعة هذا الغراب من جهة الصحن ثلاثون خطوة فهم يعرفون
هذا الموضع من الجامع بالنسر لهذا التشبيه الواقع عليه، ومن أي جهة استقبلت
البلد ترى القبة في الهواء منيفة على كل علو كأنها معلقة من الجو، والجامع مائل
إلى الجهة الشمالية من البلد وعدد شمسياته الزجاجية المذهبة الملونة أربع وسبعون
منها في القبة التي تحت قبة الرصاص عشر وفي القبة المتصلة بالمحراب مع ما
يليها من الجدر أربع عشرة شمسية.
وفي الجامع ثلاث مقصورات مقصورة الصحابة رضي الله عنهم وهي أول
مقصورة وضعت في الإسلام وضعها معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه -
وبإزاء محرابها عن يمين مستقبل القبة باب حديد كان يدخل معاوية - رضي الله عنه -
إلى المقصورة منه إلى المحراب وبإزاء محرابها لجهة اليمين مصلى أبي الدرداء
- رضي الله عنه - وخلفها كانت دار معاوية رضي الله عنه وهي اليوم
سماط عظيم للصفارين يتصل بطول جدار الجامع القبلي ولا سماط أحسن منظرًا منه
ولا أكبر طولاً وعرضًا، وخلف هذا السماط على مقربة منه دار الخيل برسمه
وهي اليوم مسكونة وفيها مواضع للكمادين وطول المقصورة الصحابية المذكورة
أربعة وأربعون شبرًا وعرضها نصف الطول، ويليها لجهة الغرب في وسط الجامع
المقصورة التي أحدثت عند إضافة النصف المتخذ كنيسة إلى الجامع - حسبما تقدم
ذكره - وفيها منبر الخطبة ومحراب الصلاة وكانت مقصورة الصحابة أولاً في
نصف الخط الإسلامي من الكنيسة، وكان الجدار حيث أعيد المحراب في المقصورة
المحدثة فلما أعيدت الكنيسة كلها مسجدًا صارت مقصورة الصحابة طرفًا في الجانب
الشرقي وأحدثت المقصورة الأخرى وسطًا حيث كان جدار الجامع قبل الاتصال
وهذه المقصورة المحدثة أكبر من الصحابية.
وبالجانب الغربي بإزاء الجدار مقصورة أخرى هي برسم الحنفية يجتمعون فيها
للتدريس وبها يصلون، وبإزائها زاوية محدقة بالأعواد المشرجية كأنها مقصورة
صغيرة، وبالجانب الشرقي في زاوية أخرى على هذه الصفة هي كالمقصورة كان
وضعها للصلاة فيها أحد أمراء الدولة التركية وهي لاصقة بالجدار الشرقي،
وبالجامع عدة زوايا على هذا الترتيب يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن
ازدحام الناس وهي من جملة مرافق الطلبة.
وفي الجدار المتصل بالصحن المحيط بالبلاطات القبلية عشرون بابًا متصلاً
بطول الجدار قد علتها قسيٌّ جصية مخرمة كلها على هيئة الشمسيات فتبصر العين
من اتصالها أجمل منظر وأحسنه.
والبلاط المتصل بالصحن المحيط بالبلاطات من ثلاث جهات على أعمدة
وعلى تلك الأعمدة أبواب مقوسة تقلها أعمدة صغار تطيف بالصحن كله، ومنظر
هذا الصحن من أجمل المناظر وأحسنها، وفيه مجتمع أهل البلد، وهو
متفرجهم ومتنزهم كل عشية، تراهم فيه ذاهبين وراجعين من شرق إلى غرب من
باب جيرون إلى باب البريد؛ فمنهم من يتحدث مع صاحبه ومنهم من يقرأ لا يزالون
على هذه الحال من ذهاب ورجوع إلى انقضاء صلاة العشاء الآخرة ثم ينصرفون،
ولبعضهم بالغداة مثل ذلك، وأكثر الاحتفال إنما هو بالعشي فيخيل لمبصر ذلك أنها
ليلة سبع وعشرين من رمضان المعظم لما يرى من احتفال الناس واجتماعهم لا
يزالون على ذلك كل يوم، وأهل البطالة من الناس يسمونهم حراسين.
وللجامع ثلاث صوامع: واحدة في الجانب الغربي وهي كالبرج المشيد تحتوي
على مساكن متسعة وزوايا فسيحة راجعة كلها إلى أغلاق يسكنها أقوام من الغرباء
أهل الخير، والبيت الأعلى منها كان معتكف أبي حامد الغزالي رحمه الله، ويسكنه
اليوم الفقيه الزاهد أبو عبد الله بن سعيد من أهل قلعة يحصب المنسوبة
لهم وهو قريب لبني سعيد المشتهرين بالدنيا وخدمتها، وثانية بالجانب الغربي
على هذه الصفة، وثالثة بالجانب الشمالي على الباب المعروف بباب الناطفيين.
وفي الصحن ثلاث قباب: إحداها في الجانب الغربي منه وهي أكبرها، وهي
قائمة على ثمانية أعمدة من الرخام مستطيلة كالبرج مزخرفة بالفصوص والأصبغة
الملونة كأنها الروضة حسنًا، وعليها قبة رصاص كأنها التنور العظيم الاستدارة،
يقال: إنها كانت مخزنًا لمال الجامع، وله مال عظيم من خراجات ومستغلات
تنيف - على ما ذكر لنا - على الثمانية آلاف دينار صورية في السنة وهي خمسة
عشر ألف درهم مؤمنية أو نحوها، وقبة أخرى صغيرة في وسط الصحن مجوفة
مثمنة من رخام قد ألصق أبدع إلصاق قائمة على أربعة أعمدة صغار من الرخام
وتحتها شباك حديد مستدير، وفي وسطه أنبوب من الصفر يمج الماء إلى علو
فيرتفع وينثني كأنه قضيب من لجين يَشْرَهُ الناس لوضع أفواههم فيه للشرب
استظرافًا واستحسانًا ويسمونه قفص الماء، والقبة الثالثة في الجانب الشرقي
قائمة على ثمانية أعمدة على هيئة القبة الكبيرة لكن أصغر منها.
وفي الجانب الشمالي من الصحن باب كبير يفضي إلى مسجد كبير، في وسطه
صحن قد استدار فيه صهريج من الرخام كبير، يجري الماء فيه دائمًا من صفحة
رخام أبيض مثمنة قد قامت وسط الصهريج على رأس عمود مثقوب يصعد الماء
منه إليها، ويعرف هذا الموضع بالكلاسة، ويصلي فيه اليوم صاحبنا الفقيه
الزاهد المحدث أبو جعفر الفنكي القرطبي ويتزاحم الناس على الصلاة فيه
خلفه التماسًا لبركته واستماعًا لحسن صوته.
وفي الجانب الشرقي من الصحن باب يفضي إلى مسجد من أحسن المساجد
وأبدعها وضعًا وأجملها بناء يذكر الشيعة أنه مشهد لعلي بن أبي طالب - رضي الله
عنه - وهذا من أغرب مختلقاتهم، ومن العجيب أنه يقابله في الجهة الغربية في
زاوية البلاط الشمالي من الصحن موضع هو ملتقى آخر البلاط الشمالي مع أول
البلاط الغربي مجلل بستر في أعلاه، وأمامه ستر أيضًا منسدل يزعم أكثر النساء أنه
موضع لعائشة - رضي الله عنها - وأنها كانت تسمع الحديث فيه وعائشة - رضي
الله عنها - في دخول دمشق كعلي - رضي الله عنه - لكن لهم في علي - رضي
الله عنه - مندوحة من القول وذلك أنهم يزعمون أنه رؤي في المنام مصليًا في ذلك
الموضع فبنت الشيعة فيه مسجدًا، وأما الموضع المنسوب لعائشة - رضي الله عنها -
فلا مندوحة فيه، وإنما ذكرناه لشهرته في الجامع.
وكان هذا الجامع المبارك ظاهرًا وباطنًا مُنَزَّلاً كله بالفصوص المذهبة مزخرفًا
بأبدع زخاريف البناء المعجز الصنعة، فأدركه الحريق مرتين فتهدم وجدد وذهب
أكثر رخامه فاستحال رونقه، فأسلم ما فيه اليوم قبلته مع الثلاث قباب المتصلة بها.
محرابه من أعجب المحاريب الإسلامية حسنًا وغرابة صنعة يتقد ذهبًا كله، وقد
قامت في وسطه محاريب صغار متصلة بجداره تحفها سويريات مفتولات
فتل الأسورة كأنها مخروطة لم ير شيء أجمل منها وبعضها حمر كأنها مرجان،
فشأن قبلة هذا الجامع المبارك مع ما يتصل بها من قبابه الثلاث وإشراق
شمسياته المذهبة الملونة عليه، واتصال شعاع الشمس بها وانعكاسه إلى كل
لون منها حتى ترتمي إلى الأبصار منه أشعة ملونة يتصل ذلك بجداره القبلي
كله عظيم لا يلحق وصفه ولا تبلغ العبارة بعض ما يتصوره الخاطر منه، والله
يعمره بمنه.
وفي الركن الشرقي من المقصورة الحديثة في المحراب خزانة كبيرة فيها
مصحف من مصاحف عثمان - رضي الله عنه - وهو المصحف الذي وجه به إلى
الشام، وتفتح الخزانة كل يوم إثر الصلاة فيتبرك الناس بلمسه وتقبيله ويكثر
الازدحام عليه.
وله أربعة أبواب: باب قبلي ويعرف بباب الزيادة، وله دهليز كبير متسع
وله أعمدة عظام، وفيه حوانيت للخرزيين وسواهم، وله مرأى رائع، ومنه يفضي
إلى دار الخيل، وعن يسار الخارج منه سماط الصفارين، وهي كانت دار معاوية
- رضي الله عنه - وتعرف بالخضراء. وباب شرقي وهوأعظم الأبواب ويعرف
باب جيرون. وباب غربي ويعرف بباب البريد وباب شمالي ويعرف بباب الناطفيين.
وللشرقي والغربي والشمالي أيضا من هذه الأبواب دهاليز متسعة يفضي كل دهليز
منها إلى باب عظيم كانت كلها مداخل الكنيسة فبقيت على حالها وأعظمها منظرًا
الدهليز المتصل باب جيرون، يخرج من هذا الباب إلى بلاط طويل عريض قد قامت
أمامه خمسة أبواب مقسمومة لها ستة أعمدة طوال وفي وجه اليسار منه مشهد كبير
حفيل كان فيه رأس الحسين بن علي - رضي الله عنهما - ثم نقل إلى القاهرة.
وبإزائه مسجد صغير ينسب لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وبذلك المشهد ماء
جار، وقد انتظمت أمام البلاط أدراج ينحدر عليها إلى الدهليز، وهو كالخندق العظيم
يتصل إلى باب عظيم الارتفاع ينحسر الطرف دونه سموًّا قد حفته أعمدة كالجزوع
طولاً وكالأطواد ضخامة، وبجانبي هذا الدهليز أعمدة قد قامت عليها شوارع مستديرة
فيها الحوانيت المنتظمة للعطارين وسواهم، وعليها شوارع أخر مستطيلة فيها الحجر
والبيوت للكراء مشرفة على الدهليز وفوقها سطح بيت به سكان الحُجَر
والبيوت.
وفي وسط الدهليز حوض كبير مستدير من الرخام عليه قبة تقلها أعمدة من
الرخام ويستدير بأعلاه طرة من الرصاص واسعة مكشوفة للهواء لم ينعطف عليها
تعتيب، وفي وسط الحوض الرخامي أنبوب صفر يزعج الماء بقوة فيرتفع إلى الهواء
أزيد من القامة وحوله أنابيب صغار ترمي الماء إلى علو فيخرج عنها كقضبان
اللجين، فكأنها أغصان تلك الدوحة المائية، ومنظرها أعجب وأبدع من أن يلحقه
الوصف.
وعن يمين الخارج من باب جيرون في جدار البلاط الذي أمامه غرفة لها
هيئة طاق كبير مستدير فيه طيقان صفر قد فتحت أبوابًا صغارًا على عدد ساعات
النهار ودبرت تدبيرًا هندسيًّا فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط صنجتان من صفر
من فمي بازيين مصورين من صفر قائمين على طاستين من صفر تحت كل واحد
منهما.
أحدهما تحت أول باب من تلك الأبواب، والثاني تحت آخرها،
والطاستان مثقوبتان، فعند وقوع البندقتين فيهما تعودان داخل الدار إلى الغرفة،
وتبصر البازيين يمدان عنقيهما بالبندقتين إلى الطاستين ويقذفانهما بسرعة
بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحرًا وعند وقوع البندقتين في الطاستين يسمع لهما
دوي وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من الصفر لا يزال كذلك عند
كل انقضاء ساعة من النهار حتى تنغلق الأبواب كلها وتنقضي الساعات ثم تعود إلى
حالها الأول، ولها بالليل تدبير آخر؛ وذلك أن القوس المنعطف على تلك الطيقان
المذكورة اثنتي عشرة دائرة من النحاس مخرمة، وتعترض في كل دائرة زجاجة من
داخل الجدار مدبر ذلك كله منها خلف الطيقان المذكورة. وخلف الزجاج مصباح يدور
به الماء على ترتيب مقدار الساعة فإذا انقضت عم الزجاج ضوء المصباح وفاض
على الدائرة أمامها شعاعها فلاحت للأبصار دائرة محمرة ثم انتقل ذلك إلى الأخرى
حتى تنقضي ساعات الليل وتحمر الدوائر كلها، وقد وُكِّل بها في الغرفة متفقد لحالها
درب بشأنها وانتقالها يعيد فتح الأبواب وصرف الصنج إلى موضعها وهي التي
يسمونها الناس المنجانة.
ودهليز الباب الغربي فيه حوانيت البقالين والعطارين، وفيه سماط لبيع الفواكه،
وفي أعلاه باب عظيم يصعد إليه على أدراج وله أعمدة سامية في الهواء وتحت
الأدراج سقايتان مستديرتان: سقاية يمينًا، وسقاية يسارًا، لكل سقاية خمسة أنابيب
ترمي الماء في حوض رخام مستطيل، ودهليز الباب الشمالي فيه زوايا على
مصاطب محدقة بالأعواد المشرجبة هي مخاصر لمعلمي الصبيان، وعن يمين
الخارج في الدهليز خانقة مبنية للصوفية في وسطها صهريج. ويقال: إنها كانت
دار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والصهريج الذي في وسطها يجري الماء
فيه ولها مطاهر على الصفة المذكورة. وفي الصحن بين القباب المذكورة عمودان
متباعدان يسيرًا لهما رأسان من الصفر مستطيلان مشرجبان قد خرما أحسن تخريم
يسرجان ليلة النصف من شعبان فيلوحان كأنهما ثريتان مشتعلتان، واحتفال أهل هذه
البلدة لهذه الليلة أكثر من احتفالهم بسبع وعشرين من رمضان المعظم.