للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح بن علي اليافعي


رد الشبهات على النسخ
وكون السنة من الدين
لليافعي
(٦)

بقية بحث أحاديث الآحاد وكونها من أصول الدين
قال في الأحاديث ما خلاصته: إنه لا يبعد أن يكون بعضها موضوعًا، وإن
ما غلب على الظن أن يكون له أصل صحيح، كان شريعة خاصة بأحوال خاصة
وظروف مخصوصة في مبدأ الإسلام ... إلى قوله: وما جاء في القرآن هو الشرع
العام لكل زمان ومكان؛ ولذلك لم يأت أمثال هذه المسائل الخاصة فيه، ثم قال:
ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن تدوينها؛ كي لا تكون
خالدة بينهم كالقرآن الشريف ... إلى قوله: لم يحسن المسلمون الجمع بين هذه
الأحاديث وبين نصوص الكتاب العزيز.
وأقول: إن ما كان موضوعًا، فقد بينه النقاد بُدور العلم ونجوم الهدى
- رحمهم الله - ومن سلك الطرق المؤدية عرفه، والصحيح قد بينوه على اختلاف
مراتبه وهو كثير، وشريعة الله ودينه هو ما في الكتاب والسنة والنبوية، والعجب أن
الدكتور الفاضل قد ذكر في رسالته هذه أن في الكتاب كثيرًا من الأحكام الخاصة
ثم هو ينكرها هاهنا، ونحن نعلم أن فيه: المخصوص والمقيد، والمجمل والمبين.
والأحاديث وإن كان قد يوجد فيها بعض ذلك إلا أن ما فيها من ذلك هو أقل مما في
القرآن، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تدوينها قد قدمنا الكلام عليه، والمسلمون
قد أحسنوا التوفيق بين الأحاديث وآيات الكتاب، وما اعترض به حضرته قد عرفت
الجواب عنه.
أما قوله: وإني لأعجب من أهل الحديث، وقوله: فكأنه يجب على كل مسلم
بمجرد ما يسمع أقوالاً منسوبة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يفني حياته
في معرفة أحوال رجالها، والوقوف على أمورهم ... إلى قوله: فأي حرج في
الدين أكبر من هذا، وخصوصًا كلما طال العهد إلى آخره.
وأقول: الأمر أيسر وأسهل مما ظن الفاضل، فالمتأهل للنظر قد سهل الله له
الأمر بما قد صنفه العلماء من الأصول وما جمعوه من الصحاح التي قد هذبت،
ونقيت، وقربت، واختصرت، على أن الجد والاجتهاد في تحصيلها هو من أفضل
الطاعات وأولى ما أنفقت له نفائس الأوقات: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ} (النحل: ٩٦) فسد الزمان، وتركت الأديان، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا
بالله، فلتكن منكم أمة يدعون إلى الخير. أما العوام فلا حرج عليهم ولا تضييق،
وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: ٤٣) أي:
اسألوهم عن دين الله لا عن آرائهم المخالفة له، فمن أجاب بغير ما شرعه الله أو
بما يخالف ما شرعه فليس هو من أهل الذكر الذين أحال الله عباده إلى سؤالهم، بل
هو من أهل الرأي المذموم، ولا ندري ما مراد الفاضل بهذا والله المستعان.
قال حضرة الفاضل - حفظه الله - في الكلمة السابعة من رسالته: السنة في
اللغة وفي اصطلاح السلف هي الخطة والطريقة المتبعة، إلى أن قال: وهناك فرق
عظيم بين لفظ السنة ولفظ الأحاديث، ويجب على كل باحث أن يدرس هذا الفرق
جيدًا، حتى لا يقع في الخلط والخبط، وقال: أما تسمية الأحاديث مطلقًا بالسنة
فهي من اصطلاح المتأخرين، إلى أن قال: والسنة لا تكون إلا عملية.
وأقول: إن الله قد أمر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن
الاتباع يدل على امتثال أمره فيما قال صلى الله عليه وسلم، ونحن لا ننكر أن
الاتباع لغة يكون في الفعل أكثر منه القول. أما كون ذلك هو العرف الشرعي فلا
نسلمه، وإذا كانت السنة هي الخلطة والطريقة كما قال حضرته فلا شك أن الخطة
يكون أصلها القول، والطريق والطريقة والسبيل معناها واحد، وقد قال تعالى:
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨)
والدعاء قول وقد سماه سبيلاً، والفاروق الخليفة الثاني - رضي الله عنه - قال:
أصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن
يردوها فاستبقوا الرأي، وفي رواية واستحوا حين يسألون أن يقولوا لا نعلم
فعارضوا برأيهم فإياكم وإياهم، وفي رواية أخرى إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم
أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا. قلت:
وهذه الآثار سواء كانت موقوفة حقيقة، أو قد سمعها من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فإنه - رضي الله عنه - قد سمى الأحاديث سننا، وبذلك يظهر أن تسمية
الأحاديث سننًا ليس هو اصطلاح متأخر، وقد روي وصح عن غيره نحو ذلك،
وهو كثير، على أنَّا نقول أيضًا: إن الله كما أمر باتباعه في سننه صلى الله عليه
وسلم، كذلك قد أمر ورغب وأكد بطاعته، والطاعة إنما تكون في أمره القولي
حقيقة، وقد ذكرنا ذلك وما يقاربه ويضارعه بما لا مزيد عليه في رسالتنا السابقة.
قال: ولو كانت واجبة الاتباع لعلمها الناس جميعًا في عصره - صلى الله عليه
وسلم - وجروا عليها في أعمالهم، وقال: وهذا أدل دليل على أنها لم تكن دينًا عامًّا
لجميع البشر إلى آخره، وأقول: لا يلزم ذلك لأن جميعهم لم يعلموا القرآن أيضًا،
ولم يجروا في فهمه على طريقة واحدة في كل مسألة مسألة وواقعة واقعة، وهذا
الخليفة عمر - رضي الله عنه - من كبارهم، قد خفي عليه أمر الصداق وهو موجود
في القرآن، فلما قرأت عليه المرأة قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا
مِنْهُ شَيْئاً} (النساء: ٢٠) قال: (رجل أخطأ وامرأة أصابت) فاشتراط استوائهم
في العلم والعمل، واتفاقهم على جميع الأحكام شرط لغو لم يقل به أحد من المسلمين
كلهم، ولم يكن لحضرة الدكتور- حفظه الله - فيه سلف، لا في العمل، ولا العلم
بالقرآن، ولا في السنة وإذا كان الأمر في القرآن كما عرفت، وقد امتاز بأنه
كلام الرب بلفظه، وهم مأمورون بتبليغ لفظه للإعجاز ومتعبدون بتلاوته في الصلاة
ونحوها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأه عليهم في الصلوات الجهرية
ونحوها وهم كذلك، كل ذلك وهم لم يتفقوا على جميع أحكامه، ولا على العمل
بجميعها كما عرفت، فكيف يصح أن يشترط ذلك في الحديث، وهو إنما هو في
المرتبة الثانية؟ أفليس من الجائز أن يقول - صلى الله عليه وسلم - قولاً
ويُحدّث بحديث أو يحكم بحكم فلا يسمعه ولا يحضره إلا بعضهم، فيخفى على
الآخرين؟ على أن بعض الأحاديث قد عمل بها واتفق عليها أهل الحل والعقد منهم
- رضي الله عنهم -، وقد حدثت أمور وقائع فرجعوا فيها إلى العمل بالحديث، وإذا
صح عندهم الحديث فلم يكونوا يتأخرون عن العمل به، وأيضًا أقول بلا مجازفة:
قَلَّ أن يوجد حديث يصلح للاحتجاج به إلا وقد عمل به منهم عدد، ومن لم يعمل
به فنحن نعلم ونقطع بأنه لم يبلغه، أو لم يصح عنده، وذلك بديهي مدة عملهم
فلا إيراد ولا شبهة، فيتأمل فيما قدمناه من الحجج والله أعلم.
فالأحاديث الصحيحة قد جرى عليها العمل بلا انقطاع إلى يومنا هذا. أما
الخلاف في الدلالات والترجيح وتقديم بعض الأدلة على بعض في موارد الخلاف
والتعارض فهو واقع في القرآن والحديث، يعرف ذلك من اختبره، وعليه فلا
يصلح ذلك دليلاً على أن الشرع موقت بزمان دون زمان، وحال دون حال.
ونحن قد قلنا في رسالتنا السابقة: إن جميع الأحاديث المتفق على صحتها أو
التي صححها أو احتج بها أهل الكتب المشهورة، قد تلقتها الأمة بالقبول فلا نعيد
الكلام خوف الإطالة.
قال الفاضل - حفظه الله - في الكلمة الثامنة من رسالته:
(١) قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - ما معناه: إن الأحاديث الواردة
في تفسير عبارات القرآن الشريف لا أصل لها، وأقول: أولاً: إن الدكتور الفاضل
إذا أخذ هذه المقالة عن الإمام أحمد - رحمه الله -، وضم إليها أن جميع السنن لا
تقبل ولا يجب العمل بها، فماذا يبقى بين أيدي المسلمين من بيان الدين ومجملات
القرآن، وعليه فلا يبقى إلا العمل بالرأي، وقد عرفت ما فيه: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ
أَدْنَى بَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (البقرة: ٦١) قلت: والذين عرفوا الإمام أحمد وأقواله،
إنما حملوا قوله على أنه لم يصح عنده في ذلك شيء مرفوع؛ لأن عامة ما يروى
إنما هي المراسيل، وقد قال غيره من الأئمة: إن حكم أكثر الموقوفات في ذلك
الرفع، وعدم علمه لا ينفي أن يكون هناك شيء كثير مرفوع لم يبلغه، على أنه قد
نقل عنه في الإتقان؛ أنه قال أي الإمام أحمد: بمصر صحيفة في التفسير رواها
علي بن أبى طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا.
وما قاله الإمام أحمد - رحمه الله - لا يفيد الدكتور الفاضل شيئًا، وفرق بين ما
ذهب إليه الدكتور وما يدل عليه قول الإمام أحمد رحمه الله آمين، ولو أردنا أن
نورد عن الإمام ما قال في وجوب اتباع الأحاديث لاستدعى ذلك مجلدًا كبيرًا،
وكذلك الإمام الشافعي - رحمه الله -، كلاهما على نقيض مذهب الفاضل الدكتور،
وقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في النسخ إنما هو من نوع الكلام، فيما إذا
تعارضت الأدلة ?
أما ما نقل عن أهل الظاهر فليس كما قال، ولم نَرَ من نَقَلَ عنهم عدم وجوب
العمل بها، كيف ومذهبهم إنما اشتهر بالعمل بالقرآن والحديث فقط؛ ولذا يقال لهم
أهل الظاهر، إنما ينقل عن بعضهم أنه منع تخصص الكتاب بالكتاب وهو مبني
على اصطلاح متأخر اعتمدوه، والحق خلافه. نعم؛ نقل عن إمامهم داود - رحمه
الله - أن المتواتر من السنة يعارض الكتاب، ولا يخصص أحدهما الآخر؛ أي:
فهو يتوقف حتى يعلم التاريخ، وحينئذ يكون ذلك عنده من مسائل النسخ لا
التخصيص. وأما آحاد السنة الصحاح فلا نعرف لهم خلافًا منقولاً نقلاً موثقًا أنهم
منعوا تخصيصها للقرآن. وبذلك تعرف أن قولهم إنما هو مخالف ومناقض لمذهب
الأخ الفاضل الدكتور- حفظه الله.
قال: قال جمهور الأصوليين: إنها ظنية، وأقول: قد قدمنا الكلام على ذلك
وأن الحق غير ذلك، على أنهم مجمعون على وجوب اتباعها.
قال: وقال جمهور المسلمين: إنه لا يجوز الأخذ بها في العقائد. وأقول:
كونهم الجمهور غير مسلم. بل الجمهور من عهد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إلى يومنا هذا على خلاف ذلك، على أنه لا يجب أن نعتمد ونتدين بأقوال
الرجال، إلا إذا وافقت الصواب من السنة والكتاب.
قال: قال كثير من الأئمة كالقاضي عياض: إنه لا يجب الأخذ بها في المسائل
الدنيوية المحضة، وأقول: قد سبقهم إلى ذلك سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم
- فيما صح عنه. لكنه لا يدل ما زعمه حضرة الفاضل ولا يؤيد مذهبه.
قال: وقال جميع المحدثين: إن الموضوع منها كثير، وتمييزه عسير جدًّا،
وفي بعض الأحوال مستحيل. قلت: أمّا أنَّ أحدًا منهم قال: إن تمييزه مستحيل
فغير مُسلَّم. وأما الكثير فلا بأس وهم قد ميزوا ذلك وظهر أمر الله.
وأما ما نقل عن الإمام أبي حنيفة فإن صح ذلك كان بحسب اطلاعه، لا إنه في
نفس الأمر كذلك، وإمام الأحناف - رحمه الله - قد استفاض عنه وجوب تقديم
الحديث الضعيف على الرأي، فهو وأتباعه الصادقون على نقيض ما يذهب إليه
الفاضل الدكتور.
وما نقل عن الإمام مالك - رحمه الله - فليس مما نحن بصدده، وإنما هو من
باب ترجيح أحد الدليلين إذا تعارضا، وهو لا يدل على ما ذهب الفاضل الدكتور
حتى ولا من باب الإشارة، ومذهب الإمام مالك - رحمه الله - معروف في إيجاب
العمل بالأحاديث الصحاح.
قال: أجمع المسلمون على عدم تكفير من أنكر أي حديث منها. قلت: إن
من أنكر ذلك؛ لأنه لم يصح لديه فالأمر كذلك، ونحن نقول بذلك. وأمَّا مَنْ رَدَّ ما
عَرَفَ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله بلا مسوغ، فهو كافر برسالة محمد
صلى الله عليه وسلم.
وقوله: إن تناقضها كثير إلى آخره، جوابه: إن ذلك إنما هو في نظر بعض
الناس ودعوى الكثرة، والاستحالة في التوفيق غير مسلم، وقوله: قام الدليل الحسي
إلى آخره، جوابه أننا لا نسلم ذلك. وقوله: لم يجمعها الصحابة ... إلخ، قدمنا
الكلام عليه.
قال: لم يبلغوها إلى الأمم بالتواتر، أقول ذلك غير لازم وهو لا يضرنا،
والشيء لا يكون متواترًا إلا إذا تواتر بل قصد وتواطى، وإنما يكون متواترًا
بالاتفاق (كذا) .
قال: إنهم نهوا عن كتابتها وأحرقوا ما كتبوه منها، وأقول: قدمنا الكلام على
الكتابة. وأما الإحراق فهو لم يكن لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى
المدعي البيان بما يعين ويدل على مراده.
قال: قد نهى بعضهم عن التحديث وكرهه، أقول: إن صح ذلك فإنما هو
عن بعضهم؛ وسببه كما قال خوف الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فيقع المكثر في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن من يقال إنه
كره ذلك عمر - رضي الله عنه -، فقد روي عنه الجم الغفير أحاديث كثيرة، وقد
قدمنا بعض قوله في الأحاديث، وإن غيره فعليه بيانه على أن كراهة الإكثار من
التحديث لون وما ذهب إليه الدكتور الفاضل لون آخر، فلا حجة له في ذلك، فتأمل.
قال: كان أفاضلهم أقل الناس حديثًا ... إلخ، وأقول ذلك غير مسلم على أن
التحديث القليل الذي يسلمه هو حجة عليه ينقض مذهبه، ونحن نقول: إن عدم
الإكثار له أسباب كثيرة ليس هذا موضع بسطها.
قال: من كان من الصحابة - رضي الله عنهم - كثير الحديث ملوه وزجروه
كما فعل عمر - رضي الله عنه - بأبي هريرة - رضي الله عنه -، وأقول أبو
هريرة من الثفات ومن الصحابة الكرام، وكلام عمر له أسباب غير ما يريده
الدكتور الفاضل، وقد عرفت بعض كلام عمر (رضي الله عنه) وهو من أكثر
الصحابة أمرًا باتباع الحديث والسنة، وقد حدث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأحاديث كثيرة.
قال: إن أئمة المسلمين لم يتفقوا على الصحيح منها. قلت: بل قل: اتفقوا
على كثير من ذلك، وهذا إن صح أن يقال فإنما كان قبل أن تدون، أما بعد أن
صنفت ودونت، فقد اتفق الحفاظ والأئمة المتأخرون على قبول تصحيح ما وُسِمَ
بالصحة في الكتب المشهورة، وما بقي فيه بعض اختلاف فهو طفيف يمكن
المنصف تمييزه.
قال: لم يعتن المسلمون بحفظها كما حفظوا القرآن. أقول: لا يلزم ذلك ولا
يضرنا، ونحن لم نقل: إنه يلزم لها في الحفظ اللفظي ما يلزم ويجب للقرآن، على
أنه قد اعتنى بحفظها كثير من الأئمة والقادة وأهل القرائح الوقادة الذائدون عن الدين،
كما أخبر بهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. فجزاهم الله عن هذه الأمة خير
الجزاء، ورحمهم الله ورضي عنهم وأرضاهم آمين، وصلى الله وسلم على رسوله
الأمين إلى يوم الدين.
هذا جواب ما كتبه الدكتور الفاضل بغاية الاختصار، وأنا أرجو حضرة شيخ
الإسلام أن يطبع ذلك في المنار الأغر ولو دفعات متفرقة، فإنه قد رغب فيه كثير من
قراء المنار ومن ينظره بعين الاعتبار، وألتمس من حضرته أن يصلح ما فيه من
الخطأ والزلل؛ لأني كتبته بعجلة بعد أن كنت أردت الإعراض عن الجواب. ولكن
إرضاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم للإخوان الكرام الذين رغبوا في ذلك.
كتبت ذلك ارتجالاً وألتمس من حضرة شيخ الإسلام أن يذكر ملخص رأيه، وكذلك
ألتمس من علماء الإسلام حفظهم الله وأيد بهم الدين أن يتكلموا ولو بالتصويب
والتخطئة، فإن الزمان -كما ترون- أهله أول ما يبادرون إلى حب الخلاف ولو
لأضعف الشبهات. فنسأل الله العافية في الدين والدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله وآله إلى يوم الدين.
... ... ... ... ... ... قال ذلك بفمه وكتبه بقلمه
... ... ... ... ... الحقير: صالح بن علي بن ناصر اليافعي
(المنار)
إننا نشكر لصديقنا الأستاذ اليافعي غَيْرَتَهُ على السنة السنية وعنايته بالدفاع
عنها في هذا الزمن، الذي عاد الإسلام فيه غريبًا كما بدأ، ونسأل الله تعالى أن
يجعلنا وإياه من الغرباء الذين يظهرون السنن، كما ورد في بعض روايات الحديث
ثم نشكر له حسن ظنه بنا؛ ومنه أمره إيانا بإصلاح ما عساه يوجد في كلامه من
خطأ وزلل، وإطراؤه إيانا بالألقاب والنعوت التي لا نستحقها.
أما رأينا في المسائل التي جرت المناظرة فيها بينه وبين صديقنا الدكتور
محمد توفيق أفندي صدقي؛ فلا نرى أن نبحث في جزئياتها بالتفصيل؛ لما في ذلك
من التطويل الذي يمله القراء، ويعسر على أكثرهم ضبطه وربطه بأصله، ومن
كان مستقل الفهم غير مقلد في العلم قلما يوافق رأيه رأي واحد من المختلفين أو
المتناظرين في مثل هذه المسائل، بل يرى أن كل واحد أخطأ في بعض
المسائل وأصاب في بعضها، وهذا هو رأينا في جزئيات كلام صديقَيْنا المتناظرَيْن ,
وأما المسائل الثلاث الكلية التي هي أقطاب هذه المناظرة وهي: مسألة النسخ،
ومسألة العمل بالأحاديث، وإفادة أخبار الآحاد العلم أو الظن، فسنقول فيها قولاً
مختصرًا مفيدًا إن شاء الله تعالى، ونرجو أن يكون ذلك في الجزء السابع.
((يتبع بمقال تالٍ))