للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السر محمد سلطان آغا خان

زار مصر في أوائل هذه السنة السر محمد سلطان آغا خان زعيم طائفة
الإسماعيلية أقدم طوائف الباطنية، بل إمامهم ومعبودهم، جاءها عائدًا من لندرة
عاصمة إنكلترة - حيث يقيم معظم سنته - إلى وطنه بمبي أول ثغور الهند، حيث
يقيم مدة فصل الشتاء عادة، وقد نزل ضيفًا على الجنرال غرانفيل مكسويل القائد
العام للجيوش البريطانية بمصر، فلقي من الحفاوة والإكرام من الحكومة المصرية،
وكبراء الإنكليز ما يليق بمقامه ومكانه من ثقة الدولة البريطانية به، وإخلاصه في
خدمته لها.
وقد اجتمعت به في دار (مستر ستورس السكرتير الشرقي لدار الحماية
الإنكليزية) وتحدثنا أكثر من ساعة في الشؤون المصرية، وأحوال المسلمين في
مصر، وفي غيرها من الأقطار، وكان أكثر الحديث أسئلة منه وأجوبة مني،
وكنت أحب أن أسأله عن أمور فلم يتسع الوقت لذلك، وتحدثنا بتمني اجتماع آخر،
فلم يتيسر؛ ولعل من أسباب ذلك كثرة تنقله في البلاد المصرية، وعدم لبثه في
القاهرة بعد ذلك إلا قليلاً.
وقد كان أول حديثه الشكوى من قلة عناية المسلمين بالعلم، وسألني عن سبب
ذلك، فشرحت له رأيي فيه، ومما ذكرته له في ذلك أن العلم لا يرتقي وترتقي الأمم
به إلا بالعمل، ولا سيما العلوم الطبيعية والآلية (الميكانية) التي يشعر عقلاء
المسلمين بشدة حاجاتهم إليها، وتوقف مجاراتهم للإفرنج عليها، وأن أسبابا سياسية،
واجتماعية حالت دون السير في هذه العلوم على الطريقة العملية التي تتوقف على
إيجاد المعامل، ودور الصناعة في البلاد، وأن الحكومات هي ذات الشأن الأول في
إيجاد ذلك، وأكثر حكام المسلمين ليسوا منهم، وأما الحكومات الإسلامية المستقلة،
فقد كانت الدولة العثمانية، والإمارة المصرية - وهما أقربهن إلى الحضارة - شرعتا
في اقتباس العلوم والفنون الأوربية منذ مائة سنة أو أكثر، أي قبل شروع اليابان
في ذلك؛ ولكن حال دون استمرارهما على الطريقة العملية ما لا سعة في الوقت
لشرحه؛ فزالت المعامل ودور الصناعة التي شرع فيها محمد علي باشا كما اضمحل
ما أنشئ من ذلك في الآستانة، مع كون الحاجة إليها أشد، والقدرة عليها أتم، واكتفى
الترك والمصريون باقتباس المبادئ الناقصة من هذه العلوم والفنون، وإنما يتوسع
قليل منهم بما هم أقل حاجة إليه من غيره كالقوانين، وتاريخ الأمم الأوربية،
ولغاتها، مع جهلهم بشريعتهم، وتاريخ ملتهم، وآدابها، ولأجل هذا كان ضرر
أكثر المتعلمين أكبر من نفعه، ولما كان الطب لا يكون إلا عمليًّا كان هو أنفع ما
اقتبسناه من العلم الحديث، ففي مصر والبلاد العثمانية كثير من الأطباء الذين يخدمون
البلاد أَجَلّ خدمة، وكذلك الهندسة فإنها قد أفادت بقدر الحاجة إليها في الأعمال
كالري، وسكك الحديد، فالمهندسون المصريون لا يقصرون عن الأوربيين الذين
يعملون معهم في هذه البلاد.
أما حديثنا عن حالة مصر، ومسألة الحماية الإنكليزية الجديدة فلا يجوز نشره
الآن.