للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تفسير.. (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة)

(س ٣٧) ومنه: ما الذي ترونه صوابًا في قول الشاعر:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ...
إلى قوله:
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان
أنشد البيت أحد الأدباء (مِرّة) على أنه مصدر بمعنى القوة صفة لنفس
فاعترضه شاعر بأن الشاعر لم يقل إلا (مَرَّةً) أي اجتمعا معًا فاحتج الأديب بما قاله
بعض الشراح كالعكبري وبجواز الوصف بالمصدر كما في ألفية ابن مالك فأجاب
الشاعر أن شرط جواز المصدر لم يتحقق فتأوّل الأديب واحتج بأن (مرة) لم تذكر في
القاموس ولا كتاب لسان العرب بمعنى (معًا) كأن يقولوا جاء الزيدان مرة: أي معًا
كما يستعملونها للعدد سواء. فما هو الحق فيما ذكر أفيدونا؟
(ج) الأصل الذي يبنى عليه الترجيح بين الأقوال في مثل هذه المسألة هو
الرواية فالشاعر الذي ضبط (مرة) في البيت بفتح الميم يحتاج في إثبات قوله إلى
رواية معروفة عن أبي الطيب المتنبي أنه قال (مرة) بالفتح، وإلى رواية أخرى عن
كندة بأن هذه الكلمة تستعمل في لسانهم ظرفًا بمعنى (معًا) فإن لم يستطع
إثبات الرواية فما عليه إلا أن يعتمد الرواية التي سنذكرها، أو يتابع الأديب في قراءة
(مرة) بالكسر كما ضبطها شراح ديوان المتنبي.
قال الواحدي في شرحه: (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة) أي آبية للذل
والضيم، ولا تستلينها الأعداء، وقال العكبري: النفس المِرة هي القوية الشديدة من
مر الحبل والمرة الشدة، ومنه قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} (النجم: ٦)
والنفس المرة هي التي لا تقبل الضيم، وظاهر كلامهم أن (مرة) صفة وهو غير
معروف، وإنما فسروه بالمعنى، والأصل ذات مرة فحذف المضاف. وما قاله
الشاعر في الوصف بالمصدر كان يستغنى عنه بقولهم: إن الوصف به على كثرته
سماعي، وإن ما ذكر من شروطه إنما ذكر لضبط المسموع لا لأجل القياس. ومن
الروايات المتداولة في البيت ولم يذكرها الشارحان (فإذا هما اجتمعا لنفس
حرة) بالحاء المهملة وصف من الحرية وهي أظهر معنى وأصح مبنى ولا يبعد
أن تكون مرة محرفة عن (حرة) والله تعالى أعلم.