للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التنازع والتخاصم بين علماء الدين المجددين
والجامدين الرسميين

الأستاذ الشيخ ناجي أديب، عالم كاتب أديب خطيب، نشأ في مدينة اللاذقية
من سورية، وتخرج في الجامع الأزهر، وتأدب فيه بأدب الأستاذ الإمام المصلح
الأكبر، وغُذِّي بأفكاره، واقتبس من أنواره، ثم كان أستاذًا في بعض مدارس
التجهيز ومعهد الحقوق في دمشق، ولما عُقد المؤتمر السوري العام الذي أعلن
استقلال سورية (سنة ١٣٣٩ و١٩٢٠) كان عضوًا منتخبًا فيه عن بلده، وهو لا
يزال يدعو إلى الإصلاح الديني والاجتماعي بلسانه وقلمه.
وقد كتب في رمضان (سنة ١٣٥١) مقالات عظيمة نشرها في جريدة (ألف
باء) الدمشقية المشهورة، فاقترح عليه بعض الذين انتفعوا بها أن يطبعها في كتاب
مستقل لتعميم نفعها، فاستجاب لهم، وزاد على تلك المقالات فصولاً من كتاب له
مخطوط سماه (التهذيب الإسلامي) نال قصب السبق في مباراة كتب أخرى في
موضوعه في المجلس الإسلامي الأعلى بالقدس، ثم صدر الكتاب الجديد في جمادى
الأولى سنة ١٣٥٢ باسم (حديث رمضان، دين وأدب، وأخلاق ونقد، وأصول
واجتماع) .
تقبله الناس بقبول حسن، فرفع ذكره، وطاب نشره، فهاج ذلك حسد علماء
بلده الرسميين؛ فتصدوا لمعارضته والصد عنه بالطعن بأصلات ألسنتهم، وأسنة
أقلامهم، لابسين لقتاله لبوس ألقابهم الرسمية: مدرس جامع كذا، مدرس جامع كذا،
فقد جاءتنا نشرة مطبوعة أحصوا فيها ما أنكروه عليه، وأجازه لهم وأقره لهم
مثنيًا عليهم (مفتي اللاذقية: مصطفى أديب محمودي) .
كان الكتاب قد أهدي إليّ فلم أفرغ للنظر فيه لكثرة الشواغل العائقة عن
مطالعة كتب الهدايا الكثيرة، وقد عرفت صاحبه في الجامع الأزهر، ثم في دمشق،
وأنه من خيار علماء سورية المجددين في هذا العصر، فلما رأيت ما نبزوه
واتهموه به علمت أنه من باب التنازع بين المجددين والجامدين، وعهدي بمن هم
أشهر منهم بالعلم من أمثالهم في مصر أنهم لا يوثق بعلمهم، ولا بصدقهم في
روايتهم ونقلهم؛ وإنما يعتزون بتصديق العوام لهم، وثقتهم بهم، ويغترون
بمحافظتهم على أزيائهم القديمة التي تجذب هؤلاء العوام إلى تقبيل أيديهم.
وإنني وايم الله ليحزنني أن يجنوا على أنفسهم بما يضع كرامتهم، وهم لا
يشعرون بما هم صائرون إليه، وأتمنى لو يتفقون والمجددين، ويتناصحون فيما
بينهم، ويردون ما يختلفون فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم عملاً بقوله عز وجل: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن
كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: ٥٩) .
وإنني على علمي بما ذكرت لم أستبح لنفسي أن أكتب هذا إلا وكتاب حديث
رمضان أمامي، ونشرة إنكارهم في يدي، أراجع ما اتهموه به مستبعدًا صدوره عنه،
عالمًا أنه غير معصوم من مثله، فإذا بي أرى في إنكارهم كذبًا مفترى، وتحريفًا
معيبًا، وحقًّا جَمَّل باطلاً، وكلامًا محتملاً فُسِّر بالرأي والهوى، وسأفصل ما أجملت
في جزء آخر، إن شاء الله تعالى.